مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأخبار

النقطة الأزلية في سر الذات المحمدية لمحمد عبد الله الغزواني (ت 935هـ) دراسة وتحقيق: د. بوشعيب منصر

صدر عن دار أفريقيا الشرق كتاب: النقطة الأزلية في سر الذات المحمدية لمحمد عبد الله الغزواني (ت 935هـ)، دراسة وتحقيق: د. بوشعيب منصر.

يرتبط التصوف الإسلامي أشد الارتباط بالمرجعية الإسلامية، التي أساسها الشريعة؛ وقد مر في سيرورته التاريخية، بمراحل مختلفة؛ فتارة يطفو على السطح ويحتل مرتبة القمة في الانشغالات المجتمعية، وتارة يخبو ويصبح من الأمور المستورة، تبعا للظروف السياسية؛ وللنخبة المتصوفة.

إن من يتتبع التاريخ السياسي والثقافي بالغرب الإسلامي، يلاحظ اهتمام الناس ـ خاصتهم وعامتهم ـ بالتصوف الإسلامي، نتيجة الاهتمام بواقعهم، إلا أن درجة سطوعه، تختلف من عصر إلى عصر، ومن حاكم إلى حاكم؛ فمن الصوفية من يُقرَّب إلى القصور، فيُجزَل له العطاء، ويقال فيه الشعر، وتكتب الكتابات حوله، ويُزار حيا أو ميتا؛ ومنهم من يتسلط عليه الزجر والعقاب. وكم مرة استعان الحكام برباط الزوايا، في حروبهم وحل مشاكلهم. فلماذا كان كل هذا الاهتمام أو عدمه بالشيخ الصوفي؟

إن تغلغل الفكر الصوفي في المجتمع، جعله ينظر إلى الشيخ بمنظار المُخلّْص من الأزمات، سواء منها المتعلقة بالأجسام، عن طريق الاستشفاء، أو المتعلقة بالكوارث الطبيعية، كالجفاف والأعاصير والفيضانات، أو غير الطبيعية كالنزاعات والحروب. وبحل هذه الأزمات أو القرب من حلها، أصبح الإيمان راسخا، بقدسية الشيخ وتبجيله، وهذا من باب التأثير في المجتمع.

ولا يخرج التصوف بمراكش عن هذا النسق؛ مع بعض الخصوصيات في اتباع الطريقة والتلمذة؛ ذلك أن مراكش تعد مدينة “الأولياء”، إذ يوجد بها حوالي أربعين زاوية، أهمها زوايا السبعة رجال، الذين منهم الشيخ الغزواني، محط نظرنا في تحقيق متنه الصوفي “كتاب النقطة الأزلية في سر الذات المحمدية”. “فهي مدينة لم تزل من حيث أسست، دار فقه وعلم وصلاح ودين وولاية وسر، وهي قاعدة بلاد المغرب، وقطرها ومركزها وقطبها، فسيحة الأرجاء، صحيحة الهواء، قدرها خطير، وذكرها في كل زمان يطير، خطابها من الملوك كثير، محلها من النفوس أثير، بسيطة الساحة، مستطيلة المساحة، كثيرة المساجد، عظيمة المشاهد، جمعت بين عذوبة الماء، واعتدال الهواء وطيب التربة، وحسن الثمرة وسعة المَحرث، وعظيم بركته، وقوى الخصب وكثرة عدده وشجره[1].

أما المتن الذي عملنا على تحقيقه، فهو للشيخ أبي محمد عبد الله الغزواني أحد صوفية مراكش السبعة، والذي لا يجهله أحد من ساكنتها، بل ويدخلونه في نسيجهم التداولي، من ذلك: “سَعْدَاتْ اللِّي رْضَا عْلِيهْ الغزواني”. وكذلك “ارْوَاحْ اللِّي بْغَا يْزُورْ الْوَالِي مُولْ لَقْصُورْ”. وكذا “مِيَاتْ عْلامْ وَعْلامْ ولا عْلامْ فوقْ عْلامُو”. فضلا عن الأذكار، وهكذا وعلى الرغم من مرور حوالي خمسة قرون على وفاة الغزواني، فإن الذاكرة المراكشية ما زالت تحتفظ بما كان يتميز به عن سائر الصوفية من مكانة ورفعة، علما وسلوكا.

وكوني من ساكنة هذه المدينة، أجد نفسي متحفزا للدخول في البحث حول أقطاب صوفييها، وخاصة عمن خلف كتابا استعصى على الباحثين تحقيقه، واستكشاف خباياه. فدافِعُ الفضول العلمي، وعاملُ البحث في تراثنا المنسي؛ جعلاني أدخل هذه المغامرة برغبة أكيدة، آملا أن تصادف قسطا من الصواب.

وما الكتاب الذي بين أيدينا، إلا ثمرة الإسهام الفكري، الذي قام به الغزواني في المجال الصوفي؛ فهو يضم بين دفتيه تصوره لعدة قضايا صوفية، وردت في شكل رسائل وأحزاب وأوراد، فضلا عن قصائده الشعرية التي تعدت ألفي بيت شعري.

ونطمح في هذه الدراسة، إلى أن نكون قد لامسنا بعض جوانب مضمون هذا الكتاب. آملين التعمق فيه مستقبلا إن شاء الله؛ ذلك أن عملية المقابلة/التحقيق، قد استنفذت منا الوقت الكثير، نظرا للصعوبات التي رافقتنا أثناء التحقيق، وبخاصة إذا كان تحقيقا من نوع “النقطة”. وأول هذه الصعوبات، قراءة نسخ المخطوط قصد مقابلتها والتحقق من صوابها. ثم يليها صعوبة المصطلح الصوفي الذي روجه الغزواني في ثنايا كتابه؛ فضلا عن انعدام الدراسات السابقة حوله، عدا تلك التي تخص شخص المؤلِّف وطريقته وكراماته.

فالكتاب له خصوصيات أسلوبية، تجعل قارئه يفهم المقصود أحيانا، ولا يفهم أخرى؛ فحينما يتعلق الأمر بخطاب موجه للعامة، فإن الصياغات تتسم بسمة البساطة والوضوح، بل وإقحام كلمات عامية بين الفينة والأخرى. وحينما يتعلق الخطاب بالخاصة ـ وهم الذين يميزون بين الظاهر والباطن ـ فالإيقاع يرتفع، حتى لا تكاد تفهم منه شيئا، لأن الأمر يتعلق بالوجدان/الأحوال، وفي هذه الحالة يصعب فك الألغاز والطلاسم ليس على المريدين فحسب، بل على الذي صدرت منه ـ كما صرح بذلك الغزواني نفسه ـ .

وعمَلُنا في هذا البحث دفعنا لأن نجعله من قسمين، القسم الأول خاص بالدراسة، والثاني يتعلق بالتحقيق.

فالأول، موضع الدراسة، يتكون من ثلاثة فصول، أولها أسميناه: عبد الله الغزواني سيرة ومعالم؛ وجعلنا تحته، تمهيدا وثلاثة مباحث، هكذا:

     

أما الفصل الثالث، فيدور حول المخطوط، حيث قمنا بوصف له، ثم تعرضنا لمنهج الكتاب وأسلوبه؛ بعدها عرضنا منهجنا في التحقيق.

الخاتمة: وجعلناها عبارة عن استنتاجات لما توصلت إليه الدراسة، وبعد الانتهاء من التحقيق، ألحقناه، برسالة الغزواني إلى محمد الهبطي، ثم الفهارس العامة، بدءا بفهرس الآيات القرآنية، فالأحاديث النبوية، والأعلام الواردة في الدراسة والمتن، وملحق للمصطلحات الصوفية، ولائحة للمصادر والمراجع. وأخيرا فهرس الدراسة والمتن.

د. بوشعيب منصر

 

[1] ابن الموقت: السعادة الأبدية في التعريف بمشاهر الحضرة المراكشية (53/1) تقديم وتحقيق. حسن جلاب وأحمد المتفكر ط 1 سنة 2002. المطبعة والوراقة الوطنية. مراكش.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق