الرابطة المحمدية للعلماء

المذهب المالكي بالمغرب: الخصائص ودواعي التبني

 د. أحمد عبادي: المذهب المالكي مذهب منفتح على الزمان في أبعاده كلها وغير منغلق في الماضي أو مرتهن إلى الحاضر.

نظمت “جمعية 1200 سنة على تأسيس مدينة فاس” محاضرة علمية قدمها الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، وذلك يوم الخميس 25 شتنبر ابتداء من الساعة الثامنة والنصف مساء بفندق “هلتون” بالرباط، تحت عنوان: “المذهب المالكي بالمغرب: الخصائص ودواعي التبني”.  

وبعد كلمة افتتاحية للمندوب السامي لجمعية 1200 سنة على تأسيس مدينة فاس، الدكتور سعد الكتاني  ذكر فيها بفعاليات الجمعية، وقدم فيها الأستاذ المحاضر لجمهور المتتبعين لهذه الفعالية العلمية الهامة..

انصبت محاضرة الأستاذ أحمد عبادي على الخصائص الكبرى المميزة للمذهب المالكي، التي درج العلماء على إجمالها في حوالي اثنا عشرة خاصية، وقد ركز على أكثرها أهمية وحضورا في حياة المغاربة عبر التاريخ، وهي:

ـ الوسطية؛ حيث ذهب إلى أن المذهب المالكي مذهب وسطي، تتجلى وسطيته أبرز ما تتجلى في أصل العرف الذي يحرص على مراعاة أحوال الناس وعاداتهم وتقاليدهم خاصة فيما يتصل بالزكاة، والأحوال الشخصية ..وقد دلل على ذلك بما عرف في المغرب بـ “العمل الفاسي”، و”العمل الوزاني”..

ـ الواقعية: فهو مذهب واقعي نشأ في محضن مدني نسبة إلى المدينة المنورة؛ حيث استقر الإرث النبوي، القولي والفعلي والتقريري، الذي حمله العدول من كل جيل يسلمونه للأجيال التي تليهم..

وقد ثبت بالاستقراء، يواصل الأستاذ أحمد عبادي، أن الذي جعل الإمام مالك يستلهم هذا الأصل هو تلكم الروح التي سادت المدينة؛ وهي “الروح المصوبة لكل انحراف” لأن المدينة المنورة كانت تشكل مجالا يتأبى عن الخطأ وتربة خصبة لاحتضان فقه عميق توارثه كبار علماء هذه الأمة وعلى رأسهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي منع الصحابة من مغادرة المدينة وعيا منه بأن السنة النبوية لم تجمع بالقدر الكافي..

   وهي الواقعية التي تجد أصولها في نهج الرسول الذي لم تكن دعوته صلى الله عليه وسلم دعوة طوباوية مجردة وإنما دعوة واقعية عملت على إرساء أسس “نموذج اجتماعي معياري ومرجعي”..

ـ القصد: خاصة في الأمور المتعلقة بالمعاملات. وقد أبرز الأستاذ أحمد عبادي هذه الخاصية من خلال تشبت الإمام مالك، رحمه الله، بعدم الاشتغال إلا بما تحته عمل؛ حيث كان يرد على كل من يستفتيه في مسألة افتراضية بعيدة عن الواقع: ” دعوها حتى تقع”.

ـ المرونة: وهي المرونة التي أوضحها السيد المحاضر أكثر ما أوضحها في مبحث “المصالح المرسلة”، مؤكدا أن هذا الأصل جاء ليستوعب الحياة كلها..

ـ المآلية والمستقبلية: التي بمقتضاها يغدو المذهب المالكي مذهبا منفتحا على الزمان في أبعاده كلها وغير منغلق في الماضي أو مرتهن إلى الحاضر، وإنما هو في عملية استشراف ورنو دائم إلى المستقبل..

وضمن هذه الخاصية تحدث الأستاذ أحمد عبادي عن أصل الاستحسان الذي يقوم على سد الذرائع أو فتحها من جهة، وعلى اعتبار المآل من جهة أخرى، منبها إلى أن هذا الأصل من شأنه أن يكون مخرجا جيدا من شرنقة العديد من الثنائيات التي تكرس الازدواجية والتضاد وما ينتج عنهما من تشوش يعيق عملية الاجتهاد..

ـالفاعلية: وهي خصيصة تنبع من كون الإمام مالك لا يشتغل ولا يعنى، كما سلفت الإشارة ، إلا بما تحته عمل؛ إذ كان، رحمه الله، وظيفيا (بالمعنى المقاصدي المآلي للوظيفية وليس بالمعنى “البرجماتي” والأداتي لها). كما تنبع من نزوعه إلى عدم الإغراق في التنظير..

أما عن العوامل التي جعلت المغاربة ينظرون إلى هذه الخصائص باعتبارها مستجيبة لاحتياجاتهم وتطلعاتهم، فيجملها في؛ الموقع الجغرافي للمغرب وما يتيحه من مسافة من مختلف التأثيرات الخارجية سيما تلك القادمة من الشرق؛ بحيث لا تصل إلا وقد تخففت من حدتها، وهي المسافة التي تسمح برؤية أكثر اتزانا وموضوعية؛ فتستوعب الذي يجب استيعابه وتلفظ ما لا ينسجم مع الشخصية المغربية وخصوصياتها وطباعها..

 ذلك أن المغاربة لا يقبلون من التيارات الوافدة إلا ما كان مسالما غير متكبر ولا مسيطر..فضلا عن أن أهل المغرب في عمومهم من أصل قروي وهو ما يجعلهم دائمي الاتصال بالطبيعة في بساطتها وفطريتها…

وهي الطبائع والخصائص التي جعلت المغاربة، يستخلص الأستاذ أحمد عبادي، يستوعبون التوسعة في المآلات، وهو ما مكن علمائهم من إبداع علم فريد هو علم ” مقاصد الشريعة ” مع أبي إسحاق الشاطبي الذي بلوره في سياق سعيه للتقريب بين المذاهب، سعيا منه لتجاوز الجزيئات والتركيز على الجوامع من الكليات؛ بحيث تم الانتقال من الجزئيات، إلى الكليات، إلى المقاصد، وما يتصل بذلك من فقه الترجيحات والموازنات بين المصالح والمفاسد..     

وفي تقييم إجمالي لمجمل أصول المذهب المالكي، ذهب الأستاذ أحمد عبادي إلى أن هذه الأصول ليست تفاخرية جمالية وإنما وظيفية تطبيقية عملية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق