مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

شروط الإفتاء (2)

يقول العلامة أبو العباس سيدي أحمد بن عبد العزيز الهلالي (ت1175هـ)

مُبيناً شروط الإفتاء:

 

الثاني:  المعرفة التي تقدم اشتراطها في المفتي لها طبقات:

 – الأولى: أن يكون قادراً على الاجتهاد المطلق بأن حصلت له الآلة وتوفرت فيه الشروط واجتمعت فيه صفات المجتهد المقررة في علم أصول الفقه، وهذه الطبقة معدومة اليوم فيما رأينا.

 – الثانية: أن يتخلف فيه بعض شروط الاجتهاد المطلق، ولكنه عنده آلات الاجتهاد المقيد بالمذهب بأن يكون متبحراً في الاطلاع على نقول المذهب متفقها فيها، عارفاً بمطلقها ومقيدها وعامها وخاصها، مستحضراً لكلام الشيوخ الراسخين في العلم المعتنين بالكلام عليها الشارحين لها، متقنا لمعرفة قواعد إمامه ومداركه، وهي أدلته التي بنى عليها مذهبه، ومستنداته في استنباط الأحكام الشرعية وعنده من علم أصول الفقه وعلوم العربية من لغة ونحو وبيان، ومن ثقوب الفهم ما يقدر به على التصرف في المذهب.

 – الثالثة: أن يتخلف فيه إتقان معرفة القواعد وما ذكر بعدها، مع اتصافه بما اتصف به الذي قبله من التفقه والتبحر والاستحضار.

 فالأول: وهو المجتهد المطلق تجب عليه الفتوى بما أداه إليه اجتهاده واقتضته أدلته، ولا يقلد غيره، وإن تعارضت الأدلة أفتى بالراجح منها، فإن لم يترجح عنده شيء فقيل يتساقطان كالبينتين وقيل يخيَّر، وبالغ الشاطبي في إبطاله في كتابه الموافقات كما تقدم.

والثاني: وهو مجتهد المذهب تجب عليه الفتوى بنصوص المذهب المتفق عليه منها، وبالراجح من المختلف فيه منها، وإليه النظر في الترجيح لحصول آلته عنده، فإن تساوى القولان أو الأقوال، أفتى بأحدهما. وهل يعينه لمستفتيه أو يخيره بها ؟ قولان نقلهما اللخمي وقد تقدم ما فيه؛ وعلى الثاني، فهل يخيّر المستفتي أو يأخذ بقول الأعلم أو بأغلظهما ؟ أقوال حكاها ابن رشد.

 وإن لم يوجد في المذهب نص فله قياسها على غيرها من مسائل المذهب بشروط القياس، ولا يخرج عن قواعد المذهب، وقيل: له الخروج عنه، وقيل لا يقيس أصلاً؛ أقوال حصلها ابن عرفة من كلام ابن الحاجب.

 وعزى الأول للمازري وابن رشد والتونسي وأكثر الأفريقيين والأندلسيين. والثاني لقول اللخمي وفعله، ولذلك قال عياض في المدارك: له اختيارات خرج بكثير منها عن المذهب. والثالث لنص ابن العربي وظاهر كلام الباجي. وتأول القرافي نص ابن العربي فحمله على فاقد الأهلية لذلك، وفهمه المؤلف في التوضيح على ظاهره فاعترضه واستظهر خلافه، وكذا ابن عرفة فقال: يردّ بأنه يؤدي إلى تعطيل الأحكام، وبأنه خلاف عمل المتقدمين و المتأخرين من أهل المذهب. وقد عُلم بهذا أن الراجح والمشهور من الأقوال الثلاثة هو القول الأول.

 وأما الثالث وهو فاقد الإتقان للقواعد وما بعدها، فله الفتوى بما حفظه من نصوص المذهب مما هو مطابق لعين النازلة.

 ولابد أن يكون عنده من علم العربية ما يفهم به معاني الكلام إفراداً وتركيباً، ومن الفهم ما يحسن به التطبيق، ولا يقيس ما لا نص فيه على المنصوص ولا يخرّج حكم مسألة على نظيرتها، لفقده آلات القياس، فقد يظن مسألة مساوية لأخرى وبينهما فرق أو أكثر، وقد يظن بينهما فرقاً وهما متساويتان.

وبقي قسم رابع ممن ينتسب للعلم، وهو من حصَّل بعض المختصرات من كتب المذهب فيها مسائل عامة، مخصوصة في غيرها، ومطلقة مقيدة في غيرها، أو فيها ضعيف وغيره ولا تحقيق عنده، ولا علم بالمخصصات والقيود، ولا تمييز للمشهور من الضعيف، فهذا تحرم عليه الفتوى بما حصله؛ لأنه هو والعامي المحض سواء في الجهل بما تجب به الفتوى، ولهذا لم نعد هذا القسم من طبقات المعرفة.

نصوص منتقاة من “كتاب نور البصر شرح خطبة المختصر”، للعلامة أبي العباس سيدي أحمد بن عبد العزيز الهلالي الفلالي.

 النسختان المعتمدتان:

1-  طبعة حجرية بدون تاريخ، ص132 وما يليها.

2-  طبعة دار يوسف بن تاشفين الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ومكتبة الإمام مالك- الإمارات العربية المتحدة. ط.1:(1428هـ-2007م). مراجعة وتصحيح: محمد محمود ولد محمد الأمين.  ص. (117-119).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق