مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

جَوْرُ الصَّنْعَةِ الإعرابِيّة عَلى البَيانِ القُرْآنيّ

د.عبد الرحمن بودرع
تمتلئُ كُتُبُ التّفسيرِ بِما لا يَكادُ يُحْصى من التَّخْريجاتِ النَّحْويّة و الأعاريبِ المُقَدَّرَة ، التي أثْقَلَ بِها كَثيرٌ من المُفَسِّرين كاهِلَ الآياتِ القُرْآنيّةِ ، ممّا هي في غِنىً عنه ، حيثُ أثاروا مُشْكلاتٍ نحويّةً قدَّروها تقديرًا ، و فَرَضوا على النّصوصِ البليغةِ قَواعدَ و مُقَرَّراتٍ مُتَكَلَّفَةً .
من ذلك قولُهم في قولِه تَعالى : «وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»  إنّ اللاّمَ في (وَ لَسَوْفَ) إن كانت للقسَم لا تَدْخُلُ على المُضارِع إلاّ مع نونِ التّوكيدِ ، و إن كانت للابْتِداءِ فإنّها لا تدخُلُ إلاّ على جملةِ المبتدَإِ و الخبر ، فإذا كانت الآيةُ لا تستجيبُ للقاعدةِ النّحويّةِ فإنّه يتعيَّنُ تقديرُ ما به تَسْتَقيمُ الصَّنْعَة ؛ فقد ذَهَبَ جارُ الله الزّمخشريّ في “الكَشّاف” [الكَشّاف عن حَقلئق التّنزيلِ وعُيون الأقاويل: 4/219] جار الله محمود بن عُمَر الزّمَخشريّ ، دار الفكر ط.1 / 1397-1977]، إلى أنه «لا بُدَّ من تَقديرِ مبتدإ محذوفٍ، وأن يكونَ أَصلُ العبارة : و لأنت سوفَ يُعطيك ربُّك فَتَرْضى» [سورة الضحى:5] ، وإلى مثلِ ذلك ذَهَبَ أبو حيّانَ النّحويُّ المُفَسِّر في كِتابِه “البَحْر المُحيط”  .
فالعِبارةُ القُرآنيّةُ على قدرٍ كبيرٍ من البَيانِ و البلاغةِ ، و لا تَحْتاجُ إلى تَقْديرِ لفظٍ مَحذوفٍ أو تأويلٍ أو زِيادةٍ أو نُقصان ، و هي حُجّةٌ في ذاتِها و أصلٌ تُعْرَضُ عليه كلُّ قاعدةٍ لُغَويّةٍ ،  و لا تَحْتاجُ إلى تَقْديرِ أصلٍ مَوْهومٍ نَقيسُها عليه .
وممّا ذَكروه أيضًا في الآيةِ نفسِها ، قولُهم : كيفَ تجتمعُ لامُ التّوكيدِ مع سوْفَ التي تُفيدُ التّسويفَ والمُماطَلَة؟ و الجوابُ أنّ العَطاءَ حاصلٌ لا مَحالةَ، و لا يَتَخَلَّفُ و إن تأخَّرَ لِما في التّأخيرِ من مَصلَحة. والظّاهرُ أنّ حسَّ العربيّةَ ومألوفَها، يقضي بأنّ العبارةَ القرآنيّةَ ، تُفيدُ أنّ البيانَ يتّسقُ هنا ويتكاملُ بلفظِ “سوفَ”، إيناسًا للرّسولِ صلّى الله عليه و سلَّم ، بأنّه كانَ و سَوْفَ يظلُّ

تمتلئُ كُتُبُ التّفسيرِ بِما لا يَكادُ يُحْصى من التَّخْريجاتِ النَّحْويّة و الأعاريبِ المُقَدَّرَة ، التي أثْقَلَ بِها كَثيرٌ من المُفَسِّرين كاهِلَ الآياتِ القُرْآنيّةِ ، ممّا هي في غِنىً عنه ، حيثُ أثاروا مُشْكلاتٍ نحويّةً قدَّروها تقديرًا ، و فَرَضوا على النّصوصِ البليغةِ قَواعدَ و مُقَرَّراتٍ مُتَكَلَّفَةً .

من ذلك قولُهم في قولِه تَعالى : «وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»  إنّ اللاّمَ في (وَ لَسَوْفَ) إن كانت للقسَم لا تَدْخُلُ على المُضارِع إلاّ مع نونِ التّوكيدِ ، و إن كانت للابْتِداءِ فإنّها لا تدخُلُ إلاّ على جملةِ المبتدَإِ و الخبر ، فإذا كانت الآيةُ لا تستجيبُ للقاعدةِ النّحويّةِ فإنّه يتعيَّنُ تقديرُ ما به تَسْتَقيمُ الصَّنْعَة ؛ فقد ذَهَبَ جارُ الله الزّمخشريّ في “الكَشّاف” [الكَشّاف عن حَقائق التّنزيلِ وعُيون الأقاويل: 4/219] جار الله محمود بن عُمَر الزّمَخشريّ ، دار الفكر ط.1 / 1397-1977]، إلى أنه «لا بُدَّ من تَقديرِ مبتدإ محذوفٍ، وأن يكونَ أَصلُ العبارة : و لأنت سوفَ يُعطيك ربُّك فَتَرْضى» [سورة الضحى:5] ، وإلى مثلِ ذلك ذَهَبَ أبو حيّانَ النّحويُّ المُفَسِّر في كِتابِه “البَحْر المُحيط”.

فالعِبارةُ القُرآنيّةُ على قدرٍ كبيرٍ من البَيانِ و البلاغةِ ، و لا تَحْتاجُ إلى تَقْديرِ لفظٍ مَحذوفٍ أو تأويلٍ أو زِيادةٍ أو نُقصان ، و هي حُجّةٌ في ذاتِها و أصلٌ تُعْرَضُ عليه كلُّ قاعدةٍ لُغَويّةٍ ،  و لا تَحْتاجُ إلى تَقْديرِ أصلٍ مَوْهومٍ نَقيسُها عليه.

وممّا ذَكروه أيضًا في الآيةِ نفسِها ، قولُهم : كيفَ تجتمعُ لامُ التّوكيدِ مع سوْفَ التي تُفيدُ التّسويفَ والمُماطَلَة؟ و الجوابُ أنّ العَطاءَ حاصلٌ لا مَحالةَ، و لا يَتَخَلَّفُ و إن تأخَّرَ لِما في التّأخيرِ من مَصلَحة. والظّاهرُ أنّ حسَّ العربيّةَ ومألوفَها، يقضي بأنّ العبارةَ القرآنيّةَ ، تُفيدُ أنّ البيانَ يتّسقُ هنا ويتكاملُ بلفظِ “سوفَ”، إيناسًا للرّسولِ صلّى الله عليه و سلَّم ، بأنّه كانَ و سَوْفَ يظلُّ موضعَ عنايةٍ من ربِّه سُبْحانَه [انظر في تفصيلِ هذا المعنى : [التَّفْسير البياني للقرآن الكريم: 1/40-41] د. عائشة عبد الرّحمن ، دار المعارف ، القاهرة ، ط.5 / 1397-1977]

وممّا ذكَروه أيضًا أنّ “إذا الشّرطيّة” لا تدخُلُ على الجملةِ الاسميّةِ ، و هي واردةٌ في كثيرٍ من آياتِ القرآن ، نحو قولِه تعالى : «إذا السّماءُ انْشَقَّت» [الانشقاق: 5] ، فتأوّلوها بأنّ الاسْمَ المرفوعَ هو فاعلٌ لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه المَذكورُ، والتّقديرُ: إذا انشقَّت السّماءُ انشقّت، والحقيقةُ أنّ تقديرَ أصلٍ مَوْهومٍ لهذه العِبارةِ ، لا يُصلِحُ العبارةَ و لا يُقيمُها، ولكنّه يُخْرِجُها عن أصلِها وسَلامَتِها و جَمالِها ، و لا يميزُ بين “إذا الشّرطيّةِ” التي دَخَلَت على الفعلِ ، و “إذا الشّرطيّة” التي دَخَلَت على الاسمِ المرفوع ؛ فلكلِّ مَقامٍ مقالٌ ، ولكلِّ لفظٍ مَعنى .

والأمثلةُ على تأويلاتِ النُّحاةِ للعباراتِ القُرْآنيّةِ أكثرُ من أن تُحْصى ، امتلأت بها كُتُبُهم و تَفاسيرُ كثيرٍ من المُفَسِّرينَ ذَوي المَنْزع النّحويّ .

الحاجة إلى “نحْوٍ عربيٍّ جديد”:

 هكذا حجبَ عنّا النّحاةُ –من خلالِ قواعِدِهم القاصرة– كثيرًا من القيم اللّغويّة والبلاغيّة التي تمتلئ بِها القراءاتُ القرآنيّةُ و نُصوصُ الحديثِ النّبويّ و كثيرٌ من الموادِّ اللّغويّة المبثوثة في بطونِ كتبِ اللّغةِ و الأمثالِ و الأخبارِ، وبنوا على الوارِدِ من الشّواهدِ ، ففرضوا بقواعدِهم الصّارمةِ غرْبَةً على لسانِ العربِ و على المتكلّمين الذين خَلَفوا من بعدِهم على مرِّ التّاريخ .

 ولقد أصبحْنا أمام هذا الوضعِ الذي أَلزَمت به قواعدُ النّحاة لسانَ العربِ، وإزاءَ هذه الغربةِ التي فرضتْها عليه ، في حاجةٍ إلى “نَحْوٍ جديدٍ” يفكُّ الطّوقَ عن اللّسانِ ويُحرِّرُه من قيودِ القواعدِ الصّارِمةِ، ويُطْلِقُ العنان لمادّةٍ لغويّةٍ ضخمةٍ، ما زالت حبيسةَ المصادِرِ .

وقد تنبّه كثيرٌ من العلماءِ منذ القديم إلى قصورِ هذه القواعد، منهم شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميّةَ، وفخر الدّين الرّازي المفسِّر ، و أبو حيّان النّحويُّ الأندلسيّ صاحبُ تفسير “البحر المحيط” ، و أبو عمرو الدّاني المُقْرِئ ، و ابنُ حزمٍ الظّاهريّ صاحب “الفصلِ بين الأهواءِ و الملل و النّحل”، والحريري صاحب “درة الغوّاص في أوهام الخواصّ”، و ابنُ المنير صاحب “الانتصاف من الكشّاف”، وجلال الدّين السّيوطي صاحب “الاقتراح في أصول النّحو”، وغيرُهم …

ونادى كثيرٌ من الباحثين المعاصرين بوضعِ نحوٍ جديدٍ للعربيّة  يُدرِج في الاستشهادِ النّصوصَ الكثيرةَ التي أهمَلَها النّحويّون [نادى كثيرٌ من الباحثين بوضعِ نحوٍ جديدٍ للعربيّة يُدرِج في الاستشهادِ النُّصوصَ الكثيرةَ التي أُهْمِلت من قبل النّحويّين ، انظر : [نظريّة النّحو القرآنيّ] في اتِّجاه وضعِ خطّةٍ عمليّةٍ لتطبيقِ “نحوٍ قرآنيّ” بعد تعديلِ القواعدِ التي تحتاج إلى تعديلٍ حتّى تُسايرَ النّصَّ القرآنيَّ المُحْكَمة : د. أحمد مكّي الأنصاري ، و [من سعة العربية / هل من “نحوٍ جديد ؟” ، ص:205] د. إبراهيم السّامرّائي]

أجَل، نادَوْا بوضع نحو جديد للعربية يُدرجُ في الاستشهاد النصوصَ الكثيرةَ التي أهمَلَها النحويونَ، ويوسِّعُ القواعدَ حتّى تُصبِحَ ذاتَ طاقةٍ استيعابيّةٍ عاليةٍ ، و قدرةٍ وصفيّةٍ و تفسيريّةٍ لِلِسانِ العربِ شاملةٍ ، و ليس هذا النّحوُ الجديدُ سوى إعادةِ بناءٍ لنحوِ النّحاةِ المألوفِ و إجراءِ تعديلٍ واسعٍ في قواعدِه التي تصطدمُ بالنُّصوصِ اللّغويّةِ الفصيحةِ كالقراءاتِ السبعيّةِ ، حتّى يستقيمَ و يسهلَ تحصيلُه و تعلُّمُه [انظر مواطن الاتّفاق بين قواعد النّحاة و بين القراءات القرآنية و نماذج من الحديث النّبوي ، و مواطن الاختلاف و التّعارض ، و ضرورة تعديل القواعدِ و توسيعِها حتّى تعبّرَ بصدقٍ عن اللّسان العربيّ ، و يُفَكَّ عنها طوقُ الغربةِ الذي فُرِضَ عليها منذ قرون … و اقْتِراحاتٍ منهجيّةً أوردَها الأستاذان أحمد مكّي الأنصاري وإبراهيم السّامرّائي في كتابَيْهِما المذكورينِ آنفًا.]

ثمّ إنّه يمثِّلُ أعلى مراتبِ القواعدِ فصاحةً وبيانًا ؛ لأنّه يتأسّسُ على لغةٍ نالت حظًّا وافرًا  من التّهذيبِ والصّقل، والتّشذيبِ والتّصفية والتّطويرِ، حتّى أضحت على رأسِ اللّهجاتِ العربيّةِ الفصيحة [*]، وأصحِّها نُصوصًا و أوثقِها سَنَدًا ومتنًا وأدقِّها تعبيرًا عن المقاصدِ القريبة والبعيدة. [انظر ما ذكره د. فخر الدّين قباوة عن “النّحو القرآني” في حديثه عن وظيفة القرآن الكريم في الدّرس النّحوي وتكوين المهارات اللّغوية، في كتابه : [المهاراتُ اللّغويّة و عُروبةُ اللّسان:93].

ــــــــــــــ

* ذكر عُلماءُ اللّغةِ قديمًا و رُواةُ الشّعرِ و العارِفون بلغات العربِ و أيّامِهم و محالهم أن قُرَيْشًا أفصحُ العربِ ألسنةً و أصفاهم لغةً، و كانت وفودُ العربِ يفدون إلى مكّةَ للحجّ و يتحاكمون إلى قريشٍ في دارِهم. و كانت قريش مع فصاحتِها و حسنِ لغاتِها ورِقّة ألسنتِها إذا أتتهم الوفودُ من العربِ تخيّروا من كلامِهم و أشعارِهم أحسنَ لغاتِهم ، فاجتَمع ما تَخيّروا من تلك اللّغاتِ إلى سلائقِهم التي طُبِعوا عليها، فصاروا بذلك أفصحَ العرب . انظر: [الصّاحبي في فقه اللّغة] لابن فارس ، و [المزهر] للسيوطي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق