مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينأعلام

الصَّحابي الجليل، أبو ذَرٍّ الغِفَارِي رضي الله عنه.

 

 

 

بقلم: يونس السباح

اسمه ونسبه وولادته:

هو الصحابي الجليل، أبو ذَرّ الغفاري، اختلف في اسمه ونسبه على أقوال، فقيل: جُندُب، وقيل: بَرير، وقيل: جُنادة، والثَّابت المشهور، جُندُب بن جُنادة، بن سفيان، بن عبيد، بن حَرَام، بن غِفار، بن مليل، بن ضمرة، بن بكر، بن عبد مناة، بن كنانة، بن خُزَيمة، بن مُدركة، بن إلياس، بن مضر، بن نزار، بن معدّ، بن عدنان. وقيل: جُنادة بن السَّكن، وقيل: برير بن أشعر، بن جُنادة بن سَكن بن عبيد، وقيل: برير بن عشرق([1]).

وقد روي عنه ما يتعلّق باسمه، أنّه قال: «كنت رابع الإسلام، أسلم قبلي ثلاثة وأنا رابعهم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: سلام عليك، فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، قال: فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «فمن أنت؟» ، فقلت: أنا جندب، رجل من بني غفار»([2]).

دخوله في الإسلام:

يعدّ أبو ذرّ الغفاري من أوائل من أسلم من الصحابة، فقد هداه الله عزّ وجل  للإسلام، فانتفع ونفع، ودافع من أجله، وعانى في تبليغه، وقد  روي عنه أنه قال: «كنت رابع الإسلام، أسلم قبلي ثلاثة، وأنا الرّابع»([3]).

وأمّا قصّة إسلامه، فقد رويت من طرق كثيرة، وبأساليب متعدّدة، منها ما رواه عبد الله بن  عباس، قال: «لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم  بمكة، قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي عِلم هذا الرجل الذي يزعم أنّه يأتيه الخبر من السماء، فاسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الآخر حتى قدم مكة، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاما ما هو بالشعر، فقال: ما شفيتني فيما أردت، فتزوَّدَ وحَمَل شَنَّةً له، فيها ماء، حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم  ولا يعرفه، وكرِه أن يسأل عنه، حتى أدركه – يعني الليل – فاضطجع، فرآه عليّ فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى أصبح، ثم احتمل قِربته وزاده إلى المسجد، فظل ذلك اليوم، ولا يرى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به عَلَيَّ، فقال: ما آن للرجل أن يعلم منزله؟ فأقامه، فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالث فعل مثل ذلك، فأقامه علي معه، ثم قال له: ألا تحدثني؟ ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني، فعلت، ففعل. فأخبره فقال: فإنه حق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك، قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي، ففعل، فانطلق يقفوه، حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري» فقال: والذي نفسي بيده لأصرخنّ بها بين ظُهْرَانيهم، فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه، فأتى العباس فأكَبَّ عليه، فقال: ويلكم، ألستم تعلمون أنَّه من غِفار، وأنَّ طريق تجَّاركم إلى الشَّام عليهم، فأنقذه منهم، ثم عاد من الغدّ بمثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكبَّ عليه العباس فأنقذه»([4]).

 أخلاقه وصفته:

تميّز أبو ذر رضي الله عنه بعدّة مزايا وخصال، تمثّل خلق الإسلام السّمح، فكان أول من حيّا رسول الله صلى الله عليه وسلم  بتحية الإسلام([5])، كما كان مضرب المثل في العبادة والخشية، فكان رضي الله عنه، يتعبد قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين، يقوم من اللّيل مصليا، حتى إذ كان من آخر اللّيل سقط كأنه خِرقة([6])، وكان رضي الله عنه يُشبَّه بعيسى ابن مريم عليه اليلام، لعبادته ونُسكه، فلم تُقِلّ الغَبراء، ولم تُظل الخضراء على ذي لهجة أصدق منه، فقد روي عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما تظل الخضراء ولا تقل الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، شبيه عيسى ابن مريم»([7]).

 ولم يتلوّث بشيء من فُضول الدنيا حتى فارقها، وثبت على العهد الذي بايع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، من التّخلي من فضول الدّنيا والتبرؤ منها، فكان يرى إقبالها محنة وهوانا، وإدبارها نعمة وامتناناً، كما كان يخدُم النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فرغ، آوى إلى مسجده فاستوطنه… وكان وِعاء مُلئ علماً فربط عليه، وكان رجلا آدم، طويلا، أبيض الرأس واللحية([8]).

زهده في الدنيا، وإقباله على الله:

بلغ من زهد هذا الصحابي الجليل، أنه قيل له: «ألا تتخذ ضيعة كما اتخذ فلان وفلان؟» قال: «ما أصنع بأن أكون أميراً؟ وإنَّما يكفيني كلَّ يوم شربة من ماء، أو لبن، وفي الجمعة قَفيز من قمح»([9]).

وممّا ورد عنه في هذا السياق أيضاً، ما رواه عبد الله بن خراش، قال: «رأيت أبا ذَر بالربذة، في ظُلَّة له سوداء، وتحته امرأة له سَحْمَاء، وهو جالس على قطعة جُوَالق([10])، فقيل له: يا أبا ذر، إنك امرؤ ما يبقى لك ولد، فقال: الحمد لله الذي يأخذهم بالفناء، ويدَّخرهم في دار البقاء، قالوا: يا أبا ذر، لو اتخذت امرأة غير هذه، قال: لأن أتزوج امرأة تضعني أحب إلي من امرأة ترفعني، قالوا له: لو اتخذت بساطاً ألين من هذا، قال: اللَّهم غَفْراً خُذْ ممَّا خُوِّلْتَ ما بدا لك »([11]).

روايته للحديث الشريف:

كان رضي الله عنه رأسا في العلم والزهد والجهاد وصدق اللهجة والإخلاص([12])، معدوداً من كبار علماء الصحابة، يوازي ابن مسعود في العلم والفضل، وكان زاهداً، أمَّاراً  بالمعروف، لا تأخذه في الله لومة لائم([13]).

حدَّث عنه: أنس بن مالك، وزيد بن وهب، وجُبير بن نُفير، والأحنف بن قيس، وأبو سالم الجيشاني سفيان بن هانئ، وعبد الرحمن بن غنم، وسعيد بن المسيّب،  وخلق من قدماء التابعين([14]).

وفاته ومقبره:

توفي سيّدنا أبو ذر الغفاري بعد عمر عامر بالعطاء والبذل في السبيل الله،  بالرَّبَذَة، ودفن بها، وتولّى غسله وتكفينه والصلاة عليه، الصحابي الجليل، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، في نفر ثمان، وذلك سنة اثنتين وثلاثين([15]).

 


([1])  معرفة الصحابة لأبي نعيم: 2/557.

([2]) أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني: 2/230. والطبراني في المعجم الكبير: 2/147.  وأبو نعيم في معرفة الصحابة: 2/558.

([3])  أخرجه أبو نعيم في الحلية: 1/157.  وفي معرفة الصحابة: 2/559.

([4])  أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة. باب من فضائل أبي ذر I. 4/1923.

([5])  أسد الغابة: 1/357.

([6])  معرفة الصحابة لأبي نعيم: 2/557.

([7])  أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني: 2/231، الطبراني في الأوسط: 5/223. وابن حبان في صحيحه: 16/84. وأبو نعيم في معرفة الصحابة: 2/560. وصححه الألباني في الصحيحة: 5/453. رقم: 2343.

([8])  معرفة الصحابة لأبي نعيم: 2/557-558.

([9])  أخرجه ابن أبي شيبة في مصنّفه: 7/124. أبو نعيم في الحلية: 1/162.  وفي معرفة الصحابة: 2/562.

([10]) الجوالق والجوالق، بكسر اللام وفتحها؛ الأخيرة عن ابن الأعرابي: وعاء من الأوعية. لسان العرب: 10/36.

([11])  أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة: 2/562. وابن عساكر  في تاريخ دمشق: 66/ 205.

([12])  تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 18.

([13])  تاريخ الإسلام للذهبي: 2/218.

([14])  تذكرة الحفّاظ للذهبي: 1/18.

([15])  معرفة الصحابة لأبي نعيم: 2/558.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق