وحدة الإحياءطبيعة ومجال

القيم البيئية في فلسفة أخلاق الأرض

 يعتبر هذا العمل استمرارية لدراسة سابقة كنت قد نشرتها بمجلة “الإحياء” بعنوان “الفلسفة البيئية وأخلاق الأرض[1]“، والعمل الذي أقدمه في هذه الورقة يسعى إلى فهم الظروف التي نشأ فيها مفهوم “أخلاق الأرض” والقيم التي يمكن استخلاصها من هذه الفلسفة التي كان أول من نحثها عالم الغابات الأمريكي “آلدو ليوبولد” في العقد الثالث من القرن العشرين..

نعرف اليوم بدقة علمية شديدة أن “الغلاف الحيوي” Biosphère يشكل قشرة دقيقة شديدة الهشاشة، تشكل استثناء ملغزا و”هشا” داخل فضاء شديد البرودة و”غير مضياف”؛ لقد اكتشف مؤخرا أن التكنولوجيا الحديثة تؤثر على مستوى كوكبي يمكنه، على المدى البعيد، أن يدمر الغلاف الحيوي Biosphère  برمته؛ من هذا المنطلق، ليس معقولا أن يفكر الإنسان في نفسه كجزيرة معزولة وسط أشياء جامدة وغير مكترثة كما فعل لحد الآن ومنذ العصور الحديثة؛ إنه مرتبط وجوديا بكل النسق الطبيعي الذي يدعم وجوده.

 ومع الأسف لازال إلى اليوم يتعامل مع الأنساق البيئية بعقلية استغلالية مثيرة للعجب كما لو أن الطبيعة خزان لا ينضب.. لقد فهم الإنسان أخيرا أنه يعيد إنتاج نفسه عبر أفعاله في الطبيعة، كما أن التكنولوجيا تفعل فيه فعلها بعمق على المستوى الجسدي والنفسي والثقافي؛ وكل ما نقوم به اليوم سيؤثر على إنسان المستقبل الذي سيكون كما أردنا له أن يكون. إذا نحن أسأنا “صياغته”، بمعنى صياغة الظروف المستقبلية التي ستحتضن وجوده، نكون بذلك قد لوحنا به في طريق ذات اتجاه واحد، وسيكون من المستحيل عليه تفكيك وجوده وإعادة تركيبه وفق رغباته هو مهما اتسع إدراكه وارتقت همته وإرادته. إذا لوث الإنسان المعاصر البر والبحر وأباد الكائنات الحية سيكون قد تسبب إلى الأبد في اضطراب “سلسلة عمل” ابتدأ مع بداية الكون، ويكون قد فعل ذلك لأسباب تافهة فرضتها  طريقة العيش المعاصرة[2].

يستدل جون ماري بيلت Jean-Marie Pelt في كتابه “عودة الوفاق بين الإنسان والطبيعة[3]” بشارل داروين وعلماء طبيعة آخرين لإبراز تعقد الأنساق البيئية.. يقول: “كان داروين قد أصر في كتابه “أصل الأنواع” على تعقد الروابط بالكائنات الحية أيا كانت درجة التباعد بينها في نظام الطبيعة، من ذلك مثلا أن انتباهه قد شدته إلى الروابط الوثيقة بين زهور نفل المروج (البرسيم الأحمر) والطنانة التي تخصبها. وترتبت على هذه ملاحظة سلسلة من النتائج: يقول داروين: “إن الطنانة هي وحدها التي تزور نفل المروج، نظرا لأن أنواع النحل الأخرى لا تستطيع بلوغ رحيق النفل، وأنه من الممكن، بناء على ذلك، أن نرجح أنه لو اختفى جنس الطنانة من إنجلترا أو أصبح نادرا فيها لندر أو اختفى بنفسج الثالوث ونفل المروج؛ وعدد الطنانات في أي إقليم يتوقف إلى حد بعيد على عدد فئران الحراج التي تدمر عشوشها وأقراص عسلها..

 ويذكر في هذا الصدد أن الكولونيل نيومان، الذي تعمق في دراسة عادات الطنانة، يعتقد أن أكثر من ثلثي الطنانات في إنجلترا يدمر كل سنة. ومن جهة أخرى، يعرف الجميع أن عدد فئران الحراج يتوقف أساسا على عدد القطط؛  ويضيف الكولونيل نيومان قائلا: “لقد لاحظت أن عشوش الطنانات تكثر بالقرب من القرى والمدن الصغيرة، الأمر الذي أعزوه إلى كثرة عدد القطط التي تقتل فئران الحراج.

 يستنتج داروين من ذلك أن من الممكن أن يكون وجود السنوريات في مكان ما هو الذي يقرر في هذا المكان ذاته وفرة نباتات معينة نتيجة لفعل الفئران والطنانات! ويعقب هايكل على ذلك بقوله: إن نفل المروج الذي يتوافر بفضل وجود القطط يشكل الغذاء الرئيسي للماشية،  وأن البحارة يؤثرون أكل لحم البقر ومن ثم فإن القطط تسهم في جعل إنجلترا قوة بحرية عظيمة. ويذهب توماس هكسلي إلى أبعد من ذلك بقوله: إن العانسات الإنجليزيات هن السبب في قوة البحرية الإنجليزية نظرا لولعهن الفائق بالقطط[4].

كانت نظرة القدماء للطبيعة نظرة شمولية، وسواء تعلق الأمر بالحضارة اليونانية أو الحضارة الإسلامية وبعدهما عصر الأنوار والنهضة الأوروبية، فإن تصور علماء الطبيعة في إطار هذه الحضارات جمع، بشكل عام، بين الفلسفة والعلم، واعتبرت الظواهر الكونية، تبعا لذلك، كثلة نسقية واحدة… وللاقتراب أكثر من هذا المفهوم أورد نظريتين حول الطبيعة هما: نظرية الإشارة Théorie des Signatures، وعلم النبات الغوتي Botanique goethéenne  نسبة إلى العالم الألماني غوته.

تتلخص النظرية الأولى في كون النباتات تمنح الإنسان إشارات دالة على خصائصها، فالجوز الذي يشبه الدماغ يدل على صلاحية هذه الفاكهة لعلاج أمراض الدماغ، وسيقان قزبرة البئر  capillaire التي تشبه الشعر الأسود اللامع إشارة إلى فائدة هذا النبات في تقوية الشعر، والسائل الأحمر الذي ينساب من نبات الفوة garance إشارة إلى الدم، وبالتالي نفع هذا النبات في أمراض فقر الدم؛ والطريف أن الكثير من الأمثلة تم التأكد من صحتها علميا، والبعض الآخر لم يثبت بشأنه شيء.. لا يعني هذا أن هذه النظرية القديمة ارتقت إلى حقيقة علمية، لكن القرائن تدل على أنه ليس من اليسير الحكم بخطئها بمعطيات العلم الحديث..

النظرية الثانية أبدعها العالم والأديب والفيلسوف غوته مستلهما دروس جون جاك روسو في النباتات، وقد توصل إلى أن أجزاء النباتات الظاهرة تعكس القِوى الكونية، فالجذور أكثر تأثرا بالقوى الأرضية forces telluriques والأوراق أكثر تأثرا بالقوى السماوية forces célestes، وحاصل هذه القوى قوة يسميها غوته الطاقة الإثيرية force éthérique، وتلعب الشمس دورا محوريا في هذا النسق، لكن منظورا إليها من زاوية كونية وليس فقط كتأثير مادي مباشر في انسياب المادة والطاقة في الكائنات ضمن الأنساق البيئية المختلفة..

إن المسألة هنا أكبر من تفاعل الأشياء؛ إن الحاصل الكوني يكتسي قيمة أكبر من اجتماع الأجزاء المختلفة في الظواهر الطبيعية.. والطريف أن هذا النوع من التفكير يجد له صدى في الأوساط العلمية المعاصرة، وإليه يرجع الفضل في كثير من أنواع الوعي بالمسألة البيئية، والعودة إلى الزراعة البيولوجية والنظرية الشمولية للأنساق الطبيعية..

 وأعتقد أن المرور من المستوى الفلسفي إلى الخبرات العملية مسألة تسترعي الانتباه وتدعو إلى نوع من الاطمئنان المعرفي[5]؛ في هذا الاتجاه ينبغي أن نفهم طرح عالم الطبيعة الشهير لينيLinné  لمفهوم اقتصاد الطبيعة économie de la nature، وهو يعني به النظام والهارمونيا التي تربط أجزاء الحياة الطبيعية في كل طبيعي شامل، وهي الفكرة الأصل لنشوء مفهوم الإيكولوجيا…

حينما نحصر الطبيعة في مجرد منجم للاستغلال، فإننا نغتصب المفهوم الأول؛ أي الانتماء للنسق الطبيعي، من جهة أخرى، يكمن التخوف فيما إذا انخرطت المعادلة البيئية في حسابات اقتصادية فإنها ستؤدي في النهاية إلى انقراض الموارد البيئية؛ وعموما فمفهوم “التنمية المستدامة” في العالم المعاصر لا يظهر منها حقيقة إلا التنمية، وهذه الأخيرة لا يبدو منها على الحقيقة إلا النمو، غير أن الاقتصاديين قد أحاطوا اهتماماتهم “بطلاء بيئي”؛ لأنهم مستمرون، بشكل جوهري، في الاشتغال بنفس الميكانيزمات التقليدية من أجل خدمة هدف واحد هو الاستمرار في النمو غير المحدود[6].

من هنا أهمية التناول الفلسفي لقضايا البيئة ومحاولة فهم السياق المفاهيمي المرتبط بأوضاع الكائنات الحية في الطبيعة وعلاقة الإنسان بها، ودراسة شبكة العلائق التي تشكل الأنساق البيئية وتطوراتها الكمية والكيفية ومآلاتها وتحولاتها، وهذا ما نروم الإسهام به من زاوية فلسفية عبر استدعاء أطروحات “الفلسفة البيئية” المختلفة، خصوصا منها فلسفة “أخلاق الأرض” اختبار مدى صرامتها ومعقوليتها وقابليتها للتمثل والتنزيل[7].

من ناحية أخرى ومن منظور”الأيدولوجيا الطبيعانية” naturaliste Idéologie  يتم تناسي أن الإنسان هو الذي يطرح الأسئلة على الكون[8]. يذكّرنا  الفيلسوف بول ريكور[9] بما قام به هايدغر في هذا السياق، و هو الذي نظر لفكرة أن الإفراط في “الاستثناء الإنساني” كما لو كان الإنسان متميزا كلية عن الطبيعة، في لغة هايدغر، ينتج عنه ظهور الإنسان على مسرح الكون كمركز لـ”كرنفال” من تنظيمه هو، وتدبيره لورش من الأشياء الجامدة.

ولا يخفى ما لهذا البعد في التفكير من “أداتية شاملة” بتعبير يورغن هابرماس؛ وتجد هذه الفكرة تقعيدها في نقد العقل الغربي من طرف مدرسة فرانكفورت التي انتقدت، خصوصا  مع هوركهايمر وأدورنو، التعامل مع العقل كأداة، كما يدعو هابرماس إلى تبني “الأخلاقية التواصلية” عوض الأخلاقية الأداتية[10]؛ لكن هايدغر انشغل بـ”معرفة أين يُفرض الفصل المثالي بين الذاتية والطبيعة وأين وكيف يتم تجاوزه؛ “العالم” شبكة من علاقات الاعتماد المتبادل على مستويات متنوعة مثل التجهيزات والسياسة والحسّ الأخلاقي..

 هكذا يُمفهم “عالم” العلاقات بمصطلحات بشرية تحدّ من قدرتنا على إدراك عالميَّة الطبيعة، أو بكلمات هايدغر نفسه، “كل ذلك الذي سوف نكون قادرين على قوله أو التفكير فيه أو تجربته من الظواهر الطبيعية المفترضة يموضع بشكل ضروري ضمن العالم”… وبطريقة ما، وعلى الرغم من فكرته عن البشر “الكائنين في العالم” التي تنهي الانفصال بين الذات والموضوع الذي يُعتقَد أن ديكارت قد  جلبه، فإن هايدغر يستبقي نوعًا من الفصل المثالي بين الطبيعة والبشرية: “العالم” فضاء مفاهيمي مختلف عن “الأرض[11]“.

يعلن الكثير من المفكِّرين البيئيين الجذريين أننا على مفترق حاسم في فهمنا التاريخي للطبيعة، فلكي نجتاز عصر أزمتنا البيئية الحالية، ينبغي أن نهجر التصورات المفتقِرة عن الطبيعة التي أورثنا إياها التراث الغربي، وننتقل إلى صياغة أغنى، وأكثر إرواءً من الوجهة الروحية، للعالَم الطبيعي ولمكانتنا فيه.

ولا ريب أن هَايْدِغر كان سيوافق على هذا المشروع العام. فهو يقول، من جهة، بأن الاجتياح الحديث للطبيعة هو نتيجة لسيطرة الفهم “التكنولوجي” الحديث للعالَم الذي، بدوره، يرى فيه ذروة “التراث الميتافيزيقي” الغربي، وهو، من جهة أخرى، يقدِّم في كتاباته اللاحقة عن “الإقامة” dwelling وصفًا لفهم حكيم “غير تكنولوجي” للعالَم[12]… ثم جاء هانس يوناس[13]Hans Jonas، فيلسوف الفكر البيئي الألماني وتلميذ هايدغر ليزعزع القيم الديمقراطية باقتراحه “حلولا سلطوية” تحد من الحريات الفردية حينما تشكل هذه الأخيرة خطرا على استمرار البشرية.

 ومعلوم أن بول ريكور من الفلاسفة الذين رأوا في الفلسفة البيئية لـ”هانس يوناس” مكسبا قيميا كبيرا، وحاول من خلال المقالات العديدة التي خص بها هذا الفيلسوف الألماني إبراز مقاصدها الفلسفية والعملية وتداعياتها على مستوى إدراك الأبعاد الكونية والإنسانية آنيا ومستقبليا، لذلك نجد ريكور يقول[14] بأن “الإحساس العميق بالانتماء إلى المنظومة الكونية لا يتعارض مع التفكير في إعلان حقوق البشرية في المستقبل”، وهذا هو رهان هانس يوناس الذي يعتقد أن “مستقبل البشرية ليس مضمونا بطبيعته، ولا ينبغي أن يكون فقط مرغوبا فيه بل مفضلا ومقيّما بمعنى: “عش بالطريقة التي تتيح بها أن تستمر البشرية بعدك”..

 ولكي تستمر البشرية بعدنا، يضيف بول ريكور معلقا على يوناس، لابد أن تستمر الطبيعة بعدنا، وبهذا المعنى فإن الحفاظ على الطبيعة يتأطر فلسفيا ضمن مشروع إنساني. إن مقتضى  ذلك حسب بول ريكور هو ضرورة القيام بنقد العقل الأداتي انطلاقا من الأخلاق التواصلية  المنبثقة فلسفيا عن “أخلاقية الانتماء” بحيث ينبغي الحرص على أوج هذا التوازن الهش بطبيعته بين “الكون داخل الطبيعة وفي الوقت نفسه استثناء لها[15]“.

كتب بول ريكور مقالا حول هانس يوناس في مجلة[16]Le messager européen انطلق فيها من أطروحة يوناس حول الفلسفة البيولوجية باعتبارها المفتاح الرئيس لفكره، لقد كان يوناس يعتقد أنه من أجل بناء “فلسفة للحياة” لابد من الانطلاق مما يشتغل عليه البيولوجيون وليس من مجرد الشعور القوي والحميمي بالحياة.. يتعلق الأمر هنا بفلسفة شعورية مرتكزة على المعرفة البيولوجية وليست مستقلة عنها، وهنا يرى ريكور نقطة قوة فكر يوناس؛ ليس بديهيا أن تستمر البشرية في البقاء، نستطيع ذلك فقط بإرادة عازمة وعمل دائم، من هنا تصبح المسؤولية موضوعا لـ”الأخلاقية” éthique. يستنتج ريكور من خلال تتبع مسيرة يوناس الفكرية أن مشروع البقاء فوق الأرض هو “مشروع أخلاقي”؛ لأنه يستتبع تلقائيا تقييما للحياة في ذاتها[17].

لقد أصبح لزاما اليوم تدبير الثروات الطبيعية مع احترام “السلامة البيئية” باعتبارها “مطلبا” يندرج ضمن مفهوم العدل مثلما الشأن بالنسبة للتوزيع العادل للثروات. إن تداعيات حماية الطبيعة أو تدميرها وما يترتب على ذلك من إيجابيات أو سلبيات ينبغي أن “تقتسم بشكل عادل” بين مجموع المواطنين؛ إذا كان “الهدف المثال” في الفلسفة السياسية هو “إقامة العدل”، فإن “الهدف المثال” بالنسبة للفلسفة البيئية هو تحديد “الحقوق والواجبات” في علاقة المواطن بالوسط البيئي من حيث التمثل والحماية والاستشراف.

وانطلاقا من هذه المقاصد يمكن تعريف “الإيكولوجيا السياسية” باعتبارها “منظومة قيم” تنطوي بالضرورة على ثلاثة مجالات للتطبيق: العدل داخل الدولة، والعدل بين الدول، والعدل بين الأجيال[18]، من هنا ندرك  أهمية أعمال الفيلسوف الألماني هانس يوناس؛ لكن “الإيكولوجيا السياسية” باعتبارها حلا عمليا “للمعضلة البيئية” تبقى مشروعا “مبهما” لاسيما وأن الأرضية الفلسفية التي يمكن أن تسندها لازالت بصدد التبلور وكسب المواقع، وعليه وجب الاقتراب أكثر من مختلف الفلسفات البيئية لإبراز مقاصدها والقيم البيئية الثاوية فيها…

انطلاقا من دراسة قامت بها كاترين لارير[19] لمعظم تيارات الأخلاق البيئية عبر الدراسات العلمية المنشورة بالإنجليزية خصوصا في المجلات الأمريكية خلصت الباحثة إلى أنها تستند إلى ثلاث أطروحات: تسمى الأولى التمركز حول  الحياة البيولوجية (البيومركزية) Biocentrisme وهي تبوّء جميع الكائنات الحية قيمة داخلية في ذاتها بمعزل عن علاقتها بالعالم الخارجي، وتعرف الأطروحة الثانية بالأنثروبومركزية anthropocentrisme أو التمركز حول الإنسان؛ والأطروحة الثالثة تعرف بالتمركز حول البيئة écocentrisme.

يسعى الاتجاه “البيومركزي” إلى توسيع “دائرة تطبيق” الروابط الأخلاقية لتشمل الكائنات الحية الأخرى بدل الاقتصار على العلاقة الأحادية بين بني البشر؛ إن التيار الإيكولوجي “البيومركزي” يركز على “خاصية” الحياة البيولوجية من أجل إبراز “أبعادها” الأخلاقية؛ في هذه الحالة تعتبر كل الخلائق التي تعيش في “الغلاف الحيوي” Biosphère، منظورا إليها كذوات يحمل كل منها “مشروعا للحياة”، متصفة بـ”وضع” أخلاقي؛ مفاد هذا أننا إزاء مفهوم مرتكز على “فلسفة احترام الحياة” كمصدر للأخلاقية البيئية…

لقد تبلورت مفاهيم الإيكولوجيا البيومركزية” خصوصا عبر أعمال الفيلسوف بول تايلور الذي يرى بأنه لا يوجد أي مبرر حاسم  يؤدي بنا إلى رفض القيمة “الداخلية”، المستقلة بطبيعتها عن أي حكم قيمة بشري، والمتساوية لجميع عناصر الحياة البيولوجية في ذاتها عبر تنوع تمظهراتها داخل الطبيعة، ويعتبر أن “الامتلاك الذاتي للقيمة” ليس، بأي حال من الأحوال، رهينا بعوامل مرتبطة بالعقل أو العاطفة، لكنه متحقق من إمكان حمل الكائن الحي  لمشروع خاص مركوزٍ فيه ويمكن تحققه وتبلوره بشكل “مستقل” بدون تدخل خارجي، ويرى أن الظواهر الحيوية تستجيب حقيقة لهذه الشروط وذلك بتحيين “الإمكانيات” الثاوية مثلا في الحامض النووي ADN على شكل رموز… وانطلاقا من هذا المعطى، يرى بول تايلور أنه مبرر تماما الاعتقاد بأن كل كائن حي “يبلور مقاصد عملية” من شأنها أن تتحقق أو تجهض حسب ملابسات السيرورة الطبيعية؛ يترتب على هذا أن فعلا بيئيا أخلاقيا رصينا يتوجب عليه دمج هذه المفاهيم حول الحياة في “عالم الاعتبارات المعنوية[20].

الأطروحة الثانية تعرف بالأنثروبومركزية anthropocentrisme بمستوييه “الضيق” و”المتسع”، وهو تيار يعيب على التيارين السابقين أنهما لم يأخذا بعين الاعتبار أن المصالح والانتظارات الإنسانية لم تكن كلها تنطلق من أداتية ضيقة ومصلحية؛ فهذه المدرسة ترى أن حماية الطبيعة يمكن أن تشكل هاجسا للإنسان لأسباب إنسانية؛ لأن الإنسان بطبعه يحب الجمال ولأنه يريد حفظ التراث العلمي، ولأن الطبيعة تقدم له خدمات، لكن دون أن يكون الإنسان مجبرا على منح أي شيء آخر غير الإنسان قيمةً أخلاقية، وعليه يمكن أن نستمر في التفكير في الطبيعة كمصدر للثروات مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المصادر متعددة تعدد الحاجات الإنسانية التي تلبيها…

 يسمى التيار الثالث التمركز حول البيئة (الإيكومركزية) écocentrique، وهي فلسفة متأثرة بعمق بأفكار عالم الغابات الأمريكي آلدو ليوبولد Aldo Léopold وهو صاحب فلسفة “أخلاق الأرض”؛ ويعتبر كتاب ليوبولد Almanach d’un Comté des sables  (Flammarion, 2000) مرجعا لكل خبراء البيئة على اختلاف مدارسهم، وفكرته المفتاح “Maxime” هو أنه من الواجب العمل بتفان من أجل تحقيق “الاستقرار والكمال والجمال في الوسط الحي”…

لقد بدا وكأن تطورا نوعيا على وشك الحدوث في الدراسات البيئية فرضته المواقف المتمركزة بشريا anthropocentriste التي أدت إلى إقصاء المسألة البيئية من حقل التفكير الفلسفي، وبدا أن الفلسفة تخرج من مركزيتها البشرية لتدخل مضمارًا جديدًا فيه استحضار للماضي بمنطق الاسترجاع النقدي، وبتفكير جدي في المفارقة بين ما أفرزته الثقافة الإنسانية من تأكيد على خصوصية الإنسان كنوع وبين ما أفرزه هذا الإنسانُ من تدمير للطبيعة ومواردها؛ إنها فلسفة تنحو إلى اقتراحات جديدة/قديمة وتكتسي طابع العمق والاستشراف..

هذا ما يرصده بايرد كاليكوت في محاولته وضع “الفلسفة البيئية في سياقها التاريخي؛ إذ يقول: “في العام 1973 ومع نشر ثلاث مقالات رائدة، أعلنت الأخلاق البيئية عن ظهورها الأول على مسرح الفلسفة المحترفة المحافظة والرصينة. ففي ربيع ذلك العام نشر الفيلسوف الأسترالي الشاب بيتر سينغر مقالة “تحرير الحيوان” في مجلة The New York Review of Books، وفي صيف ذلك العام ظهرت مقالة “الضحل والعميق، حركة الإيكولوجيا بعيدة المدى” في المجلة الفلسفية الدولية Inquiry للفيلسوف النرويجي المميز ومتسلق الجبال آرني نايس؛ وفي الخريف، خاطب فيلسوف أسترالي شاب آخر هو ريتشارد سيلفان، زملائه في المؤتمر العالمي الخامس عشر للفلسفة في فارنا في بلغاريا متسائلا: هل ثمة حاجة إلى أخلاق جديدة، أخلاق بيئية؟ في العام 1973، عندما وجه سيلفان دعوته في مؤتمر الفلسفة العالمي، لم تكن التقاليد الفكرية الغربية تتوفر على أخلاق بيئية وافية وغير متمركزة بشريا anthropocentriste، مع أن أخلاقا من هذا القبيل قد تنبأ بها آلدو ليوبولد، أحد الحفاظيين   conservationists الأمريكيين الكبار في أواسط القرن العشرين.

ولذلك فقد استحث سيلفان الفلاسفة المعاصرين كي يلبسوا معطف آلدو ليوبولد ويجعلوا شغلهم الشاغل تقديم مثل هذه الأخلاق[21]؛ يضيف كاليكوت: “وعلى مدى السنوات العديدة التالية، ظهر المزيد من المقالات في هذا الحقل الجديد المثير من البحث في مجلات اختصاصية من قبيل Ethics وJournal of Philosophy. ثم في العام 1979، أسس يوجين  هارغروف مجلة فصلية جديدة هي “الأخلاق البيئية”، وفي أواسط العقد التالي كان قد  ظهر عدد من الدراسات بحجم كتاب، وبذلك انبثق إلى الوجود حقل جديد كليا في الفلسفة[22].”

ويلخص بايرد كاليكوت نشوء الأخلاق البيئية، مركِّزًا على الخلاف النظري بين “الأخلاق البيئية” وبين تحرير/حقوق الحيوان، يقول: “إن الأخلاق التي يتبنَّاها معظم البيئيين تتطلب الحفاظ على المنظومات البيئية، وبالتحديد الأنواع النباتية، مهما كان الثمن، حتى لو أدى ذلك إلى قتل الحيوانات الثديية العاشبة المألوفة، بينما الأخلاق التي يتبناها الناشطون في تيار تحرير/حقوق الحيوان تفضِّل الحيوانات الثديية، حتى لو أدى ذلك إلى المزيد من التدهور البيئي وتآكُل التنوع الحيوي (…)، من الناحية النظرية، إن الأكثر أهمية بالنسبة إلى هدفنا هنا يتمثل في أن تيار تحرير/حقوق الحيوان “حرث” أرضًا جديدة في الفلسفة الخلقية عندما خطا إلى أبعد من حدود الجنس البشري..[23].”

إن أبرز ما أثار الاهتمام في مجال الفلسفة البيئية الوليدة هو مفهوم الإيكولوجيا العميقةDeep Ecology، فماذا يقصد بهذا المفهوم؟ الإيكولوجيا العميقة حركة بيئية أطلقها في العام 1973 الفيلسوف النرويجي آرني نايس عندما نَحَتَ هذا المصطلح واجتهد في إعطائه أساسًا نظريًّا، وتصف هذه الأطروحة نفسها بـ”العمق”؛ لأنها تطرح أسئلة أعمق عن مكانة الحياة الإنسانية.

 وتنبني “الإيكولوجيا العميقة” على مبدأين أساسيين اثنين: أحدهما هو تبصُّر علمي في ترابط منظومات الحياة كافة على الأرض، إلى جانب فكرة أن المركزية البشرية  anthropocentrisme طريقة غير موفَّقة في رؤية الأشياء، ويقول الإيكولوجيون العميقون، بهذا الصدد، بأن موقفًا إيكومركزيًّا écocentrique هو موقفٌ أكثر انسجامًا مع حقيقة طبيعة الحياة على الأرض. إنهم، بدلاً من اعتبار البشر كشيء فريد تمامًا في الكون، يرون البشر كخيوط لا تتجزأ من نسيج الحياة.

 والمكوِّن الثاني للإيكولوجيا العميقة هو ما يسميه آرني نايس: “حاجة الإنسان إلى التحقُّق الذاتي”. فبدلاً من التماهي مع أنانيَّاتنا، ينبغي علينا أن نتعلَّم التماهي مع الشجر والحيوان والنبات، ومع النطاق الإيكولوجي ككل، وهذا ينطوي على تغيير جذريٍّ فعلاً في الوعي، لكنْ من شأنه أن يجعل سلوكنا أكثر انسجامًا مع ما يخبرنا العلم بأنه ضروري من أجل تحسين حال الحياة على الأرض؛ أي أننا ينبغي أن نمتنع عن فعل أشياء معينة تضرُّ بالأرض…

وقد تعرضت الإيكولوجيا العميقة النابعة أساسا من نظرية “أخلاق الأرض” لسيل من النقد اللاذع يتهمها بالاستناد إلى الشمولية الميثافيزيقية holisme وكونها يمكن أن تصب في اتجاه فظيع سياسيا. إن فكرة اعتبار الغلاف الحيوي Biosphère كوحدة شاملة محتوية على قيمة جوانية intrinsèque تتجاوز قوة عناصره المكونة منعزلة بما فيها الإنسان، تثير معارضة شديدة من طرف من يرون فيها بوادر العودة إلى “رومانسية” شمولية ولا عقلانية، ويصرح مارتي كهيل Marti Kheel بأن فلسفة تبوئ مصلحة الإنسان مكانة ثانوية بالمقارنة مع “مصلحة” الطبيعة الشاملة ينبغي أن تعتبر”توتاليتارية”؛ أما توم ريغان  Tom Regan فيؤكد أن “الهواجس” الشمولية holistes المحتواة في “الإيكولوجيا العميقة” تؤدي في النهاية إلى تصور فاشستي للطبيعة[24]؛ وعلى الرغم من مقاصدها الأصلية، فإن منتقدي “الإيكولوجيا العميقة” يرون أنها تعاني من نفس “نقائص” “الإيكولوجيا الدينية” écothéologie  المتمثلة أساسا في عدم قدرتها على بناء مفاهيمها على تصورات تحظى بقبول معظم التيارات الفكرية، ذلك أنها تعتمد مفاهيم دينية و ميتافيزيقية وحدسية ذات جوهر شمولي Holistique لم تكن أبدا محل اتفاق بين البشر على مدى التاريخ[25].

إن اتجاه “التمركز حول البيئة” الذي تمخض عنه في الأصل مفهوم “أخلاق الأرض” لآلدو ليوبولد، ينطلق هو الآخر من أبعاد شمولية holistiques، لكنه يحاول تجاوز مأزق “الإيكولوجيا العميقة” المتمثل في صعوبة” الإجماع” حول مقاصدها؛ يتعلق الأمر بفلسفة تستند إلى دمج العلم  بالأخلاقيةéthique؛ ويروم أصحاب هذا الاتجاه الفلسفي بلورة “إطار أخلاقي” مستند إلى منطلقات علمية وعقلانية، وتستخلص هذه المدرسة أهم أسسها النظرية من أعمال عالم البيئة والغابات الأمريكي Aldo Leopold  التي تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين.

 وتتميز فلسفة “التمركز حول البيئة” بمحاولة استخلاص مفاهيم أخلاقية انطلاقا من النتائج التي توصل إليها علم البيئة خلال القرن العشرين، لكن بخلفية فلسفية تستلهم من التاريخ والأنثربولوجيا. إن “أخلاق الأرض”، كما عرفها ليوبولد، ترفض الأطروحات “الفردانية” و”المختزلة” التي تطبع توجها كالفلسفة “المتمركزة حول الحياة” biocentrique التي تبوئ الكائنات الحية مقاصد أخلاقية جوانية intrinsèques باعتبارها كائنات معزولة… تبعا لذلك يعتقد “المتمركزون حول البيئة” écocentriques أن الإدراك السليم  لمعطيات الطبيعة يستلزم توسيع زاوية النظر بحيث لا يتم الاقتصار على “رؤية” “مكونات الطبيعة” معزولة عن بعضها، بل ينبغي التركيز على “مفهوم التبادل” و”العلاقات البينية” و”تداخل الارتباطات” بين جميع عناصر النسق البيئي التي تشكل الغلاف الحيوي biosphère برمته.

وكما يقول في كتابه الشهير “[26]a Sand county Almanac”: إن أخلاق الأرض ببساطة هي توسيع “دائرة الكائن البيئي” ليشمل التراب والماء والنبات والحيوان؛ أي باختصار “الأرض”. وتوصل ليوبولد إلى “مسلمته” التي أصبحت “شعار” الفكر الإيكولوجي المعاصر والتي تقول: “أن الشيء السليم هو الذي ينحو منحى الحفاظ على الوحدة والاستقرار و”الجمال” الذي يسود المجتمع الحي، وسيكون عين الخطأ إن نحى منحى مغايرا”.

ويحاول كاليكوت، تقديم نموذج إرشادي paradigme نظري مكمل للمقاربة الكلِّية لأخلاق الأرض، سعيًا وراء توسيع المركزية الحيوية، مركِّزًا على أن أخلاق الأرض يجب ألا تحلَّ محلَّ الأخلاق الاجتماعية المتراكمة على مدار التطور البشري، بل تكمِّلها وتضيف إليها. وهذه الفكرة في جوهرها ردُّ على اتهام أخلاق الأرض بـ”الفاشية الإيكولوجية”..

ويعتبر كتابُ ليوپولد A Sand County (1949) إعلان بدء تشكيل الأخلاق البيئية من منظور فلسفي. ويؤمن ليوبولد بأن صون المجتمع الحيوي هو غاية الأخلاق البيئية الجديدة وأن الإنسان كائن مشارك في هذا الكون، وليس سيدًا عليه، وينتقد ليوپولد التفكير النفعي في علاقة الإنسان بالطبيعة؛ “إن العقبة التي تجب إزالتُها من أجل إطلاق السيرورة التطورية للأخلاق هي ببساطة: التخلِّي عن التفكير في الاستخدام اللائق للأرض وكأنه مشكلة اقتصادية حصرًا، واختبار كلِّ مسألة بواسطة ما هو صائب أخلاقيًّا وجماليًّا، إضافة إلى ما هو مفيد اقتصاديًّا. يكون الشيء صائبًا عندما يميل إلى صون تكامل واستقرار وجمال المجتمع الحيوي، ويكون خاطئًا عندما يميل إلى عكس ذلك[27].”

في السنوات الأخيرة، عرفت آراء آلدو ليوبولد تداولا كبيرا من طرف الإيكولوجيين، وتم تدقيق مفاهيمها خصوصا من طرف Baird Callicott في إطار محاولة هذا الأخير تفسير آراء أستاذه ليوبولد يقول: “لقد كان الفكر الإيكولوجي تاريخيا، ذو منحى شمولي holistique. لكن علم البيئة هو في حقيقته دراسة نسقية لعلاقات الكائنات ببعضها وبالمجال المحيط بكل أبعاده، وهذه الرؤية البيئية تعني أن الكائنات الحية، من نبات وحيوان وبشر، نبعت مع التراب والماء من “منبع طبيعي واحد”. وإن تصور البداية الأنطولوجية لأشياء الطبيعة والتقليل أنطلوجيا من شأن “العلائق في الطبيعة” الذي يميز الفكر الغربي اليوم يتم “تجاوزه” من طرف الفكر الإيكولوجي؛ إن العلائق البيئية تحدد طبيعة الأنواع البيولوجية في تفاعلاتها مع الكائنات الأخرى في إطار “الدورة الإيكولوجية” وإن الأنواع الكائنة في الطبيعة اكتسبت “خصائصها” بسبب تأقلمها مع ” النسق البيئي[28].”

سيرا على نفس الاتجاه، سيقوم فيلسوف البيئة الشهير هولمس رولستون [29] Holmes Rolston، وهو واع بالحساسيات التي أثارتها عند كثيرين مفاهيم “أخلاق الأرض”، بالدفاع عن المنطلقات الصلبة لهذه الفلسفة البيئية. يقول هولمس رولستون: “يعتقد منظرو الأخلاق “الإنسيون” humanistes أن “الأنساق البيئية” تكتسب قيمتها من إسهامها في التجربة الإنسانية، بينما هذا الأمر في حقيقته يشكل “المرحلة الأخيرة” لتاريخ طويل، و”ثمرة” لنبتة نضجت بعد طول أمد؛ وإذا كان من حق الإنسان “استعمال” الأرض فليس من حقه “تدمير” النظام الذي يسود الأنساق البيئية الذي هو مراد لذاته؛ إن الأخلاق البيئية تؤمن بأن “الأنساق البيئية” تساهم في التجربة الإنسانية وفي التجارب الحيوانية وتتيح حياة النبات، لكنها تضيف إلى ذلك وبشكل “راديكالي” أن الحفاظ على التوازن والوحدة والجمال الذي يسود “المجتمعات” البيولوجية  ينبغي أن يكون هدفا وجوديا…

وعلى الرغم من الجهود النظرية التي بدلها أنصار “التمركز حول البيئة” لكن فلسفتهم تعرضت لانتقادين رئيسين: أولهما: أن فكرة “المجتمع الحي” communauté biotique الذي يطالب أنصار “أخلاق الأرض” بحمايتها “ككتلة شاملة” في إطار “علائقها الداخلية”، تبقى فكرة “مبهمة” وتجعل إشكالية  التقابل بين الشمولية holisme  و”الفردانية”  individualisme تطفو على السطح. ولا يخفى ما لهذا “الصراع” من تداعيات “أخلاقية” وسياسية كمشكل خضوع الأفراد “لأوامر جماعية” واحتمال الوقوع في التوتاليتارية، وهي نفس “التهم” التي طرحت بشأن “الإيكولوجيا العميقة” Deep Ecology.

 أما الانتقاد الثاني فيتجه إلى طرح إشكالية فلسفية قديمة مفادها أن “التمركز حول البيئة” écocentrisme يعيد إلى الواجهة “النقاش القديم” حول “الطبيعانية” في الأخلاق، الذي اعتقد أنه قد أقبر نهائيا. والإشكالية هي في معرفة ما إذا كان بإمكان مفاهيم الإيكولوجيا العلمية المعاصرة كمفهوم “وحدة و توازن الأنساق البيئية” أن تشكل “موجها” للأخلاقية الإنسانية على الرغم من أن مفاهيم “قوانين وغايات الطبيعة” التي تشكل “سلفها الفلسفي” قد فشلت في ذلك؟[30].

وفي سياق نقدي واستشرافي  تندرج آراء الباحث الفرنسي لوك فيري Luc Ferry الذي ينطلق في كتابه[31]Le nouvel ordre écologique، من المقابلة بين تصور يدافع على البيئة في اتجاه الحياة السعيدة للبشر وهو ما يسميه الأنجلوساكسونيونenvironmentalism  وبين أصولية “الإيكولوجيا العميقة” Deep Ecology؛ وبعد أن يذكر لوك فيري بأن هذا الاتجاه في التفكير تطور بالخصوص في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، وأنه ينحو إلى نقد جذري لنموذج التطور الغربي المبني على الحضارة التقنية ويدعو إلى القطع مع مفهوم “التمركز حول الإنسان” anthropocentrisme   بمعنى اعتبار الإنسان لب ومركز الكون، يطرح إضافة جوهرية هي إشكالية “الحيوية المعاصرة”. بيد أن جِبلِّة الاختلاف المحترمة لذاتها بما يجعل كل كائن حي لا يفضل كائنا آخر في شيء تتجاوز أي معيار آخر؛ يستتبع هذا بداهة أن الحياة تستحق الاحترام، لكن “طقس الحياة” الذي نحثه الفيلسوف الفرنسي ميشيل سير [32] Michel Serresلا يمكن من استخلاص أي مؤشر دال على القرارات الواجب اتخاذها من طرف المجتمع لاستشراف  مستقبله البيئي…

هل يوجد “وضع فلسفي” للكائن الحي؟: سؤال يختتم به لوك فيري كتابه متمنيا “إيكولوجيا ديمقراطية” ورافضا التمركز حول الإنسان على “الطريقة الديكارتية” مثلما يرفض “الأصولية الإيكولوجية”، ويقول لوك فيري أنه لا ينبغي أن تؤسس الإيكولوجيا على حقوق الطبيعة “المُدّعاة”، بل على واجب الإنسان تجاه الطبيعة ويقترح “وضعا فلسفيا للكائن الحي”، لكن هذا المشروع بقي في نظري جنينيا، كما أنه لم يستوعب الرسالة الكونية الكامنة في فلسفة “أخلاق الأرض”.

والسؤال المركزي الذي يجدر بنا طرحه في هذا السياق هو: هل بالإمكان تطوير هذا المشروع الفلسفي دون السقوط في التيه الميتافيزيقي الذي حذر منه لوك فيري  نفسه؟ ماذا سيكون عليه وضع فلسفي للكائن الحي؟ أين يبدأ الحي؟ هل نستثني الإنسان من هذا الكائن الحي؟ هل ندرج ضمنه النبات؟ إذا كان الأمر بالإيجاب هل نضيف المعدن والتراب الذي هو حامل النبات؟ ألا يتحول الأمر بذلك من “وضع للكائن الحي” إلى “وضع للأرض”؟ من هذه الزاوية سيمُد  لوك فيري يده إلى ميشيل سير، وسيتقاطع لا محالة مع أطروحة آلدو ليوبولد حول “أخلاق الأرض” على الرغم من انتقاده المبهم لها[33].

وجدير بالاعتبار أن مفهوم “أخلاق الأرض” يعد بنتائج عملية عميقة على المستوى البيئي إن هيئت له الظروف الاجتماعية والسياسية من أجل تمثل أبعاده الفلسفية والإنسانية؛ لأنه بمرورها من مقام “الحي” إلى مقام “الأرض” تكون الإيكولوجيا قد قطعت شوطا جديدا…

 خلف شعار “فكِّر مثل الجبل” يحاول تلاميذ المفكر الأمريكي آلدو ليوبولد تأسيس “أخلاق للأرض” يتبوأ بمقتضاها كوكب الأرض قيمة جوانية valeur intrinsèque. في “أخلاق الأرض” نمذج ألدو ليوبولد بوضوح مفهومه الخاص عن “التسلسل الأخلاقي” مستندا إلى مناقشة داروين لتطور الأخلاق في كتابه “أصل الإنسان” علما بأن داروين يستشهد بكتاب هيوم “الرسالة” وكتاب آدم سميث “نظرية الإحساسات الخلقية” باعتبارهما السلفين الفلسفيين لما يقدمه من “تاريخ  طبيعي” للأخلاق؛ ويبدو بأن النظرية الخلقية عند هيوم هي السلف التاريخي لـ”أخلاق الأرض” عند ليوبولد، وللأخلاق الحديثة لدى صفوة الحركة البيئية، وللعديد من الفلاسفة البيئيين المعاصرين؛ زد على ما سبق أن نقطة الارتكاز الخلقية لأخلاق الأرض عند ليوبولد هي المفهوم الإيكولوجي عن “المجتمع الحي[34].

لابد من الإشارة، في هذا السياق، إلى أن فلسفةً بطموح “أخلاق الأرض” لا يمكن أن تحسم ضمن معادلة الأخلاق الاجتماعية، بل ضمن نظرة وجودية منبعثة من الفرد أولا تجاه الأرض وأخلاقيات الانتماء المرتبطة بها، من هنا وجب التمييز المفاهيمي بين الأخلاق morale  والإيطيقا éthique.

في هذا الاتجاه يقيم فيليب زاريفيان تمييزا بين الأخلاق morale و”الإيطيقا” éthique[35] معتمدا بالأساس على ما طرحه الفيلسوف Paul Ricœur في كتابه (éditions Esprit, 1985) Le juste، ويخلص إلى أن “الإيطيقا” éthique أرقى وأسبق من احترام “الأخلاق” morale، ذلك أن “الأخلاق” ذات طابع “مصطنع”؛ لأنها بناء اجتماعي في سياق مجتمع محدد، وهي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد وبين هذا الأخير والخارج، بيد أن الطبيعة لا تحتل أي مكان في تعريف “الأخلاق”.

 إن الأخلاق تنظم السلوك البشري داخل المجتمع، وتبلغ مداها حينما يتم استبطانها داخليا من طرف الأفراد، وهي خطوة في اتجاه “الإيطيقا” باعتبارها التزام فردي عميق يتجاوز مجرد الالتزام بما تعاقد عليه المجتمع. في هذا المستوى يندرج “الأمر الكانطي” الذي يبقى، مع ذلك، أقرب إلى مجال “الأخلاق” أكثر منه إلى مجال “الإيطيقا”.

 ويخلص زاريفيان إلى أن فلسفة الأخلاق تروم، في نهاية المطاف، تحقيق النظام والأمن بينما الإيطيقا هي مجموع “مبادئ الحياة”، وبخلاف “الأخلاق” فإن “الإيطيقا” تحمل بداخلها تصورا لعلاقة الإنسان بالطبيعة ابتداء من العلاقة بالجسد الذي هو جزء من الطبيعة، و يفترض في “الإيطيقا” أن تتمثل الحياة و العيش كمفهوم “فيزيائي” لا كمفهوم اجتماعي.. وعلى الرغم من فردانية المنطلق الإيطيقي، فإن للإيطيقا قدرات كونية عكس “الأخلاق الاجتماعية” التي ليست كذلك على الرغم من وجود اعتقاد خاطئ بكونية مبادئها…. وخلاصة القول أن الإيطيقا تتبنى بالأساس بشكل فردي وليس اجتماعي، وإذا كانت طريق الإيطيقا فردية فإن المحتوى الإيطيقي ليس كذلك، والإنسان بالمفهوم الإيطيقي يتفاعل مع “ديناميكية الأنساق البيئية” التي ينتج عنها “تغيرات كيفية” يعتبر الإنسان جزءا منها.  إن الإيطيقا حسب زاريفيان هي دائما سيرورة وتحولات كيفية وتعبيرات وجودية وليست “حالة للاستلهام”.. إنها تتميز بطابع الشمول والكونية؛ لأنها تتجه إلى الإنسان في المقام الأول وليس إلى المجتمع.

وعلى الرغم من البعد الإنساني للإيطيقا، فلا يمكن أن تمارس في المطلق، بل يتعلق الأمر بنمو وتطور إيطيقي ولا يمكن بأي حال الحديث عن مآل نهائي. وفي انتقاد لاذع لأطروحة ماكس فيبير التي بسطها في كتابه الشهير “البروتستانتية والأخلاق الرأسمالية” يخلص فيليب زاريفيان إلى أن فيبير وهو يحاول التمايز عن الأطروحة الماركسية أهمل “المعطيات الفيزيائية” الدالة على علاقة الإنسان بالطبيعة والمحيط البيئي وتداعياتها على “ظروف الإنتاج” فنتج عن ذلك إفقار رهيب لمفهوم الأخلاق بمعناها الإيطيقي..

إن زاريفيان يطرح مفهوما شاملا للطبيعة من منظور كوني كوسمولوجي ويعتبر المسؤولية تجاه الكون تخص مستقبل الإنسان بالدرجة الأولى مادامت ظروف التأقلم محدودة على كل حال رغم “القدرات الخلاقة للإنسان”، وكل تأثير سلبي على “الأرض” سيضر، بالدرجة الأولى، الوجود الإنساني أما “المنظومة الكونية” فتستمر في مسارها الكيفي بعد “تأقلمها” مع التغيرات “الطفيفة” بالمعنى الكوني التي تسبب فيها الإنسان[36].

 وأعتقد أن الإضاءة الفلسفية التي قدمها فيليب زاريفيان في تمييزه بين الأخلاق والإيطيقا ينسجم تمام الانسجام مع القيم البيئية الثاوية في فلسفة أخلاق الأرض، ولا يبدو أي تناقض بين اعتبار الإنسان جوهريا في هذه المعادلة الكونية وبين حقوق الأرض في بعديها الفيزيائي والوجودي، وهذا لا شك يفتح آفاقا واعدة لطرح  المسألة البيئية من منظور ديني وفق “فلسفة الدين والكلام الجديد” بما يجعل المرجعية الدينية باعثا حقيقيا على تصور سليم للطبيعة ومعطياتها بشكل عملي مجسد في خبرات؛ وهذا يقع في صلب “الفلسفة البيئية” ما دام التنظير في الدين ينتمي بالأساس إلى مجال التفكير الفلسفي…

يقول جون ماري بيلت في كتابه “عودة الوفاق بين الإنسان والطبيعة[37]“: ها هو الإنسان إذن وقد جرد من ثيابه ومني بالعزلة وفقد المركز الذي ظل يحتله آلاف السنين فعاد حيوانا كسائر الحيوانات وتاه في غياهب الكون دون إيمان يهديه في عالم يسمو على مداركه، ويعد ذلك حدثا ثقافيا ذا عواقب يستحيل التنبؤ بها ولا يتضح كل مغزاه إلا إذا وضع في منظور تاريخي؛ إذ يبلغ الإنسان الغربي الآن نهاية حقبة ما بعد قسطنطين، فبعد قرون من الترسخ في المسيحية هاهو يقطع كل صلة بدين آبائه وينحرف مع جميع التيارات المضادة والمتقلبة في خضم لا حدود له ولا قرار، وأدى فقدان هذا النبراس بالجهاز السيبرني بالمخ، حتى وإن بلغ ذروة الذكاء، إلى أن يدور حول نفسه في يأس ويحبس الفكر في فقاعة لا يجد سبيلا إلى الفرار منها، ويثبط كل طموح إلى الحرية الأمر الذي يذكرنا بالزنبور يتخبط بلا هدف على زجاج نافذة مغلقة…

ويورد جون ماري بيلت رأي عالم الطبيعة جاك مونو الذي يرى أن الإنسان يدرك آخر الأمر أنه وحيد في عالم فسيح الأرجاء عديم  الاكتراث انبثق منه مصادفة واتفاقا.. ويسعى الإنسان إلى معرفة ما يجب عليه عمله وإلى الوقوف على مصيره، فلا يجد هذا ولا ذاك مدونا في أي مكان، ويتعين عليه عندئذ أن يختار بين الملكوت وبين الظلمات؛ غير أن الملكوت لم يعد ملكوت السماوات وإنما هو اليوم ملكوت الفكر والمعرفة والإبداع، وهو ملكوت يجد الإنسان فيه نفسه وحيدا حقا… خاصة أن جاك مونو يقضي في حكم لا مرد له بتصفية جميع الديانات وكل النظريات الميثافيزيقية..

 انبعاث عجيب للنزعة العلمية وهذا القرن العشرون يقترب من نهايته، انبعاث يذكر بالمذهب الوضعي لأوجست كونت، يعلق جون ماري بيلت الذي يضيف أنه “يصعب علينا أن نرى من أي “مبدأ استبعاد تنافسي” يستطيع العلم أن يستفيد على حساب الفكر الفلسفي أو الديني، فلئن كان اﻟﻤﺠال العلمي يختلف عن مجال الفكر الفلسفي أو الديني ومن ثم لا يمكن استبعاد هذا على حساب ذاك، فإن هذا الفصل بين اﻟﻤﺠالين هو الذي يلقى اليوم معارضة: فالعلم يستبعد أي تفكير يعصى على إدراكه وذلك استنادا إلى “مصادرة موضوعية”.

 ومن دواعي الأسف أن المصادرات لا يمكن البرهنة عليها، ولا تزال تحتفظ بكل وزنها عبارة كانط: “لقد حددت مجال المعرفة لكي أفسح اﻟﻤﺠال للإيمان”.. إن العلم لا يقفنا على أي جديد عن مصير الإنسان أو عن وضع البشر، فكل من مونو وتيار دي شاردان يدمجه في نظام القيم الخاص به، ولكن أيا منهما لا يبت في هذا الاتجاه أو ذاك ولن تتحقق “ديانة العلم” غدا.

 يعترف جاك مونو بأن رؤيةَ العلم رؤيةُ “صارمة” وأن “ديانة العلم لا تجد لها كثيرا من الأتباع”. وهو يرى أن موت مذاهب “الحياتية” يمكن أن يسبب للنفس ألما، ويضيف مونو قائلا: وإذا كان صحيحا كما أعتقد أن حصر العزلة واقتضاء تفسير شامل وقهري هما أمران فطريان، وأن هذا الإرث الآتي من أعماق الزمن ليس إرثا ثقافيا فحسب، وإنما هو إرث جيني، فهل كن الظن بأن هذا المذهب الأخلاقي الصارم والتجريدي والمتعالي بوسعه أن يهدئ هذا الحصر ويلبي هذا الاقتضاء؟  لست أدري..[38].”

وبعد، فإن الأرض ينبغي أن يفكر فيها كخلق لا كشيء، مستحضرين أن الإنسان المستخلف “آية وليس آلة[39]“، وهذا يقتضي إعادة الاعتبار للفكر النسقي من أجل عودة “الوفاق بين الإنسان والطبيعة” بما يليق بمهمة الاستخلاف؛ وهذا مسار أبدي تتجسد فيه باستمرار جدلية الإنسان والكون والقرآن وفق منظومة الإسلام المعرفية، ونحن اليوم في بداية الطريق، ولا أظن أن الأمر سيكون يسيرا، بل يحتاج إلى كثير علم وهمة واجتهاد، وهو السبيل الوحيد للانخراط  الفعلي في العالم…

الهوامش


1. جمال بامي. الفلسفة البيئية وأخلاق الأرض، مجلة الإحياء، العددان 32-33، الرباط: دار أبي رقراق، (رمضان 1431ﻫ/غشت 2010م)، ص134.

2. المصدر نفسه.

3. جون ماري بيلت، عودة الوفاق بين الإنسان والطبيعة، سلسلة عالم المعرفة، عدد 189، سبتمبر 1994، ص15 وما بعدها.

4. المرجع نفسه، ص15-16.

5. Jamal Bammi, Contribution à une renaturalisation de l’Homme, Livre collectif: l’Homme et la nature, Publication de Beit Al-Hikma, Carthage. Tunisie, 2010, P.281-297.

6. جمال بامي.. الفلسفة البيئية وأخلاق الأرض. م، س.

7. المصدر نفسه..

8. جمال بامي، نهاية الاستثناء الإنساني: قراءة تفكيكية وتركيبية لكتاب “جون ماري شيفير”، مجلة الإحياء، العددان 30-31، الرباط: دار أبي رقراق، (ذو القعدة 1430ﻫ/ نونبر 2009م)، ص36.

9.  L’éthique, le politique, l’écologie. Entretien avec Paul Ricœur  (propos recueillis par Edith de Jean Paul  Deléagel). Ecologie politique. Sciences, Culture, Société. 1993. N°7, été.

10. Jürgen Habermas.De l’éthique de la discussion. Paris, Flammarion, 1991.

11. مايكل بيترز ووروث ايروين: الأرض، الشعريات الإيكولوجية وهايدغر ومفهوم الإقامة، مجلة.Trumpeter مجلد 18، عدد1، 2002.

12. Zakaria Rhani, l’Humanisme à l’ère technologique: vers une éthique Heideggérienne de la parole et de la technique. Altérités; Vol:5, 2008. P 83-91.

13. Hans Jonas, le principe de la responsabilité, une éthique pour le société démocratique, le Cerf, 1995.

14. L’éthique, le politique, l’écologie. Entretien avec Paul Ricœur  (propos recueillis par Edith de Jean Paul  Deléagel). Ecologie politique. Sciences, Culture, Société. 1993. N°7, été.

15. جمال بامي، الفلسفة البيئية وأخلاق الأرض، م، س.

16. P. Ricœur, «La responsabilité et la fragilité de la vie. Ethique et philosophie de la biologie chez Hans Jonas», in Le Messager européen, n°5, 1992.

17. جمال بامي، الفلسفة البيئية وأخلاق الأرض، م، س.

18. François Blais et Marcel Filion. De l’éthique environnementale à l’écologie politique. Apories et limites de l’éthique environnementale. Philosophiques Vol: 28, N°2, 2001. P 255-280.

19. Catherine Larrère. Entrevue. Réalisé par Sandrine Berges. Dans Ethique et Economique. 2(2). 2004.

20. Paul  Taylor. A theory of Respect of Nature: environmental ethics. p66.

21. “بايرد كاليكوت، مقدمة الفلسفة البيئية، ج1، عالم المعرفة، عدد 332، 2006.

22. المرجع نفسه، ص27.

23. االمرجع نفسه.

24. François Blais et Marcel Filion. De l’éthique environnementale à l’écologie politique. Apories et limites de l’éthique environnementale. Philosophiques Vol: 28, N°2, 2001. P 255-280.

25. المرجع نفسه.

26. Aldo Leopold, A Sand county Almanac, Oxford University Press, 1949.

27. الفلسفة البيئية. سلسلة عالم المعرفة، عدد  332، 2006 ص163.

28. Baird Callicott. The conceptual foundations of the land ethic.  p266.

29. Rolston Holmes: Challengs in Environmental Ethics. 1989.

30. جمال بامي، الفلسفة البيئية وأخلاق الأرض، م، س.

31. Luc ferry. Nouvel,  ordre écologique, Grasset, 1992.

32. الفيلسوف الفرنسي  Michel Serres   في كتابه:  Le contrat naturel (François Bourin, Paris. 1990)

33. جمال بامي. الفلسفة البيئية وأخلاق الأرض، م، س.

34. Aldo Leopold. A Sand county Almanac.1949  Oxford University Press.

35. Philippe Zarifian, Intervention pour le réseau Ecole et Nature, Cherbourg, 28 mars, 2008. www.reseauecolenature.org

36. Ibid.

37. جون ماري بيلت، عودة الوفاق بين الإنسان والطبيعة، ص24 وما بعدها.

38. المرجع نفسه.

39. تعبير استوحيته من أعمال الفيلسوف طه عبد الرحمن.

Science

د. جمال بامي

  • رئيس مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية، ومركز علم وعمران بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق