مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

ترجمة مكي بن أبي طالب

قطعة من كتاب: عيون الإمامة ونواظر السياسة لأبي طالب المرواني (ت516ه‍) 

الاسم والنسب والمحتد:

هو مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار، من أهل القرءان راسخا فيه وفي علومه، مدققا في علم العربية، وله رواية عالية ورحلة بعيدة.

ولادته: المكان والزمان:

ولد بمدينة القيروان سنة خمس وخمسين وثلاث مئة لسبع بقيت من شعبان، وماتت والدته من نفاسه ليلة الشك من رمضان، وهو يوم الأسبوع من ولادته.

رحلاته:

أخبر أنه سافر إلى مصر وهو ابن ثلاث عشرة سنة، فقرأ فيها ثم رجع إلى القيروان، واستظهر القرءان بعد خروجه من قراءة الحساب وغيره من الأدب، وقرأ على أبي الطيب.

ثم نهض إلى مصر ثانية بعد إكماله القراءات بالقيروان، ثم عاد إلى مصر ثالثة في سنة اثنتين وثمانين، ثم رجع إلى القيروان في سنة ثلاث وثمانين، وأقام بها يقرئ إلى أول سنة سبع وثمانين، ثم خرج إلى مكة فأقام يقرئ إلى سنة تسعين  وحج أربع حجج متوالية نوافل، ثم قدم من مكة في سنة إحدى وتسعين إلى مصر، ثم قدم من مصر إلى القيروان في سنة اثنتين وتسعين، ثم قدم إلى الأندلس في رجب من سنة ثلاث وتسعين، ثم جلس للإقراء بجامع الزاهرة، ثم انتقل منه إلى جامع قرطبة،فانتفع على يديه جماعات من الناس، وعظم اسمه في البلد

وظائفه:

قدم إلى الصلاة والخطبة بجامع قرطبة، لما اعتل القاضي يونس بن عبد الله، استخلف مكي بن أبي طالب، فكان يصلي ويخطب بهم ثم توفي القاضي فاستمر مكي على خلافته مدة إقامة مكي في الخطبة خمس سنين وعشرة أشهر غير ثلاثة أيام، واتصلت حياة مكي بعد هذا.

مما قيل فيه:

محمد بن عتاب: “كان بكي اللسان على سعة مسرحه في العلم ومعرفته باللسان، وكان يسأل عن دقائق علوم القرءان فيجلي عن نفسه، ومصنفاته تشهد بقوته في شأنه، فإن لها في الناس ذكرا شهيرا وتنافسا شديدا، وعدتها واسعة”.

محمد بن فرج: “وكان مكي ضعيفا عن الخطبة على أدبه وفهمه، وكان مجلسه موقرا لا ينطق عنده بالفحشاء، وكان عنده فنون من العلم وضروب من الآداب”.

حيان بن خلف: “…ولم يكن يتبن من خطبته شيء لعدم انطباع، لا لضيق باع، وتكلم في صلاته قوم من أولي العصبية وكانوا يرون أنهم أحق بها منه، فطعنوا وتكلموا…

وكان الشيخ مكي جماعة لمال مقترا على نفسه، مقتصدا في معيشته، واكتسب بقرطبة عقارا واسع الغلة ساوى فيه كثيرا من موسري أهلها الذين توالت لهم الجدود بها…

وكان…له مُنة من نفسه، لا يبالي أحدا ولا يراقبه… وجرت في ذلك خطوب ظهرت فيها صرامة مكي وقوة نفسه”.

من غرائب محنته:

ومن غرائب ما يؤثر من محنته مع أبي الربيع في تتبعه لسقطات مكي رضي الله عنه، فإنه قعد له يوما وقد أخذ في خطبته في ذكر تعذيب الكافر وإسلاك السلسلة التي ذكر الله في كتابه، وكانت عادته الإشارة بإصبعه إذا تكلم على المنبر، فاتفق أن استقبل بإشارته وجه رجل من الأئمة بالمدينة…، فهازل أبو العباس ابن أبي الربيع هذا بعد أيام فقال له: لقد ساءني إشارة الخطيب إليك عند ذكر السلسلة وموقع سبابته من تلقاء وجهك لا يعدوك إلى غيرك، كلاما مثل هذا أخرجه مخرج الفكاهة، فنقله هذا إلى مكي فاستعظمه واشتد عليه، فتحول مكي إلى القبلة يدعو الله عليه ويستكفيه شأنه ويستعديه عليه، واجتهد في ذلك حتى دمعت عينه وألزم أصحابه التأمين على دعائه، فلم يطل الأمر بأبي العباس حتى ضربه الله بالفالج، فعجل به ومات وأصبح حديثهما عجبا رحمة الله عليهما.

وفاته

توفي مكي في شهر المحرم من سنة سبع وثلاثين وأربع مئة، ودفن بمقبرة الربض، وسنه ثمانون سنة، وشهد جنازته جميع الناس بقرطبة، ورزئ به أهل القرءان أعظم رزية، وحف سريره من تلاميذه أمة شبابٌ ومشيخةٌ تجمل بهم مشهده وبكوه ورثوه، وصلى عليه ابنه أبو طالب،فتى معتدل الحال، آثره بذلك الوزير أبو الوليد ابن جهور صاحب الأمر بقرطبة تنويها به ووفاء لحق والده؛ إذ كان شيخه الذي عليه جود.

 د. محمد صالح المتنوسي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق