مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

المُخاطَب بين التخصيص وعُموم التغليب

 

 

شاعَ في كتابَة الإعلانات وفي مُخاطَبَة عُموم الناس أو الموظفين أو الطلاب… تَخصيصُ المُذَكَّرينَ بصيغَة التّذكيرِ والمُؤنَّثاتِ بصيغَة التأنيثِ. والحقيقةُ أنّ الذينَ يَفعلون ذلكَ يُسقطونَ خصائصَ لغة على أخرى، ومنهم مَن يفعَلُ ذلكَ ظنّاً منه أنّه يَستدرِكُ على العربيةِ ما فاتَها من تخصيصِ كلِّ جنسٍ بخطابٍ، وأنّ هذا التخصيصَ من بابِ احترامِ المرأة، فَلا تُحترمُ المرأةُ في نظرِه إلاّ إلاّ إذا خُصَّتْ بصيغةٍ لغويّةِ مستقلَّةٍ، وهذا ضربٌ من التّقليدِ الفاحشِ للكتاباتِ الأجنبيّةِ.

والحقيقةُ التي يَنبغي أن يَهتديَ إليْها “المُستدْرِكونَ” على اللغة، أنّ صيغَة جَمع المذكّرِ تدلُّ على الجنسَيْن بالتّغليبِ ولا غَضاضةَ في ذلك ولا خَفضَ من منزلةِ المرأةِ؛ لأنّ تلك عادةٌ لغويّةٌ خالصةٌ لا شِيَةَ فيها من ذُكورةٍ ولا أنوثةٍ، ولا دخلَ فيها لفَرقٍ بين فاضلٍ ومَفْضولٍ أو راجحٍ ومَرْجوحٍ، أمّا الصوابُ في العربيةِ فإنّه إذا كُتب الإعلانُ مُخاطباً الجميعَ فليكنْ بصيغةٍ واحدةٍ يدخلُ فيها عُمومُ المُخاطَبينَ الذينَ يَجمعهم الاختصاصُ أو العَمَلُ أو الدراسَةُ، كأن يُقالَ: تُعلنُ إدارة المدرسَة أو الجامعَة لعُموم الطلاب أو التلاميذ… وهي صيغة عربيّة لا يُستثنى فيها إناثٌ من ذكورٍ. ولا يَعترضُ على ذلك إلاّ مَن يَجهلُ دلالات الألفاظِ في اللغةِ العربيّةِ وهو علمٌ عَظيمٌ تأسَّسَ منه علمُ أصولِ الفقه. فليسَت منزلةُ المرأة حَبيسةَ صيغةٍ لغويّةٍ.
أمّا إذا اعترَضَ المُعترضُ وقالَ إنّ القُرآنَ الكريمَ خصَّ الإناثَ بالخطاب؛ فالجوابُ أنّ وَراءَ التخصيصِ رعايةَ حالِ المُخاطَب ومَقامَه؛ ولكنّ القرآن الكَريمَ خاطبَ الذكورَ والإناثَ بخطابٍ واحدٍ في كثيرٍ من المَواضعِ؛ فقد ذكرَ المؤمنين وعَنى بهم الجنسَيْن مَعاً ولم يُخصص: «يا أيها الذين آمنوا»، وذكَر الكافرين وعمّت الدلالةُ الجنسين «إن الذين كَفروا»؛ لماذا ؟ لأنّ الأصلَ في الخطاب القرآني وهوخطاب لغوي عربي فصيح خالص، أن يدل بالجمع المذكّر على الجنسين بالتغليب. أما ما يُمكنُ أن يعترضَ به المُعترضُ، فهو تخصيص يفرضُه السياق والعناية والاهتمام في مقام التشريف وهذا باب من أبواب البلاغة، فالآيَة التي جاءَ فيها التخصيصُ، من سورة الأحزاب:35، «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا»، مَضبوطةٌ بسياقٍ، والسياقُ فيها سياقُ تَشريف لنساء النبي صلى الله عليه وسلم «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ» في السّورةِ نفسِها، لذلك خصَّهنَّ بصيغة للتأنيث تكريما وتشريفا لأنهن أمهات المؤمنين. أما عمومُ الخطاب في اللغة العربية فهو إطلاق صيغة المُذكَّر عندَ مُخاطبة الجَميع إلاّ إذا منع مانع فوَجَب تخصيص كل جنسه بلَفظه، ويَردُ ذلكَ كثيراً في آياتِ الأحكام كالميراثِ والطَّلاقِ والظِّهارِ واللّعانِ وغير ذلكَ …
وعليْه فالأصلُ في العربية التغليب، ولا علاقةَ للتغليب بالتفضيل الوجودي أو الجنسي كما يفهمُ الناسُ اليومَ فيظنون أن العربيةَ تنقصُ من قَدْرِ النساء؛ لأن الذين يَعترضونَ إنَّما يَفعلون ذلكَ لأنّ مَصدرَ اعتراضهم أساليبُ اللغاتِ الأجنبيّةِ التي تُخصِّصُ، وخطاب العُموم في العربية لا تخصيصَ فيه، فإذا قلنا: إن الطلابَ الحاصلين على نقطة كذا فما فَوق، مَدعوون لاجتياز امتحان الاستدراك… فلا يُفهم من ذلكَ أنّ الطالبات غَير معنيات، بَل هُنّ مَشمولاتٌ بالخطاب، وهذه من عادات العربية وأساليبها ولا اعتراضَ عليْها إلاّ إذا بدَّلْنا اللغة فإننا نلتزم بعادات اللغة الأخرى.
وقَد يَقولُ القائلُ إن اللغاتِ تتطوَّرُ فَما كانَ تَعميماً قَديماً أصبحَ اليمَ تخصيصاً لأنّ النظرياتِ الدّلاليةَ والمَباحثَ اللسانيةَ الحَديثةَ أثبَتت جَدْوى القَواعدِ الكليةِ التي يَنبغي تَعميمُها في استعمال اللغاتِ اليومَ ونَبْذ القَواعدِ القَديمَةِ لأنها لا تُوافقُ قُدراتِ المتكلمينَ ولا تتناسَبُ وكفاءاتهم اللّغويّة، ولأنّ حاجاتِ العصرِ تَفرضُ التخصيصَ والتعيينَ والتدقيقَ لأنّه أقربُ إلى المنطق.
والجوابُ على ذلكَ أنّ النظرياتِ اللسانيةَ الحديثةَ يغلبُ عليْها تفسيرُ الظواهر والتنظير لها، ولا يَدخلُ في مَهامّها تَعميمُ قَواعد لغة على لغات أخرى؛ وتظلُّ اللغةُ العربيةُ ذاتَ أساليبَ ينبغي أن تُراعى عند الاستعمالِ. أما لغة الإعلانات والإعلام والصحف والإدارَة فإنها تَشتقُّ لنفسِها اليومَ أساليبَ خاصةً متأثرةً في ذلكَ بحركة التواصُل الاجتماعيّ وبالترجمَاتِ، و تَظلُّ لكل لغة خَصائصُها؛ فللفُصحى صفاتُها وخصائصُها وللمُعاصرة المنتشرة في التواصل الاجتماعي عاداتُها المُقتبسَة من لغات أخرى.

والحقيقةُ التي يَنبغي أن يَهتديَ إليْها “المُستدْرِكونَ” على اللغة، أنّ صيغَة جَمع المذكّرِ تدلُّ على الجنسَيْن بالتّغليبِ ولا غَضاضةَ في ذلك ولا خَفضَ من منزلةِ المرأةِ؛ لأنّ تلك عادةٌ لغويّةٌ خالصةٌ لا شِيَةَ فيها من ذُكورةٍ ولا أنوثةٍ، ولا دخلَ فيها لفَرقٍ بين فاضلٍ ومَفْضولٍ أو راجحٍ ومَرْجوحٍ، أمّا الصوابُ في العربيةِ فإنّه إذا كُتب الإعلانُ مُخاطباً الجميعَ فليكنْ بصيغةٍ واحدةٍ يدخلُ فيها عُمومُ المُخاطَبينَ الذينَ يَجمعهم الاختصاصُ أو العَمَلُ أو الدراسَةُ، كأن يُقالَ: تُعلنُ إدارة المدرسَة أو الجامعَة لعُموم الطلاب أو التلاميذ… وهي صيغة عربيّة لا يُستثنى فيها إناثٌ من ذكورٍ. ولا يَعترضُ على ذلك إلاّ مَن يَجهلُ دلالات الألفاظِ في اللغةِ العربيّةِ وهو علمٌ عَظيمٌ تأسَّسَ منه علمُ أصولِ الفقه. فليسَت منزلةُ المرأة حَبيسةَ صيغةٍ لغويّةٍ.

أمّا إذا اعترَضَ المُعترضُ وقالَ إنّ القُرآنَ الكريمَ خصَّ الإناثَ بالخطاب؛ فالجوابُ أنّ وَراءَ التخصيصِ رعايةَ حالِ المُخاطَب ومَقامَه؛ ولكنّ القرآن الكَريمَ خاطبَ الذكورَ والإناثَ بخطابٍ واحدٍ في كثيرٍ من المَواضعِ؛ فقد ذكرَ المؤمنين وعَنى بهم الجنسَيْن مَعاً ولم يُخصص: «يا أيها الذين آمنوا»، وذكَر الكافرين وعمّت الدلالةُ الجنسين «إن الذين كَفروا»؛ لماذا ؟ لأنّ الأصلَ في الخطاب القرآني وهوخطاب لغوي عربي فصيح خالص، أن يدل بالجمع المذكّر على الجنسين بالتغليب. أما ما يُمكنُ أن يعترضَ به المُعترضُ، فهو تخصيص يفرضُه السياق والعناية والاهتمام في مقام التشريف وهذا باب من أبواب البلاغة، فالآيَة التي جاءَ فيها التخصيصُ، من سورة الأحزاب:35، «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا»، مَضبوطةٌ بسياقٍ، والسياقُ فيها سياقُ تَشريف لنساء النبي صلى الله عليه وسلم «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ» في السّورةِ نفسِها، لذلك خصَّهنَّ بصيغة للتأنيث تكريما وتشريفا لأنهن أمهات المؤمنين. أما عمومُ الخطاب في اللغة العربية فهو إطلاق صيغة المُذكَّر عندَ مُخاطبة الجَميع إلاّ إذا منع مانع فوَجَب تخصيص كل جنسه بلَفظه، ويَردُ ذلكَ كثيراً في آياتِ الأحكام كالميراثِ والطَّلاقِ والظِّهارِ واللّعانِ وغير ذلكَ …

وعليْه فالأصلُ في العربية التغليب، ولا علاقةَ للتغليب بالتفضيل الوجودي أو الجنسي كما يفهمُ الناسُ اليومَ فيظنون أن العربيةَ تنقصُ من قَدْرِ النساء؛ لأن الذين يَعترضونَ إنَّما يَفعلون ذلكَ لأنّ مَصدرَ اعتراضهم أساليبُ اللغاتِ الأجنبيّةِ التي تُخصِّصُ، وخطاب العُموم في العربية لا تخصيصَ فيه، فإذا قلنا: إن الطلابَ الحاصلين على نقطة كذا فما فَوق، مَدعوون لاجتياز امتحان الاستدراك… فلا يُفهم من ذلكَ أنّ الطالبات غَير معنيات، بَل هُنّ مَشمولاتٌ بالخطاب، وهذه من عادات العربية وأساليبها ولا اعتراضَ عليْها إلاّ إذا بدَّلْنا اللغة فإننا نلتزم بعادات اللغة الأخرى.

وقَد يَقولُ القائلُ إن اللغاتِ تتطوَّرُ فَما كانَ تَعميماً قَديماً أصبحَ اليمَ تخصيصاً لأنّ النظرياتِ الدّلاليةَ والمَباحثَ اللسانيةَ الحَديثةَ أثبَتت جَدْوى القَواعدِ الكليةِ التي يَنبغي تَعميمُها في استعمال اللغاتِ اليومَ ونَبْذ القَواعدِ القَديمَةِ لأنها لا تُوافقُ قُدراتِ المتكلمينَ ولا تتناسَبُ وكفاءاتهم اللّغويّة، ولأنّ حاجاتِ العصرِ تَفرضُ التخصيصَ والتعيينَ والتدقيقَ لأنّه أقربُ إلى المنطق.

والجوابُ على ذلكَ أنّ النظرياتِ اللسانيةَ الحديثةَ يغلبُ عليْها تفسيرُ الظواهر والتنظير لها، ولا يَدخلُ في مَهامّها تَعميمُ قَواعد لغة على لغات أخرى؛ وتظلُّ اللغةُ العربيةُ ذاتَ أساليبَ ينبغي أن تُراعى عند الاستعمالِ. أما لغة الإعلانات والإعلام والصحف والإدارَة فإنها تَشتقُّ لنفسِها اليومَ أساليبَ خاصةً متأثرةً في ذلكَ بحركة التواصُل الاجتماعيّ وبالترجمَاتِ، و تَظلُّ لكل لغة خَصائصُها؛ فللفُصحى صفاتُها وخصائصُها وللمُعاصرة المنتشرة في التواصل الاجتماعي عاداتُها المُقتبسَة من لغات أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق