مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات وأبحاث

السيرة النبوية ومشكلة العنف

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم الباحث: عبد الفتاح مغفور

مقدمة

الحمد لله الذي أراد بنا اليسر، وجعل التسامح بيننا صيانة لنا من العنف والغلو والتطرف،  والصلاة والسلام على خير من دعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة،  وسلك مسلك الوسطية والحنيفية السمحة.

وبعد؛

 فمما لا شك فيه أن ظاهرة التطرف،  واستخدام العنف في المجتمع بمختلف أشكاله وتجلياته يشكل ظاهرة مرضية يعبر عن اختلال في التقدير،  واختلاف في التصور والسلوك، إنه مظهر من مظاهر مجانبة الوسطية التي تعد خاصية متميزة نعت الله بها هذه الأمة في قوله تعالى(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[1]هذه الوسطية هي التي تؤهل هذه الأمة لتقوم بالشهادة على الناس فتقيم بينهم العدل والقسط[2].

انطلاقا من هذا؛ فإن تشخيص ظاهرة العنف، والحكم عليها، وتقويمها ينبغي أن يتم من خلال منظومة الإسلام العقدية، والفكرية، والأخلاقية التي ترتكز على القرآن الكريم، والحديث الشريف، والسيرة العطرة، فما هو مفهوم العنف؟ وما هي أسبابه؟ وكيف  تتم معالجته من خلال سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟

وقسمت الحديث عن هذه الظاهرة  المتفشية في الأمة وفق التقسيم الآتي:

تعريف العنف:

العنف:مثلث العين ضد الرفق، عنف، ككرُم[3].قال عياض: “وهو بضم العين وسكون النون ضد الرفق. قال أبو مروان بن سراج ويقال بفتح العين وكسرها .. يقال: عنفته وأعنفته بمعنى أي: وبخته وأغلظت له في القول والعتب”[4] 

قال الحميدي : ” هو: ترك الرفق وإظهار الشدة، والاستطالة في القول والفعل، ويقال: اعتنف الرجل إذا أخذه بعنف وشدة”[5]

أسبابه:

العنف ظاهرة مركبة ومعقدة وأسبابها كثيرة ومتداخلة، وكلها تسهم في إنتاجه بنسب متفاوتة لذا ينبغي الوقوف عند بعض منها.

وهذه الأسباب منها ما هو فكري، ومنها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو اقتصادي، أو نفسي أو تربوي . . . إلخ أذكر منها الآتي:

ـ البعد عن شريعة الله  قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)[6].

والمعيشة الضنك هي الضيق والشقاء، ومن أنواع الشقاء الإرهاب والعنف والتطرف.

ـ التحزبات السرية التي نتجت عن قراءات خاصة ومفاهيم خاطئة يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله : (إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم دون العامة، فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة)[7].

ـ انتهاك حقوق الناس وأخذ أموالهم بالباطل واحتلال الأراضي وانتهاك الحرمات والقتل والتدمير والاغتصاب وإجبار الناس على النزوح وترك أراضيهم وأوطانهم هذا يولد العنف والتطرف.

ـ الجهل بقواعد الإسلام وآدابه وسلوكه.

ـ الجهل بمقاصد الشريعة.

ـ الغلو في الفكر: وهو مجاوزة الحد(التطرف).

ـ تقصير بعض أهل العلم في القيام بواجب النصح والإرشاد والتوجيه.

ـ اعتماد الشباب بعضهم على بعض دون الرجوع إلى العلماء، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: ” لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم، وأكابرهم فإذا أتاهم من قبل أصاغرهم هلكوا”[8]

ـ حب الظهور والشهرة حيث لا يكون الشخص مؤهلا، فيبحث عما يؤهله ولو بأمر غير مباح كالتخريب وتناول المخدرات…

ـ  الإحباط كأن يشعر الشخص بخيبة أمل في نيل حقه أو الحصول على ما يصلحه ويشفي صدره.

ـ  انعكاس الصفات النفسية  المكتسبة من البيئة المحيطة بالفرد، فكل خلل في ذلك المحيط يؤثر على سلوك تصرفاته فيصبح جزءا من تكوينه وتركيبه النفسي ، ويعد الفشل في الحياة الأسرية من أهم الأسباب المؤدية إلى جنوح الأفراد واكتسابهم بعض الصفات السيئة.

ـ الفشل في الدراسة التي تعد صمام الأمان في الضبط الاجتماعي ومحاربة الجنوح الفكري والأخلاقي لدى الفرد.

ـ انتشار البطالة في المجتمع فأي: مجتمع تكثر فيه البطالة ويزيد فيه العاطلون، وتنضب فيه فرص العمل، فإن ذلك يفتح أبوابا من الخطر على مصراعيه، من امتهان الجريمة والمخدرات والاعتداء والسرقة ، وما إلى ذلك.

ـ غياب التربية الحسنة والموجهة التي توجه الأفراد للأخلاق الحسنة .

ـ نقص أو انعدام التربية الحقيقية الإيمانية القائمة على مرتكزات ودعائم قوية من نصوص الوحي.

ـ أثر السيرة النبوية في نبذ العنف، والدعوة إلى التسامح.

اعتنى الإسلام عناية كبيرة بنشر الأمن والأمان في المجتمع الإنساني كلِّه، واعتنى كذلك بمحاربة كلِّ أشكال العنف؛ لأنها تتنافى مع المعاني السامية والأخلاقيَّات الرفيعة التي حثَّ عليها الإسلام في التعامل بين البشر جميعًا ـ مسلمين وغير مسلمين ـ فربُّنَا تبارك وتعالى هو القائل: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[9] ، وكانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير تطبيق لهذه المعاني والقيم.

ولم يكن المجتمع الذي عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحسن حالا من المجتمعات العالميَّة الآن؛ فمشكلة العنف كانت متجذرة فيه بشكل رهيب، وتُمَارَسُ كأنها حق من الحقوق، فها هو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يصف للنجاشي حال المجتمع غير المسلم في قريش قائلا: “أيها الملك، كنا قومًا على الشرك؛ نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونُسِيءُ الجوار، يستحلُّ المحارم بعضُنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لا نُحِلُّ شيئًا ولا نُحَرِّمه…”[10].

 وإذا نظرنا إلى ظاهرة وَأْدِ البنات في هذا المجتمع نجدها من الظواهر الدالَّة على عمق مشكلة العنف والقسوة والإرهاب؛ لذلك قال عنها رسول الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ حَرَّمَ ثَلاَثًا، وَنَهَى عَنْ ثَلاَثٍ؛ حَرَّمَ عُقُوقَ الْوَالِدِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ…”[11]

كيف حل النبي صلى الله عليه وسلم هذه المشكلة المعضلة المتفشية في المجتمع الذي بعث فيه؟

وذلك بالآتي:

غرس خُلُق المراقبة في نفوس أصحابه:

بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لحل مشكلة العنف بغرس خُلُق المراقبة في نفوس أصحابه؛ فبهذا الخُلُق يحرص الإنسان على أداء حقوق الله وحقوق العباد، فلا يمارِسُ عنفا أو إرهابا؛ لأن الله مطَّلع عليه، ورقيب على سرائره، فعن معاذ رضي الله عنه أنه قال: قلتُ: يا رسول الله، أوصني. قال: “اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ”[12]

نشر القيم الرفيعة في المجتمع:
ثم انتقل  صلى الله عليه وسلم لحل هذه المشكلة بنشر مجموعة من القيم الرفيعة في المجتمع الذي يعيش فيه:

 أوَّلها: إشاعة رُوح الرفق والعدل بين أصحابه، دون تفرقة بينهم بسبب الجنس أو الدين أو العِرْق؛ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لاَ يُعْطِي على ما سواهُ”[13]. وكانت سيرة رسول الله صلى  القدوة والمَثَل في ذلك؛ حتى ولو كان الأمر متعلِّقًا به هو شخصيًّا، وأمثلة ذلك في السيرة كثيرة جدّا؛ فعن عائشة ـ رضي الله عنهاـ أنها قالت: دخل رهطٌ من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السَّام[14] عليكم. فقالت عائشة: فَفَهِمْتُهَا، فقلت: وعليكم السَّام واللَّعنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَهْلاً يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ”. ـ وفي رواية: “وَإيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ”ـ فقلتُ: يا رسول الله، أَوَلَمْ تَسْمَعْ ما قالوا؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ”[15].

وثانيها: قيمة الرحمة مع المخطئين، وهي من أعظم القيم التي يجب أن ينشأ المجتمع المسلم في ظلِّها؛ لأنها تخلُقُ نوعًا من التعامل الرحيم البعيد كل البُعد عن العنف والإرهاب، ولننظر إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لندرك عظمة هذه القيمة عنده، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يتبوَّل في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مَهْ مَهْ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزرموه[16]  دعوه”  ، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له: “إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القَذَر، إنّما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن” أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء فشنه عليه[17][18]  .

تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع  الموقف برفق تامٍّ منع فيه الصحابة من العنف مع المخطئ، وعَلَّمه درسًا هادئًا رقيقًا دون تخويف ولا ترهيب.

أمَّا ثالثها فهي قيمة الوسطيَّة والاعتدال، وعدم الغلوِّ في الدين؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ؛ فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ”[19]. فالغلوُّ في الدين باب يقود إلى العنف والسعي إلى إلزام المخالفِ رأيه بالقوَّة.

تحريم قتل النفس وسفك الدم:
كما نجد رسول الله صلى الله يُحَرِّم قَتْل النفس وسَفْكَ الدم المعصوم؛ بل وجعل ذلك من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)[20]  ثم يؤكِّد على عِظَم هذه الجريمة تنفيرًا للنفوس من ارتكابها بقوله صلى الله عليه وسلم: “لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ”[21]. فاشتراك أهل السماء والأرض في قتل رجل واحد جريمة عظيمة عند ربِّ العالمين، تستحقُّ دخولهم النار جميعًا.

ويُحَرِّم كذلك ترويع الآمنين؛ بسدِّ كل المنافذ والأبواب والذرائع التي قد تكون وسيلة للترويع؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ”[22]. ففي ذلك تأكيد على حُرْمَة المسلم، وَنَهْيٌ شديد عن ترويعه وتخويفه، والتعرُّض له بما قد يؤذيه، وهذا التحريم يشمل المسلم وغير المسلم، وسيرة رسول الله صلى الله عليه خير شاهد على ذلك، جاء زيد بن سُعْنَة اليهودي يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليطلب دَيْنًا له عند رسول الله، فيأخذ زيدٌ بمجامع قميصه صلى الله عليه وسلم، وينظر إليه بوجه غليظ، ويقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تقضيني ـ يا محمد – حقِّي؟! فو الله إنكم – يا بني عبد المطلب – قوم مُطْلٌ[23]، ولقد كان لي بمخالطتكم علم. فيقول زيد بن سُعْنَة: نظرتُ إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره، وقال: أي عَدُوَّ الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع، وتفعل به ما أرى؟فو الذي بعثه بالحقِّ، لولا ما أُحاذر فَوْتَهُ؛ لضربتُ بسيفي هذا عنقكَ. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتُؤَدة، ثم قال: “إنَّا كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْكَ يَا عُمَرُ، أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الأَدَاءِ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ[24]؛ اذْهَبْ بِهِ ـ  يَا عُمَرُ ـ فَاقْضِهِ حَقَّهُ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا رُعْتَهُ”[25].

النهي عن الترويع:
ومن الأمور الذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الترويع وإن كان من باب الفكاهة، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا”[26].

وسط هذا المجتمع يجب أن يعيش الإنسان هادئًا آمنًا، ولكن النفس البشريَّة غير السويَّة لن تقف عن غيِّها إلاَّ بتشريعات وقوانين تردع كلَّ مَنْ تُسَوِّل له نفسه ترويع المجتمع، أو الخروج عن السلوك السويِّ، ومن هذه التشريعات: حدُّ القصاص وحدُّ البغي، وحدُّ الحرابة؛ فقال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[27]  وكان تطبيق الرسولصلى الله عليه وسلم لهذه التشريعات تطبيقًا حازمًا؛ لأن الأمر يتعلَّق بسلامة المجتمع وأمنه.

الحل النبوي في الحروب:
ولم يكن الحلُّ النبوي لمشكلة العنف والإرهاب مبنيًّا على تحصين المجتمع المسلم داخليًّا فقط؛ بل امتدَّت نظره صلى الله عليه وسلم لتشمل العَلاقات بين المسلمين وغير المسلمين؛ فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في معظم أحواله ـ يبحث عن الطرق السلميَّة والهادئة للتعامل مع المخالفين له، حتى وإن كانوا في حالة حرب معه، فكانت وصيَّته لقوَّاده دائمًا: “… وَلاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلاَ طِفْلاً، وَلاَ صَغِيرًا، وَلاَ امْرَأَةً”[28]. ويحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك على تجنُّب الحرب ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليِّ بن أبي طالب عندما أعطاه الراية في غزوة خيبر: “انْفُذْ عَلَى رسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَ اللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ[29][30].

وبهذا حارب النبي صلى الله عليه وسلم كلَّ أشكال إشاعة الفوضى، وكلَّ عمل يُقَوِّض الأمن ويُرَوِّع الآمنين، وكل أمر يحول بينهم وبين الحياة المطمئنَّة، التي هي وسيلة حُسْنِ خلافتهم في الأرض بعمارتها في جوٍّ من الأمن والأمان والسلام والاطمئنان.

 ******************

جريدة المصادر والمراجع:

1-تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم، لمحمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الأزدي الحَمِيدي (ت 488هـ)، تحقيق الدكتورة: زبيدة محمد سعيد عبد العزيز، مكتبة السنة – القاهرة – مصر ط1، 1415 / 1995

2-التوقيف على مهمات التعاريف لزين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين (ت1031هـ)، عالم الكتب 38 عبد الخالق ثروت-القاهرة، ط1، 1410هـ-1990م

3-جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري دارابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، ط1، 1414 هـ – 1994 م

4-سنن أبي داود، تحقيق: شعَيب الأرنؤوط – محَمَّد كامِل قره بللي، دار الرسالة العالمية، ط1، 1430 هـ – 2009 م.

5-السيرة النبوية (من البداية والنهاية لابن كثير) لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان، 1395 هـ / 1976 م

6-صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، تحقيق : شعيب الأرنؤوط، ط2 ، 1414 / 1993

7-صحيح مسلم، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي – بيروت

8-القاموس المحيط لمجد الدين أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (ت 817هـ)، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بإشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، مؤسسة الرسالة بيروت / لبنان ط8، 1426 هـ /2005 م

9-قضايا الإرهاب والعنف والتطرف في ميزان القرآن والسنة، للدكتور حسن العزوزي أستاذ بكلية القرويين بفاس. (محاضرات)

10-لسان العرب لابن منظور الأنصاري دار صادر ـ بيروت، ط3ـ 1414 هـ

11-مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد، وآخرون، مؤسسة الرسالةط1، 1421 هـ – 2001 م

12-مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض، المكتبة العتيقة ودار التراث

13-المعجم الكبير  لسليمان بن أحمد بن أيوب أبي القاسم الطبراني، مكتبة العلوم والحكم – الموصل، تحقيق : حمدي بن عبد المجيد السلفي، ط21404 – 1983

****************

هوامش المقال:

[1]البقرة: 142

[2] قضايا الإرهاب والعنف والتطرف في ميزان القرآن والسنة(ص: 1)

[3] التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 248)، القاموس المحيط (ص: 839)

[4]مشارق الأنوار (2/92)

[5]تفسير غريب ما في الصحيحين (ص: 508)

[6] طه:124

[7] جامع بيان العلم وفضله (2/932)

[8] رواه الطبراني في الكبير عن عبد الله ابن مسعود رقم: (8592) (1/114).

[9]فصلت: 34

[10]السيرة النبوية لابن كثير( 2/20)

[11]أخرجه البخاري في كتاب عقوق الوالدين من الكبائر رقم: (5975)(1/3023)

 ومسلم في كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة… رقم: (593) (3/1340) واللفظ له.

[12] أحمد عن عبد الله بن عمر (6156)(10/297)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

[13]أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق (2593)(4/2003)

[14]السامُ: المَوْتُ، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة سوم( 12/314).

[15]أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله (6024)(1/3041)

[16] لا تُزْرموه: بضم التاء وإسكان الزاي، وبعدها راء، أي: لا تقطعوا عليه بوله. النووي مع مسلم (3/190) .

[17] فَشَنَّه عليه: أي صَبَّه. شرح النووي على مسلم (3/193)

[18]أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذ حصلت في المسجد وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها رقم (285) (1/236).

[19]أخرجه البخاري عن أبي هريرة، كتاب الإيمان، باب الدين يسر (39) (1/30)

[20]الإسراء: 33

[21]أخرجه الترمذي في كتاب الديات، باب الحكم في الدماء (1398)(3/69)، وقال عنه: “هذا حديث غريب…”.

[22]أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم (2616)(4/2020)

[23]المَطْل في الحق والدَّيْن: تَطْوِيلُ العِدَّة التي يضربُها الغريمُ للطالب، ابن منظور: لسان العرب، مادة مطل (11/625)

[24] التباعة: ما اتَّبَعْتَ به صاحبَك من ظُلامة ونحوها. ابن منظور: لسان العرب، مادة تبع(8/27)

[25]أخرجه ابن حبان في كتاب البر والإحسان، باب الصدق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (288)(1/521)

[26]أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب من يأخذ الشيء على المزاح (5004)(7/352).

[27]المائدة: 33

[28] أبو داود في كتاب الجهاد، باب في دعاء المشركين (2614)(4/256).

[29] حُمْر النَّعَم: هي الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، وقيل: المراد خير لك من أن تكون لك فتتصدق بها. وقيل: تقتنيها وتملكها. انظر فتح الباري( 7/478)

[30]أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب فضل من أسلم على يديه رجل، رقم: (3009)(1/1426)

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق