مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات وأبحاث

تبسم النبي ﷺ في ضوء السيرة « نماذج ومواقف

بسم الله الرحمن الرحيم

الباحثة: دة خديجة أبوري*

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

  فإن الشمائل النبوية علم رحب الميدان، واسع الأفق، عظيم الفائدة، فيه يماط اللثام عن شكل وصورة جسد رسول اللهﷺ، وكذا عن خلقه وسجاياه؛ فمن الحديث عن صدقه وأمانته، إلى الحديث عن شجاعته، وكرمه،  وحلمه، ورحمته، ورقته، مع الاستفاضة في وصف سلوكه اليومي؛ كطعامه، وشرابه، ونومه، وقيامه، وضحكه، وتبسمه، وغضبه، وصحته، ومرضه…ونظرا لأهمية هذا العلم سأحاول في هذا المقال الالتفات إلى جانب من جوانبه وهو: الحديث عن تبسمه صلى الله عليه وسلم؛ التي كانت من أهم سماته التي لم تفارق محياه كما قال  عبد الله بن الحارث بن حزم رضي الله عنه : «ما رأيت أحدا أكثر تبسُّما من رسول الله ﷺ » [1]

ومن المواقف التي ذكرت فيها طلاقة وجه النبي ﷺ ما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:  كان النبي – ﷺ – يخطب يوم جمعة، فقام الناس فصاحوا وقالوا: يا رسول الله قحط المطر، واحمرت الشجر، وهلكت البهائم، فادع الله أن يسقينا، فقال: «اللهم اسقنا» مرتين، فنشأت سحابة وأمطرت، ونزل النبي – ﷺ – عن المنبر فصلى، فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها، فلما قام النبي – ﷺ – يخطب صاحوا إليه: تهدمت البيوت، وانقطعت السبل، فادع الله يحبسها عنا، فتبسَّم النبي – ﷺ – ثم قال: «اللهم حوالينا ولا علينا»، فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، فجعلت تمطر حول المدينة ولا تمطر بالمدينة معجزةً لنبيه – ﷺ – وإجابةً لدعوته[2].

و ما رواه الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : «خرجت مع النبي – ﷺ – في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدُن ، فقال للناس : »تقدموا »، فتقدموا، ثم قال لي : «تعالي حتى أسابقك»، فسابقته فسبقته، فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم وبدنتُ ونسيتُ خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: «تقدموا»، فتقدموا، ثم قال: «تعالي حتى أسابقك» ، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول : « هذه بتلك »[3].

وعنها كذلك قالت:  «أصبحتُ أنا وحفصة صائمتين، فأهدي لنا طعام، فأكلنا منه، ودخل علينا النبي – ﷺ – فابتدرتني حفصة فقالت: يا رسول الله، أصبحنا صائمتين، فأهدي لنا طعام، فأكلنا منه، فتبسَّم النبي – ﷺ –  وقال : «صوما يوما مكانه »[4]

وحتى في أشد الأيام وأشقها كان رسول الله ﷺ يبتسم، ومن نماذج تبسمه ما جاء في الشمائل المحمدية عن سعد بن أبي وقاص قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك يوم الخندق حتى بذت نواجذه قال: قلت: كيف كان ضحكه؟ قال: كان رجل من المشركين معه ترس، وكان سعد راميا، وكان  الرجل يقول: كذا وكذا بالترس يغطي جبهته، فنزع له سعد بسهم فلما رفع رأسه رماه فلم يخطئ هذه منه، يعني: جبهته، وانقلب الرجل وشال برجله، فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت نواجذه[5].

وليست الابتسامة دائما علامة على الرضا والقبول، بل تستخدم أيضا للتعبير عن الغضب والانفعال، ومن نماذج ذلك ما ورد  عنه في غزوة تبوك مع هؤلاءِ المخلفين من خيرة الصحابة  قال كعب بن مالك: «فجئته فلما سلمت عليه تبسَّم تبسُّم المغضب ثم  قال: «تعال» فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: «ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك»؟ فقلت: بلى إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني والله، لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك عليَّ، ولئن حدَّثتك حديث صدق تجد عليَّ فيه، إنِّي لأرجو فيه عفو الله لا والله ! ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله  فيك …» [6]

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

هوامش المقال:

*************

([1]) أخرجه الترمذي في سننه (6 /30) كتاب: المناقب، باب: في بِشاشة النبي ﷺ برقم: (3641)

([2]) أخرجه البخاري في صحيحه (1 /322) كتاب: الاستسقاء، باب: الدعاء إذا كثر المطر حوالينا ولا علينا، برقم: (1021)، ومسلم في صحيحه (1 /397) كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: الدعاء في الاستسقاء برقم: (897).

([3]) أخرجه أحمد في مسنده (43 /313) برقم: (26277).

([4]) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (4 /280).

([5]) الشمائل المحمدية ص: (186)برقم: (235).

([6]) والحديث طويل أخرجه بطوله البخاري في صحيحه (3 /176-180)، كتاب: المغازي، باب: حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، برقم: (4418)، ومسلم في صحيحه (2 /1269-1271) كتاب: التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك رضي الله عنه، برقم: (2769).

**************

لائحة المراجع المعتمدة:

1-الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1 / 1400هـ.

2-الجامع الكبير.الترمذي:  أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي.حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي بيروت.ط 1- 1996.

3-سنن البيهقي الكبرى. البيهقي: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي. تحقيق: محمد عادل القدوسي- محمد طه الندوي- أحمد الله الندوي- هاشم الندوي- عبد الرحمن المعلمي اليماني. دار النوادر سوريا- لبنان- الكويت ط1 /1434-2013.

4-شمائل النبي صلى الله عليه وسلم. الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي . أشرف على تحيقه وقدم له: مصطفى بن العدوى. مكتبة العلوم والحكم ط1 /1429-2008

5-صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427-2006.

6-مسند الإمام أحمد بن حنبل. تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون. مؤسسة الرسالة. ط2 / 1420- 1999.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق