مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةعن المراكز

تعرف على مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية

العقيدة أساس الدين ورأسه، باستقامتها يفوز الفرد ويفلح، وينمو المجتمع ويزكو، ومن هنا حصل الاتفاق بين مجموع المعتقدين برسالة الإسلام، على أن الدفاع عن حمى العقيدة من أوجب الواجبات، وأسمى الغايات، و”علم الكلام” أو “علم العقيدة” أو “الفقه الأكبر” أو “علم التوحيد” هو العلم المضطلع بهذه المهمة المفصلية.

إلا أنه لا ينبغي أن نغفل عن تقسيم علمي منهجي متعلق أولا بالجانب الثابت في العقيدة مما ورد به التوقيف كتابا وسنة، ومن ثم فلا يمكن تجاوزه أو الزيادة فيه والنقص، وجانب ثان مرتبط بحيز التحول والاجتهاد، والتطور الفكري البشري، وهو الجانب الذي يستوعب متغيرات التطور الزماني والاجتهادي، بالنظر لتطور المخالف، وتغير أدلته ووسائله، ونوعية الإشكالات، والشبهات التي يثيرها ويناظر عليها، فالنوع الأول ثابت، بينما يسري على الثاني ما يسري على عمل الفكر البشري من إصابة الحق، والصواب أحيانا، والوقوع في الغفلة والسهو والاختباط الفكري في أحيان أخرى.

وقد حفل تاريخ الإسلام الكلامي بالفرق والمذاهب والاتجاهات العقدية المتعددة، التي ساهمت كلها في الدفاع عن عقيدة الإسلام وتجليتها… ولكن الخلاف العقدي بينها تحول مع مرور الوقت إلى صراع مذهبي داخلي، احتدم بفعل تنوع المناهج، واختلاف المواقف المبدئية، وتضارب المؤثرات الإيديولوجية المختلفة لدى كل فريق. فغالى من غالى في الاختيارات المضمونية والمنهجية، وازدحمت الساحة باتجاهات كلامية كثيرة أغرق بعضها في التعصب، وإعلان البراءة من جمهور المسلمين، ودخل علم الكلام خلال فترات طويلة من تاريخ الإسلام في متاهات أصبحت خلالها المنهجية الدفاعية لعلم الكلام أداة لتعميق الخلاف، ونشر التعصب، والحكم على أهل الإسلام وتصنيفهم إلى ناجين أو هالكين.

ولكن السواد الأعظم من المسلمين انتهج نهجا مطبوعا بالتوسط، محكوما باجتهاد رحيب يعتمد ثنائية النقل الصحيح، والعقل الصريح، وانتهى إلا احتضان مضامين عقدية مستمدة من مدرسة الصحابة والتابعين، فأعلن تشبثه بهذا الهدي مجافيا التعصب المقيت، متمسكا بالآراء التوسطية المعتدلة، نائيا عن الوقوف على منصة التكفير للخصم، فاتحا باب الرجاء أمام المسلمين جميعا للدخول في رحمة الله ونيل رضاه، وتلك هي مدرسة أهل السنة والجماعة. وقد كتب الله تعالى لهذا الاتجاه أن يتجذر في بلاد الإسلام، وأن يستمر ويصمد في القيام بواجبه الدعوي والدفاعي عن العقيدة، استهداءً بالقيم الصافية، والمحتويات الموضوعية، والأدوات المنهجية المتوازنة والواقعية، التي اتسم بها فكره في تثبيت أركان العقيدة وحياطتها، أما الاتجاهات الغالية المتعصبة فقد باد جلها و بقي بعضها شاهدا على الصراع المذهبي الذي فرّق كلمة الأمة مدة غير يسيرة من الزمن.

شخصية أبي الحسن الأشعري

  من الأعلام الذين خلد تاريخ علم الكلام أسماءهم بمداد التوازن والاستقامة، الإمام أبو الحسن الأشعري، هذا العالم الذي عده كثير من مؤرخي المذاهب، المؤسس الحقيقي للاتجاه السني في العقيدة، بالنظر إلى كونه أول من أعلن مشروعية البحث في علم الكلام بالأدلة العقلية، وألف في الانتصار لذلك داخل الصف السني.

والإمام الأشعري، هو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بُرْدَةَ عامر ابن صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي موسى الأشعري، ولد على الراجح سنة 260ﮪ / 874م بالبصرة، وتوفي ببغداد سنة 324ﮪ /936م، ودفن بين الكرخ وباب البصرة.

كان الإمام أبو الحسن الأشعري سنّيا من بيت سنّة، ثم درس الاعتزال على أبي علي الجبَّائي، وتبعه في الاعتزال، ثم تاب ورَقِيَ كرسيّاً في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة، ونادى بأعلى صوته: «من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فإني أعرفه بنفسي، أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله لا تراه الأبصار، وأن أفعال الشر أنا أفعلها وأنا تائب مقلع، معتقد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم ومعايبهم».
ويكفي في بيان فضل الإمام أبي الحسن الأشعري ثناء الحافظ البيهقي عليه، وهو محدث زمانه، وشيخ أهل السنة في وقته، حيث نجده يقول: «… بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري، فلم يحدث في دين الله حَدَثاً، ولم يأت فيه ببدعة، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين، فنصرنا بزيادة شرح وتبيين».

وقد ألف الإمام الأشعري مؤلفات كثيرة تثبت كفايته وريادته في البحث العقدي على طريقة أهل السنة، ومن أهم ما وصلنا من مؤلفاته: كتاب “مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين” وكتاب “اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع”، وكتاب “الإبانة عن أصول الديانة”، و”رسالة إلى أهل الثغر”.

قال القاضي عياض في “ترتيب المدارك”: «لما كثرت تواليفه وانتفع بقوله، وظهر لأهل الحديث والفقه ذبه عن سنن الدين، تعلق بكتبه أهل السنة، وأخذوا عنه ودرسوا عليه، وتفقهوا في طريقه، وكثر طلبته وأتباعه لتعلم تلك الطرق في الذب عن السنة، وبسط الحجج والأدلة ونصر الملة، فسموا باسمه، وتلاهم أتباعهم وطلبتهم فعُرفوا بذلك، وإنما كانوا يعرفون قبل ذلك بالمثبتة، سمة عرفتهم بها المعتزلة، إذ أثبتوا من السنة والشرع ما نفوه… فأهل السنة من أهل المشرق والمغرب بحججه يحتجون، وأثنوا على مذهبه وطريقته» [525/2].

سعى الإمام الأشعري بما طرحه في مشروعه العقدي التجديدي إلى رأب الصدع بين المذاهب الكلامية، استنادا إلى ثوابت إسلامية مستوحاة من بيان القرآن الكريم والسنة النبوية، ولكنه كان مستحضرا لأمر النظر في الكسب العلمي الذي أدى إلى الاختلاف المذهبي؛ فأعاد النظر فيه وفق قاعدة الواقعية والشمول، ولأجل ذلك لقيت منهجيته في معالجة قضايا الاجتهاد الفكري في الدفاع عن مبادئ العقيدة الكثير من الاستحسان والقبول.

وما من أحدٍ يروم النظر في تجديد علم الكلام وربطه بمتطلبات عصره، إلاّ ويستحثه الواقع على النظر في تراث الإمام أبي الحسن الأشعري، ولا يعني ذلك التحجر على مواقف تراثية في سياق مواجهة النوازل المستأنفة على نحو يأسر الفكر، ويعطل الاجتهاد؛ وإنما القصد أن يستلهم الناظر روح التدين الإسلامي ومقاصده، في ذلك التراث، ليكون عوناً له على مقارعة التحديات الفلسفية المعاصرة. وقد نجح الإمام أبو الحسن ببعد نظره في أن يختط أسلوبا منهجياً علمياً حريا بأن يستلهم ويستهدى من قبل أهل الملة، ليرفدنا بثوابت منهجية تكون لنا سندا في بيان أسس العقيدة، والنظر في التراث الفلسفي الكوني حسب قواعد: التصحيح، والواقعية، والاعتدال، والتوسط، وذلك يُهيئ لنا حظا كبيرا من المرونة في التعامل مع الغير، والاستفادة من عطاءاته العلمية والفكرية والمنهجية، مع اعتبار واستحضار ثوابتنا الدينية والمنهجية، وتسديد الأفهام على طريق الاعتراف والحوار، لا على سبيل الإقصاء والشجار، ومن ثم تتحول تلك التحديات الفكرية الحالية من كونها أداة قد تُستغل لضرب الإسلام وتقويض أركانه العلمية والعقدية، إلى وسيلة للبناء والاعتراف، ومرتكَزا لتجديد علم الكلام الإسلامي ذي الثوابت السنية الأشعرية، في الاستفادة من عطاءات ومنجزات الإنسانية العلمية، وتوجيهها نحو مقاصد إسلامية كُلّية شاملة وجامعة لكل الناس.

الدعامات التصورية لمشروع المركز 

  إن مراكز البحث التابعة للرابطة المحمدية للعلماء يتقاطع داخلها بعدان، الأول: مرتبط بالمتفق عليه من الثوابت الوطنية الموجهة للرؤية الدينية والمذهبية، وآخر: علمي محض (لأنها مراكز للبحث العلمي المحايد والموضوعي)، ولعل مهمة المشرفين على المراكز في خصوص تدبير هذين البعدين، تتطلب نوعا من التوازن بين ما يتطلبه البحث النزيه من تجرد ومصداقية ونقد، وبين ما ينبغي الالتزام به من محافظة على تصورات خاصة لمفهوم إصلاح الحقل الديني بالشروط والمواصفات التي اتفق عليها المغاربة الآن، ومن ثم فإن أي مشاركة في بناء الرؤية التصورية للعمل والبحث، لا بد أن تستند إلى تصور مشروعي في صياغة الفلسفة الجوهرية التي يلزم سلوكها في تخطيط الآفاق، وتبني المنهجيات، واختيار المواضيع والقضايا ذات الأولوية في مجال البحث العلمي بالمراكز المذكورة.

وعليه فإن المنحى الذي سيعتمده مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية، يقوم على دعائم مفصلية تتغيى إغناء البحث في هذا الجانب من أهمها:

– دعامة التعريف بالتراث المغربي في العقيدة تحقيقا ودراسة.

– دعامة البحث المُوازِن بين الاتجاهات الكلامية والفلسفية في المغرب وفي العالم الإسلامي.

– دعامة تجديد الفكر الكلامي وتطوير البحث في الاستفادة من التراث الأشعري وغيره (على مستوى المنهج، والقضايا المبحوثة، والآليات المعتمدة)، لتحقيق الفاعلية وبث الحيوية في هذا الفكر.

– دعامة البحث في الفكر الإسلامي العقدي في تأثيره وتأثره بالفكر الغربي الديني والوضعي، من أجل إرساء سبل الحوار الحضاري، برؤية إسلامية مضبوطة.

إن اعتماد هذه الدعامات في إطار مشروع متكامل يحدد الغايات والأهداف للبحث العلمي في المركز سيمكن- بحول الله- من تحقيق الكثير من الإنجازات النافعة والناجعة في هذا المجال.

الوسائل المتوسل بها لإنجاح المشروع 

  لا بد لكل مشروع يسعى إلى التبلور، ويتشوّف إلى استيفاء مرادات علمية وحضارية، من اعتماد الوسائل المناسبة، والمفضية إلى المقصود، ومن الوسائل التي سيعتمدها مركز العقيدة:

– ربط الصلات مع مصادر المادة العقدية في الداخل والخارج، من مكتبات عامة وخاصة، ومراكز للبحث، وجامعات وكليات، ومؤسسات متنوعة قصد التزود بالأعمال التراثية والعلمية عموما، الصالحة للنشر والترويج.

– تحفيز عقول وأفكار العلماء والباحثين من أجل المشاركة في تقديم رؤى علمية سديدة لتطوير الدرس الكلامي عموما والأشعري خصوصا وتعميق البحوث في التراث بما يستجيب لمتطلبات العصر، وحاجات المؤمنين لتثبيت عقيدتهم، والدفاع عنها في وجه المشككين.

– إبرام الشراكات مع الجهات المتعددة، التي يمكن أن تكون مجالا للاستفادة من مساهمات المركز، أو إفادته علما وفكرا وخبرة.

– تنظيم الدورات التدريبية لتكوين الباحثين في مجال البحث العقدي عامة، والأشعري خاصة، واستدعاء الخبراء للتأطير.

– تنظيم لقاءات علمية (محاضرات- ندوات- أيام دراسية- مؤتمرات…) للتعريف بالاختيارات العقدية، والمذهبية للمغاربة، وتقريب الناشئة خاصة من ملامسة البعد العقدي، وأهميته في الإسلام.

– إعداد مشروع بيبليوغرافي عن الأعمال العلمية، والأكاديمية المنجزة عن التراث الأشعري: (الكتب، التحقيقات، المقالات، الأطاريح الجامعية).

– إعداد معجم للتعريف بالمفكرين الأشاعرة في الغرب الإسلامي.

– إنشاء خلية إعلامية يكون من مهامها التعريف بالمركز، وأنشطته، ومنشوراته، عن طريق إنشاء موقع إلكتروني، وإصدار مجلة-على المدى المتوسط- لذلك الغرض.

(الرابطة المحمدية للعلماء)

مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية 

شارع الجيش الملكي، إقامة هنية 1، الطابق 8 رقم 26، تطوان

الهاتف: 212539999767 

البريد الإلكتروني : [email protected]

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق