وحدة الإحياءحوارات

العلوم الإسلامية والمنهجيات المعاصرة وفلسفة الدين

حاوره: د. عبد السلام طويل

1. تمهيدا لهذا الحوار، أود أن تطلعوا القارئ الكريم عن أهم التحولات التي ساهمت في تشكيل شخصيتكم العارفة، وعن المحطات الأساسية في مساركم الفكري المطبوع بغنى روافده المعرفية ومنطلقاته المنهجية. فمن خلال اطلاعي المتواضع على كتاباتكم، التي لا أدعي استقصائها جميعا، لاحظت كيف أنكم تصدرون عن خلفية فلسفية فيها انفتاح على الحقل السياسي الإستراتيجي من جهة، وانفتاح على الفكر الإسلامي والعلوم الإسلامية؛ من فقه وأصول ومقاصد، وعرفان، وعلم كلام، وفلسفة الدين من جهة أخرى..

أنا في الحقيقة عندما كنت أدرس في بداياتي الفلسفية، في المرحلة الثانوية في بداية الثمانينات، اكتشفت فيلسوفا كان أيامها صاعدا في الغرب؛ يتعلق الأمر بالفيلسوف الفرنسي “ميشال فوكو” (Michel Foucault)، ومع قدراتي المتواضعة، وأنا طالب في الثانوية، إلا أنني تمكنت من قراءة عمله الرئيسي في تلك الفترة، وهو كتاب “الكلمات والأشياء(Les Mots et les Choses).

طبعا وأنا طالب في المرحلة الثانوية لم يكن مستواي الفكري يسمح لي باستيعاب كل معاني هذا الكتاب. ولكن قيض الله لي أستاذا فرنسيا كان يدرسنا الفلسفة في السنة النهائية، وكانت عنده قدرة باهرة على التبسيط البيداغوجي، وعلى التوضيح، وكان لي معينا في فهم هذه النصوص العصية. واصلت في قراءة “فوكو” حتى أنجزت أطروحة دكتوراه حول فلسفته، وكانت أول أطروحة حول فلسفة فوكو تنجز باللغة العربية.

وقد قادني فوكو إلى تقاطعات معرفية كثيرة، هذه التقاطعات تندرج ضمن ما عبر عنه هو نفسه بكون الفلسفة بمفهومها الحديث، أمست منذ “إيمانويل كانط” Emmanuel Kant)) نمطا من التأريخ للحاضر، أو قل نمطا من التأريخ ومن التشخيص للحاضر؛ لأن الفلسفة لم تعد تدعي قدرتها على بناء نسق كوني مكتمل يجيب على أسئلة الكون والوجود الكبرى؛ يعني لم يعد بإمكانها أن تنافس الدين في تفسيره للكون، وفي إجابته على الأسئلة الميتافيزيقية والوجودية الكبرى، وبالتالي فقد اقتصرت المهمة الوحيدة لها فيما عبر عنه “كانط” بـ”النقد”. ولكن النقد بمفهوم التشخيص والتأريخ؛ أو ما اصطلح عليه “فوكو” بـ”فلسفة الراهن”.

تعرفون أن فوكو قدم منهجا مركبا لقراءة كل مسار الفكر الغربي؛ انطلاقا من التقاطع بين شتى الفروع المعرفية. وقد ولد لدي هذا المنهج، في الحقيقة، مجموعة من التساؤلات إن لم أقل من الاستشكالات، أقنعتني أن دور الفيلسوف يكمن في معالجة المفاهيم الفلسفية ذات الصلة بواقع عصره والتحديات التي تنطرح عليه.

طبيعة المرحلة الراهنة التي تعرفها منطقتنا ويعرفها مجالنا التاريخي والحضاري العربي الإسلامي يحتم علي أن أطرح مجموعة من الإستشكالات التي كرست لها اهتمامي في مجالات متعددة صحيح أنني كتبت في مجال الدراسات الإستراتيجية، كتبت في الفكر السياسي، كتبت في الفكر الديني، في علم الكلام، في أصول الفقه، في فلسفة الأخلاق، إلى آخره، ولكن كل هذه القضايا تمحورت حول الهم نفسه، هل يمكن لمن يستخدم الأدوات الفلسفية أن يقرأ قراءة مغايرة هذه الموضوعات التي يعالجها متخصصون فيها بحسب منهجياتهم وتصوراتهم؛ بمعنى هل يمكن للفيلسوف أن يقدم رؤية معرفية، بمفاهيم الفلسفة، وأدوات الفلسفة للتحولات الدولية الكبرى التي عرفها العالم في العشرين سنة الأخيرة؟ ذلك ما خصصت له بعض الوقت في كتاب عنوانه: “اتجاهات العولمة” وكتاب آخر بعنوان: “عالم ما بعد الحادي عشر من شتنبر 2001”.

هل يمكن للفيلسوف أن يكون مفيدا بأدواته النظرية في استكناه عوائق التحول الديمغرافي في العالم العربي؟ هذا ما خصصت له أيضا دراسة مستقلة. كيف يمكن أن نقرأ واقع الصراع العربي الإسرائيلي ليس باعتباره صراعا سياسيا وإنما صراعا فكريا؟ وفي هذا الإطار خصصت دراسة للمشروع الصهيوني؛ محاولا رصد الرؤية الفلسفية المؤطرة للفكر الصهيوني. كيف يمكن أن يكون الفيلسوف مفيدا في دراسة أوضاع الفكر الإسلامي المعاصر؛ توتراته الراهنة، مفارقات مشروع الإسلام السياسي؟ كيف يمكن أن يكون مفيدا في دراسته لنمط من القراءة الفلسفية والاستخدام الفلسفي لأدوات الفقه انطلاقا من المقارنة بفلسفة القانون؟

كل هذه الإشكالات تندرج ضمن الهم المعرفي نفسه.. هم الفيلسوف الذي يريد أن ينظر بعينه إلى مجالات أخرى باعتبار أن الفلسفة كما قال أحد كبار الفلسفة لا موضوع لها وإنما تتناول شتى الإشكالات انطلاقا من رؤيتها ومنهجيتها وأدواتها التحليلية الخاصة.

2. تقصد لا موضوع حصري لها؟

 نعم؛ ليس لها موضوعا محددا يمكن أن نزعم أنه يمثل موضوع الفلسفة.

3. هي نظر نقدي عقلاني.

لقد تحولت الفلسفة في الفترة الأخيرة إما إلى حوار مع الفلاسفة؛ أي منهجا في قراءة الفلسفة والتراث الفلسفي، هذا ما نجده، على سبيل المثال، لدى “مارتن هيديجر” (Martin Heidegger)، و”جاك ديريدا” (Jacques Derrida) إلى آخره، أو هي تشخيص ونقد للحاضر؛ أي مواكبة نظرية للعصر ومستجداته.

 تعرفون أن فيلسوفا كبيرا مثل “هيغل” (Georg Wilhelm Friedrich Hegel) كان يقول إن قراءة الجرائد الصباحية هي صلاتك، معناه أن الفيلسوف عليه أن يواكب الحاضر، أن يواكب الراهن، أن يحاول أن يتلمس، انطلاقا من أدواته التصورية النظرية، ما يمكن أن يكون مادة للتفلسف في الراهن.

4. ما عبرتم عنه بغياب الموضوع، أو غياب الموضوع المحدد على وجه الدقة، هل يعبر عن أزمة؟ إلى أي مدى يعبر عن أزمة في الخطاب الفلسفي؟ وعن أزمة الفلسفة في علاقتها بالتطورات العلمية والمنهاجية التي باتت تعرفها المعرفة الإنسانية في المرحلة الحداثية وما بعد الحداثية؟

 في الحقيقة، الفلسفة كمشروع نسقي كوني كلي انتهت مع “هيغل”. “هيغل” نفسه كان يدرك أن الفلسفة قد اكتملت معه. طبعا كان يعتقد في الاكتمال بالمفهوم الإيجابي؛ لأنه أجاب على الأسئلة الكبرى وبصفة نهائية؛ وهو ما عبر عنه ما بـ”نهاية التاريخ”؛ أي اكتمال مسار التاريخ انطلاقا من التماهي بين الدولة بمفهومها المطلق، والتاريخ بمفهومه المطلق، والدين بمفهومه المطلق.

 طبعا، هذه ليست نهاية الفلسفة التي نعني، بل نهاية الفلسفة بمعنى آخر؛ بمعنى أن الفلسفة قد اكتشفت أنه لم يعد بإمكانها أن تجيب على الرهان الميتافيزيقي الذي هو منافسة الدين في نهاية المطاف.

أحد أهم وأحدث التعريفات للفلسفة هو التعريف الذي قدمه الفيلسوف الفرنسي “ليك فيري” (Luc Ferry) الذي كان وزيرا للتربية بفرنسا، وألف مجموعة من الكتب في تبسيط الفلسفة والفكر الفلسفي. أحد التعريفات التي يتبناها، وأنا أختلف معه تماما فيها، اعتبر بمقتضاه أن الفلسفة تعد في جوهرها بمثابة “مذهب للخلاص الفردي”، (Doctrine de Salut)، وبمقتضى هذا التحديد فإن الغرض من الفلسفة يكمن في كونها تقدم لهذا الكائن البشري الذي يعرف أنه عرضة للموت والزوال، تقدم له مذهبا للخلاص الفردي.

 هذا كان هو مشروع الميتافيزيقا؛ أي الفلسفة التي تعلمنا كيف نتغلب على الموت بالمفهوم السقراطي الأفلاطوني، التي تقدم لنا فكرة الخلود بمعنى من المعاني. الفلسفة بهذا المعنى، أعتقد أنها انتهت؛ لأنها في الحقيقة كانت تزاحم الدين في دوره. أما اليوم فقد أصبحت الفلسفة، كما بين ذلك فوكو، تتحدد من خلال ثلاث اتجاهات كبرى؛ إما اتجاه في التأويل، وهذا منحى كبير في الفلسفة، ونمط من الهيرمينوطيقا، عرف في تاريخ الفلسفة المعاصرة بـ”المنعرج اللغوي”؛ الذي أمست بمقتضاه الفلسفة تنحو منحى التأويل والتحليل اللغوي المنطقي، وهذا مدخل كبير في الفلسفة المعاصرة.

 طبعا، في الفلسفة المتخصصة هناك فرق بين التحليل والتأويل، ولكن أنا أتحدث عن التأويل بمفهومه الأوسع الذي يشمل أيضا عملية التحليل اللغوي المنطقي. هذا اتجاه كبير في الفلسفة.. اتجاه قوي ومتجذر. هناك اتجاه آخر؛ هو “الاتجاه التشخيصي النقدي” الذي يعود إلى التركة النيتشوية؛ “فلسفة المطرقة”، الفلسفة التي أصبحت نمطا من التشخيص النقدي، وهذا المنحى مهم جدا في الفلسفة لأنه يقدم لنا أدوات مهمة لتحطيم الدوغمائيات الوثوقية، وشحن العقل النقدي. هذا منحى ثاني أساسي جدا؛ منحى تشخيصي ونقدي..

 المنحى الثالث؛ منحى تاريخي يتمثل في التراث الفلسفي الممتد من سقراط إلى اللحظة الراهنة، وهو تراث غني يقدم لنا دائما مادة للاستكناه والتحليل والاستفادة، خصوصا وأننا في الفلسفة لا يمكن أن نزعم أن هناك تجاوزا؛ وبمقتضى ذلك فإن نصوص أفلاطون، رغم قدمها، تظل نصوصا حية وراهنة مثلها مثل نصوص “ديريدا”؛ لأنها تقدم دائما فائضا في التأويل، وفي التحليل، وفي الدلالة.

وهناك قراءات متواصلة للفلاسفة في كل مراتب الاكتشاف المطبوعة بالجدة، أعطيك المثال بـ”ألان باديو” (Alain Badiou)، وهو فيلسوف فرنسي الأصل، مغربي المولد؛ فقد رأى النور بمدينة الرباط سنة 1937. ترجم مؤخرا جمهورية أفلاطون وحققها، وبهذه الترجمة أوضح إلى أي مدى تعد النصوص الأفلاطونية نصوصا معاصرة؛ تسعفنا في فهم واقعنا الراهن. بهذا المعنى فالفلسفة هي التأويل والتشخيص..هي عملية قراءة موصولة لتراثها الذي لا تتغذى وتغتني إلا به.

5. تعود باستثمار لإعادة قراءة ذاتها؟

 نعم، تعود دائما لإعادة قراءة نفسها.

6. وفق رؤيتها الخاصة؟

هذا المنهج أساسي، ليس فقط كمنهج في القراءة ولكن كمنهج في التأويل. وتعرفون الآن مدى مركزية مفهوم القراءة في الفلسفة المعاصرة ولدى كل الفلاسفة المعاصرين.

7. هذا “الانكماش أو التقلص” الذي حصل للفلسفة على مستوى الموضوع هل واكبه تحول مواز على مستوى المنهج والرؤية؟

 هو في الحقيقة ليس انكماشا أو تقلصا في الموضوع، أنا لا أعتقد بأنه انكماش في الموضوع، هو نمط لرسم الحد الفاصل بين الدين والفلسفة. وقد بدأ المسار مع ديكارت؛ لأن ديكارت في كتابه التأسيسي الشهير “خطاب في المنهج” (Discours de la méthode) يكرس مبدأ الذاتية من خلال حصر الفكر في الذات المفكرة التي تتمثل موضوعها وتعيد بناءه انطلاقا من مركزية الذات بعد اكتشافها.

مبدأ الذاتية الذي سماه “هيغل” مبدأ عظمة العصور الحديثة، وتبعا لذلك سمى ديكارت (René Descartes) بطل الحداثة. غير أن مسار انفصام الفلسفة عن الدين تعثر بفعل المحاولات التي أمعنت في تعويض الفلسفة بالدين، واعتمادها أي الفلسفة باعتبارها مرجعية مطلقة..

وفي هذا السياق، تبرز الأهمية الخاصة للحظة الكانطية بفضل تمييزها وفصلها بين الفلسفة والميتافيزيقا؛ لأنها فصلت ما بين الميتافيزيقا انطلاقا من وعيها بعملية التفكير باعتبارها نقدا..

وقد تمثلت خاتمة المسار في “المطرقة النيتشوية”. ومع أن الاعتقاد الشائع أن “نيتشه” (Friedrich Nietzsche) كان مناهضا للدين، إلا أن مقصده ومسعاه لم يكن إلحاديا، ولا مناهضا للدين من حيث هو دين. كل ما هنالك أنه اعتبر أن الإله الميتافيزيقي الذي هو إله الأخلاق بالمفهوم الكانطي قد انتهى لأنه ليس إلها حقيقيا..

وبالتالي فإن عملية الفصل بين الدين والفلسفة في كتابات العصور الحديثة هي التي حررت الدين من الفلسفة ومن الميتافيزيقا، وحررت الفلسفة أيضا من الميتافيزيقا لأنها كانت منافسة للفلسفة.

8. هل لنا أن نعتبر أن دواعي الفصل بين الفلسفة والدين إنما جاء في سياق تطور الفلسفة الغربية وتمييزها بين الميتافيزيقا والدين، وأنها في سعيها لنقد الميتافيزيقا كانت تبحث عن جوهر وروح الدين؟

الذي حدث هو أن الفلسفة أدركت انطلاقا من مجموعة من التحولات؛ أن الميتافيزيقا باعتبارها فلسفة منافسة أو مكملة أو متلبسة بالدين مشروع فاشل، وأن الفلسفة مجالها ليس هو منافسة الدين ولا حتى الدفاع عن الدين، فهما مختلفان تماما..

9.  موضوعا، ورؤية، ومنهاجا؟

 ولذلك فإن أهم كتاب في فلسفة الدين الحديثة هو كتاب “كانط”: “الدين في حدود العقل”. ماذا يقول “كانط” في هذا الإطار؟ يقول: هناك مستويان في الدين؛ هناك المستوى الإيماني الاعتقادي، وهذا المستوى يتعلق بالاختيارات الفردية ولا صلة له بالمجال العمومي، وهناك المجال المتعلق بقيم الدين، وهذا المجال أساسي، ولكن يجب أن تتحول لغته من لغة لاهوت إلى لغة مجتمع؛ أي لغة عقلانية قابلة للتقاسم والاشتراك..

 ما حدث هو أن المجتمع الغربي حول القيم اللاهوتية المسيحية إلى قيم حقوق الإنسان، وأعطى للبنيات الدينية التقليدية نفسها شكل بنيات الدولة العلمانية المعاصرة. هذا الاعتقاد مبني على أفكار لاهوتية؛ أفكار السيادة، والتمثيل.. كل هذه الأفكار أفكار لاهوتية في الأصل، ولكنها أفكار تمت علمنتها. وهذا هو معنى العلمنة؛ فهي من ناحية، مثلت قطيعة مع الميتافيزيقا؛ لأنها لم تعد تهيمن على المجال العام ولكنها من ناحية أخرى تعد بمثابة نمط من تحقيق مقصدية الدين؛ باعتبار أن المفاهيم المؤسسة للعلمانية تعد في جوهرها مفاهيم دينية! هذا ما قاله “كارل سميث” (Carl Smith) الذي اعتبر أن الأفكار التي تقوم عليها الدولة الحديثة هي أفكار لاهوتية معلمنة.

10. وهذا ما يبرر الحديث عن الأصول الدينية للحداثة السياسية..

 بالطبع.

11. وفي هذا السياق فقد ساهمت السلطة الدينية في إقرار التمايز بين المجالين الديني والسياسي باعتبار هذا التمايز أحد أهم معالم الحداثة السياسية؛ فقد عمل القديس غريغوار السابع بابا روما، على سبيل المثال، على إبراز المصدر الشعبي لسلطة الإمبراطور ومضاهاتها بالمصدر الإلهي الخاص بالسلطة البابوية سعيا لتبرير دوره في مواجهته؛ فبينما أخفق الإمبراطور في سعيه لتحديد ذاته تجاه المسيحية وكليتها فقد فرض عليه البابا بنجاح ظاهر، الالتزام بالرجوع إلى الشعب وفقاً لنهج يحصر الإمبراطور بدقة شديدة داخل المجال السياسي. 

صحيح، هذه حقيقة تاريخية، لا شك فيها. لكن إذا انتقلنا من هذه الحقيقة التي نبهت إليها، وانتقلنا من الجانب التاريخي إلى الجانب الفكري، ماذا سنجد؟ ما هي الأفكار المؤسسة للحداثة السياسية؟ 

هناك فكرتان أساسيتان؛ فكرة السيادة، وفكرة التمثيل. ففكرة السيادة التي تمثل المفهوم الذي تشكلت على أساسه الدولة الوطنية الحديثة تم استلهامها من الحقل الديني؛ وذلك بنقل السيادة من الإله بصفاته الكلية إلى الدولة. ما مفهوم السيادة؟ مفهوم السيادة، كما حدده “جان بودان” (Jean Bodin) تتميز بكونها واحدة، ومطلقة، وغير قابلة للتجزؤ، كما أنها غير قابلة للتنازل.

هذه كلها مفاهيم لاهوتية صريحة وواضحة، تم نقلها من صفاة الإله المقدس إلى الدولة المطلقة التي أعطاها كل فلاسفة القرن التاسع عشر مفهوما دينيا؛ من ” توماس هوبز” (Thomas Hobbes) الذي يسميها “الإله الفاني” (Dieu Mortel)، إلى ” باروخ سبينوزا” (Baruch spinoza) إلى “جان جاك روسو” (JeanJacques Rousseau) كلهم يتحدثون عن الدولة (الكلية والمطلقة) بمفهوم الإله.. 

فمفهوم التمثيل كما صاغه “هوبز” هو أيضا مفهوم لاهوتي واضح ارتبط بعقيدة التثليث الذي بمقتضاه يغدو الإله من ناحية إلها، ومن ناحية أخرى بشرا.

12. نحن هنا بصدد عقيدة الحلول التي تحولت إلى فلسفة للحلول..

قضية الحلول، عقيدة التجسد هذا المفهوم يعد بدوره مفهوما لاهوتيا. فكل المفاهيم التي قامت عليها الحياة السياسية هي مفاهيم لاهوتية، لكن تم نقلها من الحقل اللاهوتي إلى الحقل السياسي. وهذا ما بلوره “كانط” بصراحة ووضوح. أو حتى هوبز وهو فيلسوف لاتيني يعتبر أن العقد الاجتماعي يظل هشا وضعيفا إذا كان مجرد توافق بين الأفراد، أو صفقة اقتصادية، لذلك لابد أن تكون له قداسة الدين..

فما انتبه إليه “هوبز” وانتبه إليه “سبينوزا” من قبله أن عقيدة ومفهوم الطاعة مفهوم ديني استبطنته الدول الحديثة التي استوعبت أنها لن تتمكن من فرض طاعتها إلا إذا تحولت إلى نمط من الدين.

13. ما يؤكد هذا المنحى أننا نجد في جل الكتابات السياسية الغربية الكلاسيكية خاصة كتاب “في الحكم المدني” لـ”جون لوك” (John Locke) حضورا قويا للمرجعية الدينية، ولفكرة الله.

 كان هذا الوعي صريحا وواضحا جدا عند كل فلاسفة القرن الثامن عشر..

 فمفاهيم السيادة، والتمثيل، والتعاقد مع أنها تشكلت في إطار لاهوتي، إلا أن المهم، هاهنا، هو نقل هذه المفاهيم من أبعادها اللاهوتية إلى الأبعاد السياسية المدنية..

14. حصل تحول على مستوى المرجعية؛ من مرجعية متعالية إلى مرجعية عقلية بنيوية محايثة..؟

 صحيح؛ فالاكتشاف الكبير هنا هو اكتشاف العقل المحايث الذي نقل هذه المفاهيم كلها من مرجعية المقدس المتعالي إلى مرجعية المقدس المحايث..

15. هذا يحيلنا إلى ما أثير ويثار الآن حول “عودة المقدس” حتى في المجتمعات الغربية الحديثة التي يفترض أنها أحدثت شكلا من أشكال القطيعة مع الموروث الديني، ويكفي هنا أن نذكر اجتهادات “ريجيس دوبريه” (Régis Debray). كيف تقرؤون هذه العودة؟

 هذا سؤال مهم، تعرفون أن علم الاجتماع الحديث في تصوره وقراءته للحداثة السياسية تمحور كله حول نظرية “ماكس فيبر” (Max Weber)، التي بمقتضاها مر العالم الحديث من نمط للشرعية قائمة على سلطة التقليد سواء بمفهومه الديني أو بمفهومه الاجتماعي، إلى نمط من الشرعية قائم على السلطة العقلانية البيروقراطية التي تستند إلى نزع طابع القداسة عن  العالم (Désenchantement Du Monde)، أو ما ترجمه طه عبد الرحمن بتبصير العالم بدل نزع الطابع السحري عليه.

 هذه النظرية التي كانت هي المرتكز الأساسي في كل الفكر الاجتماعي السياسي الحديث بدأت تتعرض لموجة عاتية من النقد خصوصا في نهاية السبعينيات حينما بدأت الظاهرة الدينية تبرز في بعدها السياسي. طبعا، ما فعله الإسلام السياسي أوضح من الوضوح خاصة بعد نجاح الثورة الإيرانية سنة 1979، لكن حتى في الغرب بدأت تتشكل الظاهرة الدينية في بعدها السياسي، مثلا دور الكنيسة في أمريكا اللاتينية.

16. لاهوت التحرير..

 نعم لاهوت التحرير، حتى في بولندا ضد الحكم الشيوعي..

 17. الديمقراطيات المسيحية خاصة في ألمانيا.

 ما هو موجود في أمريكا من صعود للإنجيليين.. لقد بدأت الدراسات الاجتماعية الحديثة تعيد النظر في هذه العلاقة. أشرتم إلى “ريجيس دوبريه”، وهو أهم من بلور نظرية حول عودة المقدس، وأسس عليها في كتابه “نقد العقل السياسي”، حينما بين أن جذر السياسة دين؛ أي أن الحقل السياسي لابد أن يتأسس على مبدأ الغائب، مبدأ الغيب المطلق؛ لأن النظام الاجتماعي يتطلب نقطة سامية تتجاوزه وتكون هي الأساس الذي يستند عليه، سواء أكان هذا النظام تقليديا أم حديثا..

ذلك أن للفكر السياسي الحديث مطلقاته ومقدساته، علما أن المقدس هو ما يجمع  وما يفصل في نفس الآن؛ فالمجتمعات البشرية بحاجة إلى نقطة رمزية مقدسة تجمعها، ونقطة مقدسة رمزية تفصلها عن الآخر كعنصر هوية وانتماء. وبذلك فالمقدس هو جذر العقل السياسي حسب “ريجيس دوبريه”.

ومن جهته فقد ذهب “بيير بورديو” (Pierre Bourdieu) نفس المنحى؛ كاشفا أن مشكلة الفكر  الاجتماعي الغربي، الذي يصل إلى مرحلة اكتماله مع المدرسة الماركسية، أنه فصل ما بين الرمز والمادة، ولم يدرك أن هناك “مادية الرمز”؛ فللرمز ماديته، فهو ليس مجرد أسطورة خيالية، بل له ماديته التي يتجسد فيها.

18. فهو يتجسد ويتمثل ويتمظهر..

 لذلك طرح “بورديو” مفهوم الاقتصاد السياسي للرمز، وكيف أن الرأس مال الرمزي فاعل في البنيات السياسية..

 19. وبالتالي فإن الصراع والتدافع الاجتماعي والإيديولوجي والسياسي لا يدور فقط على الموارد والمقدرات المادية، وإنما على الموارد الرمزية كذلك.. وفي هذا نقد مباشر للمنظور التفسيري الماركسي الذي يعتبر البنية الرمزية بنية فوقية ومجرد انعكاس للبنية التحتية المادية..

 نعم فهو صراع رمزي، ولكن الرموز ليست بنيات فارغة؛ فالرموز هي العناصر التي نقرأ بها العالم، ونعقل بها العالم، ونتحكم بها في العالم..

 20. فهي حاملة للتاريخ ومعبرة عن قواه..

 تعرفون أن “كارل ماركس” (Karl Marx) يتحدث عن الدين والسياسة باعتبارهما يحيلان إلى بنيات فوقية ماذا يقول “بورديو”؟ يقول: لا. البنيات الفوقية هي التي تصنع كل شيء؛ نشوء الطبقة العاملة نفسه يعد نتيجة تفكير ماركس، ماركس هو الذي أنشأ فكرة الطبقة البروليتارية؛ أي ولد عملية الوعي بوجودها باعتبارها طبقة اجتماعية منسجمة ومتماسكة. فليس من الصحيح أن الطبقة العاملة هي التي أنتجت الفكر الماركسي، بل الفكر الماركسي هو الذي أنشأ الطبقة العاملة..

21. أو على الأقل هو الذي أسهم في إشاعة الوعي بوجودها الموضوعي التاريخي..

 لم يسهم في إبراز وجودها فحسب بل هو الذي أنشأها، وهو الذي ولد الوعي بها، لذلك فالرموز فاعلة وحاسمة في التشكيلة الاجتماعية خلافا للصورة التي كانت شائعة..

 22. أشرت في البداية إلى أن ما يميز متنكم الفكري هو عدم اقتصاركم على القضايا الفلسفية الصرفة، وانفتاحكم على القضايا ذات الطابع الإستراتيجي السياسي، على قضايا ذات طابع ديني: علم الكلام، الأصول، المقاصد.. ما هي القيمة المضافة التي أعطاها لكم هذا الانفتاح من جهة على الدراسات الجيوستراتيجية، و من جهة ثانية على الدراسات التراثية. ما هي القيمة المضافة التي أضافها هذا الانفتاح إليكم بالنظر إلى المرجعية الفلسفية الأصلية التي تصدرون عنها؟

أنا في الحقيقة أكتب نمطا من النصوص بطريقة متوازية ومتوازنة، أكتب نصوصا فلسفية بطريقة منهجية متخصصة يقتضيها عملي كأستاذ جامعي في حقل الدراسات الفلسفية. وباعتباري باحثا في هذا المجال، أشارك في ندوات ومؤتمرات فلسفية، وأنتج نصوصا فلسفية متخصصة.

وبالموازاة مع ذلك أنتج نصوصا منفتحة على حقول معرفية مختلف لكنها صادرة عن رؤيتي وخلفيتي الفلسفية؛ في إطار ما اصطلح عليه “كانط” “الاستخدام العمومي للعقل”، (usage public de la raison)؛ مميزا بين الاستخدام الذاتي للعقل، والاستخدام العمومي للعقل؛ الاستخدام العمومي للعقل هو ما يمارسه المشتغل بالفلسفة باعتباره مواطنا وليس باعتباره أستاذا متخصصا في الفلسفة، باعتباره مواطنا له همومه ومصالحه ومواقفه العمومية..

فنحن، هنا، بصدد نصين مختلفين لكنهما يصدران عن نفس الخلفية والرؤية الفلسفية. وهذان النصان لا يعكسان أي ضرب من ضروب الانفصام في الشخصية؛ لأننا نستخدم هنا المفاهيم الفلسفية في مجالات معرفية مختلفة.

أشرت إلى مجالين؛ مجال الدراسات الإستراتيجية، ومجال أصول الفقه، والمقاصد، وعلم الكلام.. طبعا أصول الفقه، والمقاصد، وعلم الكلام أقرب إلى النظر الفلسفي، خاصة في صلتها بـ”الفلسفة الإسلامية”..

لقد تعرضت في السنوات الأخيرة للعديد من الموضوعات في مجال علم الكلام وأصول الفقه، وإن كان هذا الاهتمام تمحور حول موضوعين رئيسيين: الموضوع الأول؛ يتعلق بفلسفة العدالة، والموضوع الثاني؛ يتعلق بفلسفة القانون، وهما مترابطان ارتباطا قويا؛ ففلسفة العدالة تنهض على الاستشكال التالي: هل يمكن أن نستقرئ ونستظهر في المدونة الكلامية والأصولية عناصر واضحة لرؤية إسلامية للعدالة؟

عندما نتحدث عن الإسلام فإننا لا نتحدث عنه هنا بالمعنى المعياري، ولكن، كيف فكر المسلمون انطلاقا من المدونة الفقهية والأصولية والمقاصدية، والكلامية في مسألة العدالة؟ هذا موضوع أساسي قادني إليه اهتمامي بنظريات العدالة الفلسفية المعاصرة التي خرجت كلها من الحوار الكبير مع “جون رولز” (John Rawls) في كتابه حول العدالة الذي خصصت له دراسة مطولة، كانت من أولى الدراسات التي تناولت فكر رولز في الفكر العربي المعاصر.

وقد قادني هذا التوجه إلى أن أناقش وأقرأ نصوصا كلامية للأشاعرة والمعتزلة في نظرية العدالة انطلاقا من لاهوتين مختلفين؛ لاهوت ذهب إلى العدل، ولاهوت ذهب إلى الرحمة. علاقة لاهوت العدل بلاهوت الرحمة، والنظريات التي يمكن أن تندرج في سياق الموقفين الكلاميين الكبيرين: الموقف الذي نظر إلى العدالة باعتبار التنزيه؛ أي تنزيه الله عن الظلم فقاده إلى نمط من التصور للعدالة بمفهومها حقا طبيعيا متعاليا، ومفهوم آخر انطلق من لاهوت القدرة، ولكنه أفضى إلى ما هو أوسع من العدل بالمفهوم القانوني وهو الرحمة.

 هذا هو المنحى الأول، المنحى الثاني يتعلق بفلسفة القانون. ونتيجة للظروف الراهنة التي تنشط فيها حركات الإسلام السياسي التي تطرح فكرة الدولة الإسلامية تساءلت: هل يمكن أن نقرأ الفقه باعتباره قانونا؟ هل الفقه هو المرجعية القانونية للدولة الإسلامية؟ وهل يمكن أن يمثل الفقه البديل عن القانون بمفهومه الحديث كما دعا إلى ذلك رموز الفقه السياسي الإسلامي المعاصر؟

 23. عبد الرزاق السنهوري على سبيل المثال؟

 السنهوري في عملية الصياغة القانونية، لكن مفكري الحركات الإسلامية من عبد القادر عودة إلى الآن كلهم حاولوا أن يؤسسوا على الفقه بدائل قانونية جاهزة للمدونات القانونية الحديثة. وقد قادتني هذه الفكرة إلى أن أحاول أن أدرس الفقه، هل هو منظومة قيمية أم هو مدونة قانونية؟

 24. إلى ماذا خلصتم؟

خلصت إلى أن الفقه ليس مدونة قانونية؛ ما هو القانون؟ القانون في المفهوم الحديث مرتبط بمفهوم السيادة للدولة الوطنية، والفكر القانوني الحديث يتأرجح بين ثلاث تصورات لمرجعية القانون؛ هل القانون مبني على نظرية للحق الطبيعي؟ هل هو مبني على نمط من المنطق العقلاني والصياغة العقلانية الوضعية أم على نظرية أمرية سيادية، وبالتالي فهو مرتبط بتركيب الدولة السيادية؟

25. ألا ترون أن القانون مبني على التعاقد؟

كل هذه الإشكالات الكبيرة لا تنتهي، عندما نلج إليها من الجانب السيادي، كلها تقود إلى مآزق نظرية صعبة. بينما علاقة الفقه، كما يقدمه الفقهاء، وما يقرأ اليوم بعيون الإسلام السياسي، هو نمط من المدونة القيمية بمفهومها الأوسع. أي نمط من فلسفة القانون أكثر مما هو مدونة قانونية.

ناقشت هذا الأمر مع أخ جليل هو الشيخ عبد الله بن بيه، فقال لي ملاحظة جميلة، قال لي: إن في الشريعة ثلاث مستويات؛ هناك مستوى المقصد، ومستوى الحكم، ومستوى التنزيل. والفقه يرتبط بالمستويات الثلاث؛ الأول هو المقصد؛ لأن الحكم أحيانا يكون ضد المقصد، ويكون المقصد هو الأساس. وأما التنزيل فقد يكون مضراً بالحكم، وبالتالي فإن محددات التنزيل هي الأساس.

وهكذا خلصت إلى أنه لا يمكن أن نبني على الفقه مدونة قانونية تكون جاهزة، وهذا ما قادني إلى النظر في مقاصد الشريعة التي بدأ الاهتمام بها قويا في مطلع العصر الحاضر، وقد أدركت أنه قد وقع انزياح أسئلة خطير في النظر إلى مقاصد الشريعة؛ لأن مقاصد الشريعة في البداية عندما تبلورت عند الجويني والغزالي، كانت جزء من مدونة التعليل.

 26. تعليل الأحكام.

 تعليل الأحكام، في مبحث القياس، وبالتالي فهي من مكونات نظرية القياس في مفهومه الأصولي، لا تتجاوز هذا المعنى، وعندما بلورها العز بن عبد السلام بلورها كنظرية في الأخلاق، في “الإيتيقا” (Ethics) وليست أبدا نظرية قانونية وحتى فقهية. وحتى الشاطبي كان في تأرجح بين البعد الأصولي والبعد الأخلاقي، لماذا فعل علال الفاسي والطاهر بن عاشور وهما أول من كتب في هذا الأمر؟ أدركا الإشكالات التي تطرحها المدونة الفقهية التي لا يمكن أن نبني عليها بنية قانونية حديثة. فركنا إلى مقاصد الشريعة؛ إما لبناء علم جديد وفقه جديد يكون بديلا عن الأصول.

وفي هذا السياق فقد عمل كل من علال الفاسي والطاهر بن عاشور على تحويل مقاصد الشريعة إلى نظرية في الحق الطبيعي والقانون الطبيعي انطلاقا من مفهوم الفطرة الذي استخدمه ابن عاشور واستخدمه علال الفاسي، ولكن الفطرة هنا ليس بمفهومها التقليدي وإلإنما بمفهومها الحديث مع “جون جاك روسو”، و”جون رولز”. وقعت عملية انزياح دلالي أحدثت قطيعة مع التراث الفقهي والأصولي لبناء مدونة حديثة، ولكن ما وقع هو انزياح دلالي يجعل منهجيات تاريخ الأفكار تبين لنا أن المفاهيم تأخذ دلالتها من سياق توظيفها وليس من طبيعة المفاهيم في حد ذاتها.

 27. البعد الأخلاقي للفقه والبعد القانوني الشرعي للمنظومة الفقهية في التاريخ الإسلامي واضح جدا، وهو البعد المرتبط بالأحكام وبحل النزاعات والخلافات بين الناس، سواء كانوا أفرادا أو جماعات، هذه الوظيفة التي تقع في صلب القانون كانت حاضرة بقوة في التجربة الحضارية الإسلامية، وهذا ما يفسر ارتباط الفقه بالقضاء؛ لأن الاجتهاد الفقهي يعد أساسيا في استصدار الأحكام القضائية، ولهذا فإن المدونة القضائية، إن شئنا، لا يمكن تصورها في التاريخ الإسلامي في غياب الفقه.

لكن أشرتم إلى مسألة جوهرية هي مسألة السياق، والحاصل أن المنظومة الفقهية بغض النظر عن الاستشكال حول طبيعتها، فإنها تعد، في حقيقة الأمر، منظومة أخلاقية وقانونية في آن. لأنه حتى في الفقه القانوني الحديث حينما نتحدث عن طبيعة القاعدة القانونية نتحدث عنها في سياق الفصل بين البعدين القانوني والأخلاقي، بل ويجري التمييز بين القاعدة الأخلاقية والقاعدة القانونية على أساس أن القاعدة الأخلاقية قاعدة غير ملزمة لا يترتب على مخالفتها توقيع أي جزاء، في حين أن القاعدة القانونية يترتب على مخالفتها توقيع جزاء أي عقوبة زجرية.

لكن هذا التمييز الإجرائي لا يلغي أن التطور التاريخي للمنظومة القانونية يجعلنا نقتنع بأن مجموع القواعد الأخلاقية التي لم تكن ملزمة، ولم يكن يترتب على مخالفتها أي جزاء عقابي. كانت في حقيقة الأمر تفرض على مخالفيها عقابا معنويا مرتبط بـ”الأنا العليا” ومرتبط بـ”الأخلاق العامة” و”الآداب العامة”. أكثر من ذلك، فإن العديد من القواعد الأخلاقية أمست مع تطور الحياة الاجتماعية والحضارية قواعد قانونية ملزمة؛ وهكذا، وبفعل منطق التطور السالف، ندرك كيف أن القاعدة القانونية تستبطن مضموناً أخلاقياً مؤكداً، وأن عملية الفصل بين الأخلاقي والقانوني إنما هي عملية إجرائية تؤكد الارتباط ولا تنفيه، وهو ما لا يمكن استيعابه إلا في إطار استحضار مفهوم السياق ومفهوم التطور التاريخي الحضاري للمجتمعات الإنسانية.

 صحيح، لكن هناك ملاحظتين: أولا؛ أنا عندما تحدثت في الأخلاق فإنني أميز بين المنظور الفقهي التقليدي للأخلاق، والمنظور الحديث للأخلاق، المنظور الحديث للأخلاق ما هو؟ هو أن الأخلاق مرتبطة بمبدأ الذاتية؛ أي الإرادة الفردية الحرة، التي تصدر عن أحكام العقل القابلة للتعميم، ضمن الأفق الكانطي للأخلاق، بمعنى “الإيتيقا”؛ أي الآداب الجوهرية. هنا التمييز الذي يقدمه “بول ريكور” (Paul Ricoeur) بين الأخلاق والإيتيقا والحكمة؛ الإيتيقا هي التصورات الجوهرية حول الخير، والأخلاق هي الالتزامات العقلية القابلة للتعميم، وهي ذاتية، بينما الحكمة هي نمط من أخلاق النخبة، أخلاق النخبة؛ أي الأخلاق التي تكون لأفراد متميزين.

 ففي التقليد الفقهي هناك جوانب ثلاثة؛ هناك جانب “الإيتيقا” وهي التصورات المتعلقة بالخير والشر والتي هي توجد في كل الأديان. وهناك جانب الأخلاق؛ بمفهوم أخلاق الضمير وأخلاق النية إلى آخره، وفي هذا السياق فقد كتب محمد عبد الله دراز مؤلفا جيدا عن “دستور الأخلاق في القرآن الكريم” متأثرا بإمانويل كانط. ثم أخلاق الحكمة؛ وهي أخلاق التصوف إلى آخره.

الآن كيف نتحدث عن الأحكام الفقهية المتعلقة بالمعاملات؟ هذا هو المشكل الكبير، هل هذه الأحكام تندرج في إطار القانون أم لا؟ هل هي نماذج ومقاصد عليا أم هي أحكام حرفية؟ هذا هو السؤال. طبعا النصوص صريحة؛ في الزكاة في التركة… إلى آخره. كلها جوانب متعلقة ببعض الأحكام الفقهية المعدودة، علما أن أحكام المعاملات محدودة للغاية. هل هذه الأحكام مرتبطة بسيادة الدولة المطلقة أم أنها قابلة لتجد تطبيقها خارج الدولة؟ هذا سؤال كبير وجوهري.

 28. ألا ترون أن هذه الأحكام قبل أن ترتبط بالدولة فإنها ارتبطت بالجماعة أصالة؟

أحسنت، بدون شك مفهوم الجماعة محوري في التقليد الفقهي الإسلامي. لكن هل الدولة لها هذا الدور أم لا؟ فقد سادت الجَماعة في المناطق التي تسمى تاريخيا بلاد السيبة، أو البلاد السائبة أو البلاد التي لا توجد فيها سلطة مركزية قوية إلى آخره. هل يمكن لأحكام المعاملات أن تنشأ في غياب الدولة تماما؟

هناك فقهاء كبار ذهبوا إلى أن من الأحكام ما يعد مرتبطا بالجماعة، ومنها ما يعد مرتبطا بالفرد، وهي التي ذكرت، ومنها ما يعد مرتبطا بالجماعة ولكن لا تحتاج إلى بنية الدولة، وسلطة الدولة. وبهذا المعنى فإن هذه الأحكام الفقهية ليست أحكام قانونية. إذا الفقه هو من ناحية؛ مقاصد عليا؛ أي “إيتيقا”، ومن ناحية أخرى أحكام، ولكن هذه الأحكام قابلة للقراءة في اتجاهين؛ الاتجاه السياقي الذي ذكرتم. والاتجاه الآخر هو الاتجاه التأويلي كما حدده طه عبد الرحمن في كتابه الأخير حول “روح الدين” بـ”نمط الأمرية المضادة”.

الحقيقة أن الغرض الأساسي لم يكن يتمثل في تقديم مدونة قانونية، كانت المدونة الرومانية موجودة، مثلما كانت المدونة اليهودية هي الأخرى قائمة. الغرض ليس تقديم مدونة قانونية وإنما الغرض هو تقييد الأمرية القانونية بوضع حدود على هذه الأمرية القانونية؛ أي أن الأصل هو الإباحة، الأصل هو الحرية. وهناك تقييدات على الأمرية لذلك سميت الحدود، والغرض منها فقط هو حفظ الجماعة؛ الغزالي كان صريحا في “إحياء علوم الدين” حينما قال إن “الفقه علم دنيوي”؛ لأن الغرض منه..

29. تنظيم حياة الناس في الأرض وليس في السماء.

 أي أن الفقه الحي هو التصوف الذي يبعث على الروحانية إلى آخره.

 30. إجابتكم العميقة تسمح لي أن أنتقل بكم إلى مجال آخر له صلة بالسؤال الأول، كيف تطور، من وجهة نظركم، موقف الفكر الفلسفي العربي الحديث والمعاصر في مقاربته للدين والظاهرة الدينية بوجه عام؟

  سؤال مهم، في الحقيقة، الفكر العربي المعاصر اهتم بالمسألة الدينية من خلال ثلاث مسالك؛ المسلك الأول الذي بدأ به الفكر العربي هو المسلك التجديدي الاجتهادي، السؤال الذي يتبلور بقوة في الخطاب الإصلاحي العربي عند الأفغاني ومحمد عبده وغيرهما هو: كيف نجدد الدين؟ كيف ندفع بنيته الاجتهادية من أجل استعادة المدونة المدنية الحديثة؛ ما سمي بالتمدن عند مفكري عصر النهضة.

 في مرحلة ثانية انتقل الفكر العربي إلى التأثر بالمدارس الوضعية التاريخانية في فهم مسألة الدين. طبعا بدأت الظاهرة مع “سلامة موسى”، “شبلي الشميل”، “فرح أنطون” إلى آخره. ولكن تبلور التصور بصفة أوضح في كتاب أساسي اشتهر في بداية الستينيات هو كتاب ” نقد الفكر الديني” لـ”صادق جلال العظم” في تطبيق أطروحات ماركسية تاريخانية ووضعية في فهم الظاهرة الدينية.

 والاتجاه الثالث هو الاتجاه التراثي؛ أي تحويل الدين إلى نص تراثي مقروء. هذا المسار الذي بدأ مع “الطيب تيزيني” و”حسين مروة”، واستمر فيما بعد عبر المشاريع الفكرية الكبرى لَدى كل من “محمد عابد الجابري”، و”محمد أركون”، و”حسن حنفي” إلى آخره.. فبقي السؤال المحوري هو أن كل هذه الاتجاهات لم تقدم إضافات فلسفية مهمة في فلسفة الدين.

 أنا لا أعرف “فلسفة الدين” إلا في كتابين مهمين؛ أحدهما غير عربي وأحدهما عربي؛ الكتاب الأول هو كتاب “تجديد الفكر الديني” لـ”محمد إقبال” هذا الكتاب قديم، هذا كتاب يعبر عن رؤية فلسفية للدين، ليس المسلم الذي يتحدث عن الإسلام، ولكن الفيلسوف المسلم الذي يتحدث عن الظاهرة الدينية. أما الكتاب الثاني الذي صدر حديثا لـ”طه عبد الرحمن” هو “روح الدين”، نجد هناك كتب في فلسفة الدين؛ أي كيف للمسلم وهو مسلم أن يقرأ “الظاهرة الدينية” بعين فلسفية وليس بعين لاهوتية؟ مثل ما فعل “إيمانويل ليفيناس (Emmanuel Levinas) في الفكر اليهودي كما فعل “بول ريكور” في الفكر المسيحي، وكلاهما بقيا فيلسوفا حتى في نظره إلى دينه. كان “بول ريكور” يقول عبارة جميلة يقول: “لست فيلسوفا مسيحيا أنا فيلسوف ومسيحي”. لأنه عندما يقرأ النص التراثي الإنجيلي يقرؤه بـ..

31. بمنهجية، ومقولات وأطر مرجعية فلسفية.

 ويحترم الأطروحات الفلسفية للنظرية، نحن عندنا خلافات سجالية حول الدين، إيجابا وسلبا، لكن الإضافات الفلسفية المهمة في فلسفة الدين لا أجدها شخصيا في الفكر العربي المعاصر إلا في كتاب طه عبد الرحمن “روح الدين”.

32. طبعا حضور الدين والموروث الديني كما أشرتم مع رموز ورواد فكر النهضة ارتبط أول ما ارتبط بإشكال تاريخي، بتحد موضوعي تاريخي، هو كيفية المواءمة بين منظومتين؛ بين منظومة تاريخية كلاسيكية فقهية، وبين نموذج حداثي جاء في ركاب الاستعمار، نموذج الدولة الحديثة (L’Etat moderne) التي أتت سواء من خلال الاستعمار المباشر، أو جاءت بشكل مبكر من خلال حملة “نابليون بونبارت” على المشرق..

 هذا النموذج هو الذي ولد عمليات التأويل وعمليات التأصيل؛ يعني هذا المحدد التاريخي هو الذي حرك عملية الاجتهاد وعملية تكييف المنظومة التقليدية مع المعطيات الحديثة فيما يتصل بشكل الاجتماع الإنساني في بعده السياسي، وفيما يتصل بالعمران، إلى غير ذلك. مادام أن معظم المجتمعات الإسلامية العربية مجتمعات في بنياتها الذهنية، وحتى في بنياتها الاجتماعية السوسيولوجية مجتمعات تتميز بحضور قوي للموروث، فقد تبلورت إشكالية التحديث انطلاقا من الاستشكال التالي:

كيف نؤسس لنموذج دولة حديثة، ولنموذج اجتماع سياسي حديث بناء أو في صلة بمرجعية تراثية تشكل الأرضية الأساسية التي نقف عليها بتأسيسنا لهذا النموذج. وهو ما جرى التعبير عنه بـ “إشكالية الحداثة والموقف من التراث”؛ كيف نؤسس مشروع حداثة اجتماعية ومشروع دولة حديثة؛ مع ما تستلزمه من نظام تربوي حديث، ونظام اقتصادي حديث بناء على التراث؟

  هذا سؤال مهم، أولا المشكل الكبير في هذا المنحى هو مفهوم التراث؛ لأن مفهوم التراث كان حيلة نظرية للتعامل مع النص؛ لأن الحداثيين العرب الذين اشتغلوا بالمسألة التراثية، يصدرون في أغلبهم عن الاتجاه الماركسي؛ “طيب تيزيني”، “حسين مروة”، “محمد عابد الجابري”، “عبد الله العروي” بشكل من الأشكال إلى آخره، وحتى أيضا “محمد أركون” الذي دخل إلى المسألة التراثية بمنظور إبستيمولوجي إنساني تحايلوا على مسألة النص؛ لأن الغرض هو تأسيس نمط من الإصلاحية الدينية الإسلامية، على الأقل حسن حنفي كان صريحا في هذا الأمر. تأسيس نوع من الإصلاحية الدينية في المرجعية الإسلامية، ولكن باعتبار حساسية التعامل مع النص المؤسس وقع التحايل للبحث في النص الثاني، الذي هو فهوم المسلمين وتأويلاتهم لنصوصهم الرئيسية..

أركون بدأ في مشروعه بقراءة القرآن في دراسته الأولى “كيف نقرأ القرآن؟”، لكنه تحول فيما بعد إلى المسألة التراثية. الجابري بدأ بالتراث وانتهى بدراسة القرآن الكريم. هذه الحيلة النظرية؛ أي التعامل مع النص الثاني أي النص المؤول للنص الأصلي، وإن كان مبررا علميا، جاء ليطرح إشكالا كبيرا؛ لأنها تتعامل مع هذا النص باعتباره نمطا من “التركة الماضوية” التي يمكن أن ننفصل عنها لقراءتها وتداولها تاريخيا..

طبعا، إن ما حدث هو أن تحويل النص إلى تركة في إطار ما سميته بتأويليات القطيعة. والواضح أن كل هؤلاء المفكرين يطبقون منهجيات تأويلية القطيعة، ومعلوم أن ابستيمولوجية القطيعة قد ظهرت في الحقل الابستيمولوجي لدى الفلاسفة الفرنسيين بصفة خاصة مثل “غاستون باشلار” (Gaston Bachelard)، “ميشال فوكو” (Michel Foucault)، إلى آخره. المشكل، هنا، هو أنه عندما نتعامل مع النص بمرجعيات أو بتأويليات القطيعة نتوهم أننا قد انفصلنا عن هذا النص. 

وعندما يتحدث الفلاسفة الغربيون عن النص، فإنهم يتحدثون انطلاقا من إستراتيجيات معينة للتأويل؛ لها دلالتها العامة، استراتيجيات القطيعة. وعندما نتحدث عن هذا النص ونحن في سياق علائقي به كنص حي يستبطن رأسمالا رمزيا، فإن الأمر لا يخلوا من إشكال. أنا بينت أنه في الفكر الغربي هناك اتجاهان؛ تأويليات القطيعة وبوجه خاص مع المدرسة الإبستيمولوجية الفرنسية، وتأويليات الوصل، وهذه التأويليات هي الأبرز في تاريخ الفلسفة التي تناولت النص باعتباره “تقليدا”. هناك فرق بين التقليد ((Tradition والتراث (Héritage)، التراث تركة ماضية انتهت بينما التقليد..

 33. يستبطن عنصر الاستمرارية..

 هو نمط من النص مع أنه يصدر عن الماضي إلا أنه يعيش معنا في الحاضر. هذا هو المفهوم التقليدي عند “هانز جورج كادامير” (Hans-Georg Gadamer) و”حنة آرندت” (Hannah Arendt)، وكل المدرسة الألمانية؛ أي النظر إلى النص باعتباره مستقلا، صحيح أنه مستقل عن مصدره الأصلي؛ أي منتج النص، ولكنه مستقل عن أفهام متقبلي النص الأوائل، وهو مستقل أيضا عنا نحن، على أن النص يؤسس تقليدا، النص أوسع من القارئ ومن المنتج، وهذا ما لا تدركه تأويليات الفصل.

34. وهذا ما يضمن استمرارية النص.

 وهذا ما يضمن، في الوقت نفسه، استمرارية النص، في الحقيقة المدرسة التراثية قدمت لنا نصا فقيرا، عندما نريد أن نفرض فهما معينا انطلاقا من سياق معين فنحن نفقر هذا النص، ونعجز عن فهم فائض المعنى الذي يوفره، كل نص له فائض للمعنى فكيف بنص رمزي مؤسس لحضارة كاملة؟

35. بودي أن أستلهم هذه القراءة الأخيرة لأستجلي تصوركم للتحولات الإستراتيجية التي يعرفها عالمنا الإسلامي على ضوء التحولات الكونية المعاصرة.

  رأي؛ أننا نشهد اليوم حدثا مهما هو عودة المسألة الشرقية؛ ذلك أن النظام الإقليمي الذي نشأ في المنطقة مع بداية القرن، وتشكلت على أساسه الجغرافية السياسية المعاصرة بدأ يتصدع، وبدأت تبرز معالم وتشكلات جديدة في بداية القرن العشرين. كان هناك صراعا بين مفهومين للمنطقة، كلاهما يرتبط بمفهوم الشرق:

المنظور الغربي إلى حدود القرن التاسع عشر كان يعني جنوب شرق آسيا؛ أي هذه المنطقة غير الإسلامية. غير أنه مع بداية القرن العشرين بدأ المفهومان يتصارعان، هناك مفهوم الشرق الأدنى الذي يحيل إلى الأرض المقدسة الشرقية (Proche-Orient)، ومفهوم الشرق الأوسط (Moyen-Orient) الذي يتحدد بوجود قلب العالم الإسلامي بين بحرين كبيرين صارت أوروبا تسيطر عليهما، المحيط الهندي، والبحر الأبيض المتوسط. وبالنسبة للمفهوم الفرنسي؛ الشرق الأدنى هو مفهوم محدد، هذه المنقطة أساسا عربية، وإن بات هذا المفهوم يتسع ويشمل اليونان، والضفة الشرقية الأسيوية، التي كانت جد مرتبطة بالمنطقة العربية الإسلامية.

هذا هو مفهوم الشرق الأوسط الذي طورته الإستراتيجية البريطانية الأمريكية الذي أضحى مفهوم الشرق الأوسط الكبير الممتد من باكستان إلى المغرب، وموريتانيا إلى آخره. طبعا النظام الإقليمي العربي تشكل في إطار الرؤية القومية الأوروبية التي أنتجت مفهوم الأمة-الدولة. الدولة باعتبارها كيانا سياسيا يعبر عن هوية الأمة، هذا المشروع الذي نجح في تركيا، نجح في إيران.. ثم بقي المشروع في العالم العربي مطروحا كمشروع سياسي، ولكن لم تنجح الفكرة القومية في بلورة الدولة-الأمة ولكن نجحت في تحويل مفهوم العروبة إلى المرجعية المركزية في النظام الإقليمي العربي.

 طبعا مع تسعينيات القرن الماضي بدأنا نشهد الصراع بين مفاهيم جديدة؛ مفهوم الشرق الأوسط الأوسع، والشراكة الأوسطية، ومفهوم الشرق بمعنى الشرق المتوسطي؛ أي دمج الشرق المتوسطي في النظام الإقليمي الأوروبي، هذا هو معنى الشراكة المتوسطية؛ أي بعد تمدد الدائرة الأوروبية إلى الشرق المتوسطي الأورثوذكسي؛ رومانيا، بلغاريا، اليونان، إلى آخره، يجب الآن أن تغطي الضفة الشرقية العربية الإسلامية بما في ذلك تركيا وإسرائيل. الآن ما نشهده، بعد موجة الربيع العربي الأخيرة، يعبر عن تغير خطير في البنية الجيوسياسية للمنطقة، لا نتاجا لمخططات أجنبية استعمارية كما يقال، هناك مؤشرات كثيرة تستحق التمعن؛ مؤشرات أولا، تتعلق بالمجال الإقليم العربي الذي يشهد نمطا من السياسية الجديدة التي تزعزع كل محددات الدولة السيادية..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق