مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

تعريف علم الكلام ومباحثه ما بين السنوسي واليوسي

تعريف علم الكلام ومباحثه ما بين السنوسي واليوسي

يعتبر الإمام السنوسي (832هـ/895هـ) إماما عالما عَلَمًا من أئمة أهل السنة والجماعة، كما أشرنا إلى ذلك عند التعريف ببعض مؤلفاته العقدية الكبرى ككتاب “شرح المقدمات” في مقال سابق[1] والذي يعتبر من أجلّ الكتب في علم التوحيد، وإن كانت كل مؤلفاته لها طابع خاص، وكتابه “شرح السنوسية الكبرى” الذي سبق عرضه كذلك[2]، باعتباره أحد الآثار العقدية الشاهدة لأبي عبد الله السنوسي بإمامته في علم الكلام، والدالّة على امتلاكه آليات النهوض بعلم الكلام الأشعري.

أما العلامة المغربي اليوسي(ت.1102هـ) فيمثل نابغة وقته، جاء في “معلمة المغرب”: «اتفقت المصادر التي ترجمته على علو كعبه العلمي وصلاحه الصوفي»[3]، وتبقى كتبه المعروفة والمتداولة شاهدة على هذا النبوغ العلمي؛ ومنها كتاب “مشرب العام والخاص من كلمة الإخلاص”، “حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي المسماة عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد”، “المحاضرات في الأدب واللغة” وغيرها، هذا بالإضافة إلى مجموعة من الرسائل العلمية فقهية وعقدية، ومنظومات شعرية، كم تم التعريف به في مقالات سابقة كذلك [4].

وما سينفرد به هذا المقال هو الوقوف على بعض نصوص الإمام أبي عبد الله السنوسي في تعريفه لعلم الكلام بصفة عامة وأقسامه ومباحثه وغير ذلك، وما قام به الحسن بن مسعود اليوسي في كتابه “حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي” من شرح وتعليق أو إضافة عليها، غرضنا في ذلك أن نتتبع تطور علم الكلام ومباحثه بمنطقة الغرب الإسلامي بعد التعريف الذي وضعه ابن خلدون من قبل في مقدمته بأنه: (علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقاد عن مذهب السلف وعقائد أهل السنة) [5].

وذلك دون أن أقف على منهج اليوسي العام في عرض الكتاب ونقده وفق ما ذكره في مقدمة حواشيه قائلا: ( هذا وإنه لما امتن الله تعالى علينا بقراءة “عقيدة أهل التوحيد” وشرحها “عمدة أهل التوفيق والتسديد” مررت فيها بمواضع متعاصية على بعض الأذهان متواصية ألا تدخل جنتها إلا بشفاعة الذكاء أو البيان، فعزمت على أن أنبه عليها وأقطع إن شاء الله إضافة الإبهام إليها)[6] /.

وكذلك دون أن أتتبع منهج اليوسي في هذا الشرح والذي يمكن الوقوف عليه فيما قام به محققه د.حميد حماني – لتواجد الكتاب وسهولة الاطلاع عليه- والذي ذكر من جملة ما قام به قائلا: (ولم يقتصر اليوسي على ما أوردناه من هذه النماذج التي تجعلك ترى رأي العين منهجه المتبع في الشرح والبيان، بل كثيرا ما قرر الكلام المنقول من قبل السنوسي عن الأئمة المتقدمين كابن التلمساني شارح المعالم في أصول الدين للإمام الرازي، أو ابن دهاق شارح الإرشاد لإمام الحرمين، كما عمل على تمييز كلام السنوسي عن كلام غيره حين يورده هذا الأخير بين ثنايا كلامه على سبيل الاستشهاد كما هو الحال في نقله لكلام ابن التلمساني المذكور أو كلام البيضاوي صاحب الطوالع، وفيه إنصاف للسابق من العلماء من حيثية سبق التفطن للفكرة، أو ما يمكن تسميته الاهتداء إلى جذور الأفكار وأصولها…) [7].

 وتنبغي الإشارة هنا إلى أن الإمام السنوسي لم يضع – في كتابه المذكور-  عناوين متتالية للتعريف بعلم الكلام، ولا اليوسي كذلك، وإنما سأتتبع في هذا المقال العناوين التي تقرِّب القارئ لاستنباط رأيهما في الموضوع من خلالها.

وأول ما يطالعنا به من نصوص في كتاب “شرح السنوسية الكبرى” وكتاب “حاشية على شرح الكبرى” البحث في دور علماء الكلام في حرص الدين والدفاع والمحاججة عنه.

1- نبذة عن جهود علماء الكلام وبيان مشروعية علم الكلام وغايته:

يقول السنوسي تحت العنوان التالي: “نبذة عن جهود علماء الكلام”: «فهم جَعَلُوا على حرز دين الإسلام أسواراً لما قدِمت جيوش المبتدعة التي لا تحصى كثرة تريد استلاب ذلك الدين وإبداله بجهالات يهلك من اتبعها. ثم لما أتت المبتدعة بمعاول الشبهات لتهدم به أسوار الأدلة وبسلالم الأوهام والتخيلات للتجاوز بها إلى حرز الدين، بالغت العلماء رضي الله عنهم في الاحتياط للدين ونظرت بعين الرحمة لجميع المسلمين، فأفسدت عليهم تلك الشبهات ونسخت لهم تلك الأوهام والتخيلات بأجوبة قاطعة، لا يجد العاقل عن الإذعان لها سبيلا، وأنفقوا رضي الله عنهم في جميع ذلك الذخائر التي حصلت لهم من الكتاب والسنة وأصحاب رسول الله (ص) الذين هم القدوة لهذه الأمة… فهذا حال علماء أهل السنة الذين تكلموا في علم التوحيد وألفوا فيه التآليف جزاهم الله أفضل الجزاء» [8].

أما اليوسي فيبدأ الحديث عن ذلك تحت العنوان التالي “مشروعية علم الكلام وغايته” حيث يقول: (الاعتقادات: كانت في صدر الإسلام سليمة، ولما تكاثرت الأهواء والشيع، وافترقت الأمة كما أخبر به الصادق المصدوق (ص) على فرق، وكثر الخبث في الدين وغطت على الحق شبه المبطلين، انتهض علماء الأمة وعظماء الملة إلى مناضلة المبطلين باللسان، كما كان الصدر الأول يناضلون على الدين بالسنان وأعدوا لجهاد المبطلين ما استطاعوا من قوة، فاحتاجوا إلى مقدمات كلية وقواعد عقلية واصطلاحات وأوضاع يجعلونها محل النزاع ويتفهمون بها مقاصد القوم عند الدفاع، فدونوا ذلك وسموه علم الكلام وأصول الدين) [9].

فالغاية والمقصد هما أول ما يبحث عنه في سائر العلوم والمعارف، ولما كان الغرض من البحث في علم الكلام عند كل من السنوسي واليوسي هو حرز الدين والدفاع والحجاج عنه كان من أولى الأولويات، ومن هنا شرفه وفضله.

2- الرد على من حرَّم النظر في علم الكلام:

 المسألة الثانية التي وقف عندها السنوسي واليوسي هي النظر فيمن اعتبر علم الكلام محرما أو غير مطلوب تعلمه؛ مبينين خطأ هؤلاء في الحكم على علم الكلام الناشئ عن قلة البصيرة وعدم التمكن من العلم بمقاصد الدين وغاياته، فتحت هذا العنوان نتتبع ذم الإمام السنوسي لمذهب أهل التقليد في العقائد حيث يقول: «وإذا عرفت ضعف القول بصحة التقليد، فأضعف منه في غاية قول من قال: النظر في علم الكلام حرام، بل لا يشك عاقل في فساد هذا القول إن حمل على ظاهره، لأنه مصادم للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة. ويلزم هذا القائل أن يجعل الأوامر التي في الكتاب والسنة بالنظر والاعتبار منسوخة، إذ علم الكلام إنما هو شرح لها، والإجماع على بطلان ذلك، بل يلزمه أشنع من هذا؛ وهو أن يحرم قراءة القرآن إذ هو مملوء بالحجج والبراهين والرد على فرق الكفرة بعد حكاية أقوالهم وشبهها وذكر مناظرة الأنبياء مع أممها. ولم يزد علماء الكلام من أهل السنة في كتبهم الكلامية شيئا على نهج القرآن من حكاية الأقوال الفاسدة وشبهها، ثم ذكر البراهين القطعية لإبطالها. وقصارى الأمر أنهم أحدثوا اصطلاحات تليق بضبط العلم لأهل الزمان ولا حجر إجماعا في الأوضاع والعبارات والتصرف فيها بحسب ما يليق بمصالح الأقضية النازلات.. » [10].

ونفس الأمر نجده عند اليوسي حينما حاجج من اعتبر أن النظر في علم التوحيد حرام حيث يقول: (وأما ما يحكى عن بعض المبتدعة كالحشوية وغيرهم؛ من أن النظر في علم التوحيد حرام، فلا يخفى فساده وضلال معتقده لكل عاقل، إذ هو مصادم للكتاب والسنة وإجماع المسلمين الذين يعتد بهم، وأما ما يخلطون به، أن الصحابة رضي الله عنهم لم يتكلموا فيه فكذب منهم وافتراء.. قال بعض العلماء: من قدح في علم التوحيد فقد أنكر القرآن والسنة؛ إذ أدلته مأخوذة منهما) [11].

ويوضح اليوسي أن الإتيان بالحجج مذكور في القرآن دفاعا عن دين الله ليدحض قول القائلين بحرمة الحجاج والكلام في ذلك حيث يقول: (على أن معظم ذلك (أي من الإتيان بالحجج) مذكور في القرآن، وكانوا عربا يفهمون معانيه فهما وافيا، وكان مملوءا بالحجج والرد على المبطلين، وقد ذكر الله تبارك وتعالى عقائد المبطلين كإنكار البعث والتثليث وغيرهما من الكفريات وأبطلها، وفي ذلك لأهل الكلام أعظم حجة) [12]، فأضاف بهذا عما ذهب إليه السنوسي من الكلام فيه وفق ما تتطلبه ظروف الزمان الذي ينتسب إليه ما يتطلب الكثير من التوضيح وبيان الحجة بالحجة.

3- تعريف علم الكلام: وبعد أن تعرفنا على آراء السنوسي واليوسي في غايات ومقاصد علم الكلام وحجيته، نتعرف الآن على حد هذا العلم وفق آرائهما.

وضع الإمام السنوسي تعريفا جامعا لعلم الكلام ومبادئه، مقتصرا على إيراد مجموعة من التعريفات التي وضعها من قبله، ما سمح لليوسي لإبداء مجموعة من الاعتراضات والتوضيحات بخصوص هذا الأمر، بل إن اليوسي أفاض في الأمر وفصل فيه انسجاما مع روح عصره.

فذهب السنوسي إلى القول: «أما حقيقة علم الكلام فهو: العلم بأحكام الألوهية وإرسال الرسل وصدقها في كل أخبارها، وما يتوقف شيء من ذلك عليه خاصا به، وتقرير أدلتها بقوة هي مظنة لرد الشبهات وحل الشكوك.

هكذا حده الشيخ ابن عرفة،

قال: فيخرج علم المنطق»،

ثم قال: «ومن ثم قال غير واحد: هو فرض كفاية على أهل كل قطر يشق الوصول منه إلى غيره»،

وأضاف: «وحدَّه ابن التلمساني بأنه: العلم بثبوت الألوهية والرسالة وما يتوقف معرفتهما عليه من جواز العالم وحدوثه وإبطال ما يناقض ذلك» [13].

أما اليوسي فذهب إلى التفصيل في ذلك بالقول: (ينبغي أن يعلم في هذا المقام أن مبادئ العلم التي تذكر بين يدي الشروع فيه عشرة وهي: اسمه وحده وموضوعه وواضعه واستمداده ومسائله ونسبته وفائدته وحكمه وفضله، وهذه كلها محتاج إلى معرفتها في الجملة، إلا أن بعضها أوكد من بعض..) [14]

ثم قال: (أما اسم هذا العلم فاعلم أنه يسمى بثلاثة أسماء وهي: علم أصول الدين، وعلم التوحيد، وعلم الكلام.

أما تسميته بالأول، فلأن سائر العلوم الدينية مبنية عليه، وأصل الشيء ما يبنى عليه الشيء..

وأما تسميته بالثاني، فلأنه مشتمل على توحيد الله تعالى تسمية له بأشرف أجزائه.

وأما بالثالث، فلأن أهل الكلام يصدرون مباحثهم بقولهم: (الكلام في كذا-الكلام في هذا- المبحث كذا)..

وأما بالرابع، فلأن المقصود من هذا العلم معرفة الإله تعالى..) [15]

وقال في موضع آخر إجمالا لما بسطه في الحواشي: (فالحاصل عندنا اليوم أنه العلم الباحث عن الكائنات من حيث إثبات موجدها وصفاته وأفعاله وخطابه لخلقه وأحوال الخطاب وما يتوقف عليه شيء من ذلك خاصا) [16].

ثم علق على اعتماد السنوسي على حد ابن عرفة له فقال: (فأدخلنا في الحد موضوع العلم لأن ذلك سنة الحد خلاف ما فعلوا في تعريفهم) وأضاف: (ودخل في أحوال الخطاب النبوات والسمعيات، ولا حاجة إلى تقرير الأدلة الواقعة في تعريف ابن عرفة) [17] ، فبين بالتالي أن تعريف السنوسي واعتماده على ابن عرفة في إضافة تصديق النبوات هو أصلا داخل في فيها دون ذكرها بألفاظها (فلا جهة لذكر: صدقها في كل أخبارها) لدخوله أصلا، فلو عبر بالرسالة وعطف على الألوهية وقال هكذا: (العلم بأحكام الألوهية والرسالة وما يتوقف شيء من ذلك إلى آخر كلامه كان أوجز وأحسن..) [18]

4- موضوعه:

 أما موضوعه فهو عند الإمام السنوسي «ماهيات الممكنات من حيث دلالتها على وجوب وجود موجدها وصفاته وأفعاله» [19].

أما اليوسي فذهب إلى القول: (فاعلم أنه قد وقع النزاع في موضوع هذا العلم؛ فذهب القدماء إلى أن موضوعه الوجود، على ما مر من أن المتكلم ينظر في أعم الأشياء وهو الوجود فيقسمه إلى قديم وحادث. وذهب قوم إلى أن موضوعه المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية..) [20] إلى غير ذلك من التعاريف التي ذكرها هنا.

وإذا كان السنوسي قد أتبع الكلام هنا بعرض مجموعة من المصطلحات والألفاظ المحتاج إليها في هذا العلم من قبيل لفظ: العالَم والأزل والقديم والحادث والجوهر والمتحيز والعرَض..وغيرها، ثم انطلق بعد ذلك لعرض مباحث علم الكلام وفق رؤيته؛ وقوفا عند أضرب الاستدلال الأربع، ومرورا بباب: (أن النظر في النفس يدل على وجود الله)، ومناقشة الفخر الرازي في مسألة: (أن كل حادث فله موجد وأنها قضية ضرورية)، ومسألة:  (الاستدلال بالإمكان على وجود الصانع)، ثم الوقوف عند مسألة: (حدوث العالم ودليله)، وبعدها: (القول في الصفات)؛ وكونه تعالى قادرا مريدا عالما حيا سميعا بصيرا متكلما مدركا، ثم عقد فصلا في صفات المعاني، والقول في قدم الصفات، وفصلا آخر في: (الوحدانية)، وبعده: (القول في القدرة الحادثة)، ومبحث: (الكسب عند أهل السنة)، و: (القول في التولد)، ثم: (ما يجوز في حقه تعالى من الرؤية وما لا يجب على الله تعالى)، و: (القول في الحسن والقبح والحكم الشرعي فيهما)، وبعد ذلك انتقل إلى مبحث: (النبوات)؛ وما يستتبعه من القول في المعجزة وعصمة الأنبياء وإثبات رسالة نبينا محمد (ص)، ليصل أخيرا إلى باب: (السمعيات)، ثم يختم بمبحث أخير في: (أصول الأحكام الشرعية)؛ المتلقاة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقياس الأئمة، وما يستنبط منها من خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين من الإيجاب والتحريم والندب والكراهة والإباحة..

فإن اليوسي قد ذهب إلى التفصيل في ذلك تماشيا مع طريقته في مزيد توضيح لمباحث هذا العلم وخصوصياته وعلاقته بالعلوم الأخرى فذكر ما يلي:

– استمدادات علم الكلام، وقال فيها: (وأما استمدادات هذا الفن وتسمى مبادؤه أيضا؛ أي ما يتوقف الشروع عليه في مسائله فهي الأحكام الثلاثة: الوجوب والاستحالة والجواز..)،

– مسائل علم الكلام، وقال: (وأما مسائل هذا العلم فاعلم أن مسائل العلم هي القضايا التي تثبت فيه بطريق القصد، وهي هنا القضايا المثبتة فيه إما بالبراهين العقلية كثبوت الصانع وما له من الصفات المصححة للفعل، وإما بالدلائل النقلية كالحشر والنشر، وقد تكون هذه المسائل مبادئ لمسائل أخرى كمباحث النظر ومباحث المعدوم والحال مثلا..)،

– نسبة علم الكلام من باقي العلوم، وقال: (وأما نسبة هذا العلم من العلوم أعني الدينية كالتفسير والحديث والأصول والفقه، فهو كلي لها وهي له جزئيات…)،

– فائدة علم الكلام، حيث قال: (وأما فائدة هذا العلم فلا يخفى أن له فوائد أخروية كالسلامة من العذاب المرتب على الكفر وسيء الاعتقاد ودنيوية كرفع القتل وانتظام المعاش بالعدل ورفع الجور والتظالم) [21].

وقد كان غرضه في ذلك حصر المهام والغايات التي من أجلها حرص العلماء المسلمون الدفاع عن علم الكلام أمام من حظره من معارضيه، ولا يشك الباحث أن الأمر كان ضروريا وفق ما ذهب إليه ابن خلدون حين قال: (وكان ذلك سببا لانتهاض أهل السنة بالأدلة العقلية على هذه العقائد دفعا في صدور هذه البدع..) [22]، فكانت غاياته ومقاصده بادية للعيان حفظا للديانة وصونا لها من عبث المبطلين.

إعداد الباحث: منتصر الخطيب

الهوامش:

[1] الإشارة إلى مقال: شرح المقدمات لأبي عبد الله السنوسي-

 http://www.achaari.ma/Article.aspx?C=5662

[2] الإشارة إلى مقال: شرح السنوسية الكبرى المسمى “عمدة أهل التوفيق والتسديد”للإمام أبي عبد الله السنوسي(ت895هـ)-  ttp://www.achaari.ma/Article.aspx?C=32

[3] معلمة المغرب- الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر-مطابع سلا/2005-ج/22-ص:7692

 [4]  الإشارة إلى مقال: ترجمة أبي المواهب الحسن اليوسي- http://www.achaari.ma/Article.aspx?C=5863

[5] مقدمة ابن خلدون- ص: 448 (ب.ت)

[6] حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي المسماة: “عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد” لليوسي -تقديم وتحقيق وفهرسة: الدكتور حميد حماني اليوسي- مطبعة دار الفرقان للنشر الحديث/الدار البيضاء- الطبعة الأولى/2008-ص: 114

[7] نفسه- من المقدمة- ص: 85

[8] شرح السنوسية الكبرى لأبي عبد الله السنوسي- الدكتور عبد الفتاح عبد الله بركة- دار القلم/الكويت-الطبعة الأولى/1982-ص: 37-38

[9] حواشي اليوسي- ص: 276

[10] شرح السنوسية الكبرى- ص: 50-51

[11] حواشي اليوسي- ص: 316-317

[12] نفسه ص: 271

 [13] شرح السنوسية الكبرى – ص: 67

[14] نفسه -306

[15] نفسه -306

[16] كتاب القانون-180 – انظر: المشرب – ج/1-ص 136-137

[17] المشرب/137

[18] حواشي اليوسي- 314

[19] شرح السنوسية الكبرى – ص: 68

[20] حواشي اليوسي-316

[21] نفسه- ص: 306 وما بعدها

[22] المقدمة

إعداد الباحث: منتصر الخطيب

يعتبر الإمام السنوسي
(832هـ/895هـ) إماما عالما عَلَمًا من أئمة أهل السنة والجماعة، كما
أشرنا إلى ذلك عند التعريف ببعض مؤلفاته العقدية الكبرى ككتاب “شرح
المقدمات” في مقال سابق[1] والذي يعتبر من أجلّ الكتب في علم التوحيد،
وإن كانت كل مؤلفاته لها طابع خاص، وكتابه “شرح السنوسية الكبرى” الذي
سبق عرضه كذلك[2]، باعتباره أحد الآثار العقدية الشاهدة لأبي عبد الله
السنوسي بإمامته في علم الكلام، والدالّة على امتلاكه آليات النهوض بعلم
الكلام الأشعري.
أما العلامة المغربي
اليوسي(ت.1102هـ) فيمثل نابغة وقته، جاء في “معلمة المغرب”:
«اتفقت المصادر التي ترجمته على علو كعبه العلمي وصلاحه
الصوفي»[3]، وتبقى كتبه المعروفة والمتداولة شاهدة على هذا
النبوغ العلمي؛ ومنها كتاب “مشرب العام والخاص من كلمة الإخلاص”، “حواشي
اليوسي على شرح كبرى السنوسي المسماة عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح
عقيدة أهل التوحيد”، “المحاضرات في الأدب واللغة” وغيرها، هذا بالإضافة
إلى مجموعة من الرسائل العلمية فقهية وعقدية، ومنظومات شعرية، كم تم
التعريف به في مقالات سابقة كذلك [4].
وما سينفرد به هذا
المقال هو الوقوف على بعض نصوص الإمام أبي عبد الله السنوسي في تعريفه
لعلم الكلام بصفة عامة وأقسامه ومباحثه وغير ذلك، وما قام به الحسن بن
مسعود اليوسي في كتابه “حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي” من شرح
وتعليق أو إضافة عليها، غرضنا في ذلك أن نتتبع تطور علم الكلام ومباحثه
بمنطقة الغرب الإسلامي بعد التعريف الذي وضعه ابن خلدون من قبل في
مقدمته بأنه: (علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية
والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقاد عن مذهب السلف وعقائد أهل
السنة) [5].
وذلك دون أن أقف على
منهج اليوسي العام في عرض الكتاب ونقده وفق ما ذكره في مقدمة حواشيه
قائلا: ( هذا وإنه لما امتن الله تعالى علينا بقراءة “عقيدة أهل
التوحيد” وشرحها “عمدة أهل التوفيق والتسديد” مررت فيها بمواضع متعاصية
على بعض الأذهان متواصية ألا تدخل جنتها إلا بشفاعة الذكاء أو البيان،
فعزمت على أن أنبه عليها وأقطع إن شاء الله إضافة الإبهام إليها)[6] /.
وكذلك دون أن أتتبع
منهج اليوسي في هذا الشرح والذي يمكن الوقوف عليه فيما قام به محققه
د.حميد حماني – لتواجد الكتاب وسهولة الاطلاع عليه- والذي ذكر
من جملة ما قام به قائلا: (ولم يقتصر اليوسي على ما أوردناه من هذه
النماذج التي تجعلك ترى رأي العين منهجه المتبع في الشرح والبيان، بل
كثيرا ما قرر الكلام المنقول من قبل السنوسي عن الأئمة المتقدمين كابن
التلمساني شارح المعالم في أصول الدين للإمام الرازي، أو ابن دهاق شارح
الإرشاد لإمام الحرمين، كما عمل على تمييز كلام السنوسي عن كلام غيره
حين يورده هذا الأخير بين ثنايا كلامه على سبيل الاستشهاد كما هو الحال
في نقله لكلام ابن التلمساني المذكور أو كلام البيضاوي صاحب الطوالع،
وفيه إنصاف للسابق من العلماء من حيثية سبق التفطن للفكرة، أو ما يمكن
تسميته الاهتداء إلى جذور الأفكار وأصولها…) [7].
 وتنبغي
الإشارة هنا إلى أن الإمام السنوسي لم يضع – في كتابه
المذكور-  عناوين متتالية للتعريف بعلم الكلام، ولا اليوسي
كذلك، وإنما سأتتبع في هذا المقال العناوين التي تقرِّب القارئ لاستنباط
رأيهما في الموضوع من خلالها.
وأول ما يطالعنا به من
نصوص في كتاب “شرح السنوسية الكبرى” وكتاب “حاشية على شرح الكبرى” البحث
في دور علماء الكلام في حرص الدين والدفاع والمحاججة عنه.
1- نبذة عن
جهود علماء الكلام وبيان مشروعية علم الكلام
وغايته:
يقول السنوسي تحت
العنوان التالي: “نبذة عن جهود علماء الكلام”: «فهم جَعَلُوا
على حرز دين الإسلام أسواراً لما قدِمت جيوش المبتدعة التي لا تحصى كثرة
تريد استلاب ذلك الدين وإبداله بجهالات يهلك من اتبعها. ثم لما أتت
المبتدعة بمعاول الشبهات لتهدم به أسوار الأدلة وبسلالم الأوهام
والتخيلات للتجاوز بها إلى حرز الدين، بالغت العلماء رضي الله عنهم في
الاحتياط للدين ونظرت بعين الرحمة لجميع المسلمين، فأفسدت عليهم تلك
الشبهات ونسخت لهم تلك الأوهام والتخيلات بأجوبة قاطعة، لا يجد العاقل
عن الإذعان لها سبيلا، وأنفقوا رضي الله عنهم في جميع ذلك الذخائر التي
حصلت لهم من الكتاب والسنة وأصحاب رسول الله (ص) الذين هم القدوة لهذه
الأمة… فهذا حال علماء أهل السنة الذين تكلموا في علم التوحيد وألفوا
فيه التآليف جزاهم الله أفضل الجزاء» [8].
أما اليوسي
فيبدأ الحديث عن ذلك تحت العنوان التالي “مشروعية علم الكلام وغايته”
حيث يقول: (الاعتقادات: كانت في صدر الإسلام سليمة، ولما تكاثرت الأهواء
والشيع، وافترقت الأمة كما أخبر به الصادق المصدوق (ص) على فرق، وكثر
الخبث في الدين وغطت على الحق شبه المبطلين، انتهض علماء الأمة وعظماء
الملة إلى مناضلة المبطلين باللسان، كما كان الصدر الأول يناضلون على
الدين بالسنان وأعدوا لجهاد المبطلين ما استطاعوا من قوة، فاحتاجوا إلى
مقدمات كلية وقواعد عقلية واصطلاحات وأوضاع يجعلونها محل النزاع
ويتفهمون بها مقاصد القوم عند الدفاع، فدونوا ذلك وسموه علم الكلام
وأصول الدين) [9].
فالغاية والمقصد هما
أول ما يبحث عنه في سائر العلوم والمعارف، ولما كان الغرض من البحث في
علم الكلام عند كل من السنوسي واليوسي هو حرز الدين والدفاع والحجاج عنه
كان من أولى الأولويات، ومن هنا شرفه وفضله.
2- الرد على من حرَّم
النظر في علم الكلام:
 المسألة
الثانية التي وقف عندها السنوسي واليوسي هي النظر فيمن اعتبر علم الكلام
محرما أو غير مطلوب تعلمه؛ مبينين خطأ هؤلاء في الحكم على علم الكلام
الناشئ عن قلة البصيرة وعدم التمكن من العلم بمقاصد الدين وغاياته، فتحت
هذا العنوان نتتبع ذم الإمام السنوسي لمذهب أهل التقليد في العقائد حيث
يقول: «وإذا عرفت ضعف القول بصحة التقليد، فأضعف منه في غاية
قول من قال: النظر في علم الكلام حرام، بل لا يشك عاقل في فساد هذا
القول إن حمل على ظاهره، لأنه مصادم للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة.
ويلزم هذا القائل أن يجعل الأوامر التي في الكتاب والسنة بالنظر
والاعتبار منسوخة، إذ علم الكلام إنما هو شرح لها، والإجماع على بطلان
ذلك، بل يلزمه أشنع من هذا؛ وهو أن يحرم قراءة القرآن إذ هو مملوء
بالحجج والبراهين والرد على فرق الكفرة بعد حكاية أقوالهم وشبهها وذكر
مناظرة الأنبياء مع أممها. ولم يزد علماء الكلام من أهل السنة في كتبهم
الكلامية شيئا على نهج القرآن من حكاية الأقوال الفاسدة وشبهها، ثم ذكر
البراهين القطعية لإبطالها. وقصارى الأمر أنهم أحدثوا اصطلاحات تليق
بضبط العلم لأهل الزمان ولا حجر إجماعا في الأوضاع والعبارات والتصرف
فيها بحسب ما يليق بمصالح الأقضية النازلات.. »
[10].
ونفس الأمر نجده عند
اليوسي حينما حاجج من اعتبر أن النظر في علم التوحيد حرام حيث يقول:
(وأما ما يحكى عن بعض المبتدعة كالحشوية وغيرهم؛ من أن النظر في علم
التوحيد حرام، فلا يخفى فساده وضلال معتقده لكل عاقل، إذ هو مصادم
للكتاب والسنة وإجماع المسلمين الذين يعتد بهم، وأما ما يخلطون به، أن
الصحابة رضي الله عنهم لم يتكلموا فيه فكذب منهم وافتراء.. قال بعض
العلماء: من قدح في علم التوحيد فقد أنكر القرآن والسنة؛ إذ أدلته
مأخوذة منهما) [11].
ويوضح اليوسي أن
الإتيان بالحجج مذكور في القرآن دفاعا عن دين الله ليدحض قول القائلين
بحرمة الحجاج والكلام في ذلك حيث يقول: (على أن معظم ذلك (أي من الإتيان
بالحجج) مذكور في القرآن، وكانوا عربا يفهمون معانيه فهما وافيا، وكان
مملوءا بالحجج والرد على المبطلين، وقد ذكر الله تبارك وتعالى عقائد
المبطلين كإنكار البعث والتثليث وغيرهما من الكفريات وأبطلها، وفي ذلك
لأهل الكلام أعظم حجة) [12]، فأضاف بهذا عما ذهب إليه السنوسي من الكلام
فيه وفق ما تتطلبه ظروف الزمان الذي ينتسب إليه ما يتطلب الكثير من
التوضيح وبيان الحجة بالحجة.
3- تعريف علم الكلام:
وبعد أن تعرفنا على آراء السنوسي واليوسي في غايات ومقاصد علم الكلام
وحجيته، نتعرف الآن على حد هذا العلم وفق آرائهما.
وضع الإمام السنوسي
تعريفا جامعا لعلم الكلام ومبادئه، مقتصرا على إيراد مجموعة من
التعريفات التي وضعها من قبله، ما سمح لليوسي لإبداء مجموعة من
الاعتراضات والتوضيحات بخصوص هذا الأمر، بل إن اليوسي أفاض في الأمر
وفصل فيه انسجاما مع روح عصره.
فذهب السنوسي إلى
القول: «أما حقيقة علم الكلام فهو: العلم بأحكام الألوهية
وإرسال الرسل وصدقها في كل أخبارها، وما يتوقف شيء من ذلك عليه خاصا به،
وتقرير أدلتها بقوة هي مظنة لرد الشبهات وحل
الشكوك.
هكذا حده الشيخ ابن
عرفة،
قال: فيخرج علم
المنطق»،
ثم قال: «ومن
ثم قال غير واحد: هو فرض كفاية على أهل كل قطر يشق الوصول منه إلى
غيره»،
وأضاف:
«وحدَّه ابن التلمساني بأنه: العلم بثبوت الألوهية والرسالة
وما يتوقف معرفتهما عليه من جواز العالم وحدوثه وإبطال ما يناقض
ذلك» [13].
أما اليوسي فذهب إلى
التفصيل في ذلك بالقول: (ينبغي أن يعلم في هذا المقام أن مبادئ العلم
التي تذكر بين يدي الشروع فيه عشرة وهي: اسمه وحده وموضوعه وواضعه
واستمداده ومسائله ونسبته وفائدته وحكمه وفضله، وهذه كلها محتاج إلى
معرفتها في الجملة، إلا أن بعضها أوكد من بعض..)
[14]
ثم قال: (أما اسم هذا
العلم فاعلم أنه يسمى بثلاثة أسماء وهي: علم أصول الدين، وعلم التوحيد،
وعلم الكلام.
أما تسميته بالأول،
فلأن سائر العلوم الدينية مبنية عليه، وأصل الشيء ما يبنى عليه
الشيء..
وأما تسميته بالثاني،
فلأنه مشتمل على توحيد الله تعالى تسمية له بأشرف أجزائه.
وأما
بالثالث، فلأن أهل الكلام يصدرون مباحثهم بقولهم: (الكلام في كذا-الكلام
في هذا- المبحث كذا)..
وأما بالرابع، فلأن
المقصود من هذا العلم معرفة الإله تعالى..) [15]
وقال في موضع
آخر إجمالا لما بسطه في الحواشي: (فالحاصل عندنا اليوم أنه العلم الباحث
عن الكائنات من حيث إثبات موجدها وصفاته وأفعاله وخطابه لخلقه وأحوال
الخطاب وما يتوقف عليه شيء من ذلك خاصا) [16].
ثم علق على اعتماد
السنوسي على حد ابن عرفة له فقال: (فأدخلنا في الحد موضوع العلم لأن ذلك
سنة الحد خلاف ما فعلوا في تعريفهم) وأضاف: (ودخل في أحوال الخطاب
النبوات والسمعيات، ولا حاجة إلى تقرير الأدلة الواقعة في تعريف ابن
عرفة) [17] ، فبين بالتالي أن تعريف السنوسي واعتماده على ابن عرفة في
إضافة تصديق النبوات هو أصلا داخل في فيها دون ذكرها بألفاظها (فلا جهة
لذكر: صدقها في كل أخبارها) لدخوله أصلا، فلو عبر بالرسالة وعطف على
الألوهية وقال هكذا: (العلم بأحكام الألوهية والرسالة وما يتوقف شيء من
ذلك إلى آخر كلامه كان أوجز وأحسن..) [18]
4-
موضوعه:
 أما موضوعه
فهو عند الإمام السنوسي «ماهيات الممكنات من حيث دلالتها على
وجوب وجود موجدها وصفاته وأفعاله»
[19].
أما اليوسي فذهب إلى
القول: (فاعلم أنه قد وقع النزاع في موضوع هذا العلم؛ فذهب القدماء إلى
أن موضوعه الوجود، على ما مر من أن المتكلم ينظر في أعم الأشياء وهو
الوجود فيقسمه إلى قديم وحادث. وذهب قوم إلى أن موضوعه المعلوم من حيث
يتعلق به إثبات العقائد الدينية..) [20] إلى غير ذلك من التعاريف التي
ذكرها هنا.
وإذا كان السنوسي قد
أتبع الكلام هنا بعرض مجموعة من المصطلحات والألفاظ المحتاج إليها في
هذا العلم من قبيل لفظ: العالَم والأزل والقديم والحادث والجوهر
والمتحيز والعرَض..وغيرها، ثم انطلق بعد ذلك لعرض مباحث علم الكلام وفق
رؤيته؛ وقوفا عند أضرب الاستدلال الأربع، ومرورا بباب: (أن النظر في
النفس يدل على وجود الله)، ومناقشة الفخر الرازي في مسألة: (أن كل حادث
فله موجد وأنها قضية ضرورية)، ومسألة:  (الاستدلال بالإمكان
على وجود الصانع)، ثم الوقوف عند مسألة: (حدوث العالم ودليله)، وبعدها:
(القول في الصفات)؛ وكونه تعالى قادرا مريدا عالما حيا سميعا بصيرا
متكلما مدركا، ثم عقد فصلا في صفات المعاني، والقول في قدم الصفات،
وفصلا آخر في: (الوحدانية)، وبعده: (القول في القدرة الحادثة)، ومبحث:
(الكسب عند أهل السنة)، و: (القول في التولد)، ثم: (ما يجوز في حقه
تعالى من الرؤية وما لا يجب على الله تعالى)، و: (القول في الحسن والقبح
والحكم الشرعي فيهما)، وبعد ذلك انتقل إلى مبحث: (النبوات)؛ وما يستتبعه
من القول في المعجزة وعصمة الأنبياء وإثبات رسالة نبينا محمد (ص)، ليصل
أخيرا إلى باب: (السمعيات)، ثم يختم بمبحث أخير في: (أصول الأحكام
الشرعية)؛ المتلقاة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقياس الأئمة، وما
يستنبط منها من خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين من الإيجاب
والتحريم والندب والكراهة والإباحة..
فإن اليوسي قد ذهب إلى
التفصيل في ذلك تماشيا مع طريقته في مزيد توضيح لمباحث هذا العلم
وخصوصياته وعلاقته بالعلوم الأخرى فذكر ما يلي:
– استمدادات
علم الكلام، وقال فيها: (وأما استمدادات هذا الفن وتسمى مبادؤه أيضا؛ أي
ما يتوقف الشروع عليه في مسائله فهي الأحكام الثلاثة: الوجوب والاستحالة
والجواز..)،
– مسائل علم الكلام،
وقال: (وأما مسائل هذا العلم فاعلم أن مسائل العلم هي القضايا التي تثبت
فيه بطريق القصد، وهي هنا القضايا المثبتة فيه إما بالبراهين العقلية
كثبوت الصانع وما له من الصفات المصححة للفعل، وإما بالدلائل النقلية
كالحشر والنشر، وقد تكون هذه المسائل مبادئ لمسائل أخرى كمباحث النظر
ومباحث المعدوم والحال مثلا..)،
– نسبة علم الكلام من
باقي العلوم، وقال: (وأما نسبة هذا العلم من العلوم أعني الدينية
كالتفسير والحديث والأصول والفقه، فهو كلي لها وهي له
جزئيات…)،
– فائدة علم الكلام،
حيث قال: (وأما فائدة هذا العلم فلا يخفى أن له فوائد أخروية كالسلامة
من العذاب المرتب على الكفر وسيء الاعتقاد ودنيوية كرفع القتل وانتظام
المعاش بالعدل ورفع الجور والتظالم) [21].
وقد كان غرضه في ذلك
حصر المهام والغايات التي من أجلها حرص العلماء المسلمون الدفاع عن علم
الكلام أمام من حظره من معارضيه، ولا يشك الباحث أن الأمر كان ضروريا
وفق ما ذهب إليه ابن خلدون حين قال: (وكان ذلك سببا لانتهاض أهل السنة
بالأدلة العقلية على هذه العقائد دفعا في صدور هذه البدع..) [22]، فكانت
غاياته ومقاصده بادية للعيان حفظا للديانة وصونا لها من عبث
المبطلين.
إعداد الباحث: منتصر
الخطيب
الهوامش:
[1] الإشارة
إلى مقال: شرح المقدمات لأبي عبد الله السنوسي-
 http://www.achaari.ma/Article.aspx?C=5662
[2] الإشارة
إلى مقال: شرح السنوسية الكبرى المسمى “عمدة أهل التوفيق
والتسديد”للإمام أبي عبد الله السنوسي(ت895هـ)-
ttp://www.achaari.ma/Article.aspx?C=32
[3] معلمة المغرب-
الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر-مطابع
سلا/2005-ج/22-ص:7692
 [4]  الإشارة إلى مقال: ترجمة أبي
المواهب الحسن اليوسي-
http://www.achaari.ma/Article.aspx?C=5863
[5] مقدمة ابن خلدون-
ص: 448 (ب.ت)
[6] حواشي اليوسي على
شرح كبرى السنوسي المسماة: “عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل
التوحيد” لليوسي -تقديم وتحقيق وفهرسة: الدكتور حميد حماني اليوسي-
مطبعة دار الفرقان للنشر الحديث/الدار البيضاء- الطبعة الأولى/2008-ص:
114
[7] نفسه- من المقدمة-
ص: 85
[8] شرح السنوسية
الكبرى لأبي عبد الله السنوسي- الدكتور عبد الفتاح عبد الله بركة- دار
القلم/الكويت-الطبعة الأولى/1982-ص: 37-38
[9] حواشي اليوسي- ص:
276
[10] شرح السنوسية
الكبرى- ص: 50-51
[11] حواشي اليوسي- ص:
316-317
[12] نفسه ص:
271
 [13] شرح
السنوسية الكبرى – ص: 67
[14] نفسه
-306
[15] نفسه
-306
[16] كتاب القانون-180
– انظر: المشرب – ج/1-ص 136-137
[17] المشرب/137
[18] حواشي اليوسي-
314
[19] شرح السنوسية
الكبرى – ص: 68
[20] حواشي
اليوسي-316
[21] نفسه- ص: 306 وما
بعدها
[22] المقدمة
إعداد الباحث: منتصر
الخطيب
Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق