مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

العلامة سيدي أبو بكر بن عبد الهادي بوشنتوف (ت1355ھ-1936م):

بوشنتوف، أو الشنتوفي، أسرة سلوية مجيدة، تنتسب إلى القطب المولى عبد السلام ابن مشيش جد شرفاء العلم المشاهير، وقد عرفت هذه الأسرة بالمروءة والاستقامة والوجاهة، وأنجبت عددا من الفقهاء والأدباء والمدرسين…، منهم العلامة سيدي أبو بكر بن عبد الهادي بوشنتوف…

ولادته ونشأته:

ولد صاحب الترجمة في مدينة سلا حوالي عام 1298ھ/1880م، واشتغل مدة بالتدريس في المسجد الأعظم بسلا، ومما قرأه فيه “ألفية ابن مالك”، و”تلخيص المفتاح”، و”مقامات الحريري”، وغير ذلك من المتون والمصنفات، ثم انخرط في سلك الخدمة المخزنية، فعمل أمينا بمرسى أسفي وغيره أيام السلطان عبد العزيز، وقد صحب عامل سلا السيد عبد الله بن سعيد في سفره إلى مراكش لعرض الخلاف بينه وبين قاضي سلا الحاج علي عواد، فاستخدم هناك مع الخليفة السلطاني المولى عبد الحفيظ، ولما انتقل الملك إلى هذا الأخير بعث به سفيرا مع الفقيه البوعصامي إلى ألمانيا وثلاث دول أوروبية أخرى لأجل الاعتراف به ملكا على المغرب بدل أخيه المخلوع، وبعد ذلك أصبح أبو بكر بوشنتوف أمين الصائر بمراكش، ثم قاضيا بمدينة وجدة، فمكث هناك ستة أعوام، ثم نائبا عن وزير الأملاك المخزنية الحاج عمر التازي بالرباط ثلاث سنوات، ثم قاضيا بأحواز الدار البيضاء، وباشر هذه الوظيفة فيها عدة سنين، ثم استعفى منها واختار الراحة، وانتقل إلى مراكش فسكنها إلى آخر حياته، واعتكف على التدريس ونشر العلم، فانتفع به المراكشيون انتفاعا كبيرا، وكان يعيش عيشة أندلسية تتجلى فيها الراحة والأريحية حيث يمثل منزله منازل وزراء وكتاب قرطبة في عهد الخلافة الأموية، والأيام العامرية، وبعض وزراء وأعيان الملوك الطائفية وخصوصا في الدولة العبادية بإشبيلية، لا يخلو مجلسه من أدب ينقل، أو شعر يروى ويعقل،

أو طرب أندلسي يشفي النفوس من العلل، وملحون مغربي يفسح في دائرة الأمل، وموائد ممدودة، ونعم لا ممنوعة ولا مفقودة، كان هذا حاله إلى أن وافاه الأجل.[1]

مكانته العلمية وشيوخه:

أبو بكر هذا كان يعد نجم سلا الثاقب في كتاباته وأفكاره، أندلسي المذهب، عراقي المشرب، إذا كتب أسهب، وإذا حدث أفاد…، أخذ عن شيْخَيْ بلده الشهيرين أبي محمد عبد الله ابن خضراء، وأبي العباس أحمد بن خالد الناصري، وهو عمدته وعليه تخرج، ومن عشه درج، لازمه عدة سنين بمجالسه العامة، ودروسه الخاصة بمنزله، وكان حظيا عنده، مقربا إليه، ثم ارتحل إلى فاس ودخل القرويين وأخذ عن شيوخها أمثال محمد القادري، ومحمد كنون الكبير، وعبد القادر الفاسي، وأحمد بن خياط، وعاد إلى بلده يتفجر علما وحكمة، فاشتغل بتدريس العربية واللغة، والبيان والأدب بالمسجد الأعظم وكانت له وصلة ومواصلات مع أدباء الحضرة الرباطية، فكان يتردد عليهم ويترددون عليه، وخصوصا العلامة الأديب أبا العباس أحمد جسوس…[2]

شعره:

من شعره قصيدته الرائية في تهنئة المولى يوسف بعرس أبنائه بعاصمة مراكش، حيث قال:[3]

أمولاي فخر المــلك دمت مظفرا     وسلمك المــولى وطال لك العمر
ليهنك ذا العرس السـعيد الذي به     تكاملت الأفـــراح وانتعش القطر
وماست به الأدواح فـي عرصاتها     وتاه به رضــوان والنيل والقصر
وغنت به الأطيـــار في وكناتها     وخط بماء العـــين تاريخه الدهر
وماجت به مراكـــش بوفودها     وطاب لهم منهــا به العرف والنشر
وقامت به الأفراح فـي كل محفل     وعمت به البشــرى وحق به الفخر
هنيئا أمير المـــؤمنين ومن به     تفاخرت الأيام وانشــــرح الصدر
هنيئا بذا العرس الذي حل عصره     وضاءت على أصقـاعه الأنجم الزهر
واهنأ من هذا شفــــاؤك إنه     هو العيد والأفـــراح والغنم والذخر
فدم وافر الأفراح يــخدمك العلا     وتخدمك الأيــــام والبيض والحمر
وزادك رب العالمـــين ضخامة     وساد بك الأقصــى ودام لك النصر
ولازلت موصول السـعود ممكنا     وجيشك منصـــــور وطالعك البدر
ولا زال هذا المــلك فينا مخلدا     وأوقاته زهــــــــو وأيامه غر

وفاته

توفي مترجمنا- رحمه الله تعالى- بمراكش سنة 1355ھ/1936م، ودفن في ضريح مول القصور الشيخ عبد الله الغزواني، وكانت جنازته حافلة مشهودة.[4]

الهوامش:

[1] معلمة المغرب، من إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 1733/5.

[2] من أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين الرباط وسلا، عبد الله الجراري، د.ط، 263/2.

[3] المصدر السابق، 265/2.

[4] نفسه، 265/2.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق