مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينأعلام

الصحابي الجليل، حمزة بن عبد المُطَّلب عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

 

 

بقلم: يونس السباح

اسمه ونسبه وولادته:

هو الصحابي الجليل، أسد الله وأسد رسوله[1]، حمزةُ بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مَناف بن قُصَي، أبو يعلى، وقيل: أبو عمارة، كنى بابنيه: يعلى، وعمارة. وأمه: هالة بنت وُهَيْب بن عبد مناف بن زُهْرَة، وهي ابنة عم آمنة بنت وهب، أمّ النبي صلّى الله عليه وسلم.

وهو شقيق صَفِيَّة بنت عبد المطلب أم الزبير، وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثُوَيْبَة مولاة أبي لهب، وأرضعت أبا سلمة  بن عبد الأسد، وكان حمزة، رضي الله عنه وأرضاه، أسنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل: بأربع سنين، والأول أصح[2].

إسلامه:

أسلم رضِي الله عنه  في السنة الثانية من المبعث، وقيل: بل كان إسلام حمزة بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم في السنة السّادسة من مبعثه صلى الله عليه وسلم[3].

قال ابن إسحاق: حدثني رجل مِن أَسْلم، كان واعية: أن أبا جهل مرَّ  برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا، فآذاه وشتمه، ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه، والتضعيف لأمره، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولاة لعبد الله بن جُدْعَان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم بن مُرَّة في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه فعمد إلى نادٍ من قريش عند الكعبة، فجلس معهم. فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أن أقبل متوشّحاً  قوسه، راجعاً من قنص له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمرَّ على نادٍ من قريش إلاَّ وقف وسلَّم وتحدث معهم، وكان أعزّ فتى في قريش، وأشد شكيمة. فلما مرّ بالمَوْلاَة، وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيتَ ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام: وجنده هاهنا جالسا فآذاه وسبّه، وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم.

فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته، فخرج يسعى ولم يقف على أحد، معدّا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلمّا دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشَجَّه شَجَّةً منكرة، ثم قال: أتشتمه وأنا على دينه، أقول ما يقول؟ فرُدَّ ذلك علي إن استطعت. فقام رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإني والله قد سببت ابن أخيه سبّا قبيحا، وتم حمزة رضي الله عنه على إسلامه، وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله. فلما أسلم حمزة عرفت قريش أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزّ وامتنع، وأنّ حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون  منه[4].

 شهادته في سبيل الله:

ظلّ سيدنا حمزة بن عبد المطّلب شجىً في حلوق المنافقين والكفار بسبب إسلامه، واستماتته في الذَّبّ عن هذا الدّين،  إلى آخر رمق من حياته، حيث فارق الدنيا شهيداً، وفي هذا الصّدد يقول ابن إسحاق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني، يلتمس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن الوادي قد بُقِرَ بطنه عن كبده، ومُثِّل به، فجدِع أنفه وأذناه.

فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى ما رأى: لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته، حتى يكون في بطون السباع، وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم. فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب.

قال ابن هشام: ولما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة قال: لن أصاب بمثلك أبدا! ما وقفت موقفا قط أغيظ إلي من هذا! ثم قال: جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبد المطلب مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة ابن عبد المطلب، أسد الله، وأسد رسوله. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة وأبو سلمة بن عبد الأسد، إخوة من الرضاعة، أرضعتهم مولاة لأبي لهب. أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسُجِّي  ببردة ثم صلى عليه، فكبر سبع تكبيرات، ثم أتي بالقتلى فيوضعون إلى حمزة، فصلى عليهم وعليه معهم، حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة[5].

وكان مقتل حمزة للنصف من شوال من سنة ثلاث، وكان عمره سبعا وخمسين سنة، على قول من يقول: إنه كان أسَنَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل: كان عمره تسعا وخمسين سنة، على قول من يقول: كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين، وقيل: كان عمره أربعا وخمسين سنة، وهذا يقوله من جعل مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الوحي عشر سنين، فيكون للنبي صلى الله عليه وسلم اثنتان وخمسون سنة، ويكون لحمزة أربع وخمسون سنة، فإنهم لا يختلفون في أن حمزة أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم[6].

رثاؤه:

يقول عبد الله بن رواحة[7]: [الوافر] 

بكت عيني وحق لها بكاها *** وما يغني البكاء ولا العويل

على أسد الإله غداة قالوا ***لحمزة: ذاكُمُ الرجل القتيل

أُصِيب المسلمون به جميعا ***هناك وقد أُصيب به الرسول

أبا يعلى، لك الأركان هُدَّتْ ***وأنت الماجد البر الوصول

عليك سلام ربك في جنان *** يخالطها نعيم لا يزول

ألا يا هاشم الأخيار صبرا ***فكل فعالكم حسن جميل

رسول الله مصطبر كريم *** بأمر الله ينطق إذ يقول

ألا من مبلغٌ عنِّي لُؤَيًّا *** فبعد اليوم دائلة تدول

وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا *** وقائعنا بها يُشْفى الغليل

نَسِيتُمْ ضربنا بقَلِيبِ بدر *** غداة أتاكُمُ الموت العجيل

غداة ثوى أبو جهل صريعا ***عليه الطير حائمة تجول

وعتبة وابنه خَرَّا جميعا *** وشيبة عضَّه السيف الصقيل

ألا يا هند لا تُبْدِي شماتا *** بحمزة إنَّ عِزَّكُمُ ذليل

ألا يا هند فابكي لا تملي*** فأنت الواله العبرى الثكول 

 


[1]  الطبقات الكبرى لابن سعد: 3/8.

[2]  أسد الغابة: 1/528.

[3]  الاستيعاب: 1/369.

[4]  سيرة  ابن هشام: 1/292.

[5]  سيرة ابن هشام: 2/99.

[6]  أسد الغابة: 1/528.

[7]  ديوان عبد الله بن رواحة: 132.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق