مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةأعلام

خلف بن قاسم الزهراوي

خَلَفْ بن عباس أبو القاسم الزهراوي الأندلسي، ولد في الزهراء[1] سنة 325هـ/937م، نشأ في قرطبة ودرس الطب على يد علمائها وبرع فيه حتى أصبح طبيب الحكم الثاني.

كان الزهراوي يعد من أهل الفضل والدين والعلم، وكان طبيبا جراحا خبيرا بالأدوية المفردة والمركبة، كما يعد من أعظم جراحي وأطباء العرب وجيد العلاج أيضا. كما حضي بمكانة مرموقة بين علماء أوروبا إذ عرف بينهم باسم ALBUCASIS، و شكلت إبداعاته  مصدرا للعديد من الدراسات والأبحاث المستفيضة سواء القديمة منها أو الحديثة العربية أو الأوروبية، ويعتبر من مؤسسي علم الجراحة في العالم كان من الأوائل الذين مارسوها بيده بين الأطباء العرب، يقول العالم الفيزيولوجي الكبير هارل ” كانت كتب أبو القاسم المصدر العام الذي استقى منه جميع من ظهر من الجراحين بعد القرن الرابع عشر”. وأضاف الزهراوي إلى خبرته وتجربته الطبية تكوينا جيدا تتمثل في الإنفتاح على معارف ممن سبقوه من أطباء اليونان والسريان والعرب، الشيء الذي خول له  مكانة مرموقة بين الأطباء الكبار في تاريخ البشرية.

أبدع الزهراوي منهجا علميا صارما لممارسة العمل الجراحي، ويقوم هذا المنهج على دراسة تشريح الجسم البشري ومعرفة كل دقائقه وبالإضافة إلى الإطلاع على منجزات من سبقه من الأطباء وكذا الاعتماد على التجربة والممارسة الحسية والعملية معا، كما خطا الخطوة الأولى في طريق صناعة الطباعة، إذ سبق فيها يوحنا غوتنبر الألماني بألف سنة – فقد ورد في المقالة الثامنة والعشرون في الباب الثالث منها من كتاب التصريف وصف دقيق لكيفية صنع حبوب الدواء وطريقة صنع القالب الذي تطبع فيه أو تحضر بواسطته أقراص الدواء وذلك “… على لوح من الأبنوس[2] أو العاج، فيعد ثم ينشر إلى نصفين طولا ثم يحفر في كل وجه قدر غلظ  نصف قرص وينقش على قعر أحد الوجهين اسم القرص المراد صنعه مطبوعا بشكل معكوس فيكون النقش صحيحا مقروءا عند خروج الأقراص…”[3] ويتبين انطلاقا من هذا الوصف الدقيق أن الزهراوي هو المؤسس والرائد الأول لصناعة الطباعة وصناعة أقراص الدواء. كما اخترع مجموعة من الأدوات الجراحية منه: أداة لفحص الأذن داخليا، أداة لفحص مجرى البول، وأداة لفحص إزالة الأجسام الأجنبية من الحنجرة.

كما أبدع في العديد من العمليات الجراحية، إذ كان أول من ابتكرها ومارسها بيده ونذكر أمثلة على ذلك:

الجراحة النسائية: فقد كان الأول في معالجة الجنين وإخراجه في حالة سقوط يده أو ركبته أو تقدم أرجله على الرأس، وكذا معالجة ووصف ولادة الحوض (كانت تنسب إلى الدكتور فالشر walchr وكان الزهراوي قد سبق إلى معالجتها بنحو تسع مئة سنة).

الجراحة العظمية: كان متقدما في علاج التهاب المفاصل، ومعالجة انتشار السل  في فقرات أو خرزات الظهر، كما قام بوصف الأعراض الناتجة عن العمود الفقري هذا بالإضافة إلى ابتكار أدوات التجبير ومعالجة الكسور وبتر الأعضاء.

وله إبداعات أخرى في جراحة الفم والفك ومعالجة الأسنان، إذ كان بارعا في معالجة تشوهاتها.

 الجراحة العامة: يعد الزهراوي أول من أجرى عملية شق القصبة الهوائية، و أول من صنع خيطانا لخياطة الجراح واستخدمها خاصة  في جراحة الأمعاء، إذ صنعها من أمعاء القطط، وأول من مارس التخييط الداخلي بإبرتين وخيط مثبت فيهما،  ووصف عملية سحق الحصاة من المثانة وعدت هذه العملية من اختراعات العصر الحاضر.

يعتبر “كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف” الذي يعرف باسم آخر “الزهراوي” من أهم تصنيفاته، وينبئ هذا الكتاب عن معارفه الطبية الواسعة بمقاييس العصر الذي عاش فيه، إذ يكشف عن جوانب هامة من معاناته مع فن الجراحة وكذا خبرته بالأمراض وطرقه في العلاج ومنهجه في التأليف الذي يعتبر منهجا جيدا يتميز بالتنظيم والتبويب الحسن، ويتألف هذا الكتاب من ثلاثين مجلدا، تحتوي على جوانب مختلفة ومتنوعة في علم الطب، يقوم فيه بوصف تفصيلي لمختلف جوانب العلاج الجراحي، كما يحتوي على العديد من المخططات ورسومات توضيحية للأدوات الجراحية التي كان يستخدمها.

ينقسم هذا الكتاب بدوره إلى ثلاثة أبواب، الباب الأول في مسائل الكي، والباب الثاني في العمليات التي تحتاج إلى المبضع[4] وفي جراحة الأسنان والعيون والفتق والولادة وإخراج الحصاة، والباب الثالث في الكسر والانخلاع.

وطبعت الترجمة اللاتينية الأولى لكتاب أبي القاسم في الجراحة سنة 1497م، والطبعة الأخيرة لهذا الكتاب حديثة جدا، فقد تمت سنة 1861م.

ترجمت كتبه إلى عدة لغات، ودرست في جامعات أوروبا الطبية واقتبس منه العديد من الأطباء والجراحين ومن هؤلاء نذكر الجراح الفرنسي جي دي شولياك  GUY de Chauliac أخذ معلومات  كثيرة من كتاب التصريف ومن غيره، وكان مؤلفه الكبير المرجع الأساسي لديهم.

 نجد في كتاب “تاريخ الإسلام” وكتاب “وفيات المشاهير والأعيان” وكتاب “الصلة” وكتاب “جذوة المقتبس”  أن الزهراوي توفي بعد عام 400هـ/1009م، بينما نجد في كتاب “من العلوم عند المسلمين” أنه   توفي سنة 404هـ/ 1013م وقيل 427هـ/1035م

مصادر ترجمته:

– تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام،  شمس الدين الذهبي، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، 1993، ج 28 ص 221- 222.

– كتاب الصلة، لابن بشكوال، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب المصري، دار الكتاب اللبناني، الطبعة الأولى 1989 ج1 ص 264. 

– طبقات الأطباء، أبي داوود سليمان بن حيان الأندلسي(ابن جلجل)،الطبعة الثانية 1985، ص 501

– الوافي بالوفيات، صلاح الدين الصفدي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى 2000، ج13 ص 231.

– بغية الملتمس، الضبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب،الطبعة الثانية2008، ص 286 

– جذوة المقتبس، الحميدني، الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966، ص 208/209

– أعلام الحضارة العربية الإسلامية في العلوم الأساسية والتطبيقية، زهير حميدان، دمشق وزارة الثقافة، 1996، ج5 ص 154/220 

– علماء الأندلس وابداعاتهم المتميزة وأثرها في النهضة الأوروبية، شوقي خلي، دار الفكر 2004 ص 31-36

– حضارة العرب، جوستاف لوبون، ترجمة عادل زعير، دار العالم العربي، الطبعة الأولى القاهرة 2009، ص 490

– الطب والأطباء في الأندلس، محمد العربي الخطابي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1988، الجزء الأول ص 113/128.

– تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه، عبد الحليم منتصر، دار المعارف، الطبعة العاشرة، ص139.

– عباقرة علماء الحضارة العربية والإسلامية، محمد غريب جودة، مكتبة الأسرة، الطبعة الثانية 2004، ص 106/107

– من العلوم عند المسلمين، حنان قرقوري، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2006، ص 166


[1]  – ضاحية بناها عبد الرحمن الناصر كمنتزه سنة 325هـ/936م، وذلك حينما ولي الخلافة.

[2]  – خشب أسود صلب يمكن صقله لدرجة اللمعان المعدني.

[3]  – أعلام الحضارة العربية الإسلامية في العلوم الأساسية والتطبيقية، زهير حميدان، دمشق وزارة الثقافة، 1996، ج5، ص 155.

[4] – سكين قصير مدببة ذا حدين.

ذة. كنزة فتحي

حاصلة على الإجازة في الفلسفة

باحثة سابقة بمركز ابن البنا المراكشي

مهتمة بدراسة تاريخ النساء العالمات في الحضارة العربية الإسلامية

ترجمت عدة مقالات من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق