مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

سليل الشرفاء و العلماء أحمد بن الصديق(1320/1380ﮪ)

 هو بحر عميق، جاد مدّه بالعلوم، وعلامة فريد، قل نظيره بين الظهور، ونابغة كبير، لا تكفينا في مناقبه هذه السطور، إنه سليل الشرفاء والعلماء، الصديقي الطريقة، الشاذلي المشرب، طال علوما شرعية ولغوية شتى، كالحديث، والتفسير، والتخريج، والفقه، والتصوف، والنقد، والرواية، وغير ذلك…، من العلوم والتآليف التي فاقت المائتين.

   إنه العالم ابن العالم سيدي: “أحمد بن محمد بن الصديق الغماري الحسني”،[1] ولد بقبيلة بني سعيد بنواحي تطوان سنة 1902م، ونشأ بمدينة طنجة”،[2] يقول عبد القادر بن سودة: “إنه الحافظ المحدث المسند الناقد الرواية الكاتب الفقيه، ذو أفكار صائبة في جل المسائل، كان من أكبر المحدثين بالديار المغربية”،[3] …، ومن آخر من أتقن علم الحديث نصا وإسنادا”،[4] كيف لا وقد تربع على كرسي علوم الحديث، واستفرد به في زمانه، وسار مفخرة المغرب، وحديث المشرق.

   لقد فُطم رحمه الله منذ الصغر على الدراسة والمثابرة، وسار على خطى أبيه سيدي محمد بن الصديق الذي كان في نفس الوقت شيخه، ومربيه، والذي زرع فيه الهمة و حب العلم والتعلم، وحثه على العمل بالشريعة، كما اختار له تربية صوفية سليمة، ساهمت في تقويم شخصيته واتزانها، وتقويت معرفته، فكان ذلك الابن البار، والمريد الصادق، الذي انتهج نهج شيخه، وانتصح بنصحه.

    بدأ بدراسة القرآن وحفظه، وأخذ مبادئ العلوم عن مفاخر كبار علماء المغرب والمشرق، وأولهم والده، وكما جاء في كتاب البحر العميق” كان والده قد عين له كيفية التلقي وما ينبغي له أن يقدمه من العلوم، وصفة العلماء الذين ينبغي الأخذ عنهم والحضور لهم”،[5] “فتوفق في حفظ القرآن والأربعين النووية… وحفظ متن الأجرومية، والمرشد المعين والسنوسية، وأكثر ألفية ابن مالك…، وحفظ جوهر التوحيد، لإبراهيم اللقاني، والبيقونية في المصطلح…، وهو في هذه المدة يَحضر دروس والده في مختصر خليل، وصحيح البخاري، بالجامع الأعظم في طنجة، ومجالس مذاكرته بزاويته، ويلازمه في البيت في علوم جمة، من فقه على المذاهب الأربعة، وتصوف، وتاريخ، وتراجم الأئمة والعلماء الصوفية، والعارفين، ورجال الحديث، وغيرهم على سبيل المذاكرة، وإرادة التخلق بأخلاقهم والاهتداء بهديهم…، لبلوغ درجاتهم من العلوم والمعرفة والتقوى والزهد والورع”.[6]

   وعلى عادة كل علماء المغرب الكبار، رحل رحمة الله عليه، إلى المشرق عبر الدول المغاربية، للاستزادة من العلم والمعرفة، وأخذ الإجازات، فكان كلما عبر بلدا إلا واستفتح زيارته تلك، بزيارة أوليائها، وصلحائها، وعلمائها، تيمنا وتبركا بهم “…، وقد كانت رحلته الأولى إلى مصر للدراسة، واستغرقت سنتين…، التحق خلالها بالجامع الأزهر، وأخذ عن علمائها، وتخرج منها…، وقد بلغ عدد العلماء الذين أجازوه 106 شيخ، منهم ست عالمات، من المغرب، ومصر، والجزائر، والحجاز، واليمن، والهند، وأفغانستان، وتركيا.

    فمن علماء المغرب الذين أجازوه، الشيخ محمد بن جعفر الكتاني، والشيخ أحمد ابن الخياط الزكاري، والعلامة محمد بن إدريس القادري…، ومن علماء المشرق: الشيخ عبد المجيد الشرنوبي، والشيخ أحمد رافع الطهطاوي، والشيخ بدر الدين المغربي،” ومن تركيا العلامة زاهد الكوثري”.[7]

   كانت أكثر مؤلفاته في علم الحديث، دون إغفال باقي العلوم الشرعية الأخرى، حيث”…، تميز أغلبها بنظرات بالعمق في التناول، والاجتهاد في الطرح…، فبجانب نشاطه العلمي، خَلَفَ والده في مشيخة الطريقة الصديقية، وحافظ على نفس التوجه الصوفي الجامع بين العلم والتصوف، والمنفتح على الواقع الاجتماعي، خاصة من جانب تقويم الانحرافات، العقدية والسلوكية”.[8]

   كان رحمة الله عليه عنوانه العلوم، وبساطه الشريعة، وحبه كله لله ولرسوله وخدمة الحديث الذي كان منتهى فرحه ومقصده، فكان يسافر إلى بلدان أخرى ليستفسر، أو يبحث عن حديث ما، فبالإضافة إلى كونه من العلماء الورعين أبا عن جد، فقد كان من الذين يشدون على الشريعة بالنواجذ، ويقولون كلمة الحق أمام الملأ، وقد عرف بحبه وتقديره للعلم ورجالاته، والتصوف وأهله، وكانت محبته للصوفية وأهل الله -كما جاء في كتاب البحر العميق- كافة، وتعظيمه لجنابهم، وبغضه لأعدائهم، ولو بلغوا في العلم ما بلغوا”،[9] فإلى جانب تصوفه وغزارة علمه، كانت عنده شخصية قوية وحكمة رزينة، إلى جانب فراسته الثاقبة، وكراماته العديدة، وقد ألفت عنه الكتب الكثيرة، ورويت عنه القصص العجيبة، كما هو الحال في كتاب: “البحر العميق”.

   كان من شدة تعلقه بالتصوف وأهله، أن نظم قصائد يمدح فيها المصطفى صلوات الله عليه، وآل بيته، والصوفية الصديقين منهم حيث “…يرى طرق أهل الله الحقة المؤسسة على الكتاب والسنة كلها موصلة إلى الله تعالى لمن تمسك بها، إلا أنه يميل إلى الشاذلية ويفضل مشربها على سائر المشارب”.[10]

يقول في إحدى قصائده:

        يا أهل وُدِّ أنتم أهلُ الوفا
الله أعلى قدركم وحباكُم
  بوجودِكم هذا الوجودُ تشرَّفا
فأخصَّكم بين الأنام وشرَّفا[11]

   ألف سيدي أحمد بن الصديق، عدة كتب ورسالات، أثرت مجالات العلوم، خاصة علوم الحديث، والفقه، والتصوف، فكان سيوطي زمانه في كثرة التأليف، منها: كتاب رياض التنزيه في فضل القرآن وحامليه، ومطالع البدور في جوامع أخبار البرور، ومفتاح الترتيب لأحاديث تاريخ الخطيب، ومجمع فضلاء البشر من أهل القرن الثاني عشر…، واللائحة جد طويلة.

   توفي رحمة الله عليه “يوم الأحد فاتح جمادى الثانية سنة 1980، بمصر”[12]، وقد خلف الكثير من الحزن والأسى داخل الأوساط العلمية، حيث كان نابغة زمانه، وبرجا من أبراج العلم الشامخة بالمغرب.

 الهوامش:

 


[1]– موسوعة أعلام المغرب، عبد السلام بن عبد القادر بن سودة، تحقيق: محمد حجي، دار  الغرب الإسلامي، ط:2/2008م، 9/3357.

[2] – معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة، مطابع سلا، 2002، 16/5520.

[3] – موسوعة أعلام المغرب، 9/3357.

[4] – إتحاف المُطالع بوفيات أعلام القرن 13و14، عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، ط:1/1997، 2/574.

[5] – البحرالعميق في مرويات ابن الصديق، احمد بن الصديق الغماري، دار الكتبي، ط:2007، ص:50

[6] – المصدر السابق، ص:55

[7] – معلمة المغرب، ص: 16/5521

[8] – المصدر السابق ، ص:16/5521

[9] – البحر العميق، ص: 136.

[10]– المصدر السابق ، ص: 113.

[11]– المصدر السابق ، ص:127.

[12]– إتحاف المُطالع، 2/574.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق