وحدة الإحياءأعلام

العلامة الشيخ عبد الله كنون مفسرا

كان اتجاهي للكتابة في هذا الموضوع عن العلامة الشيخ سيدي عبد الله كنون مفسرا يرمي إلى تحقيق غايات ثلاث:

أولا: إبراز جانب من تراث الشيخ، فقد اشتهر العلامة عبد الله كنون، حتى عند تلاميذ الثانوي، باعتباره أديبا وعلما من أعلام الأدب المعاصر بالمغرب، كما ارتبط اسمه برابطة علماء المغرب التي كان أمينا لها، فعرفه العامة والخاصة عالما فذا وفقيها مجاهدا اختار الكلمة الصادقة والكتابة الصحفية وسيلة للدعوة، لكن اهتمام الشيخ وإسهاماته في تفسير القرآن الكريم ظل كل ذلك متواريا خلف شخصية العالم الفقيه الأديب.

ثانيا: تصبو هذه الدراسة إلى أن تكون مساهمة لإظهار تكامل شخصية العلامة عبد الله كنون العلمية، حيث جسد، رحمه الله، النموذج الذي درج عليه متقدمو العلماء من حيث موسوعيتهم ومشاركتهم في فنون علمية متنوعة.

ثالثا: وأخيرا تسعى هذه الدراسة لتجديد ذكرى الشيخ الذي لم تخب عاطفته الإسلامية، ولم تتوقف يوما عن النصح لدينه، ويكفي المرء الرجوع إلى جريدة “الميثاق”، على سبيل المثال لا الحصر، ليرى كيف فتحها الشيخ كنون للدعاة والكتاب الناصحين من جيله ومن الأجيال التالية، وكيف ظل يسهم فيها بقلمه الصادق، فكتب عن تطبيق الشريعة الإسلامية وعن البنك الإسلامي، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحتى عن طريق تدريس “الفلسفة” لأبناء المسلمين بالمغرب..

على أن محاور هذا الموضوع لن تخرج عن عنوانه “العلامة الشيخ عبد الله كنون مفسرا” ومما تجدر الإشارة إليه في هذه التوطئة أمران:

الأول: أن كتابة الشيخ في التفسير لها ارتباط وثيق بدعوته إلى الإسلام والالتزام بأحكام الشريعة.

الأمر الثاني: غلبة النزعة الاجتماعية على تفسيره، حيث لم يقصد استيعاب الآراء ولا جمع النكات واللطائف ولا البحث في جزئيات الأحكام.. بل كان للشيخ رحمه الله توجه إصلاحي بالدرجة الأولى.

فبالنسبة لارتباط تفسيره بدعوته فيشهد لذلك ما قاله في مقدمة “تفسير سور المفصل من القرآن الكريم..” “كان هذا التفسير تجربة بل تطبيقا لفكرة طالما راودتني منذ أن اشتغلت بأمر الدعوة والتبليغ، وأساس العمل فيهما كما هو معلوم الكتاب العزيز والسنة المطهرة، فكنت أرى التفاسير التي وضعها علماؤنا لكتاب الله، كبيرة أكثر من أن يستوعبها الشخص العادي والطالب الشادي، والمختصرة منها كالبيضاوي والجلالين تفوق مستوى من ذكرت وتقصر مداركه عنها لعبارتها المغلقة، ولا مندوحة للمسلم من أي طبقة كان أن يعرف على سبيل الإجمال ما خاطبه الله به في كتابه”.

فالشيخ كنون رحمه الله كان يرى الجهل بما تضمنه القرآن من أحكام أحد معوقات الدعوة الإسلامية، وأن الإعراض عن آيات الله راجع غالبا لبعد الناس عن استيعاب وفهم خطابه تعالى لهم في القرآن، من تم اتجه الشيخ إلى كتابة “تفسير سور المفصل” ليضعه بين يدي الطائفة العريضة من الناس الذين ليس في مكنتهم التعامل مع أمهات كتب التفسير المتوفرة.

أما بالنسبة لغلبة نزعة الإصلاح الاجتماعي على منهج الشيخ كنون في التفسير فيظهر ذلك من خلال بعض ما أدرجه في مقدمة “تفسير سور المفصل” حيث قال:

“… وأدنى ما كنت أتصوره لتحقيق هذه الغاية، تفسير في مثل حجم القرآن مرتين أو ثلاثا على الأكثر، سهل العبارة خال من الاصطلاحات العلمية، والأقوال المتعارضة، مركزا على الأسس الثلاثة التي قامت عليها دعوة الإسلام وهي:

ـ تصحيح عقيدة التوحيد بتطهيرها من الشوائب.

ـ وتزكية النفوس بالأخلاق الفاضلة والقيم العليا

ـ وإعداد المسلمين لقيادة الإنسانية إلى ما فيه صلاح معاشها ومعادها”.

ولكي تعطي هذه الدراسة نظرة علمية متكاملة عن “العلامة الشيخ عبد الله كنون مفسرا” فقد تم تقسيمها منهجيا إلى ثلاثة مباحث:

لخصت في الأول منها مجمل حياته، ولم أشأ أن أترجم له: لمعاصرته، ولأنه أحد الأعلام المعاصرين، ولأن موضوع حياته العلمية سبق أن ألف فيه.

والمبحث الثاني خصصته للكلام عن منهجه في التفسير، عرضت فيه تصور الشيخ للطريقة التي ينبغي أن يسلكها “التفسير الدعوي للقرآن” في العصر الراهن، ولدعامات ومصادر تجربته حين ألف “تفسير المفصل”.

أما المبحث الثالث فقد أفردته لتقويم منهج الشيخ كنون، ونظرت لذلك من زاويتين:

مقارنته بالتفاسير المعاصرة التي ظهرت بالغرب الإسلامي خاصة، ثم أثر نزعته الإصلاحية في توجيه تفسيره.

وأشير في هذه التوطئة كذلك إلى أن هذه الدراسة اعتمدت بالأساس على “تفسير سور المفصل” فكان مرجعها الرئيسي، لكن هذا لم يمنع من الرجوع إلى بعض مقالات الشيخ، في الموضوع، التي نشرها في الصحافة ثم عمد إلى جمعها في الكتب التي دأب على نشرها، رحمه الله، من مدينة طنجة.

المبحث الأول: الشيخ العلامة عبد الله كنون مجمل حياته وعلمه

كانت حياة الشيخ كنون وفكره نتيجة للبيئة الاجتماعية والسياسية التي نشأ فيها، فقد كان للوسط الأسري الذي عاش فيه، ثم استقراره في طنجة، وأيضا ولادته قبيل فرض الحماية على المغرب ببضع سنين ومعاصرته للأحداث التي مر بها المغرب إلى حصوله على الاستقلال السياسي، وأخيرا معاناته في سبيل أفكاره ودعوته الإصلاحية حتى بعد الاستقلال وانشغاله بأحداث العالم الإسلامي، كان لذلك كله أثر في حياته وفي تكوينه وتوجهاته وفي آرائه بصفة عامة.

المطلب الأول: نشأة الشيخ كنون وبيئته وعلمه

ولد العلامة عبد الله كنون بمدينة فاس يوم السبت 30 شعبان 1326ﻫ موافق 26 شتنبر 1908م، فعاصر وهو طفل يعيش في أحضان هذه المدينة توقيع معاهدة الحماية عام 1912م، وكان والده “الشيخ عبد الصمد بن التهامي كنون من أولئك الذين عقدوا العزم على مغادرة فاس التي كان المستعمر أشد وطأة على أبنائها… للالتحاق بالمدينة المنورة اختيارا للجوار هناك، ومن هنا اتجه الشيخ نحو طنجة صحبة عائلته بمن فيهم الصبي عبد الله المولود قبل أربع سنوات تأهبا لأخذ طريق البحر… لكن ظروف الحرب العالمية الأولى حالت دون تحقيق الأمل، وهكذا أصبح على العائلة أن تقيم بطنجة، حيث نشأ عبد الله بين أحضان والده، يجلس إليه ليلقنه الدرس إلى جانب من كانوا يتعاطون العلم في المدينة آنذاك، وانطلق من هنا يتردد على سائر أساتذة المدينة ومشايخها كالشيخ مصباح، والقاضي الغازي، والفقيه السميحي…”[1].

وخط الشيخ كنون بقلمه ما يلخص به سنوات طوال من حياته فقال بأنه: “بدأ بالكتابة ونظم الشعر وهو طالب، واشتغل بالتعليم، وعمل في الحركة الوطنية، وكتب في الصحف..

وألف عدة كتب فاق المطبوع منها الآن أربعين كتابا ما بين دراسات أدبية وإسلامية، وتحقيق بعض كتب التراث إلى أعمال إبداعية شعرية ونثرية، وأسندت إليه وظائف إدارية وحكومية، وانتخب عضوا في المجامع العربية، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ورابطة العالم الإسلامي بمكة، وهو أمين رابطة علماء المغرب وعضو أكاديمية المملكة وفي مجلس الوصاية على العرش… ورضي الله أقصى مراده”[2].

وفي الوقت الذي شغل فيه المفكرون والكتاب المغاربة بالكتابة السياسية والعمل الصحفي اليومي الذي يأكل الجهد ويتبدد مع الأيام والأحداث، انصرف الشيخ كنون مع قلة من معاصريه إلى المزاوجة بين الكتابة الصحفية والسياسية وأيضا إلى الإبداع الفكري والأدبي.

فكتب المقالة السياسية، وكانت جريدة “الأنوار” من أوائل الصحف التي نشر فيها بإمضاء “أبو الوفاء”[3]. كما نشر البحوث الفكرية واللغوية والإسلامية والتاريخية.. ومما ظل يؤرقه ويشغل قلمه طيلة حياته:

ـ ما كان يلاحظه من انحراف في مجال التربية والتعليم بالمغرب[4].

ـ ما ابتلى به مجال الثقافة عامة في البلاد الإسلامية حيث اختلط الفكر الإسلامي بإيديولوجيات الفكر الوافد[5].

أما أهم خصلة رافقت مسيرة حياته، فهي “إنكار الذات” ويذكر أنور الجندي أنه على الرغم من عشرات الدراسات التي ألفها عن أعلام المغرب فإنه لم يكتب دراسة عن جده العالم محمد كنون[6].

قد أحسن الدكتور محمد تقي الدين الهلالي تـ1407ﻫ، رحمه الله، حين وصفه بأنه جمع بين خصال الشيوخ من سعة العلم والأدب وكمال العقل والمروءة وبعد النظر وسداد الرأي والحلم والوقار، إلى خلال الشباب من النشاط والحزم وفكاهة الحديث وحسن المحاضرة وطرافة النكتة مع صحة العقيدة والكرم والشهامة والوطنية الموزونة بميزان الشرع المحمدي المكتسبة من القرآن وسيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم…[7].

وقد عاش الشيخ، رحمه الله، عالما فذا ومصلحا صاحب مبدأ… زهد في الإمارة وأرفع الوظائف مما يتهافت عليه أهل زمانه، حتى لقي ربه يوم خامس ذي الحجة 1409ﻫ الموافق لتاسع يوليوز 1989م، فرحمه الله ورحم من سبقه أو لحق به من علماء أمة الإسلام.

المطلب الثاني: إسهامات الشيخ عبد الله كنون في التفسير

ابتدأ الشيخ بكتابة المقالة في تفسير بعض آية القرآن، وليس هناك ما يدعو إلى الاستغراب إذا قلت إن أكثر مقالاته الدعوية التي نشرها في مختلف المناسبات هي دروس في التفسير.

فقد ظل، رحمه الله، يعيب التقليد ويدعو إلى الاتباع، ومن ثم كان ديدنه تأصيل كتاباته الإصلاحية بربطها بالكتاب والسنة. فمن إسهامات الشيخ في تفسير جملة من المقالات المنشورة. ثم نشر “تفسير سور المفصل من القرآن الكريم” الذي صدرت طبعته الأولى عن دار الثقافة بالدار البيضاء.

والذي يبدو أن الشيخ غلبه التواضع، وتردد في الإقدام على تفسير كتاب الله تعالى، ثم بعد طول تردد قرر أن يبدأ بتجربة تفسير المفصل من القرآن الذي هو سبع المصحف، فإن نجحت التجربة نظر في كتابة تفسير كامل. قال: “إنما اخترت أن أبدأ في هذه التجربة بسور المفصل لأنها (أولا) صغار، فتناولها أيسر من تناول السور الكبار، والمفصل سبع القرآن، كما قال الراغب، فإذا لم تنجح التجربة في السبع، فإنها لن تنجح في الكل..”[8].

ولا يذكر الذين ترجموا للشيخ كتابا آخر جرده للتفسير خلا السابق، فيظهر أنه توقف عند المفصل الذي يبتدئ بسورة الحجرات إلى آخر القرآن مع سورة الفاتحة، كما ألمحت إليه سابقا غلبه تواضعه وانتهى به التردد في الإقدام على كتابة التفسير إلى العزوف عن الفكرة، مكتفيا بما قدمه للمطبعة، ويمكن للقارئ أن يطلع على مدى تهيب الشيخ رحمه الله من هذه المهمة، من خلال قوله في مقدمة “تفسير سور المفصل”: “وعليه فلم يكن بد من هذه التجربة لتطبيق الفكرة بالمنهجية المذكورة، وإن كنت أعلم أني لست هناك، وأن القول غير الفعل، فالأفكار تخطر ببال الناس كلهم، لكن إنجازها هو الذي يميز بعضهم من بعض”[9].

المبحث الثاني: منهج الشيخ عبد الله كنون في تفسير القرآن الكريم

سعى الشيخ كنون حين ألف في التفسير لكي يكون تأليفه مستوفيا لما تصوره بخصوص “تفسير دعوي” يتوجه لسائر الناس بجميع طبقاتهم. ورأى بأن التفاسير المتاحة إما أنها حرصت على الموسوعية فصار الاهتمام بها مختصا “بالمشايخ المنقطعين للدراسات الإسلامية العليا..”[10]. وإما أنها” بمثابة تشقيق الألفاظ للمتعلمين المبتدئين” كتفسير محمد فريد وجدي[11].

المطلب الأول: خطوات التفسير ومراحله عند الشيخ كنون

إن الخلاصة التي ينتهي إليها قارئ مقدمة “تفسير سور المفصل” هي أن الشيخ عبد الله كنون الحسني وضع بنفسه أربعة شروط رئيسية عمل على الالتزام بها في كتابه[12].

أولها: التزام الاختصار حتى لا يثقل على القارئ.

ثانيها: تحري العبارات السهلة التي يدرك معناها المسلم العادي.

ثالثها: البعد عن الاصطلاحات العلمية – الشرعية – والاحتراز من قضايا الخلاف بين المفسرين.

رابعها: الحرص على إبراز حجة القرآن واستدلالاته العقلية مع الاهتمام بما يعتمده أيضا من إثارة للعاطفة والوجدان.

أما طريقته في التفسير وبيان معاني الآيات فقد أجملها، رحمه الله، في ثلاث خطوات أساسية:

أ. الالتزام بالمعاني التي يفيدها ظاهر اللفظ القرآني.

ب. تحري المنقول سواء كان حديثا مسندا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، أو مرفوعا إلى أحد الصحب أو موقوفا عليهم، أو كان مما صح نقله عن علماء السلف الصالح الذين شهد لهم عليه الصلاة والسلام بالخيرية.

ج. اعتماد النظر السديد عند الترجيح بين الأقوال حال الاختلاف.

قال رحمه الله: “ولذلك فإننا في تفسيرنا هذا لم نمل عن ظاهر الآيات ولم نصرفها عن وجهها ولم نعتضد بغير المأثور في بيان المعنى المراد أو قول السلف رضوان الله عليهم وقد كانت لنا بعض الترجيحات والتوضيحات التي اعتمدنا فيها النظر عند تشعب الرأي…[13].

المطلب الثاني: دعامات التفسير عند الشيخ كنون

“تفسير سور المفصل من القرآن الكريم” تفسير أثري بالدرجة الأولى، اعتمد فيه المؤلف، كغيره من المفسرين المعاصرين، على أصح مرويات التفسير، لكن ما شرطه – رحمه الله – على نفسه من اعتضاد بالمأثور فحسب لا ينفي تضمن هذا التفسير، لمباحث لغوية أو بلاغية، وهو في ذلك إنما اقتفى سنة متقدمي المفسرين منذ الصدر الأول من السلف الصالح، إذ التفسير إما نقل صحيح عمن يعتبر فإن عدم صحيح المنقول نظر المفسر وأخذ بما يدل عليه مطلق اللغة أو مقتضى معنى الكلام.

أولا: الدعامات النقلية للتفسير عند الشيخ كنون ويشمل ذلك:

أ. تفسير القرآن بالقرآن أي بيان مجمل القرآن بمفصله وعامه بخاصه ومطلقه بمقيده. وهو ما يصطلح عليه عند المعاصرين “بالتفسير الموضوعي”.

ففي تفسير قوله تعالى ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى. وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ (النجم: 36-37). قال الشيخ: “أي ألم يخبره أحد بما أتت به جميع الأديان فهو في توراة موسى، وصحف إبراهيم الذي وفّى بكل ما طلب منه وهي إشارة لقوله ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾..[14].

ب. تفسير القرآن بصحيح ما نقل مسندا عنه، صلى الله عليه وسلم، وهذا كثير في “تفسير سور المفصل”، وقد يورد الشيخ الحديث بمتنه أو يشير إلى معناه. ففي تفسير قوله سبحانه ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ قال الشيخ: “أي فإن كان لا بد من كرامة زائدة في بعض الناس، فإنما هي كرامة التقوى والعمل الصالح، لا كرامة الجنس والأصل والحسب والنسب، وفي الحديث “كلكم من آدم وآدم من تراب”[15].

ج. تفسير القرآن بما روي عن الصحب رضي الله عنهم مرفوعا[16]. وذلك كثير حيث درج الشيخ كنون على الاستفادة من مرويات أسباب النزول في توضيح معنى الآي، ففي الآية الأولى من سورة الحجرات قال الشيخ “نزلت في الصديق والفاروق، وكان وفد بني تميم قدم على النبي، صلى الله عليه وسلم…”[17]. وفي الآية السادسة وما بعدها قال الشيخ: “نزلت هذه الآية في الوليد بن عقبة وهو من مسلمة الفتح…”[18].

د. كما رجع الشيخ كنون إلى المنقول عن أئمة التابعين المشتهرين بالتفسير كمجاهد بن جبر المخزومي المكي ت 104 ﻫ وقتادة بن دعامة السدوسي ت 117ﻫ[19] وغيرهم..

ﻫ. إضافة لما سبق كان الشيخ يحيل ويعزو لمختلف مصادر السنة المشرفة كالجامع الصحيح للإمام البخاري تـ 256ﻫ، وجامع الإمام مسلم تـ 261ﻫ، وجامع الترمذي تـ 279ﻫ وسنن النسائي تـ 303ﻫ ومسند الإمام أحمد تـ 241ﻫ[20]… ولا يبدو من سياق “تفسير سور المفصل” أن الشيخ، رحمه الله، كان يرجع إلى هذه المصادر التي جمعت السنة، وإنما كان اعتماده على ما تضمنته أمهات التفاسير من أحاديث كتب السنة والله أعلم.

و. وقد يعضد الشيخ كنون ترجيحه بالمرويات عن أهل الكتاب وهذا قليل جدا، ففي تفسير قوله عز وجل ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ (التين: 1–3). قال: “.. وفيه مع ذلك موافقة لما جاء في التوراة، سفر التثنية الإصحاح 33، ونصه: جاء الله من سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران..”[21].

ثانيا: الدعامات العقلية للتفسير عند الشيخ كنون ويعتمد على:

أ. تفسير القرآن بمطلق اللغة لأن القرآن أنزل بلسان عربي مبين، ويشمل الأخذ بمطلق اللغة: بيان غريب المفردات مع الاستفادة من علوم التصريف والاشتقاق والإعراب.

ففي تفسير ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا﴾ (الذاريات: 25). عقب عليه الشيخ قائلا: “… بالنصب على المصدرية أي تحية (قال سلام) بالرفع على الابتداء أي عليكم، وهو أبلغ لدلالته على الثبوت”[22]… أما غريب القرآن فقد كان ديدن الشيخ الاستشهاد له بالشعر، وهو قليل في تفسيره لأنه يتوجه فيه إلى عامة المسلمين الذين يشق عليهم التعامل مع النصوص المنظومة..[23].

ب. تفسير القرآن بالمقتضى من معنى الكلام، وتفيد في ذلك علوم البلاغة، المعاني والبيان والبديع، وقد نحا الشيخ كنون في تفسيره منحى وسطا، فلم يتوسع أو يستطرد في بيان بلاغة النظم القرآني، كما أنه لم يغفل الإشارة إلى النكت البلاغية البديعة التي تضمنتها الآيات.

ومن هذه النكت ما ساقه الشيخ في تفسير قوله تعالى: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا…﴾ (الطور: 33) قال: “أي بما يقولون فيك من الأباطيل، وهو أسلوب آخر من التقريع في غاية البلاغة، لأنه أثبت لهم أحلاما أي عقولا، واستنكر أن تكون أحلامهم تأمرهم بهذه الأقوال الباطلة في حق الرسول، صلى الله عليه وسلم، فهم إذن يقولون ما يقولون بدون تعقل..”[24].

ثالثا: موقف الشيخ كنون من بدع التفسير

وهذه البدع ترجع إما لاعتماد المفسر على الروايات الضعيفة والآثار الواهية كالموضوعات والإسرائيليات وإما لخوض المفسر في كتاب الله بالرأي المذموم.

وكان منهج تعامل الشيخ مع هذه البدع ينبني على أمرين:

  1. عدم التعرض لها إطلاقا لما فيها من تشويش على العامة.
  2. الكلام عن المشهور منها عند عامة الناس وذلك بنقدها بما يبين عوارها وتهافتها.

ومن البدع التي عرض لها الشيخ بالنقد وهي قليلة في تفسيره: ما ذكره عند تفسير قوله عز وجل: ﴿… يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ (ق: 41). قال: “… وعن جماعة من السلف أن المراد به صخرة بيت المقدس ومثل ذلك لا يقال من قبل الرأي”[25].

وما أورده أيضا عند تفسير قول الله سبحانه ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ (الفجر: 8). قال: “… وما يورده بعض المفسرين والقصاص عن مدينة ارم ذات العماد، والعجائب التي فيها زاعمين أنها المراد في الآية الكريمة، هو مما لا أصل له ولا سند، وقد أنكره الحافظ بن كثير، وقال لو كان ذاك هو المراد لقال التي لم يعمل مثلها في البلاد ولم يقل لم يخلق”[26].

المطلب الثالث: مصادر الشيخ كنون من أمهات التفاسير

من خلال تتبعي الشيخ بدا لي، والله أعلم، أن “تفسير سور المفصل” جاء خلاصة لقراءات عديدة في مختلف أمهات كتب التفسير، ومن هذه القراءات المتنوعة كتب تفسيره، وإن كان في غالب الكتاب لا ينسب الأقوال لأحد أئمة العلم، بل يذكر ما يراه راجحا.

أ. التفاسير المتقدمة التي اعتمدها الشيخ رحمه الله:

ذكر العلامة عبد الله كنون أنه اعتمد، غالبا، على المصنفات التالية:

  1. جامع البيان لأبي جعفر بن جرير الطبري ت 310ﻫ.
  2. المحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي ت 546ﻫ.
  3. مفاتيح الغيب لفخر الدين الرازي ت 606ﻫ.
  4. الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله القرطبي ت 671ﻫ.
  5. التسهيل لعلوم التنزيل لأبن جزي الغرناطي ت 741ﻫ.
  6. تفسير القرآن العظيم لأبي الفداء إسماعيل بن كثير ت 774ﻫ.
  7. تفسير الجلالين لجلال الدين المحلي ت 864ﻫ. وجلال الدين السيوطي ت 911ﻫ.
  8. الجواهر الحسان في تفسير القرآن لأبي زيد عبد الرحمن الثعالبي ت 876ﻫ. وأكثر اعتماده على التفسير الخامس والسادس والسابع.

قال الشيخ: “… وكان اعتمادنا في الغالب على تفسير ابن جزي وابن كثير والجلالين مع الرجوع في بعض الأحيان إلى تفسير الطبري والقرطبي وابن عطية والفخر الرازي والثعالبي”[27].

ومن التفاسير التي اعتمدها ولم ترد الإشارة إليها إلا في ثنايا الكتاب:

  1. معالم التنزيل لأبي محمد البغوي ت 510ﻫ[28].
  2. أنوار التنزيل لأبي الخير البيضاوي ت 685ﻫ على الراجح[29].
  3. الدر المنثور لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي ت 911ﻫ[30]

والملاحظ أن الشيخ كنون لا يعزو القول لأحد المفسرين في متن “تفسير سور المفصل” إلا إذا كان ذلك القول هو ما ثبت رجحانه عنده، فيذكره محتجا ومستدلا له[31].

ب. موقف الشيخ كنون من آراء المفسرين المتقدمين:

كان، رحمه الله، يستفيد من علمه وعقله في التعامل مع مختلف الآراء التي تضمنها التراث التفسيري خاصة حين يتعلق الأمر بما وقع فيه خلاف فنجده:

ـ إما أن يرجح معنى معينا مكتفيا به دون ذكر ما عداه.

ـ أو يعقب على مسلك بعض المفسرين مع التزام الاختصار.

ـ وإما أن يرد التفسير إن كان منافيا لصحيح المنقول أو مجافيا لصريح المعقول.

ومن أمثلة رده على بعض المفسرين ما أورده عند تفسير قوله سبحانه ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (النجم: 18). قال: “(لقد رأى) في هذه الليلة (من آيات ربه الكبرى) شيئا عجيبا أخبر عن بعضه في حديث الإسراء. وهذا الذي ذكرناه في الرؤية هو الذي ينسجم مع سياق الآية، ومما يشهد له ما أخرجه الإمام أحمد قال: حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن الشعبي عن مسروق قال: كنت عند عائشة، فقلت: أليس الله يقول ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ (التكوير: 23). ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ (النجم: 13). فقالت: أنا أول هذه الأمة سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عنها فقال: إنما ذلك جبريل، لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين”[32].

المطلب الرابع: الشيخ كنون والتفسير الفقهي

التفسير الفقهي أو تفسير آيات الأحكام هو الاتجاه الذي يسلكه المفسر المهتم باستنباط مختلف الأحكام التي تضمنها القرآن.

والشيخ العلامة عبد الله كنون ضمن مقدمة تفسيره ما يفيد بأن غرضه في “تفسير سور المفصل” ليس الفقه والأحكام بل الدعوة والإرشاد.

لكن أنى لعالم وفقيه مثله، حتى النوادر والطرائف التي نقلت عنه مستمدة من كلام أعلام الفقهاء، أقول أنى لمثله أن يفسر كتاب الله دون أن يعرج على الفقه والفروع[33].

وقد جاءت إشاراته إلى بعض المسائل المستنبطة من آي القرآن مرتبطة بما ظل يهفو إليه من إصلاح لسلوكيات الناس الاجتماعية.

من أمثلة ذلك ما استنبطه من قوله عز وجل ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى. وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى﴾ (النجم: 33–34). قال رحمه الله: “… “وأعطى قليلا” مما طلب منه “وأكدى” أي منع الباقي، وبذلك صارت القضية لعبا كلها، لأنه لا يغني عن الإيمان شيء… وهذه الآية وإن جاءت في قضية عين، فإنها تعم سائر أهل الوعود الكاذبة والنذور الباطلة…”[34].

ومن نماذج التفسير الفقهي، أيضا، في “تفسير سور المفصل “ما ذكره الشيخ عند تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾ (النجم: 41). قال: “وقال ابن كثير ومن هذه الآية استنبط الشافعي، رحمه الله، ومن اتبعه أن القراءة لا يصل ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل عن أحد من الصحابة، رضي الله عنهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء، فأما الدعاء والصدقة فذلك مجمع على وصولها، منصوص من الشارع عليها، انتهى.

قلت: وهو مذهب مالك أيضا رحمه الله”[35].

وتبقى الإشارة، في آخر هذا المطلب، إلى أن كلام الشيخ في المسائل وفروع الأحكام لم يكن غرضا بحد ذاته، فكان لذلك تفسيره الفقهي عبارة عن إشارات سريعة تناسب الغاية الدعوية الإرشادية التي ألف التفسير لأجلها.

المبحث الثالث: تقويم منهج الشيخ كنون في التفسير

إن القارئ لهذا التفسير لن يخفى عليه التوجه الإصلاحي لمؤلفه الذي كان في وسعه أن يخرج للناس موسوعة كاملة، لكن رغبته في إرشاد الناس وإصلاح أحوالهم الاجتماعية المخالفة لهدي القرآن جعلته يسلك أقرب السبل لبلوغ ذلك الغرض، ومن ثم نجد الشيخ كنون يحرص على أن يكون تفسيره مختصرا بعيدا عما ينفر عامة الناس منه كالمصطلحات العلمية الشرعية والأساليب اللغوية التي لا يفهمها إلا المتعاطون للعلم الشرعي.

المطلب الأول: مكانة إسهامات الشيخ كنون في التفسير بين التفاسير المعاصرة بالغرب الإسلامي

تكلم الشيخ عبد الله كنون في مقدمة تفسيره عن بعض المعاصرين الذين اهتموا بالتفسير الاجتماعي وذكر منهم محمد عبده، وعبد القادر المغربي، ومحمد فريد وجدي، ورأى بأن إسهاماتهم وإن انطلقت من نفس التصور الذي اقتنع به إلا أنها في النهاية لا تفي بالتفسير النموذجي الذي تعلقت به نفسه.

فتفسير محمد فريد وجدي قال عنه: “فلما وقفت عليه لم أجده موافقا لتصوري وإنما هو تفسير لفظي للكلمات والعبارات…”[36].

أما تفسير جزء عم لمحمد عبده “وتفسير جزء تبارك” لعبد القادر المغربي فإن المؤلفين “أطالا النفس في الشرح والبيان… فلو أنهما كتبا تفسير القرآن كله على هذا المنوال لخرج في عدة مجلدات مما لا يفيد إلا الخواص”[37].

وقد وجدت خلال القرن الرابع عشر الهجري الكثير من المؤلفات في التفسير انطلق مؤلفوها من نفس تصور الشيخ، لكنه لم يبد رأيه إلا فيما سبق من كتب لتواضع جم ألجم أقلام العلماء أمثاله خاصة حين يتعلق الأمر بتقويم أعمال علمية معينة.

وحين نرجع إلى مختلف ما كتب في التفسير بمنطقة الغرب الإسلامي خلال الفترة الأخيرة نجد أهم ما أنتجه المغاربة خلال العصر الراهن:

– تفسير الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي ت 1393ﻫ الموسوم بـ”التحرير والتنوير”.

– وتفسير الشيخ محمد المكي الناصري ت 1414ﻫ المسمى “التيسير في أحاديث التفسير”.

والشيخ ابن عاشور جمع في تفسيره موسوعة فقهية لغوية بيانية تضم ثلاثين جزءا ألفها قبل أن يظهر “تفسير سور المفصل” ولا أظن أن “التحرير والتنوير” يفي بالغاية التي قصدها الشيخ كنون، لضخامة حجم التفسير من جهة وما تضمنه من علم وفقه من جهة ثانية، فتفسير الشيخ ابن عاشور كتب لذوي الثقافة الشرعية وللعلماء، دون العامة، بالدرجة الأولى[38].

أما “التيسير في أحاديث التفسير” فقد نشر عقب “تفسير سور المفصل” ألفه الشيخ محمد المكي الناصري بعد أن مارس “التفسير الإذاعي” لعقود وسنوات، لكن “التيسير” كذلك لن يهم “الشخص العادي والطالب الشادي” كما ذكر الشيخ كنون وذلك لسببين:

أولهما: طول نفس المؤلف، ظهر ذلك من خلال المجلدات الستة التي تجمع التفسير.

ثانيهما: استطراد المفسر في تتبع الدلالات وربط الآيات ذات المضامين العلمية بالعصر، وكل ذلك يجعل القارئ المتعجل من عامة الناس يطلب غيره.

وعلى تعدد التفاسير المعاصرة وتنوع منزعها يظل “تفسير سور المفصل” أقرب إلى إمكانيات عامة الناس العلمية وإلى مداركهم، فقد اكتفى المؤلف في شرح الآيات بالتعقيب عليها بكلام يعادل حجمها ثلاث مرات، غالبا، بعبارة سلسة وألفاظ متداولة أو سهلة الفهم، إذا أضفنا لذلك أن الكتاب صدر في أربعمائة وتسعة وعشرين صفحة علمنا مدى توفيق الله للمؤلف فيما أراده من إصدار تفسير يكون أساسا للدعوة والتبليغ.

وقد يلاحظ بأن” تفسير سور المفصل” هو تفسير جزئي فقط، لكن المؤلف، رحمه الله، ذكر أنه لم يضعه للمنقطعين للعلم الشرعي أو المتخصصين في علم التفسير بقدر ما أراده لمحدودي علوم الشريعة.

وتفسير آيات سور المفصل من القرآن الكريم يساير هذا الغرض العام، “لأن ما تضمنته سور المفصل هو مجمل ما دارت حوله الدعوة الإسلامية في البدء وهو ما يهم عموم المسلمين اليوم فتقديمه أولى ثم إن هذه السور بها يبدأ تعليم القرآن للصغار والكبار على السواء، وأكثرها مما تقع القراءة به في الصلاة، وهي تشتمل على النظائر التي كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يجمع بينها في صلاته… ويقتدي به المؤمنون في صلواتهم من ثم يجب أن يفهمها كل مسلم ويعرف تفسيرها قبل غيرها…”[39].

المطلب الثاني: نزعة الإصلاح الاجتماعي في تفسير الشيخ عبد الله كنون

من الاتجاهات الحديثة التي شهدها علم التفسير في مرحلته الراهنة تلك النزعة أو الاتجاه الذي يعني الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي وذلك من خلال:

  1. المناداة بتطبيق أحكام الإسلام في حياة الناس اليومية.
  2. محاربة شتى الآفات العالقة بتصورات الناس وسلوكياتهم حتى تخلص عقيدتهم وعباداتهم ومعاملاتهم.
  3. تبسيط تفسير القرآن، إذ أن الانحراف راجع في غالبه إلى الجهل، والمعرفة بهدي الإسلام وأحكامه أول خطوات الإصلاح الاجتماعي.

وقد تبنى الشيخ كنون الدعوة إلى إصلاح حال الناس حين حمل أمانة التبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أعلن إنكاره للكثير من السلوكيات الاجتماعية التي ارتبطت بأهل المغرب، وبين مخالفاتها لأحكام الإسلام وذلك في “تفسير سور المفصل” وفي طائفة من المقالات التفسيرية التي حررها ونشرها في جريدة “الميثاق” وفي شتى الكتب، ومن أمثلة ذلك:

أولا: ما تعلق بتصحيح عقيدة المسلم

قال رحمه الله: “قال لي أحد الطلبة ونحن في الدرس، نقرر توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية: ألا تنطبق هذه الآية من سورة العنكبوت ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ (العنكبوت: 14) على هذه الطوائف التي تنتمي للمشايخ الذين يسمونهم أولياء، وتكون بيوت العنكبوت مثلا للأضرحة التي يعكفون عليها ملتمسين منها ما لا يلتمس إلا من الخالق عز وجل؟

فأجبته: حسنا لقد صرت تفكر فيما تحمله من كتاب الله، وتبحث عن معاني آياته الكريمة…، وأنا مسرور بسؤالك هذا وأحب أن أبين لك ما فيه من خطأ وصواب. فأول الأولياء في الآية لا يراد بهم الأولياء بالمعنى المعروف عند عامة الناس…، بل المراد بهم الأصنام والأوثان…، في حين أن الأولياء في عرف الشرع هم المؤمنون المتقون لله القائمون بواجباتهم على أتم وجه…، فتشابه اللفظ هو الذي جعلك تظن أن المراد بالأولياء في آية العنكبوت هم المشايخ والرجال الصالحون…، على أن معناها يجر ذيله على ما يتحقق فيه ما كانوا يعتقدونه فيها كلا أو بعضا، ولو كان من غير الأصنام والأوثان والآلهة المزعومة، كمن عبرت عنهم بالمشايخ الذين يسمونهم أولياء…

وثانيا أن تشبيه الأضرحة ببيوت العنكبوت أو كما قلت أنه ضرب مثل لها، قد يصح بالنظر إلى كونها لا تملك للعاكفين عليها شيئا مما يطلبونه منها، في العجز عن ذلك مثل بيوت العنكبوت الضعيفة الواهية، ولذلك عقبت الآية بهذا التذليل البديع ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (العنكبوت: 14). ويؤكد ذلك أن بناء الأضرحة على قبور الصالحين منهي عنه شرعا…، وتساهل الناس في ذلك من الغلو في التعظيم وزاده سكوت العلماء عن تغيير هذا المنكر تقريرا”[40].

ثانيا: ما تعلق بتصحيح سلوك المسلم

قال رحمه الله في مقاله بعنوان (مولد الهدى والنور): “…وقد ظن المسلمون في هذا العصر أن الاحتفال بمولد الرسول، صلى الله عليه وسلم، بإقامة التجمعات التي تتلى فيها الأمداح النبوية، وتعطيل العمل يوم المولد الشريف، هو إحياء لذكرى هذا الحدث العظيم…، وهو ظن خاطئ وعمل إن لم يبعدهم عن الغاية من إحياء هذه الذكرى فهو لا يقربهم منها بحال، ولن تحيى ذكرى مولد نبي الهدى والنور بمثل إحياء شريعته والعمل بسنته والاهتداء بهديه.. كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (آل عمران: 31). وهذه هي المحبة الصحيحة الصادقة…، ونحن لا نتمسك بما كان عليه سلفنا الصالح مما جاء به الرسول، صلى الله عليه وسلم، من الهدى والنور ونؤثر عليه الأهواء والبدع التي اخترعناها واصطنعناها من تلقاء أنفسنا…”[41].

وقد دفعت نزعة الإصلاح الاجتماعي الشيخ كنون إلى مواجهة طائفة من التحديات المعاصرة التي واجهها القرآن، فتضمنت صفحات تفسيره طائفة من هذه التحديات التي يسوقها الشيخ كنون للدلالة على أن القرآن حق من جهة، ولبيان حقيقة أعداء الإسلام من جهة أخرى.

ففي تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (الحاقة: 50). قال: “أي ندامة عظيمة على ما فاتهم…، وهو أيضا حسرة في الدنيا على من عرف حقيقته ومنعه التعصب الأعمى من الإيمان به، ومصداق ذلك قول الوزير الإنجليزي المشهور غلادستون: “ما دام القرآن في الدنيا فإن أوربا لا تأمن غائلة المسلمين”[42].

المطلب الثالث: حرص الشيخ كنون على ربط التفسير بتطبيق الشريعة الإسلامية

كان تطبيق الشريعة أكبر هم شغل الشيخ عبد الله كنون، فكان يرى، خلافا للكثير من معاصريه، أن تطبيق الشريعة الإسلامية يرتبط أساسا بالإيمان، وهذا التطبيق يتطلب:

أ. فهما سليما للوحي الإلهي كتابا وسنة.

ب. الامتثال لأحكام هذا الوحي، والإيمان بأن هذه الأحكام فرض من الله[43].

ورغم قلة آيات الأحكام في سور المفصل التي اهتم بها الشيخ، إلا أنه رحمه الله كان يجتهد في ربط ما تعرض له من هذه الأحكام بتصور القارئ لإقناعه بسمو الشرع. وقد اعتمد منهجه لأجل ذلك على:

ـ تتبع مختلف حكم التشريع.

ـ إبراز أسرار البلاغة والنظم في آيات الأحكام أو الآيات التي استنبط منها فقها. ففي تفسير قوله تعالى: ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ (الطلاق: 7). قال: “… ومن تأمل في الأسلوب الحكيم الذي عالجت بـه هذه السورة مسائل الطلاق والرجعة والنفقة من تخليلها بالمواعظ، والأخذ بخاطر النساء تارة، وتطييب نفوس الرجال تارة أخرى، فضلا عن عدالة الحكم، عرف سر الإعجاز في نظم القرآن ومصدر هذا التأثير البليغ الذي له في النفوس، حتى القوانين يكسوها لباس القداسة، فتكون طاعتها من إخلاص الدين لله عز وجل، وهكذا يعلو القرآن كل كلام، ولا يعلوه بل لا يساويه كلام”[44].

المطلب الرابع: مميزات تفسير الشيخ كنون

إن الدارس لتفسير سور المفصل ولغيره من المقالات التفسيرية التي كتبها الشيخ يرى بأن هذا التفسير اختص بمجموعة من المميزات بعضها يرجع إلى شخصية المؤلف العلمية المستقلة، وبعضها الآخر يرتبط بالعصر الذي كتب فيه التفسير والطائفة من الناس الذين يخاطبهم، ولعل أهم ما ميز تفسير الشيخ كنون:

أولا: الاختصار وجزالة الأسلوب

فميزة الاختصار ترتبط بما شرطه المؤلف على نفسه أن لا يتجاوز تفسيره للآية ضعف حجمها أو ثلاثة أضعاف وذلك تيسيرا على القارئ المتعجل الذي يريد معرفة معنى الآية مختصرا في جمل محددة.

وأما جزالة الأسلوب فترجع إلى عدم تكلف المؤلف، ثم استعماله للألفاظ العربية الفصيحة التي لم تبعد بها الدار ولم تكن غريبة عن عامة الناس.

ثانيا: تجنب اختلاف المفسرين

فقد امتلأت كتب التفسير بنقل الأقوال والآراء المختلفة والمتضاربة أحيانا، وأنفق المفسرون جهودا من أجل توجيه تلك الأقوال في كتبهم، لكن الشيخ احتاط لذلك، فلا يذكر إلا خلاصة ما بدا له من معنى الآية، وحتى إن كان هناك خلاف وجيه بين المفسرين، فإنه يختصره مرجحا ما بدا له، معفيا القارئ من الموازنة بين مختلف الأقوال…

ثالثا: مناقشة الشبهات والرد عليها

وهذه ميزة طغت على طائفة من المؤلفات المعاصرة في التفسير، وقد درج الشيخ في هذا المجال على:

ـ بيان أن أفضل ما تفتخر به مختلف الفلسفات والإيديولوجيات من مبادئ وآداب، جاء القرآن بأحسن منه وأسمى[45].

ـ تسفيه مختلف دعاوى أعداء الإسلام وخصومه مع الرد على المطاعن التي أثاروها بخصوص القرآن والشريعة الإسلامية عامة[46].

رابعا: البعد عن التقليد والتعصب

فالشيخ كنون يدعو إلى الإتباع والالتزام بالسنة[47]، ولم يجنح في كتابه إلى تقليد أحد من المتقدمين، وحتى في عرضه للأحكام التي صادفها في المفصل من القرآن لم يكن يتعصب أو يقلد مذهبا، بل كان ميله الفطري إلى الاتباع يجعله يختار ما يراه أقرب إلى الحق ثم يستفيد من عمله في بيان أسباب اعتماده للترجيح عند اختلاف الرأي.

خاتمة الدراسة

كان هذا الموضوع دراسة لجانب من جوانب الحياة العلمية للعلامة الشيخ عبد الله كنون، رحمه الله، رجوت بها تحقيق الغايات الثلاث التي ذكرت في التوطئة. أما أهم ما خلصت إليه الدراسة فهو:

أ. أن تفسير الشيخ كنون هو تفسير دعوي تبليغي، ولو أراد صاحبه أن يصنف ويستوعب لألف موسوعة في التفسير ينافس بها أنداده من مشاهير العلماء المعاصرين.

ب. أن هذا التفسير يساير عصره، جذوره في الماضي بوحيه وتراثه المتراكم، وأغصانه في خضم الواقع الإسلامي المعيش بأناسه وتحدياته.

وكم هي التفاسير التي أرادها مؤلفوها “معاصرة” لكنها نشأت منقطعة الأوصال أو معلقة في الفضاء…

وختاما بعد هذه الجولة في تراث فضيلة الشيخ كنون المتصل بالتفسير، أرجو أن تكون هذه الدراسة متكاملة لهذا الجانب من حياته العلمية.

وعسى أن يكون هذا الموضوع جزءا من الحقوق التي في ذمتنا لهذا الرجل المعروف بإنكاره لذاته. والله سبحانه أعلم وأحكم.

(انظر العدد 11 من مجلة الإحياء)

الهوامش

  1. عبد الهادي التازي، “عبد الله كنون 1326–1409ﻫ” ضمن مجلة الإحياء العدد الأول من السلسلة الجديدة ص21.
  2. كانت هذه النبذة الموجزة قد كتبها بطلب من دار الرفاعي للنشر، وانظرها كاملة المرجع السابق ص31–32.
  3. انظر أنور الجندي: الفكر والثقافة في شمال إفريقيا ص238، الدار القومية للطباعة والنشر القاهرة 1375ﻫ.
  4. انظر جهاده من أجل التعريب وموقفه من محاولات تصفية جامعة القرويين في حوار معه ضمن مجلة الأمة القطرية–المتوقفة عن الصدور–العدد 26 ص25 وما بعدها بتاريخ صفر 403ﻫ… وانظر في هذا السياق كذلك حملته على”.. تلك المادة العفنة التي التقطت من كل كتاب مشبوه وضمنت في أوراق أطلق عليها كتاب (دروس في الفلسفة) وقررت في غفلة من رجال العلم والفكر على طلباتنا في الثانوية..” ضمن: عبد الله كنون، منطلقات إسلامية ص154 وما بعدها، مطبعة سوريا طنجة.
  5. يرى أن أعظم وأخطر ظاهرة ابتلى بها المسلمون الآن هي إلباس الإسلام لباس التفسير المادي والتعليل الإيديولوجي المستورد…ويرى أن الكثير من المؤلفات الجديدة التي تحمل عناوين إسلامية هي في جوهرها انعكاس لأفكار بعيدة عن الإسلام.. لذلك يصدق عليها في نظره حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (الناس كإبل مائة ليس فيها راحلة). انظر كتاب الأمة عدد 18 فقه الدعوة: ملامح وآفاق”ص106، شعبان 1408ﻫ.
  6. أنور الجندي، الفكر والثقافة المعاصرة في شمال إفريقيا ص238، وقد نشر الشيخ تسعة وثلاثين جزءا عن “مشاهير رجال المغرب”، كما نشر في المجلات عن العديد من أعلام المغرب، وكان بإمكانه إفراد جزء من “سلسلة ذكريات المشاهير” لجده أو لأبيه كما فعل غيره مع من هو أدنى درجة..
  7. أنور الجندي، الفكر والثقافة المعاصرة في شمال إفريقيا…ص238.
  8. العلامة الشيخ عبد الله كنون، تفسير سور المفصل من القرآن الكريم ص7 الطبعة الأولى 1401ﻫ دار الثقافة الدار البيضاء.
  9. نفس المرجع ص6.
  10. الشيخ عبد الله كنون، تفسير سور المفصل ص6.
  11. نفس المرجع، وقد وجد المؤلف آثار محمد عبده وعبد القادر المغربي في التفسير غير وافية بالمطلوب أيضا…
  12. انظر هذه الشروط ضمن المرجع السابق ص5–10.
  13. المرجع السابق ص9.
  14. تفسير سور المفصل ص67 ومن تفسير القرآن بالقرآن اعتماد القراءات القرآنية.. وانظر استفادة الشيخ منها في ص31، 34، 60…
  15. تفسير سور المفصل ص20. والحديث أخرجه الترمذي في جامعه ضمن كتاب التفسير، سورة الحجرات بلفظ (… والناس بنو آدم خلق الله آدم من تراب)، قال الترمذي هذا حديث غريب…
  16. قال الحافظ العراقي ت 806 ﻫ في ألفيته:

وعد ما فسره الصحابي رفعا فمحمول على السباب

                                                  وقولهم يرفعه يبلغ به رواية ينميه رفع فــانتبه

  1. تفسير سور المفصل ص12.
  2. المرجع نفسه ص14.
  3. انظر المرجع السابق ص57–76…
  4. المرجع نفسه ص34–60–61–201–202…
  5. كنون، تفسير سور المفصل ص284.ولله در ابن العربي المعافري ت 543ﻫ حين قال عن هذا الموضوع: …كثر استرسال العلماء في الحديث عنهم في كل طريق، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج” ومعنى هذا الخبر الحديث عنهم بما يخبرونه به عن أنفسهم وقصصهم لا بما يخبرون به عن غيرهم، لأن أخبارهم عن غيرهم مفتقرة للعدالة والثبوت إلى منتهى الخبر، وما يخبرون به عن أنفسهم فيكون من بال إقرار المرء على نفسه أو قومه، فهو أعلم بذلك…” أحكام القرآن ج 1 ص23 نشر دار المعرفة بيروت بتحقيق علي محمد البجاوي، والحديث أخرجه الإمام البخاري في الجامع الصحيح كتاب أحاديث الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل وانظر كلاما نفيسا عن الإسرائيليات في “عمدة التفسير…” للشيخ أحمد شاكر ت 1387ﻫ جـ 1 ص12 وما بعدها، نشر مكتبة التراث الإسلامي القاهرة…
  6. كنون، تفسير سور المفصل ص40 وانظر ص43–44…
  7. انظر استشهاده بالشعر في المرجع السابق ص18…381..427…
  8. كنون تفسير سور المفصل ص53 وانظر أمثلة أخرى عند الشيخ في الصفحات 31–32–45..
  9. كنون، تفسير سور المفصل ص34.
  10. كنون، تفسير المفصل ص362.
  11. هذا ما ذكره الشيخ في مقدمة تفسير سور المفصل ص9.
  12. المرجع السابق ص246.
  13. انظر المرجع السابق ص28.
  14. نفس المرجع ص76.. وانظر اقتباسه عن الراغب الأصفهاني ت 502ﻫ في مفردات غريب القرآن ضمن نفس المرجع ص7 وعن كشاف الزمخشري ص425…
  15. انظر على سبيل المثال لا الحصر تفسير سور المفصل ص367…
  16. كنون، تفسير سور المفصل ص61. وحديث عائشة أخرجه البخاري بلفظ آخر في “الجامع الصحيح” ضمن كتاب التفسير، باب 55–48–تفسير سورة النجم، وانظر بخصوصهذا الموضوع ما أورده الحافظ ابن حجر ت 852ﻫ ضمن فتح الباري ج 8 ص607 وما بعدها الطبعة السلفية، وانظر أيضا ما حرره الحافظ بن كثير ت 774ﻫ في “تفسير القرآن العظيم” ج 4 ص250 وما بعدها طبعة دار المعرفة بيروت، حيث يظهر أن الشيخ كنون رحمه الله اعتمد هنا على ما أورده الحافظ والله أعلم.
  17. من هذه الطرائف ما ذكره عنه د. عبد الهادي التازي أن الشيخ كنون سجل مذكراته عن أيام ولايته بطنجة ولكنه لا يعتزم نشرها، معلقا ذلك بقول الشيخ خليل (وعفي عما يعسر) الإحياء العدد الأول من السلسلة الجديدة ص25 هامش 3، 1، ومن اهتمام الشيخ كنون بنوادر الفقهاء تعقبه لنظمهم في الهجاء والرثاء والمدح وغيره من الأغراض الشعرية، وقد نشر في ذلك حلقات ضمن “مجلة المجمع العلمي العربي” بدمشق، ثم جمع حلقات الموضوع ونشرها في كتاب طريف ونفيس هو “أدب الفقهاء” الذي طبعته دار الكتاب اللبناني بيروت..
  18. تفسير سور المفصل 66.
  19. تفسير سور المفصل ص67.
  20. المرجع السابق ص6 وهذا الوصف يصدق على “المصحف المفسر” لوجدي الذي ولج ميدان التفسير ولم يكن له نصيب من العلم الشرعي…
  21. مكرر تفسير المفصل ص6.
  22. يدل على ذلك أيضا قول ابن عاشور في مقدمة تفسيره: “… وقد اهتممت في تفسيري هذا ببيان وجوه الإعجاز ونكت البلاغة العربية وأساليب الاستعمال، واهتممت أيضا ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض… ولم أغادر سورة إلا بينت ما أحيط به من أغراضها لئلا يكون الناظر في تفسير القرآن مقصورا على بيان مفرداته ومعاني جمله…واهتممت بتبيين معاني المفردات في اللغة العربية بضبط وتحقيق… وعسى أن يجد فيه المطالع تحقيق مراده…”ابن عاشور التحرير والتنوير ج 1 ص8 طبعة الدار التونسية.
  23. كنون، تفسير سور المفصل ص7–8 بتصرف. وأشير هنا إلى أن الشيخ–رحمه الله–اختار المنهج الذي سار عليه في التفسير بناء على طول تجربة في تدريس هذا العلم.
  24. عبد الله كنون، منطلقات إسلامية، مقال (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء..) ص66 وما بعدها..
  25. عبد الله كنون، منطلقات إسلامية ص89 وما بعدها.
  26. عبد الله كنون تفسير سور المفصل ص243. ولعله مما يميز نزعة الإصلاح الاجتماعي عند الشيخ ربطه كل إصلاح بالقرآن والسنة التي تبينه، وقد وجد من دعاة الإصلاح المعاصرين من تكلف في حمل الآيات لتتوافق مع القيم التغريبية والمادية كما هو حال محمد عبده ت 1305ﻫ ومحمد رشيد رضا ت 1354ﻫ في “تفسير القرآن الحكيم” وأحمد مصطفى المراغي ت 1364ﻫ في محاضراته–في التفسير–لكن الشيخ كنون خلافا لذلك رأى أن أي دعوة للإصلاح الاجتماعي تتجاوز هدي القرآن وميراث النبوة آيلة إلى الاندثار، لذلك كان في دعوته إلى إصلاح عقيدة الناس وعباداتهم ومعاملاتهم لا يلقى بالا إلا للكتاب والسنة..
  27. انظر في ذلك محاضرة قيمة للشيخ بإحدى ندوات “رابطة العالم الإسلامي” خلال موسم الحج لعام 1399ﻫ بعنوان”أثر تطبيق الشريعة الإسلامية في استتباب الأمن واستقرار المجتمع” ضمن كتاب منطلقات إسلامية ص170–177.
  28. كنون، تفسير سور المفصل ص198.
  29. في تفسير الآية 13 من سورة الحجرات: (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) قال الشيخ في سياق تفسيرها: “… وهذه الآية قد سبقت كل الفلسفات، وآزرت بكل الإيديولوجيات في تأصيلها لهذه القاعدة العظيمة قاعدة المساواة بين الناس من كل جنس ولون، ورفعت الإسلام فوق كل الأديان والمذاهب جعلته دين الإنسانية جميعها…” تفسير سور المفصل، ص20.
  30. من ذلك تلك المقدمة التي كتبها لتفسير سورة الطلاق حيث قال: “برح الخفاء فلم يبق الطلاق تشريعا ناشزا خاصا بالمسلمين يعيرهم به الكتاب الغربيون، ويتذرعون به إلى الطعن في الإسلام قائلين إن ما عقده الله فوق سماواته، لا ينقضه الخلق في الأرض، يعنون الزواج والطلاق، فها هي ذي الأمم الأوربية والأمريكية قد عرفت وجه المصلحة في هذا التشريع الضروري، وأقره أكثرها فصار عندهم قانونا معمولا به “بل إن بعضهم أسرف فيه فصار إلى ما كان عليه قبل الإسلام من الفوضى والتسخير للمصلحة الشخصية بينما هو عند المسلمين مقيد بقيود، ولا يجوز إلا في الضرورة القصوى حيث يكون استمرار الزوجية أمرا لا يطاق” تفسير المفصل ص192.
  31. انظر بهذا الخصوص مقالة الشيخ “بين التجديد والتغيير” ضمن: منطلقات إسلامية ص160 وما بعدها، وبخصوص الاتباع والتقليد والابتداع انظر نفس المرجع ص91 وما بعدها..
Science
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق