مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

تقرير حول أنشطة التصوف بالمغرب (2018)

الإصدارات الصوفية

شمس القلوب وخرق الحجوب في معرفة علام الغيوب: للدكتورة ربيعة سحنون 

صدر عن مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة بوجدة،  كتاب: شمس القلوب وخرق الحجوب في معرفة علام الغيوب، لسيدي محمد بن محمد بن الفقيه بن العافية الزجني المتوفى سنة 1136ﮬ، ضمن سلسلة مأثورات السلوك (10)، تحقيق ودراسة: دة. ربيعة سحنون.

 ويدخل هذا الإصدار ضمن خانة  الكشف عن التراث المخطوط، والبحث عنه وفيه، من أجل بعثه وإحيائه ونشـره، إذْ تَطلَّبَ محتواه ومكانته، الكشف عنه وإخراجه ليرى النور، مع التعريف بهذه الشخصية التي اعتبرت إلى وقت قريب مغمورة، ولا يعرفها إلا الخاصة من الناس.

   يشرح هذا السِّفْر مُؤَلَّفاً لا يقل عنه أهمية، هو كتاب: «حل الرموز ومفاتيح الكنوز»، أو زبد خلاصة التصوف، لمؤلفه عبد السلام بن غانم المقدسي (ت678ﻫ)، الذي غلط كثير من الباحثين والدارسين في نسبته إلى سلطان العلماء العز ابن عبد السلام (ت660ﻫ).

  يدخل الكتاب موضوع هذا العمل ضمن قائمة الشـروح التي تفك مستغلق مصطلحات أهل التصوف، فإن لكل علم اصطلاحات خاصة به، لا يفهمها إلا أربابه، فكانت الحاجة ملحة لشرح هذا المصطلح الصوفي، مخافة تأويل كلام القوم على غير الوجه المراد منه؛ فكان «كتاب شمس القلوب» من المصادر التي بَسّطتْ وفَصّلتْ وهَذّبتْ وشرحت كلام القوم، بأسلوب سلس وبسيط وقريب إلى الأذهان والقلوب.

تاريخ الزاوية البصيرية من الصحراء إلى الأطلس، للدكتور الجيلالي كريم

أصدرت مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام مؤلفا جديدا يحمل عنوان: تاريخ الزاوية البصيرية من الصحراء إلى الأطلس، للدكتور الجيلالي كريم، هذا الكتاب يجمع بين التميز والفرادة، فهو -من جهة- أول بحث أكاديمي من نوعه ينجز حول الزاوية البصيرية، التي جاوزت القرن من الزمن دون أن تحظى باهتمام الباحثين، رغم إسهاماتها الرائدة محليا وجهويا ووطنيا، ومن جهة ثانية كونه اعتمد على مخطوطات ووثائق دفينة تخص الزاوية المذكورة، كان له السبق في كشف النقاب عنها لأول مرة.

وقد نجح المؤلف في هذا الكتاب في ربط الماضي بالحاضر، حيث بسط الحديث في هذه الدراسة القيمة عن تاريخ الزاوية البصيرية منذ تأسيسها إلى يومنا هذا، ورصد الثابت والمتحول في سيرورة تطورها، سواء على مستوى المنطلقات الصوفية أم على مستوى الوظائف والأدوار، وهي ميزة أخرى تنضاف لهذا العمل الأكاديمي الماتع.

ولقد جهد المؤلف -حفظه الله- في كتابه هذا، في تتبع تاريخ أسرة آل البصير وزاويتهم، حيث عرف بأصلهم ونسبهم وأماكن اشتهارهم، متتبعا ومقتفيا آثارهم من الصحراء إلى بني عياط بدير الأطلس، وفصل الحديث عن مؤسس الزاوية وشيخها سيدي إبراهيم البصير، فعرض سيرته وسنده وطريقته الصوفية وأوراده وأذكاره، وتتبع مسار حركته التربوية والعمرانية، وبين مراحل تأسيس زاويته والظروف والملابسات التي دفعته إلى الانتقال من منطقة إلى أخرى، إلى أن وضع عصا الترحال بمنطقة الدير التي بنى بها زاويته الحالية، ثم عرج على رصد وتتبع مختلف الأدوار الدينية والعلمية والاجتماعية والسياسية التي اضطلعت بها هذه المعلمة الدينية.

ويزيد من أهمية هذا المؤلف ما يحفل به من الدلائل على الوحدة الثقافية والفكرية والعلمية والعمرانية بين شمال المغرب وصحرائه، والعلائق العلمية والروحية التي جمعت بينهما، فهذه الزاوية بجميع مكوناتها تمثل أنموذجا حيا لهذه الوحدة الروحية والثقافية بين الصحراء المغربية وباقي ربوع المملكة الشريفة.

الطريقة المريدية بالسنغال تاريخ وتعريف، للدكتور الجيلالي كريم

تعتبر القادرية والتجانية والسنوسية من كبريات الطرق الصوفية التي انتشرت بشكل واسع في المجال الإفريقي، وإلى هذه الطرق وغيرها يرجع الفضل في انتشار الإسلام في هذا القطر من الأرض، لكن تفرعت عنها الكثير من الطرق التي استطاعت إثبات وجودها في هذا المجال، منها ما سار على نهج الطريقة الأم، ومنها ما حاد عنه متخذا لنفسه نهجا خاصا، وفي كل مرة كان الشيخ المؤسس يترك بصماته على الفرع الجديد، إما بتغيير اسم الطريقة، أو تغيير تقاليدها الصوفية، أو سن أوراد جديدة أو غير ذلك.

ومن بين أهم هذه الطرق التي انتشرت في الغرب الإفريقي خاصة بالسنغال، هناك الطريقة المريدية التي أسسها الشيخ أحمد بامبا الشهير بخادم الرسول صلى الله عليه وسلم، خلال القرن التاسع عشر الميلادي، والتي كانت في بدايتها مجرد فرع من فروع الطريقة القادرية، لكنها انفصلت عن الأصل وكونت لنفسها إطارا خاصا أصبحت من خلاله تنافس هذه الطرق، بل إنها أصبحت الطريقة الرسمية لعدد كبير من السنغاليين أواخر القرن 19م وبداية القرن 20م، بعدما نجحت في استقطاب العديد من الأتباع، واقتحام المجال الروحي للطرق الصوفية التقليدية هناك.

ظهرت هذه الطريقة في وقت عصيب طبعه انتشار البدع والخرافات والجهل بين العامة والخاصة، فأما العامة فانزاحوا بجهلهم عن الطريق اللاحب، وانتشرت بينهم مساوئ الأخلاق وكل أنواع المثالب، وفي أوسـاط الخـاصة “تسمى كثير من العلماء والشيوخ بأسمـاء الشيوخ الأجلاء والعلماء الكبار، وتقمصوا بلباسهم وقصدهم متاع الدنيا وزخارفها، فاستمالهم الملوك والأجانب، واستخدموهم في أغراض منافية للدين، من شعوذة وسحر وقضاء جائر، فتحول الدين إلى تقاليد وعادات مشوهة تمارس في الزواج والختـان والمآتم، ويلعبون بالقرآن ويصوغون منه أناشيد يرددونها في الحفلات الشعبية”.[1]

هذا الوضع جعل الكثيرين يتوهون عن جادة الطريق، وزاد توغل الاستعمار داخل البلاد السنغالية الطين بلة، من خلال سعيه إلى غزو مختلف الشرائح المجتمعية فكريا وثقافيا وحضاريا وحتى دينيا، مما شكل عبئا إضافيا على كاهل المصلحين وعلى المنظمات والجماعات التي تسعى إلى الحفاظ على لحمة هذا المجتمع دينيا وثقافيا وتراثيا، وعلى رأسها الجماعات الدينية والصوفية التي ازداد الإقبال عليها بعدما تبنت دور المنقذ من الضلال، والضامن لوحدة الأمة من التفسخ والانحلال.

في هذا الجو الموبوء ظهرت الطريقة المريدية، وحملت إلى جانب مثيلاتها من الطرق الصوفية مشعل الإصلاح بالبلاد، وتبنت مشروع حماية وإنقاذ المجتمع من الفساد، وجاءت بمنهج تربوي تجديدي “يجمع بين القديم الراسخ والجديد النافع، يحتفظ بالثوابت ويجدد في المتغيرات، يبقي الغايات ويغير في الوسائل، غايته بناء شخصية مسلمة متكاملة، قادرة على الصمود والتحدي أمام كل تيار جارف وتجاه كل غزو عارم”[2].

ونظرا لهذه الإسهامات المعتبرة التي قدمتها الطريقة المريدية للإسلام والمسلمين عموما وللسنغاليين على وجه الخصوص، ارتأيت أن أعرفها للقارئ -وإن كانت أشهر من أن تعرف-، وأن أقدم جزءا من تاريخها من خلال عرض حياة ومجهودات شيخها المؤسس أحمد بامبا الشهير في الأوساط الإفريقية بخديم الرسول  صلى الله عليه وسلم، والتطرق إلى ظروف وموطن نشأتها، وتاريخ تأسيس وإعلان هذه الطريقة وظهورها وعوامل انتشارها، وتوضيح أهم خصائصها وسماتها، مع إعطاء نبذة تعريفية عن شيوخها منذ تأسيسها إلى يومنا هذا.

 

كتاب دراسات في تاريخ التصوف بالمغرب، الدكتور الجيلالي كريم
تمتد جذور التصوف بالمغرب إلى البدايات الأولى للفتح الإسلامي، فالإسلام بطبيعته الإحسانية هو الذي حمل معه المبادئ الأساسية للممارسة الزهدية إلى البلاد المغربية، حيث كان التدين وتحسين الخُلُق الباعث الأساس لتلك الممارسة ولتلك السلوكات الدينية التي مارسها زهاد وعُبَّاد القرون الأولى، والتي شكلت مع مرور الوقت الإرهاصات الأولى للتصوف المغربي، ثم تطورت التجربة الصوفية مع توالي السنين بفعل تلاقح الثقافات وتراكم التجارب، إلى أن أصبحت فلسفة اعتقادية أواخر الدولة المرابطية.
وخلال مسارها النشوئي والتطوري هذا، عرفت الظاهرة الصوفية مجموعة من التلوينات والتغييرات سواء على مستوى الممارسة والسلوك، أو على مستوى الفكر والتنظير، فالزهاد والعُبَّاد الأوائل تميزوا على مستوى الزهد بالإغراق في التقشف، وعلى مستوى العبادة بالتشدد والصرامة، كما يبدو أيضا أن زهد هؤلاء لم يتعد الممارسات الأحادية الفردية، أي أن كل زاهد كان يمارس زهده بشكل انفرادي دون الالتزام بطقوس أو قواعد محددة، ودون تنسيق مع غيره من الزهاد، مما يفيد غياب جهاز صوفي جماعي منظم، له مقوماته ورجاله وأسسه الفكرية المميزة، ثم تطورت هذه السلوكات والممارسات التعبدية وشُذِّبَت في القرون الثلاثة الموالية بفعل التجذر الإسلامي في البلاد المغربية من جهة، وهبوب النفحات الصوفية المشرقية والأندلسية على عُبَّاد وزُهَّاد المغرب من جهة ثانية، فظهرت بوادر نضج التجربة الصوفية -ممارسة وتنظيرا- مع أواخر القرن الخامس الهجري ومطلع القرن السادس/ 12م، حيث أصبحت أكثر تنظيما وتأطيرا، وانتقلت الممارسة الزهدية من الفردية إلى المستوى الجماعي، أي أصبحت ممارسة صوفية ممنهجة.
وقد تم هذا التحول في شكلين متوازيين: الأول على مستوى التنظيم، والثاني على مستوى التنظير؛ فعلى المستوى التنظيمي ظهر ما يسمى بالمقامات، وهي عبارة عن قوالب ومدارج تؤطر الممارسة الصوفية، إذ لا يمكن الانتقال من مقام إلى آخر إلا بعد استيفاء أحكام المقام الأسبق، فصار الطريق واضحا يتأطر في شكل مسار نتيجة لهذا التنظيم، ومن ثَمَّ سمي هؤلاء بأهل الطريق، أما على مستوى التنظير، فقد ظهرت العديد من الكتب المشرقية والمغربية التي تنظر للفكر الصوفي ولأهل الطريق.
لقد أسهم التنظير والتنظيم السلوكي في بروز أسماء لامعة في التصوف على الساحة المغربية، لفتت إليها الأنظار من خلال تميزها الصوفي، فتحلق الزهاد والمتصوفة حول هؤلاء الأقطاب متخذين إياهم نماذج للاقتداء في السلوك الصوفي، وهكذا أصبح لهم مريدون وأتباع، وهو ما جعل الممارسة الصوفية في المغرب تتخذ شكلا جديدا، إذ أصبحت تتم في شكل جماعات عرفت بالطائفات أو الطايفات، وهو تحول ساهم في إذكاء روح العصبية للانتماء الصوفي أو القبلي، فكانت النتيجة هي ظهور صوفية غلاة سواء في الناحية النظرية والفكرية، أو في الناحية السلوكية والأخلاقية، مما أدى إلى انحدار الممارسة الصوفية من صفائها الروحي إلى مجموعة من الطقوس وشكليات وتظاهرات شاذة، الشيء الذي جعل الأصوات تتعالى داعية إلى نبذ كل التعصبات والإديولوجيات الفلسفية، مما مهد الطريق لمجموعة من الشخصيات الإصلاحية في محاولة لتوحيد الأمة الإسلامية، متخذة في ذلك طرقا مختلفة كان أبرزها طريق التصوف، التي اشتهر فيها أبو الحسن الشاذلي (ت 656هـ/ 1258م)، صانع طفرة التوحد الصوفي بالمغرب.
لقد كان للجدة التي جاءت بها التجربة الشاذلية دور أساسي في انتشارها وتفوقها على باقي التجارب الصوفية التي عاصرتها، حيث أصبح جل الزُّهَّاد والمتصوفة ينشدون الانتساب إليها، مما أكسبها انتشارا واسعا في الأمصار الإسلامية على عهد شيخها، خاصة في المشرق والأندلس.
أما في المغرب، فقد تحققت لها السيادة المطلقة منذ أواخر القرن 8هـ/ 14م حتى قيل: “إن الطريقة الشاذلية نسخت سائر الطرق كما نسخت الملة المحمدية سائر الملل”، وهو نسخ رَدَّهُ المهتمون بتاريخ التصوف المغربي إلى انخراط الطايفات الصوفية المغربية في المنظومة الشاذلية التي أخضعت نفسها من جهتها للتقاليد الطائفية، ولنمط التربية الاصطلاحية المتبع عند أرباب تلك الطوائف، مما أدى إلى توحد المشهد الصوفي المغربي نحلة وأصولا.
لكن هذه الوحدة لم تستمر طويلا، ذلك أن التلاقح الذي حدث بين الطوائف الصوفية وبين الطريقة الشاذلية أثر على هذه الأخيرة، وساهم في تحريف الكثير من مضامينها، ذلك أنها فُهِمَت على غير حقيقتها عند الكثير من الصوفية الذين بالغوا في الاستفادة من رخصها منحرفين عن فلسفتها وهدفها العام، الشيء الذي حدا بعلماء الطريقة إلى التدخل لتنقيتها مما علق بها من إضافات وزوائد، وتقويم ما انحرف من مبادئها وأسسها، وأشهرهم الشيخ امَحمد بن سليمان الجزولي (ت870هـ/1464م)، والشيخ أحمد زروق البرنسي الفاسي (ت899هـ/1493م)، اللذان حملا مشروع إصلاح التصوف المغربي بدعوتهما المتصوفة إلى التسلح بالعلم، والفهم الجيد للتصوف الشاذلي.
هذا التجديد الجزولي- الزروقي لم يستطع هو الآخر أن يضمن السيادة المطلقة للنحلة الشاذلية القائمة على ثنائية العلم والعمل أكثر من قرن من الزمن، حيث ظهرت طرق وطوائف جديدة زعزعت أشكال ونمطية الممارسة الصوفية بالمغرب، كما تغيرت وسائل وطرق المجاهدة، فانتقلت من السعي إلى تحسين التدين عن طريق الذكر والتعبد بكل أشكاله، إلى حلقات السماع والحضرة، واعتماد أسلوب التجريد ظاهرا وباطنا، الأمر الذي أحدث انشطارا كبيرا في التصوف المغربي كان من نتائجه ظهور طوائف وطرق أخرى أكثر إبداعا على مستوى الممارسة الصوفية، كان لها الفضل في رسم معالم مرحلة جديدة في التصوف المغربي أكثر غنى وثراء وتنوعا لا زالت ملامحها بادية إلى عصرنا الحالي.
وهذا الكتاب يمتح من هذا الثراء والغنى والتنوع الذي عرفته الممارسة الصوفية بالمغرب منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم، حيث يقدم مجموعة من المقالات والدراسات التي اعتنت بدراسة الظاهرة الصوفية بالمغرب، وذلك من خلال بسط الحديث عن بعض القضايا الصوفية التي أسالت الكثير من المداد ما بين مؤيد ومعارض، كظاهرة الحضرة والسماع الصوفي، وقضية تفسير القرآن الكريم بالظاهر والباطن، وأيضا من خلال عرض واستقراء تاريخ بعض الطرق والشخصيات الصوفية التي كانت لها إسهامات معتبرة في رسم ملامح التجربة الصوفية داخل المشهد المغربي، كالطريقة الجزولية التي تعتبر من أكبر وأشهر الطرق الصوفية بالمغرب، والتي كان لشيخها امَحمد بن سليمان الجزولي إسهام كبير في إصلاح التصوف بالمغرب، مرورا بالطريقة الدرقاوية التي أحدث تزلزلا قويا في نمطية التصوف المغربي بسبب الطقوس والجِدَّة والوسائل التربوية التي جاءت بها، وعطفا على القادرية التي تبناها الشيخ الحاج العربي العبدوني، وأنشأ من أجلها زاويته النزاغية بالشاوية، ووصولا إلى الزاوية البصيرية كزاوية معاصرة مجددة لا زالت تحتفظ بجميع طقوس وشروط الممارسة الصوفية كما أرساها الأوائل من أرباب هذا الفن.

كتاب دراسات في تاريخ التصوف بالمغرب، الدكتور الجيلالي كريم

تمتد جذور التصوف بالمغرب إلى البدايات الأولى للفتح الإسلامي، فالإسلام بطبيعته الإحسانية هو الذي حمل معه المبادئ الأساسية للممارسة الزهدية إلى البلاد المغربية، حيث كان التدين وتحسين الخُلُق الباعث الأساس لتلك الممارسة ولتلك السلوكات الدينية التي مارسها زهاد وعُبَّاد القرون الأولى، والتي شكلت مع مرور الوقت الإرهاصات الأولى للتصوف المغربي، ثم تطورت التجربة الصوفية مع توالي السنين بفعل تلاقح الثقافات وتراكم التجارب، إلى أن أصبحت فلسفة اعتقادية أواخر الدولة المرابطية.

وخلال مسارها النشوئي والتطوري هذا، عرفت الظاهرة الصوفية مجموعة من التلوينات والتغييرات سواء على مستوى الممارسة والسلوك، أو على مستوى الفكر والتنظير، فالزهاد والعُبَّاد الأوائل تميزوا على مستوى الزهد بالإغراق في التقشف، وعلى مستوى العبادة بالتشدد والصرامة، كما يبدو أيضا أن زهد هؤلاء لم يتعد الممارسات الأحادية الفردية، أي أن كل زاهد كان يمارس زهده بشكل انفرادي دون الالتزام بطقوس أو قواعد محددة، ودون تنسيق مع غيره من الزهاد، مما يفيد غياب جهاز صوفي جماعي منظم، له مقوماته ورجاله وأسسه الفكرية المميزة، ثم تطورت هذه السلوكات والممارسات التعبدية وشُذِّبَت في القرون الثلاثة الموالية بفعل التجذر الإسلامي في البلاد المغربية من جهة، وهبوب النفحات الصوفية المشرقية والأندلسية على عُبَّاد وزُهَّاد المغرب من جهة ثانية، فظهرت بوادر نضج التجربة الصوفية -ممارسة وتنظيرا- مع أواخر القرن الخامس الهجري ومطلع القرن السادس/ 12م، حيث أصبحت أكثر تنظيما وتأطيرا، وانتقلت الممارسة الزهدية من الفردية إلى المستوى الجماعي، أي أصبحت ممارسة صوفية ممنهجة.

وقد تم هذا التحول في شكلين متوازيين: الأول على مستوى التنظيم، والثاني على مستوى التنظير؛ فعلى المستوى التنظيمي ظهر ما يسمى بالمقامات، وهي عبارة عن قوالب ومدارج تؤطر الممارسة الصوفية، إذ لا يمكن الانتقال من مقام إلى آخر إلا بعد استيفاء أحكام المقام الأسبق، فصار الطريق واضحا يتأطر في شكل مسار نتيجة لهذا التنظيم، ومن ثَمَّ سمي هؤلاء بأهل الطريق، أما على مستوى التنظير، فقد ظهرت العديد من الكتب المشرقية والمغربية التي تنظر للفكر الصوفي ولأهل الطريق.

لقد أسهم التنظير والتنظيم السلوكي في بروز أسماء لامعة في التصوف على الساحة المغربية، لفتت إليها الأنظار من خلال تميزها الصوفي، فتحلق الزهاد والمتصوفة حول هؤلاء الأقطاب متخذين إياهم نماذج للاقتداء في السلوك الصوفي، وهكذا أصبح لهم مريدون وأتباع، وهو ما جعل الممارسة الصوفية في المغرب تتخذ شكلا جديدا، إذ أصبحت تتم في شكل جماعات عرفت بالطائفات أو الطايفات، وهو تحول ساهم في إذكاء روح العصبية للانتماء الصوفي أو القبلي، فكانت النتيجة هي ظهور صوفية غلاة سواء في الناحية النظرية والفكرية، أو في الناحية السلوكية والأخلاقية، مما أدى إلى انحدار الممارسة الصوفية من صفائها الروحي إلى مجموعة من الطقوس وشكليات وتظاهرات شاذة، الشيء الذي جعل الأصوات تتعالى داعية إلى نبذ كل التعصبات والإديولوجيات الفلسفية، مما مهد الطريق لمجموعة من الشخصيات الإصلاحية في محاولة لتوحيد الأمة الإسلامية، متخذة في ذلك طرقا مختلفة كان أبرزها طريق التصوف، التي اشتهر فيها أبو الحسن الشاذلي (ت 656هـ/ 1258م)، صانع طفرة التوحد الصوفي بالمغرب.

لقد كان للجدة التي جاءت بها التجربة الشاذلية دور أساسي في انتشارها وتفوقها على باقي التجارب الصوفية التي عاصرتها، حيث أصبح جل الزُّهَّاد والمتصوفة ينشدون الانتساب إليها، مما أكسبها انتشارا واسعا في الأمصار الإسلامية على عهد شيخها، خاصة في المشرق والأندلس.أما في المغرب، فقد تحققت لها السيادة المطلقة منذ أواخر القرن 8هـ/ 14م حتى قيل: “إن الطريقة الشاذلية نسخت سائر الطرق كما نسخت الملة المحمدية سائر الملل”، وهو نسخ رَدَّهُ المهتمون بتاريخ التصوف المغربي إلى انخراط الطايفات الصوفية المغربية في المنظومة الشاذلية التي أخضعت نفسها من جهتها للتقاليد الطائفية، ولنمط التربية الاصطلاحية المتبع عند أرباب تلك الطوائف، مما أدى إلى توحد المشهد الصوفي المغربي نحلة وأصولا.

لكن هذه الوحدة لم تستمر طويلا، ذلك أن التلاقح الذي حدث بين الطوائف الصوفية وبين الطريقة الشاذلية أثر على هذه الأخيرة، وساهم في تحريف الكثير من مضامينها، ذلك أنها فُهِمَت على غير حقيقتها عند الكثير من الصوفية الذين بالغوا في الاستفادة من رخصها منحرفين عن فلسفتها وهدفها العام، الشيء الذي حدا بعلماء الطريقة إلى التدخل لتنقيتها مما علق بها من إضافات وزوائد، وتقويم ما انحرف من مبادئها وأسسها، وأشهرهم الشيخ امَحمد بن سليمان الجزولي (ت870هـ/1464م)، والشيخ أحمد زروق البرنسي الفاسي (ت899هـ/1493م)، اللذان حملا مشروع إصلاح التصوف المغربي بدعوتهما المتصوفة إلى التسلح بالعلم، والفهم الجيد للتصوف الشاذلي.

هذا التجديد الجزولي- الزروقي لم يستطع هو الآخر أن يضمن السيادة المطلقة للنحلة الشاذلية القائمة على ثنائية العلم والعمل أكثر من قرن من الزمن، حيث ظهرت طرق وطوائف جديدة زعزعت أشكال ونمطية الممارسة الصوفية بالمغرب، كما تغيرت وسائل وطرق المجاهدة، فانتقلت من السعي إلى تحسين التدين عن طريق الذكر والتعبد بكل أشكاله، إلى حلقات السماع والحضرة، واعتماد أسلوب التجريد ظاهرا وباطنا، الأمر الذي أحدث انشطارا كبيرا في التصوف المغربي كان من نتائجه ظهور طوائف وطرق أخرى أكثر إبداعا على مستوى الممارسة الصوفية، كان لها الفضل في رسم معالم مرحلة جديدة في التصوف المغربي أكثر غنى وثراء وتنوعا لا زالت ملامحها بادية إلى عصرنا الحالي.

وهذا الكتاب يمتح من هذا الثراء والغنى والتنوع الذي عرفته الممارسة الصوفية بالمغرب منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم، حيث يقدم مجموعة من المقالات والدراسات التي اعتنت بدراسة الظاهرة الصوفية بالمغرب، وذلك من خلال بسط الحديث عن بعض القضايا الصوفية التي أسالت الكثير من المداد ما بين مؤيد ومعارض، كظاهرة الحضرة والسماع الصوفي، وقضية تفسير القرآن الكريم بالظاهر والباطن، وأيضا من خلال عرض واستقراء تاريخ بعض الطرق والشخصيات الصوفية التي كانت لها إسهامات معتبرة في رسم ملامح التجربة الصوفية داخل المشهد المغربي، كالطريقة الجزولية التي تعتبر من أكبر وأشهر الطرق الصوفية بالمغرب، والتي كان لشيخها امَحمد بن سليمان الجزولي إسهام كبير في إصلاح التصوف بالمغرب، مرورا بالطريقة الدرقاوية التي أحدث تزلزلا قويا في نمطية التصوف المغربي بسبب الطقوس والجِدَّة والوسائل التربوية التي جاءت بها، وعطفا على القادرية التي تبناها الشيخ الحاج العربي العبدوني، وأنشأ من أجلها زاويته النزاغية بالشاوية، ووصولا إلى الزاوية البصيرية كزاوية معاصرة مجددة لا زالت تحتفظ بجميع طقوس وشروط الممارسة الصوفية كما أرساها الأوائل من أرباب هذا الفن.

 

المواسم الصوفية

تعد المواسم والاحتفالات بالأولياء وتخليد ذكرهم من أهم الممارسات الشعبية التي تذكر الأجيال الصاعدة بانجازات السلف ومآثرهم، والوقوف على إنجازاتهم، كما هي فرصة لتلاوة القرآن الكريم والأدعية ترحما على أبطال المغرب، والاجتماع على ثوابت الأمة المغربية التي تزيد المجتمع تماسكا وارتباطا بين جميع مكوناته.

موسم الولي الصالح محمد بن عبد الله المعروف بـ “براير” بمير اللفت بمدينة سيدي إفني جمادى الثانية

امتد هذا الموسم من يوم الأربعاء إلى الجمعة بحيث اجتمع فقهاء سوس وعلماؤها، والطلبة حملة كتاب الله، حيث تمت قراءة القرآن الكريم وقصائد المديح النبوي الشريف، والختم بالدعاء الصالح لأمير المؤمنين الملك محمد السادس بالنصر والتمكين، وللأمة الإسلامية جمعاء بالخير والبركات.

موسم لالة تاعلات 

جرت العادة أن يُقام موسم لالة تاعلات السنوي في الخميس الأول من مارس الفلاحي، ويصادف هذه السنة 2018-1439 الذكرى 231، لأنها توفيت كما قال المختار السوسي: يوم “الأحد 10 شوال 1207هـ، في تَاسْـكْدْلْتْ…”2 .حيث استقبلت هذه المنطقة جموع الوافدين من حملة القرآن الكريم وأهل العلم الذين جاؤوا من كل حدب و صوب ليشهدوا الموسم السنوي الذي ينظم بجماعة تسكدلت، حيث اجتمع حملة كتاب الله من أئمة و فقهاء و طلبة المدارس العتيقة، لتدارس الأوضاع الخاصة بهم، و التواصل فيما بينهم، و قد تم حسب بعض المصادر تسجيل وصول أربعين ألف زائر هذه السنة. 

و تجدر الإشارة إلى أن حوالي ستة عشر ألف إمام و فقيه يشاركون سنويا في إحياء موسم الولية الصالحة لالة تعلات، حيث تتم بتلاوة القرءان الكريم بشتى الروايات بالإضافة إلى إلقاء الدروس والمواعظ الدينية. ويعتبر موسم للا تعلات من المواسم المشهورة بجهة سوس على الصعيد الوطني.

ينسب هذا الموسم إلى الولية الصالحة “لالة تعلات” التي كانت تلقب برابعة زمانها، انتقلت إلى جوار ربها سنة 1207ﮬ، عن عمر يناهز المائة عام، ومنذ ذلك التاريخ ظل هذا الموعد السنوي يشكل فرصة للقاء العلماء والطلبة والزوار، لتمتين التواصل وتبادل المعارف وإحياء الليالي القرآنية، بالإضافة إلى ما يخلقه الموسم من رواج اقتصادي مهم.

 

 

موسم سيدي أحمد أو موسى

انطلقت فعاليات الموسم الصيفي السنوي 2018م للولي الصالح موسم سيدي أحمد أو موسى السملالي، الذي ينظمه شرفاء سيدي احمد أو موسى بتنسيق مع الجماعة القروية ومختلف المصالح المحلية والإقليمية.

يشكل موسم سيدي احمد أو موسى الصيفي حدثا هاما على صعيد الجهة، بل وعلى الصعيد الوطني، كما يشكل فرصة يجتمع فيها أبناء قبيلة إداوسملال والقبائل المجاورة في موسم ديني ثقافي واقتصادي هام،  ويصنف  هذا الموسم كأكبر المواسم بجهة سوس ماسة درعة.

كما أن أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس يولي عناية خاصة بهذا الموسم الجليل، وذلك بإرسال بعثة ملكية إلى زاوية سيدي أحمد أو موسى، مرفوقة برسائل الود والاحترام للشرفاء والقيمين عليها، كما تتم في هذه المناسبة توزيع هبات ملكية، وختم هذه الزيارة بالدعاء الصالح لأمير المؤمنين الملك محمد السادس بالنصر والتمكين، وللأمة الإسلامية جمعاء بالخير والبركات.

موسم مولاي عبد السلام بن مشيش

اختتمت بمدينة العرائش وبالضبط جبل العلم بقبيلة بني عروس، يوم الأحد، فاتح يوليوز 2018  فعاليات الموسم السنوي لمولاي عبد السلام بن مشيش، التي حظيت وككل سنة بالتفاتة مولوية كريمة، حيث تم تسليم هبة ملكية إلى الشرفاء العلميين.

تميز هذا الاحتفال الديني بالذكرى السنوية لشيخ المتصوفة، القطب مولاي عبد السلام بن مشيش جد الشرفاء العلميين، الذي بصمت طريقته الحركات الصوفية في المغرب والمشرق، بحضور عدد كبير من المريدين والزوار، وكذا بعض الشخصيات الفكرية والدينية وضيوف المغرب من دول عربية وإسلامية.

وشهد هذا المحج الصوفي، كما هي العادة كل سنة، حضور وفود من الأقاليم المغربية الجنوبية، مترجمة بذلك الرباط التاريخي بين شمال المملكة وجنوبها، والأواصر الإنسانية والدينية والروحية التي تؤلف قلوب المغاربة أجمعين.

ويشكل حضور الوفود الممثلة للقبائل الصحراوية للاحتفالات الدينية حدثا بارزا ومتميزا يتكرر كل سنة، خصوصا أن هذه القبائل ترتبط مع الشرفاء العلميين بعلاقة القرابة المبنية على الدم، والارتباط الروحي.

وانطلقت الاحتفالات الدينية بهذه الذكرى السنوية بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، بمشاركة شيوخ وفقهاء وأطفال الكتاتيب القرآنية وعلماء مغاربة ينتمون إلى مختلف مناطق المغرب.

وتم بهذه المناسبة الدينية رفع أكف الضراعة إلى الله عز وجل بأن يحفظ أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمزيد من الصحة وطول العمر ويبارك خطواته ومراميه، ويقر عين جلالته بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، ويشد أزر جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وبجميع أفراد الأسرة الملكية الشريفة، وأن يحقق سبحانه وتعالى للمغرب وللشعب المغربي كل ما يصبو إليه من عزة وكرامة وازدهار ورخاء ونماء وتقدم، بقيادة أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس.

كما توجه الحاضرون بالدعاء إلى المولى عز وجل أن يتغمد بواسع رحمته جلالة المغفور لهما الحسن الثاني ومحمد الخامس.

وأعرب السيد نبيل بركة نجل الشريف عبد الهادي بركة، نقيب الشرفاء العلميين، الذي غاب ولأول مرة عن هذا الموسم السنوي لظروف صحية قاهرة ،أعرب في تصريح صحفي، بالمناسبة، عن امتنانه وتقديره باسم حفدة القطب مولاي عبد السلام لالتفاتة أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس الكريمة ورعايته الخاصة لحفظة القرآن الكريم وحاملي الذكر الحكيم والعلماء والفقهاء ولساكنة جبل العلم، مبرزا أن الهبة الملكية الممنوحة للشرفاء العلميين هي دليل ساطع على عمق الوشائج والأواصر بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي قاطبة، وتشبث هذا الاخير الدائم بأهداب العرش العلوي المجيد وثوابت المغرب الدينية والوطنية.

وأكد السيد نبيل بركة أن موسم الولي الصالح مولاي عبد السلام بن مشيش يشكل فرصة لإبراز قيم الإسلام السمحة المثلى، التي تعلق بها هذا القطب، والقائمة على التسامح والتعايش بين الأديان، كما أن هذا الموسم يؤكد التزام المغاربة بتبني ونشر المبادئ التي تقوم عليها المدرسة المشيشية الشاذلية وقيمها الروحية.

ويتم بالموازاة مع الموسم الصوفي السنوي تنظيم لقاءات فكرية مفتوحة، بمشاركة أقطاب الثقافة الصوفية من المغرب وخارجه، وإحياء أمسيات السماع والذكر الصوفيين، والأذكار والأمداح النبوية، والصلاة المشيشية والأوراد المنسوبة إلى مولاي عبد السلام بن مشيش.

وكالعادة تختتم فعاليات الموسم بـطلعة مولاي عبد السلام، وهو الموعد السنوي الذي يحج فيه عشرات الآلاف من المغاربة عامة، وأفراد قبائل بني عروس خاصة، ويقصدون ضريح الولي الصالح عبد السلام ابن مشيش، الموجود على قمة جبل العلم بقبيلة بني عروس، من أجل الاحتفال والتبرك والتوجه إلى الله لتحقيق مراميهم وتطلعاتهم ومقاصدهم.

كما أن هذا الموسم الذي أسسه عبد الهادي محمد بركة منذ 150 عاما تقريبا، يعتبر مناسبة لصلة الرحم بين القبائل، وترسيخ قيم الصوفية كالوسطية والتسامح والانفتاح على الآخر، كما يعتبر قناة تعريفية بالتصوف، وبأنّه علم قائم على الشريعة الإسلامية السمحة وليس بدعة، والتعريف بدور هذه القيم في خدمة المجتمعات البشرية، ونقلها للأجيال اللاحقة، وإتاحة فرصة للمريدين أن يزوروا الضريح سنويا.

موسم مولاي عبد الله أمغار

يعتبر موسم مولاي عبد الله واحدا من أهم التظاهرات الدينية والثقافية على الصعيد الوطني. ينظم منذ مئات السنين برباط تيط، وتقع تيط على الساحل الأطلسي بمنطقة دكالة، بعيدا عن مدينة الجديدة بحوالي أحد عشر كلمترا على الطريق الساحلية المؤدية للوليدية، وتعرف اليوم تيط بمركز مولاي عبد الله. وتعتبر هذه الحاضرة من المراكز العمرانية القديمة بالمغرب. 

وينظم هذا الموسم من طرف قبائل دكالة احتفاء بالولي الصالح مولاي عبد الله أمغار، تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، من 3 غشت إلى 10 من نفس الشهر.

تتوزع المظاهر الاحتفالية للموسم بين الأنشطة الدينية بضريح الولي الصالح والمسجد التابع له والأنشطة الفكرية والثقافية والترفيهية بمختلف فضاءات الموسم.

 

الملتقيات الصوفية والندوات الدولية والمحلية حول التصوف

الندوة الدولية: التعليم الجامعي والبحث الأكاديمي وحماية الأمن الروحي للمغاربة، أيام 2-3-4 ماي 2018م

يعد الأمن الروحي من المقاصد الأساسية التي تروم الأديان والتشريعات تحقيقها في الواقع الإنساني، فبه تطمئن النفوس، وتصفو العقول، وتتآلف القلوب، وتستعد الهمم للبذل والعطاء، وتحقيق العمران البشري النافع للحياة في العاجل والآجل، وبغياب الأمن الروحي تضطرب النفوس، وتتهافت العقول، وتختلف القلوب، وتتلاشى الأهداف العمرانية النبيلة، ليحل محلها الصراع الفكري والخلاف الإيديولوجي والفساد الإنساني.

وقد أُدْرِكَ هذا المقصد عند المغاربة قديما وحديثا معرفيا وفكريا وسياسيا، وسعوا لتحقيقه عبر الزمن التاريخي لهذا البلد، لكن ذلك لم يمنع من ظهور آفات ومثبطات تربصت بهذا المبدأ الأصيل والضروري للاستقرار الاجتماعي والاطمئنان السياسي، وللوحدة الدينية والصفاء الفكري والارتياح العقدي. ولم يخل الزمن الماضي والحاضر من رواد تصدوا للحفاظ على أمن المغاربة الروحي، واطمئنانهم العقدي، ووحدتهم المذهبية، وسلامتهم الدينية. ولا يزال الأمر محتاجا للمزيد من الحفظ والصيانة والرعاية، معرفيا وعلميا وسياسيا وإداريا في وقتنا المعاصر وفي بلدنا الآمن.

ولا يخفى ما يمكن للجامعة المغربية أن تسهم به من أدوار في هذا الشأن تعليما وبحثا وتأطيرا، فالجامعة ومؤسساتها المختلفة وفضاءاتها العلمية والمعرفية المتباينة يمكنها أن تكون مختبرات للبحث والدراسة، واكتشاف المخاطر، واقتراح حلول العلل التي تعاني منها الأمة والوطن، مما استجد في عصرنا من تأويلات ضالة، وفهوم خاطئة، وانتحالات مبطلة، واندفاعات نقدية غير رصينة ولا مستوفية للشروط العلمية والمنهجية المطلوبة.

إن الجامعة المغربية تتحمل مسؤولية تاريخية وأمانة حضارية في رعاية الأمن الروحي للمغاربة، وفي صيانة مميزات سلوكهم الديني المعتدل، وفي الحفاظ على الانسجام الروحي والثقافي والفكري لمكونات هذا المجتمع، التي تعايشت عبر الأزمان، رغم اختلافات اللغة والعرق والانتماء.

ندوة وطنية بعنوان: التصوف المغربي، ميراث الصلاح وسؤال المعرفة

نظم ماستر العقيدة والتصوف في الغرب الإسلامي الذي تشرف عليه الدكتورة كريمة بوعمري، بتنسيق مع مختبر الإنسان والفكر والأديان وحوار الحضارات، ندوة وطنية في موضوع: التصوف المغربي: ميراث الصلاح وسؤال المعرفة، بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، يوم السبت 25 ربيع الثاني 1439ه، الموافق ل 13 يناير 2018م.

 وقد شارك في هذا النشاط العلمي ثلة من العلماء الأفذاذ، والدكاترة الفضلاء: الدكتور محمد الروكي، والدكتور مولاي عبد الله الوزاني، والدكتورة سعاد كعب، والدكتور محمد التهامي الحراق، والدكتور محمد البوكيلي، الدكتور أناس لغبسي، الدكتورة بشرى البدوي… 

تم تسليط الضوء في هذا اللقاء العلمي على أن التصوف المغربي رافد رئيسي من روافد الثقافة الإسلامية بالمغرب، وأنه مكون أساسي من مكونات الثوابت الدينية للملكة، إلى جانب الفقه المالكي، والعقيدة الأشعرية، وقد عبر عن ذلك ابن عاشر في نظمه:

في عقد الأشعري وفقه مالك     وفي طريقة الجنيد السالك

أكد المشاركون في هذه الندوة أن التصوف المغربي تصوف سني، أصله الكتاب والسنة، وإرث أخلاقي وعرفاني وتربوي ورثناه عن أسلافنا أهل الصلاح العارفين بالله، وأشار المتدخلون أن التصوف عمل وسلوك، وعلم له قواعده ومباحثه، يستلزم تخليته من الشوائب التي ألحقها الجاهلون به، كما تطرق المشاركون إلى أعلام التصوف العارفين بالله أمثال: الولي الصالح مولاي عبد الله الشريف الوزاني، المعلم

في العلم والتربية، والشيخ احمد بن إدريس المغربي ومدرسته، ابن عاشر السلاوي وتجربته الصوفية، أبو العباس السبتي ونظرية الجود، ومحي الدين ابن عربي، وقصائد أبي مدين الغوث.

وتحدثوا عن ميراث الصلاح الذي تركه لنا الأولياء، والصلحاء، ورهانات الإنسية الروحية، والعمل الصوفي والتحولات المعاصرة التحدي والتفاعل، وعن التصوف والتحديات الراهن والمستقبلية، والنموذج الصوفي المغربي وضرورة التجديد الحضاري، والتحليل الأدبي من حيث الأساليب البلاغية من خلال قصائد أبي مدين الغوث، وعن الأبعاد المعرفية والتربوية والحضارية لهذا الميراث، في ظل ما يروج من أسئلة معرفية معاصرة، سواء تعلق الأمر بأسئلة التدين أو الروحانية أو الأخلاق.

ندوة وطنية حول: التصوف السني بالمغرب، برحاب كلية الآداب بمراكش يوم السبت 28 أبريل 2018

ناقش دكاترة وأساتذة وباحثون في مجال التصوف اليوم برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش قضايا التصوف السني بالمغرب، من خلال مداخلات تطرقت لمواضيع راهنية.

واختار المجلس العلمي لمراكش -باعتباره الجهة المنظمة لهذا النقاش- التصوف السني في المغرب موضوعا لهذه الندوة العلمية الوطنية، التي شارك فيها باحثون وأهل الاختصاص في مجال التصوف.

تطرقت الجلسة العلمية الأولى لمواضيع التصوف المغربي وترسيخ مبدأ المواطنة، والتصوف الإسلامي في المغرب أصوله وتجلياته، والشيخ زروق وصيحته التصحيحية، باعتبار الشيخ زروق من المتصوفة المشاهير، وتصنيفات مدارس السلوك واختيارات المغرب فيها، نظرات وتأملات، وأهمية أخلاق الإحسان في تنمية الإنسان من خطاب التفلسف إلى خطاب التصوف، ودور التصوف النسائي في المجتمع المغربي.

أما الجلسة العلمية الثانية فقد كان الحديث فيها حول مواضيع ومعالم الجمال في العمل الصوفي المغربي، وأبعادها الروحية والاجتماعية، ومظاهر العمل في التجربة الصوفية الأمغارية زاوية تمصلوحت نموذجا، وعلاقة المتصوفة بعناصر البيئة وإشارتهم للحفاظ عليها، مما يعني أن التصوف في المغرب ليس مدرسة جامدة، بل مواكبة لقضايا العصر ومشاكله، ولعل أهمها في القرن الواحد والعشرين هو ما تطرحه البيئة في شموليتها من تحديات. ونوقش أيضا التصوف السني بين المقاصدية والمظاهر الشكلية، وفق شعار الندوة “التدين والسلوك” الذي توفق المجلس العلمي المحلي بمراكش، في اختيارها وفي طرح مواضيعها.

يشار إلى أن الندوة عرفت حضور كل من عز الدين المعيار الإدريسي رئيس المجلس العلمي المحلي بمراكش، وعمر الضريس المندوب الجهوي للشؤون الإسلامية، وعميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بالإضافة إلى دكاترة وأساتذة جامعيين وباحثين في مجال التصوف، وبعض الطلاب الجامعيين.

مهرجان فاس للموسيقى الروحية يوحد ثقافات شعوب العالم ويحتفي بمعارف الأسلاف

تحت شعار: معارف الأسلاف وتجديد مدينة فاس، ترأست الأميرة للا حسناء حفل افتتاح الدورة الـ 24 لمهرجان فاس للموسيقى الروحية.

حفل الافتتاح شكل مقاربة شعرية وموسيقية للعلاقة الخاصة القائمة في المدينة العلمية والروحية للمملكة المغربية بين المعمار من جهة والصناعة التقليدية، والفرق الصوفية والحرف من جهة أخرى.

وعرفت دورة هذه السنة مشاركة موسيقيين ومنشدين من جميع أنحاء المعمورة، إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا، وكانت فرصة لفنانين عالميين للإبداع أمام جمهور متعطش لهذا الصنف الموسيقي في كل من باب ماكينة وساحة بوجلود، الحديقة الجناحية جنان السبيل أو القصور الفخمة العريقة.

 دورة استثنائية انطلقت مع كوران بريكوفيتش ورسائله إلى سراييفو، مرورا بالمبدع التونسي ظافر يوسف وألبومه ديوان الجمال والغرابة، الذي يمزج بين فن الجاز الحديث والموسيقى العريقة والفن الصوفي، وصولا إلى الموسيقي الإسباني الشهير جوردي سافال الذي أبدع بعرض تحت عنوان: ابن بطوطة، أما فرقة أورفوس 21، فأمتعت الجمهور بموسيقى من أجل الحياة والكرامة على نغمات الرقص التعبدي التيراتاني من الهند، ومجموعة تري بوساكا ساكلي، إضافة إلى غناء السفرديين من المقدس إلى المدنس، وأسدل المهرجان الستار على فعالياته مع صوفيتو دو كوسبل شوار من جنوب إفريقيا، في عرض بعنوان: في قلب إفريقيا الصوفية.

مؤسسة روح فاس

يتطلع المهرجان الذي بات رمزا للحوار بين الثقافات المختلفة والأديان، إلى الدعوة إلى التبادل وطرح التساؤلات اللازمة في عالم يعيش تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية.

عبد الرفيع زويتن، رئيس مؤسسة المهرجان أكد ليورونيوز أن دورة هذه السنة تمثل رمزا للحوار بين الأديان والثقافات المختلفة، خاصة وأن المهرجان صنف في العام 2001 من طرف الأمم المتحدة كواحد من التظاهرات الهامة التي تساهم في حوار الحضارات.

وأضاف زويتن أن دورة 2018 تربط التراث والموروث المغربي الروحاني والإبداع المعاصر، من خلال مشاركة أكثر من عشرين دولة، والهدف من ذلك إبراز روح التسامح والتعايش من خلال لغة الموسيقى.

الملتقى العالمي الثالث عشر للتصوف: الثقافة الصوفية والمشترك الإنساني: ترسيخ لقيم الحوار والتعارف

في سياق الاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف، وتحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، نظمت الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع المركز الأورو متوسطي لدراسة الإسلام اليوم الملتقى العالمي الثالث عشر للتصوف، وذلك أيام التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر من ربيع الأول 1440 هجرية، الموافق للسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين من نونبر 2018 ميلادية، وقد جاء برنامج هذه الدورة حافلا بالمداخلات، وغنيا بالمطارحات العلمية الأكاديمية التي تفضل بها السادة العلماء والأساتذة المتدخلون في سياق المشترك الإنساني، بأبعاده وتجلياته الدينية والثقافية والاقتصادية والجمالية والحضارية والبيئية وغيرها، والتي تزينت بها فعاليات هذه الدورة.

بعد الافتتاح بآيات بيّنات من الذكر الحكيم، استهلت أشغال الملتقى بكلمة افتتاحية ألقاها مدير الملتقى فضيلة الدكتور مولاي منير القادري بودشيش حفظه الله، والتي ركزها في جملة من المعالم البيانية الكاشفة عن الإطار العام لموضوع الدورة ومرتكزاتها؛ فقد أكد فضيلته -بعد الترحيب بالسادة الضيوف والمشاركين- على الأهمية التي أصبح يتبوؤها الملتقى العالمي للتصوف، إذ أضحى محطة علمية وبحثية وأكاديمية واعدة ومتميزة، وفضاء للتفاعل والتواصل وتلاقح الأفكار وتبادل الخبرات والمعارف، وفق مقارباتٍ متنوعة وغنية ذات انتماءات معرفية متعددة ومتكاملة؛ وذلك بفعل إسهامات نخبة وازنة وكبيرة من خيرة العلماء والباحثين من داخل المغرب وخارجه من مختلف أنحاء المعمور، والذين تتنوع مشاربهم العلمية والمعرفية، وذلك في سياق خطة العمل التي تنهجها مؤسسة الملتقى منذ انطلاق فعاليات دوراتها، لتدارس واقع الإنسان المعاصر، ومعالجة قضاياه الآنية، واستشراف الحلول الناجعة لأزماته.

وبهذا فقد وضع فضيلته السياق العام الذي تندرج ضمنه فعاليات هذه الدورة؛ إذ تأتي في سياق الاهتمام بالقضايا الراهنة، والآفاق التي من شأن التصوف أن يخلقها باعتباره عمقا روحيا لهويتنا، للتقريب بين الشعوب، وإشاعة روح الحوار والتعايش، وتثبيت دعائم السلم والسلام العالميين وسائر القيم التي يشملها المشترك الإنساني، وإبراز الفاعلية التي يضطلع بها التصوف في ترسيخ هذا المشترك على جميع المستويات؛ قيميا وثقافيا واقتصاديا وبيئيا وحضاريا. وقد بيّن فضيلته في ذات السياق الأصول الإسلامية التي يستند إليها هذا المكون، خاصة في جوانبها الإحسانية التي تشكل عمقا وجوهرا لحضارتنا وديننا الإسلاميين. مبرزا الحاجة الملحة التي تفرضها السياقات المعاصرة من أجل ترسيخ هذه القيم وتنزيلها على أرض الواقع. وقد أعطى فضيلته نماذج واقعية لهذا التنزيل مثلما هو الحال بالنسبة للنموذج الأندلسي الذي جسد صورة واقعية للتلاقح والتمازج، والتفاعل المثمر، والتكامل في بناء صرح المجد الحضاري لمشتركنا الإنساني. وكذا ما قدمه المغرب ويقدمه إلى اليوم من نموذج رائد في ترسيخ هذه القيم، الأمر الذي وسع من دائرة إشعاعه الحضاري في سائر آفاق المعمور.

 وهكذا فقد شكلت الكلمة الافتتاحية لمدير الملتقى إطارا عاما لجملة المحاور المبرمجة ضمن أشغال هذه الدورة، ليدع المجال فضيلته بعد ذلك لبعض العلماء المشاركين وبعض الشخصيات العلمية والأكاديمية الوازنة من دول مختلفة ليقدموا شهاداتهم حول الملتقى، ومن ضمنهم فضيلة الدكتور عبد الله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية الذي تمت استضافته من أجل التعاون في سياق ما تضطلع به مؤسسته من بُعدٍ تنسيقيٍّ مع الجالية المغربية في الخارج من أجل إشراكها في هذا البعد الذي فتحته مؤسسة الملتقى، وكذا رئيس جامعة محمد الأول بوجدة الذي أشاد بدوره بمحورية موضوع الدورة وأهميته، إضافة إلى كلمة مؤسسة الأزهر الشريف، وأكاديمية جنوب إفريقيا، وغيرها من كلمات المشاركين الممثلين لمختلف جهات العالم، والذين أشادوا –جميعهم- بالدور الريادي الذي أصبح يضطلع به الملتقى، الذي يشهد سنة بعد أخرى تطورا ملحوظا تنظيميا وعلميا، وقد أعربوا عن امتنانهم الكبير والخالص لأمير المؤمنين الملك محمد السادس نصره الله على رعايته المنيفة لفعاليات هذا الملتقى، وحرص جلالته على دعم وخدمة كل ما له صلة بثوابت الأمة، مشيدين بالدور الطلائعي الذي تقوم به الطريقة القادرية البودشيشية في هذا السياق، من أجل ترسيخ روح التصوف السني المعتدل الذي يقوم على قيم الوسطية والتسامح والسلم والسلام، وما أضحى يقدمه الملتقى من نموذج وصورة إيجابية في هذا الباب، وما يضطلع به من دور رائد في ملامسة كبريات القضايا الآنية التي يعج بها السياق المعاصر ومنها قضية المشترك الإنساني، الموضوع الذي يأتي في صميم التوجهات الإقليمية والدولية والحضارية لواقعنا المعاصر.

تجدر الإشارة إلى أنه وعقب انتهاء هذه الجلسة الافتتاحية تم توقيع اتفاقيات شراكة بين مؤسسة الملتقى وبعض المؤسسات الأكاديمية الوازنة، ونذكر منها اتفاقيتين:

الاتفاقية الأولى: اتفاقية شراكة مع جامعة سيدي محمد الأول بوجدة؛ وقد وقعها كل من فضيلة الدكتور مولاي منير القادري بودشيش رئيس مؤسسة الملتقى ومدير الملتقى العالمي للتصوف، ورئيس جامعة محمد الأول، الذي أعرب عن فخره واعتزازه بهذه الشراكة؛ حيث قال إن جميع إمكانات الجامعة هي رهن إشارة المؤسسة من أجل التعاون في مجال الدراسات الصوفية والدراسات الإنسانية بشكل عام وغيرها من المجالات الممكنة للتعاون.

ثم الاتفاقية الثانية: مع الأكاديمية الإفريقية لتطوير الإنسان، وقد وقعها كل من فضيلة الدكتور مولاي منير القادري ورئيس الأكاديمية. وتأتي هذه الاتفاقيات في سياق الانفتاح الذي تعرفه المؤسسة على المحيط الخارجي، والتنسيق مع كبريات المؤسسات الوطنية والدولية التي تعنى بالشأن الإنساني والديني من أجل تكثيف الجهود لخدمة الصالح العام للإنسانية، وإعادة ترميم الصورة النمطية عن الإسلام وبيان سماحته ورقيه.

بعد هذه الجلسة الافتتاحية، انطلقت الموائد العلمية للملتقى والتي جاءت مرتبة وموزعة على اثنتي عشرة جلسة، صيغت محاورها على النحو الآتي:

– المشترك الإنساني في الإسلام: أصول وتجليات

– الثقافة الصوفية والمشترك القيمي

– المشترك الفكري والثقافي والديني والحضاري

– المشترك الإنساني وأبعاده الثقافية والتنموية والبيئية

– الثقافة الصوفية وتحديات بناء المشترك الإنساني

– تجليات المشترك الإنساني: قيم التعايش والتعاون والمحبة والسلام

– الثقافة الصوفية والمشترك الفني والجمالي

– الثقافة الصوفية المغربية وامتدادها الإفريقي

– المشترك الإنساني والتأسيس لقيم المواطنة العالمية

– المشترك الإنساني بين الإسلام والغرب: تحديات التعايش والتعاون

– التربية الصوفية وبناء المشترك الإنساني

 –  المشترك الإنساني وقيم الحوار والتعارف والتواصل الحضاري

 

لقد جاءت فعاليات هذه الجلسات حبلى بأبكار الأفكار التي أغنت النقاش والحديث عبر ما قدمته من مطارحات فكرية عميقة، وذلك في سياق تكاملي، تساوق فيه النظري والواقعي والمآلي، في التزام بالوحدة الموضوعية للملتقى وبالعنوان شعار هذه الدورة. فبعد التأطير النظري للموضوع واقعا وتأصيلا وممارسة، أخذ المتدخلون في استجلاء الأبعاد والتجليات الواقعية للمشترك الإنساني، وذلك في مختلف أبعاده وتجلياته وآفاقه، سواء من حيث الأصل الخِلقي للإنسانية ووحدة الأصل والوجود، أو في ما يرتبط بالوحدة القيمية والثقافية وأبعادها الحضارية وأصولها الدينية، وكذا ما يرتبط بهذا المكون بأبعاد بيئية واقتصادية وجمالية، مما تتضمنه الحاجيات الإنسانية المشتركة.

وفي الختام فقد خلُص هذا الملتقى العالمي الثالث عشر إلى التأكيد على الحاجة الحضارية اليوم إلى القيم الصوفية الحية، والدور الكبير الذي يمكن أن تضطلع به في ترسيخ قيم المشترك الإنساني، وتثبيت قيم الحوار والانفتاح على الآخر والتفاعل معه، انطلاقا من قيمتي التعارف والتكامل الموصى بهما في أصولنا الدينية والشرعية، وسائر القيم الإسلامية النبيلة الداعية إلى التعايش والتسامح والسلم والسلام.

فقد خرج الملتقى العالمي للتصوف في دورته الثالثة عشرة بمجموعة من التوصيات الهامة نذكر منها التوصيات الآتية:

1- إدراج مؤسسات الزوايا -باعتبارها فاعلا هاما في ترسيخ المشترك الإنساني- ضمن الفعاليات الرسمية التي من شأنها تقوية روح الحوار بين الأديان، وإرساء قيم التعايش والسلام، وإفساح المجال المؤسساتي لهذه المكونات الروحية عبر مختلف المنظمات الدولية المشتغلة في المجال.

2- ضرورة الانتباه إلى إدراج القيم الروحية للتصوف ضمن البرامج التعليمية والتربوية، من أجل تربية جيل متفتح ومتشبع بمبادئ وقيم المواطنة العالمية المنبنية على أساس التعايش والتسامح والتفاعل الحضاري. وكذا من أجل تصحيح التمثلات الخاطئة حول هذا المكون الروحي الإسلامي الأصيل.

3- ضرورة إنشاء مؤسسات ومراكز بحث ذات ارتباط بالاشتغال والتنسيق، لترسيخ قيم المشترك الإنساني والقيم الإسلامية الأصيلة، في سياق التنسيق مع مؤسسات الزوايا، من أجل الترويج لهذا الموروث الروحي الزاخر الذي يتسم به المغرب، وإشاعته إقليميا ودوليا.

4- إعداد برنامج تلفزي خاص (يتضمن مجموعة من الحلقات)، للتعريف بالأدوار التي يضطلع بها الملتقى العالمي للتصوف، مع تسليط الضوء على الدور الذي تقوم به الزاوية القادرية البودشيشية تربويا وعلميا وثقافيا؛ وطنيا ودوليا.

5- إنشاء مركز لقياس مستوى الكراهية لدى المجتمعات.

6- إنشاء جامعة دولية متخصصة في التصوف والقيم الكونية والتواصل الحضاري.

7- إنشاء مجموعات وفرق بحث إقليمية تعنى بالتنسيق في بحث ودراسة أسباب النزاعات الإقليمية والدولية، من أجل تقليص فجوة الاختلاف القائمة بين الشعوب وسائر المكونات الحضارية، وتفعيل المشترك الإنساني.

8- ضرورة الاستمرار فيما يأتي من ملتقيات في طرق مواضيع ذات صلة بالتفعيل الواقعي والعملي لمعالم المشترك الإنساني في مختلف الأبعاد والتجليات.

9- توصية مصرية خالصة: ضرورة تشكيل لجنة بحثية واعية في العديد من الأوطان التي تعنى بمضامين الطريقة القادرية البودشيشية؛ لإنجاز البحوث والدراسات حول محاور الملتقى كل عام، لكي تخرج البحوث على مستوى واحد من العلمية والمنهجية والإبداع، في سبيل أن يكون كتاب الملتقى أنموذجا راقيا منهجيا ومضمونا، يليق بقامة الطريقة القادرية البودشيشية وقيمتها المتميزة على الخريطة الفكرية العالمية.

10- وأخيرا: تنظيم قافلة (أو قوافل) للملتقى تجوب كبريات المدن المغربية، وكذا الانفتاح بهذه القافلة خارج أرض الوطن، بما فيها عواصم الدول الإفريقية وباقي عواصم دول العالم في باقي القارات، من أجل نشر رسالة التصوف الكونية، وتعريف الناس بهذه الرحمة التي يبحثون عنها من أجل تفعيل هذا المشترك الإنساني.

التصوف في البحث الجامعي

أ- البحوث الجامعية

حظي البحث في مجال التصوف باهتمام الطلبة والباحثين، فانبرى العديد منهم في تسجيل أطروحاتهم في هذا المجال تحت إشراف السادة الأساتذة في مختلف الوحدات، وإن كانت هذه الوحدات في الغالب غير موضوعة أصلا في مجال التصوف.

جامعة عبد المالك السعدي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تطوان، مركز الدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والترجمة، تكوين: شمال المغرب وعلاقته بدول الحوض المتوسطي.

– التراث الصوفي عند الأسرة الصديقية، الشيخ عبد الله بن الصديق نموذجا. الطالب عبد الواحد العمراني، الأستاذ المشرف: محمد أوغانم العربي بوسلهام.

جامعة عبد المالك السعدي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تطوان، مركز الدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والترجمة، تكوين: النص الأدبي العربي القديم.

– أدب الوصايا في المغرب: دراسة في نماذج صوفية. الطالبة: هاجر الإدريسي، الأستاذ المشرف: الطيب الوزاني.

– قرة العينين في كرامات الشيخ ماء العينين، تحقيق وتقديم الطالبة: وفاء حميد، الأستاذ المشرف: الطيب الوزاني.

– شروح النص الصوفي بالمغرب: نماذج توضأ بماء الغيب. الطالب: رشيد الذيب، الأستاذ المشرف: سعاد الناصر، أسماء الريسوني.

– الزاوية الخلانجية: بحث في الخصوصيات والسمات. الطالب: عبد الرحمن الشويخ، الأستاذ المشرف: محمد الحافظ الروسي.

– الإشارة الكافية في معرفة نتيجة شيخ التربية، لسيدي محمد الوكيلي، تحقيق وتقديم الطالب: محسن طاهري، الأستاذ المشرف: محمد الحافظ الروسي.

– سلسلة الأنوار في طريقة الصوفية الأخيار لابن عطية السلاوي: تحقيق وتقديم الطالب: عبد الرحيم كروم ، الأستاذ المشرف: الطيب الوزاني، وأسماء الريسوني.

– أبو القاسم بن خجو، دراسة في تراثه الصوفي من خلال ضياء النهار المجلي لغمام الأبصار، الطالب: عبد الإله بلمعلم، الأستاذ المشرف: الطيب الوزاني، وأسماء الريسوني.

– الولي الصالح سيدي عبد السلام بن ريسون، دراسة في حياته وآثاره، الطالب: أحمد الريسون، الأستاذ المشرف: محمد كنون الحسني.

ب- بحوث الماستر

– جامعة محمد الخامس بالرباط، كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط، ماستر: العقيدة والتصوف في الغرب الإسلامي.

أهداف التكوين

• تعميق التكوين في مجال الدراسات في العقيدة والتصوف. 

• تكوين أكاديمي في علوم العقيدة وأصولها وفروعها وتاريخها وأعلامها ومناهج رجالها.

• تكوين أكاديمي في علوم التصوف وتاريخه وأعلامه ومناهجه.

• تكوين جيل من الباحثين يكون لهم حضور في توجيه قضايا العصر، بما يحفظ للأمة المغربية هويتها، ويحافظ على خصوصياتها وقيمها، ويسهم في قضايا التطور.

• إيجاد دراسات علمية تشارك في تطوير الفكر العقدي والصوفي بالغرب الإسلامي.

– كلية أصول الدين بتطوان: ماستر: العقيدة والفكر في الغرب الإسلامي

الهوامش

 

[1] ينظر البحث الذي أعده مجموعة من الباحثين (محمد المنـتقى جتر بمـعاونة خادم سيـلا، وعافية أحمد انيانغ، وخادم امبـاكي شيخ، وامباكي عبد الودود) تحت عنوان: المريدية: حقيقتها ومبادؤها، محاضرات دائرة روض الرياحين، طوبى، 1430هـ/ 2009م، ص: 5.

[2] المريدية: حقيقتها ومبادؤها، ص: 7.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق