وحدة الإحياءقراءة في كتاب

سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية للدكتور طه عبد الرحمان

صدرت حديثا الطبعة الأولى من كتاب: “سؤال العنف.. بين الائتمانية والحوارية”، للفيلسوف المغربي الدكتور طه عبد الرحمن، عن بيروت: المؤسسة العربية للفكر والإبداع، سنة 2017، وقد جاءت هذه الدراسة في 215 صفحة من الحجم المتوسط، ناقش خلالها فيلسوف الأخلاق الدكتور طه عبد الرحمن مفهوم العنف، وفككه انطلاقا من القواعد المبدئية “للنظرية الائتمانية”، ثم ألحق هذا التفكيك المنهجي الرصين بوقفة تفاعلية نقدية مع الفيلسوف الغربي “إيمانويل ليفيناس”، خاتما كل ذلك بضميمة سبق أن حررها مباشرة بعد أحداث 16 ماي بالدار البيضاء.

وقد انطلق الدكتور طه عبد الرحمن في كاتبه هذا بتمهيد عنونه بـ: “العنف والفلسفة”، أبرز من خلاله تأسفه الشديد عن وقوع ما نبه عليه في كتابيه: “أصول الحوار وتجديد علم الكلام”، وكتاب: “سؤال الأخلاق”، من ظهور لأبشع صور العنف والصدام الدامي، بسبب تراجع الأخلاق السامية، وقيم الحوار المعترف بالآخر والمنفتح على المخالف، مشيرا إلى أن المنطلقات التأسيسية التي ينبني عليها هذا العنف تكمن في انتشار حب التسلط والتسيد الاقتصادي منه والسياسي.

كما خصص القسم الأول من الكتاب لنقد مفهوم العنف وإبراز الأسس الفكرية والعقدية التي ينبني عليها، خاتما ذلك بمقترحات علمية ومنهجية لا عنفية تعمل على الحد من العنف في مختلف صوره وتجلياته.

أما القسم الثاني والأخير من الكتاب فقد تضمن النص الكامل للمحاضرة التي ألقاها الفيلسوف طه عبد الرحمن على هامش الندوة التكريمية التي نظمت في حقه حول موضوع: “إشكالية العلاقة بين الحوار والأخلاق في الفكر المعاصر: مشروع الفيلسوف طه عبد الرحمن نموذجاً”. وهي المحاضرة التي تناولت موضوع: “الممارسة الحوارية بين المسؤولية والأمانة”، حيث نهج في هذا القسم منهجا تفاعليا اشتبك فيه مع الفيلسوف الفرنسي “إيمانوئيل ليفيناس”، كما راهن على تفكيك مفاهيمه وتمرير ترجمة توصيلية لها، وإقامة مقارنة بينها وبين نظرية الأمانة عند طه عبد الرحمان، مستنتجا، في الأخير، تناقض نتائج النظريتين رغم تقارب مفاهمهما في الظاهر.

وفي الأخير ختم كتابه بضميمة تحدث فيها عن مفهوم “الانتقال” الذي اتخذه بديلا عن مفهوم “الاستشهادي” أو”الانتحاري” أو “الإرهابي”، مؤكدا على مبدإ لا محيد عنه يتمثل في أنه لا يجوز إزهاق الروح البريئة أيا كان القاتل، فردا أو دولة، وأيا كان صاحب هذه الروح، مواطنا أو أجنبيا، وأن هذا القتل إجرام، أيا كانت الدوافع إليه، مطلبا دينيا أو أمنيا أو قوميا.

وقد توسل في دراسته هاته بمفاهيم ومعان ضاربة جذورها في روح الثقافة الإسلامية والتجربة الإنسانية، مرتبة في بناء منهجي خلاق، حيث جاء التصميم على الشكل التالي:

أولا قدم للكتاب بتمهيد عنونه بالفلسفة والعنف، ثم قسم الكتاب إلى قسمين اثنين خصص الأول لدراسة واقع العنف: كيف نفهمه؟ وكيف نعرفه؟ وقد عدد أبوابه لتصل إلى ستة عشر محورا، كانت كلها موضوع حوار أجرته معه المؤسسة العربية للفكر والإبداع.

أما القسم الثاني فقد عنونه بالممارسة الحوارية بين المسؤولية والأمانة، وقد قسمه إلى محورين اثنين: خصص الأول لحوار المواجهة وأخلاق المسؤولية، وخصص الثاني لحوار المواثقة وأخلاق الأمانة.

ثم ختم الكتاب بضميمة عنونها بـ: “الانتقال” عندنا غير “الإرهاب” عند سوانا.

ذ. حسام لحرش

باحث مساعد بالوحدة البحثية للإحياء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق