مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثشذور

بين الحسد والغبطة

يقول الإمام شهاب الدين أبي العباس القَرَافي المالكي(تـ684هـ) في الفرق الثامن والخمسون والمئتان من كتابه الفروق، في بيان الفرق بين قاعدة الحسد والغبطة:

اشتركت القاعدتان في أنهما طلبٌ من القلب، غيرَ أن الحسد تمني زوال النعمة عن الغير، والغبطة تمني حصول مثلها من غير تعرُّضٍ لطلبِ زوالها عن صاحبها.
ثم الحسد حسدان: تمني زوال النعمة وحصولها للحاسد، وتمني زوالها من غير يطلب حصولها للحاسد، وهو شرُّ الحاسدَيْن؛ لأنه طلبُ المفسدة الصرفة من غير معارض عادي أو طبيعي.

ثم حكمُ الحسد في الشريعة التحريم، وحكم الغبطة الإباحة لعدم تعلقه بمفسدة البتَّة، ودليل تحريم الحسد الكتاب والسنة والإجماع.

فالكتاب قوله تعالى: ﴿ومن شر حاسد إذا حسد﴾، ﴿أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله﴾، أي: لا تتمنّوا زواله لأن قرينة النّهي دالة على هذا الحذف.

وأما السنة فقوله عليه السلام: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا»، وأجمعت الأمة على تحريمه. وقد يُعبّر عن الغبطة بلفظ الحسد؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل والنهار»، أي لا غبطة إلا في هاتين على وجه المبالغة، ويقال: إن الحسد أول معصية عُصي الله بها في الأرض، حسَدَ إبليسُ آدم فلم يسجد له.

الفروق للإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي المالكي(تـ684هـ):(4/331-332) ، تحقيق عمر حسن القيام، الفروق مؤسسة الرسالة ـ بيروت، الطبعة الثانية (1429هـ/2008م).

Science

الدكتور محمد فوزار

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء الرباط

منسق مصلحة الطبع والنشر وتنظيم المعارض بالرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق