وحدة الإحياءدراسات وأبحاثدراسات محكمة

السياق عند ابن تيمية قراءة جديدة

حين يذكر ابن تيمية (661-728ﻫ)، لا يكاد يتبادر إلى ذهن الكثيرين من اسمه سوى أمرين اثنين: مذهبه العقدي، ومناظراته الكلامية والفلسفية لأهل الكلام والمنطق والفلسفة، وأصحاب المذاهب والطوائف المختلفة. ولا تكاد الدراسات الكثيرة والمتراكمة عن ابن تيمية، قديما و حديثا، تشير إلى عوالم أخرى في ثقافة الرجل وعلمه الذي شهد له فيه مترجموه بالإحاطة والموسوعية.

ولعل من المجالات التي تستحق أن يتوقف عندها الباحثون في ثقافة ابن تيمية: مجال اللغة، الذي ذكر في كتب التراجم أنه من المجالات العلمية التي برع فيها، كما جاء في البداية والنهاية: “وكان عالما باختلاف العلماء، عالما في الأصول والفروع والنحو واللغة، وغير ذلك من العلوم النقلية والعقلية”1 ومن الطبيعي أن يفهم من عبارات المترجمين مشاركة الرجل في عدة فنون منها اللغة، كعبارة ابن عبد الهادي “كان بحرا لا تكدره الدلاء”2، وقول الزملكاني: “كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن”3. لكن هذه الإشارات لا تكفي للتعريف بالنتاج العلمي للرجل في مجال اللغة، والذي سنحاول هنا عرض بعض ملامحه من خلال بيان نظريته في السياق وأثرها في تفسير المعاني والدلالات.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه النظرية تنبني على أسس منطقية ولغوية، نعم فالرجل أرسى قواعد المنطق التداولي الذي يراعي السياق في المقدمات والنتائج، وطرق الاستدلال، بشكل لم يسبق إليه، متجاوزا المفاهيم المنطقية الصورية التي رددها المناطقة قبله حتى ظن أنها عصية على التغيير، معصومة من النقص، كما المنطق نفسه. وليس المقام هاهنا عرض منطق ابن تيمية عموما، وإنما هي إشارات مقتضبة إلى بعض القواعد المنطقية التي أعاد ابن تيمية بناءها على أساس اعتبار السياق.

الأسس المنطقية لنظرية السياق عند ابن تيمية

قاعدة نفي الكلي المطلق

تنبني قاعدة نفي الكلي المطلق على أساس نفي الفصل بين الوجود والماهية، فقد كان المنطق اليوناني يفرق بين الوجود والماهية، ويجعل الماهيـة والحقيقة شيئا واحدا، ويفصل بين وجود الحقائق المطلقة الكلية والوجود المحس المعين، إذ الماهية اسم لما في الذهن، وما في الذهن يتمتع بوجود في الخارج. وقد بني هذا التصور على نظرية المثل الأفلاطونية، فقد كان الأفلاطنيون يثبتون وجود المطلق بشرط الإطلاق في الخارج، كما بني على النظرية الأرسطية التي ترى وجود المطلقات في الخارج مقارنة للمعينات، وأن المطلق الكلي جزء من المعين الجزئي4.

وقد كان لهذا التصور، ولتبعاته، في الثقافة الإسلامية المتأثرة بالمنطق اليوناني، أكبر الأثر على مدى اعتبار العناصر الداخلية والخارجية للسياق، سواء في مجال البلاغة واللغة، أو في مجال تفسير النصوص القرآنية.

لذلك وضع ابن تيمية القواعد التي هدمت هذه المنطلقات، وأكدت تفوق المنطق الأصولي الإسلامي، الذي تميز بإعادة الاعتبار للسياق في مجالات مختلفة. وبدأ بإثبات وحدة الوجود والماهية، لأن الذهن لا يتصورهما منفصلين، إلا إذا عني بالماهية ما في الذهن، وبالوجود ما في الخارج. كما نفى في الوقت نفسه أن يكون في الخارج شيء ثابت هو الماهية: “فلا ريب أن الذي في الخارج هو الوجود المعين، وهو الحقيقة المعينة والماهية المعينة، ليس هناك شيئان ثابتان: أحدهما هو الوجود، والآخر ماهيته”5.

وإذا كان وجود الشيء عين ماهيته “فإن الأشياء لها وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في اللسان ووجود في البيان: وجود عيني وعلمي ولفظي ورسمي”6.

   ـ أما الوجود العيني: فلا يكون إلا مقيدا وهو الموجود في الخارج، لا وجود في الخارج لمطلقات أو كليات. فالمطلق الكلي لا يوجد كليا إلا في الذهن، أما في الخارج فلا يوجد إلا معينا7.

   ـ وأما الوجود الذهني: فالذهن يتصور المعاني المطلقة والمفاهيم المجردة والعامة والصفات المشتركة، وكلها لا تتعدى الوجود في الذهن. أما في الخارج فلا توجد إلا أفرادها المعينة المقيدة المحضة، فلا وجود مثلا لصفة الحيوانية أو البياضة (اللون) إلا في أذهاننا أما في الخارج فهناك أفراد من الحيوان معينة وأفراد من الكائنات البيضاء.

   بهذا ينهار المنطق الصوري الأرسطي، وتنهار معه مفاهيم كثيرة تداولها الفلاسفة والمتكلمون كالجوهر والبسيط والمقولات والكليات والأجناس والأنواع والفصول… حيث تغير مفهوم الحقيقة من اعتبارها ماهية كلية مطلقة تشكل أصل الشيء وجوهره، إلى اعتبارها عين ذلك الموجود. والمطلق الكلي لا وجود له إلا في العقل، وبناء على ذلك، فإن الوجود اللفظي والرسمي؛ أي الوجود اللغوي المنطوق والمكتوب تابع للوجود الذهني والعيني تعميما وتقييدا، (فالخط يطابق اللفظ واللفظ يطابق المعنى والثلاثة تتناول الأفراد الموجودة في الخارج)8، وعليه فليس في كلام الناس لفظ مطلق كلي بل جميع كلامهم مقيد، إن “اللفظ المطلق من جميع القيود لا يوجد إلا مقدرا في اللسان لا موجودا في الكلام المستعمل، كما أن ما يدعيه المنطقيون من المعنى المطلق من جميع القيود لا يوجد إلا مقدرا في الذهن، لا يوجد في الخارج شيء خارج عن كل قيد”9.

والمحصول من هذه القاعدة أن نفي الموجود الكلي المطلق يعني أن كل وجود عينيا كان أم ذهنيا أم لغويا هو حقائق مقيدة لا يكون إطلاقها إلا تعميما لمقيدات. وهذا يؤدي إلى نتيجتين إحداها لغوية والثانية منطقية:

فالأولى: أنه ليس للفظ معنى مطلقا كليا مجردا عن القرينة، فكل لفظ مقيد.

والثانية: نقض طريقة التحديد المنطقية الأرسطية التي ارتكزت ابتداء على قاعدة الإقرار بالفصل بين الماهية والوجود والذاتي والعرضي، والتي استبدل بها ابن تيمية طريقة خاصة في التحديد قائمة على قاعدة التحديد التداولي.

قاعدة التحديد التداولي

ترتكز آلية التحديد، في المنطق الصوري، على قاعدة إثبات “المطلق المحض” أي الفصل بين الوجود والماهية وإثبات وجود المطلق الكلي المعقول خارج الأذهان، وارتباط  هذه الآلية عند المناطقة بهذه التصورات يرجع إلى اعتقادهم أن التحديد يتعلق باللفظ المفرد باستعباد السياق الذي يوجد فيه10. وبناء على ذلك اعتبروا القول المفرد أسبق نظريا من القول المركب.

وقد رفض ابن تيمية بناء نظرية التحديد على كل تلك الأصول، وانسجاما مع موقفه النظري العام الذي يؤكد على شرط السياق في البيان اللغوي جملة، وضع طريقة خاصة في التحديد صنفها البعض ضمن المذهب الاسمي والنـزعة الواقعية النسبية11، وهي نظرية تنطلق من التحديد اللفظي (لا التحديد العقلي الماهوي) بمراعاة البعد التداولي، أي بمراعاة الأحوال الطبيعية للسائل عن ماهية الشيء12.

فإذا كان المقصود بالحد تعريف المحدود ذاته: فإن تعريف الشيء لا يتوقف عند المحدود بصورة دائمة ومطلقة، بل لابد من مراعاة حال المستمع، فإنه “يحصل لبعض الناس، وفي بعض الأوقات دون بعض”13. وهذا يدل على نسبية التحديد، فإن الظهور والخفاء اللذين هما مدار التحديد هما “من الأمور النسبية الإضافية، فقد يتضح لبعض الناس، أو للإنسان في بعض الأحوال ما لا يتضح لغيره أوْ لَه‘، في وقت آخر، فينتفع حينئذ بشيء من المحدود والأدلة، ما لا ينتفع بها في وقت آخر”14، وتكثر طرق معرفة الشيء عند قوم ما بمقدار حاجتهم إلى معرفته، ومن ثم يرتبط التحديد أيضا بالحاجة إلى المعرفة15. “فإن الحد تفصيل ما دل عليه الاسم بالإجمال”16.

وعليه، فالتعريف قد يحصل بالأسماء أيضا، فيكون الحد بمثابة إخبار عن مسمى اسم ما بأسماء أخرى على وجه التفصيل والبيان والتوضيح، وهو ما كان المناطقة قد احتقروه واعتبروه مجرد رسم. ولذا: “كلما كانت حاجة الناس إلى معرفة الشيء وذكره أشد وأكثر، كانت معرفتهم به وذكرهم له أعظم وأكثر، وكانت طرق معرفته أكثر وأظهر، وكانت الأسماء المعرفة له أكثر، وكانت على معانيه أدل”17.

لقد كان ابن تيمية متمسكا بتداولية المنطق والخطاب، بعيدا عن نـزعة الفلاسفة والمتكلمين القائمة على المطلق والتجريد. كان يربط “منطق التعريف” بالأحوال الطبيعية لطالبه:

فقد يكون طالب التعريف متصورا للمعنى جاهلا بدلالة اللفظ عليه، فهذا جوابه: الترجمة إن كان الاسم لا يوجد في لغته، وبالتفسير إن كان موجودا. وكلاهما حد لفظي للاسم المستفهم عنه؛ أي أننا نعرف الاسم إما باسم آخر مكافئ له أو بمثال لإخطاره بالبال.

وأما إن كان طالب التعريف متصورا للمعنى عالما بدلالة اللفظ عليه، فجوابه يكون حسب الغرض الذي يهدف إليه من سؤاله: إما بذكر خصائص باطنة للشيء لم يطلع عليها، أو ببيان علله، أو معرفة تركيبه.

وأما إن كان غير متصور للمعنى وجاهلا بدلالة اللفظ عليه، فهذا جوابه يكون إما بالتعيين، وهو إحضار المسمى نفسه إن كان عينا أو شخصا، وإما بذكر صفاته ليميز الشيء عن غيره، لا للدلالة على الكنه أو الماهية كما يدعي المناطقة.

بعد كل هذا لا يبدو غريبا ما ذهب إليه بعض الدارسين18 من أن ابن تيمية يؤسس للمذهب المنطقي الحجاجي الطبيعي، يقصد بالمنطق الطبيعي أو الاستدلال الطبيعي ما روعي في مادته الواقع والحس لا الماهية والمجرد.

فإضافة إلى مراعاة حال المستمع والأحوال الطبيعية لطالب التعريف، في صياغة الاستدلال، واختلاف القياس باختلاف القائس والمقيس والسائل، فإن القيمة الصدقية للاستدلال يراعى فيها أيضا “مبدأ التفاضل والتراتب في صدق الأقوال وبالتالي في دلالتها على مدلولاتها”19.

إن الدليل عند ابن تيمية مقيد دائما، وهذا أهم ما افترق به منطق ابن تيمية عن منطق أرسطو الذي استبعد صاحب القول ومتلقيه ومقامه وكأنها عوامل غير مؤثرة لا في تقويم القول ولا في تحديد دلالته20. بينما نظر ابن تيمية إلى الاستدلال كما يمارس طبيعيا، فكانت له بذلك قيمته التداولية.

الأسس اللغوية لنظرية السياق عند ابن تيمية

 أولا: من الوضع إلى السياق

يعد مفهوم الوضع والاستعمال من أهم المفاهيم اللغوية التي يتأسس عليها تفسير الكثير من الظواهر الدلالية، وفي مقدمتها ظاهرة المجاز والاشتراك والترادف، ولأمر ما كانت هذه الظواهر موضع نـزاع بين العلماء بين إقرارها ونفيها، فقد تم الربط بين وجود هذه الظواهر وبين قضية مبدأ اللغات وهي قضية فلسفية كلامية عادة ما تثير مسألة الوضع الأول وعلاقته بالاستعمال، وهنا كان لابد من وقفة مع هذا المفهوم الذي به تنحل الكثير من القضايا اللغوية الشائكة، التي لا تبعد عن موضوع السياق.

منذ البداية يقرر ابن تيمية أن مسألة الوضع ذات بعد كلامي يتمثل في النـزاع بين أبي هاشم الجبائي، وأبي الحسن الأشعري في أصل اللغات، ومن ثم لا يصح أن تكون أساسا لتفسير بعض مظاهر التنوع الدلالي كالمجاز مثلا، حيث يعد الوضع الأول هو الفارق المميز بين حد الحقيقة وحد المجاز. لأن هذا التفريق إنما يصح “لو علم أن الألفاظ العربية وضعت أولا لمعان ثم بعد ذلك استعملت فيها، فيكون لها وضع متقدم على الاستعمال”21. في حين أن الوضع مفهوم يستحيل إثباته نقلا وعقلا: فمن جهة النقل: لا يمكن أن ينقل أحد (عن العرب، بل ولا عن أمة من الأمم أنه اجتمع جماعة فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة في اللغة، ثم استعملوها بعد الوضع، وإنما المعروف المنقول بالتواتر استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه من المعاني)22. وأما من جهة الاستحالة العقلية، فلا يوجد دليل صريح على أن الوضع يسبق الاستعمال، (بل نحن نجد أن الله يلهم الحيوان من الأصوات ما به يعرف بعضها مراد بعض، وقد سمي ذلك منطقا وقولا في قول سليمان: ﴿علمنا منطق الطير﴾ (النمل: 16) وفي  قوله: ﴿قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم﴾ (النمل: 18) 23.

ولذا لا يسلم ابن تيمية بوجود “وضع” متقدم على الاستعمال، وإذا كان موجودا، فلا يمكن العلم به، يقول: “فمن ادعى وضعا متقدما على استعمال جميع الأجناس فقد قال ما لا علم له به، وإنما المعلوم بلا ريب الاستعمال”24. وليس الأمر خاصا بالوضع الأول للغة العربية، بل في كل لغة، لا نستطيع إثبات وضع قبل الاستعمال.

وهذا الموقف هو ما أقره البلاغيون الجدد، حين قالوا باستحالة ضبط مفهوم الوضع أو ما أسموه “بدرجة الصفر البلاغية”، أو القاعدة التي يعد المجاز انحرافا عنها، واعترفوا بأن “درجة الصفر هذه افتراضية في اللغة وليس لها وجود فعلي في غالب الأحيان”25.

نخلص من هذا، إلى أن ابن تيمية يرتكز في نقده لمفهوم الوضع ومفهوم الاستعمال الأول إلى استحالة العلم بأصل اللفظ وتطوره. ذلك أن تبنيه المنطق الاستقرائي واللغة الطبيعية، كما لاحظ بعض الدارسين26، هو الذي جعله يرفض تلك الجوانب الفلسفية والتاريخية في دراسة اللغة.

ولا تخفى علاقة مسألة الوضع بالسياق هنا، فإن استبعاد مفهوم الوضع، ذي الظلال الفلسفية، يفسح المجال لاستثمار مفهوم السياق الأكثر ارتباطا بطبيعة اللغة للتفريق بين مستويات الخطاب.

ثانيا:  مكونات السياق عند ابن تيمية

لا خلاف بين العلماء في إرجاع مكونات السياق إلى مكونين أساسين هما: المقال والمقام. لذلك سأعرض لأهم أسس النظرية السياقية عند ابن تيمية انطلاقا منهما. وتتلخص هذه النظرية في شقين: نفي التجريد اللفظي، وإثبات تداولية الخطاب عن طريق إبراز أثر المتكلم والمتلقي وعرف الاستعمال.

1. السياق اللغوي

أ. نفي التجريد اللفظي: لقد سعى ابن تيمية في معرض مناقشته لمسألة الحقيقة والمجاز إلى تقويض عدة مفاهيم مرتبطة بمقولة التجريد اللفظي؛ (أي إمكانية وجود لفظ مجرد عن أية قرينة لفظية)، كمفهوم السبق إلى الأذهان عند الإطلاق، الذي ينبني على مفهوم “الإطلاق” الذي يرفضه ابن تيمية بشدة، وقد عالج هذه المسألة من زوايا منطقية ولغوية، وما يهمنا في هذا المقام هو الجانب اللغوي الذي ناقش فيه ابن تيمية مسألة التجريد اللفظي انطلاقا من نظرته الاستقرائية للغة، التي أثبتت استحالة التجريد اللفظي في اللغة، سواء على مستوى الحرف أو الاسم أو الفعل: “فلا يوجد قط في الكلام المؤلف اسم إلا مقيدا، وكذلك الفعل… لا يستعمل قط إلا مقيدا، وأما الحرف فأبلغ، فإن الحرف أتي به لمعنى في غيره”27.

ـ فالحرف (من حيث هو شيء واحد له الحقيقة المطلقة التي لا تأليف فيها لا يوجد… وإنما الموجود الحرف الذي هو جزء من اللفظ أو اسمه إذا لم يوجد إلا حرف،(…) بل الأعيان الموجودة في الخارج قائمة بأنفسها، كالإنسان… لا يوجد مجردا عن الأعيان إلا في ذهن لا في الخارج، فكيف بالحرف الذي لا يوجد في الخارج إلا مؤلفا)28. فليس هناك حرف هو”جوهر في ذاته” كما يقول الفلاسفة ودعاة التأويل الباطني، فكل حرف هو جزء من لفظ، والمعنى يتحدد بتأليف مخصوص للحروف في ألفاظ. فإن كان اللفظ يتكون من حرف واحد، فليس لأنه حرف مطلق، بل فقط لأنه اسم لذلك اللفظ، أي أن اللغة سمحت بذلك، ومعناه يتحدد حينذاك بسياق الكلام وحال المتكلم، على ما سيأتي، كقول القائل “ق” وهو يقصد صيغة الأمر للفعل الثلاثي المعلول “وقى”.

إن الحرف رسم متعين في الخارج وجزء يربطه بالكل تأليف مخصوص، وما يوجد في الخارج، كالإنسان، لا يوجد إلا مقيدا، فهو لا يوجد مطلقا سوى في الذهن، وهذه قضية فلسفية منطقية، يفصل ابن تيمية القول فيها في مجال المنطق والكلام. وهكذا يتبين أن (الحروف تختلف أحكامها باختلاف معانيها واختلاف المتكلم بها… واختلاف الأحكام إنما كان لاختلاف صفاتها وأحوالها)29.

ـ وأما الاسم أو الفعل فهو أيضا لا يوجد مطلقا مجردا، فالاسم دائما (يستعمل مقرونا بالإضافة أو لام التعريف؛ ويقيد بكونه فاعلا ومفعولا ومبتدأ وخبرا).30 ومعنى ذلك أن للاسم حالين: إما أن يكون مفردا وحينذاك يكون مقيدا بالفاعلية أو المفعولية أو غيرها من الصيغ اللفظية على نحو ما سيأتي، وإما أن يكون مؤلفا مع غيره من الألفاظ في جمل فعلية أو اسمية، وكذلك الأمر في الفعل.

فثبت من كل ذلك: أن “الإطلاق اللفظي، وهو أن يتكلم باللفظ مطلقا عن كل قيد…، لا وجود له… فلا يتكلم أحد إلا بكلام مؤلف مقيد مرتبط بعضه ببعض، فتكون تلك القيود ممتنعة الإطلاق”31.

إن هذه النظرة إلى البلاغة واللغة ترجع إلى خلفية منطقية مهمة، فإن البلاغيين القدماء الذين جعلوا الكلمة المجردة تشكل حقيقة في ذاتها كانوا منطلقين من الخلفيات الميتافيزيقية والفلسفية التي تكمن وراء التحديدات اللغوية والقياسات المجردة، وابن تيمية الذي ساق كلام المناطقة وانتقده، وتبنى منطقا طبيعيا واقعيا استقرائيا، هاجم فكرة “التجريد” أو “الإطلاق”32.

ولئن كان اللسانيون المعاصرون يرون أن الإسهام الذي قدمه “ريتشاردز” للبلاغة الجديدة في كتابه “فلسفة البلاغة”، هو نقد مقولة امتلاك الكلمة لمعنى ثابت محدد33، وهو ما يسميه “ريتشاردز”: “خرافة المعنى الخاص”34، وإذا كان “دي سوسير” مؤسس اللسانيات المعاصرة التي تعتبر أحد ركائز البلاغة الجديدة يرى أن (معاني الكلمات تتوقف على مواقعها في الجمل واختلافها عن غيرها، وهذا يؤدي إلى طرح الفكرة الشائعة منذ أرسطو القائلة بأن لكل كلمة معنى جعلت له)35؛ فإن ابن تيمية، انسجاما مع منطقه الخاص، قد وضع الإرهاصات الأولى لبلاغة السياق المعاصرة.

إن عدم الاعتراف بالكلمة المجردة المطلقة التي لها ماهية خاصة، يعني وضع الكلمة ضمن نوعين من القيود التي لا تنفك عنها: قيود لغوية، وهي وضع الكلمة ضمن سياق لغوي محدد، وقيود معنوية وهي السياق التداولي، أي حال المتكلم وعادته وقصديته، وفهم المستمع أو المتلقي. وسنعرض بداية للقيود اللفظية.

ب. القيود اللفظية

من أهم القيود اللفظية المؤثرة على المعنى، قيد الإضافة، وقيد الإمساك والوصل:

ـ الإضافة: وظيفة الإضافة زيادة تمييز وتخصيص “فكل لفظ أضيف إلى لفظ دل على معنى يختص به ذلك المضاف إليه، فكما قيل: يد زيد ورأسه وعلمه ودينه وقوله وحكمه وخبره، دل على ما يختص به، وإن لم يكن دين زيد مثل دين عمرو… فقد يكون اللفظ المضاف واحدا مع اختلاف الحقائق في الموضعين، كالسواد والبياض، وإنما يميز اللون أحدهما عن الآخر بإضافته إلى ما يميزه”36.

وإذا كان الأمر كذلك، فقولنا “جناح السفر” و”ظهر الطريق” لا يختلف في شيء عن قولنا:”جناح الطائر” و”ظهر الرجل”، فكلها إضافات، أفادت كل واحدة منها معنى بحسب ما أضيف إلى اللفظ، وإنما الاختلاف في درجة البيان والبلاغة.

ومن آثار “الإضافة” على معاني الكلمات، ما قرره النحاة من فروق من حيث الإعراب والمعنى، بين الاسم المفرد والاسم المركب في النداء أو في التركيب المزجي “فيقولون: يا زيد، ويا عمرو، بالضم… ويقولون في المضاف وما أشبهه: يا عبد الله يا غلام زيد… وكذلك في تركيب المزج، فليس قولهم: خمسة كقولهم خمسة عشر، بل التركيب يغير المعنى”37.

فالدلالة لا تتحدد بالكلمة المجردة، فهذه غير موجودة في اللغة المتداولة؛ أي في الخارج ، وإنما تتحدد “بمجموع اللفظ الدال” ويعني به ابن تيمية كلام المتكلم الذي “هو عبارة عن ألفاظه ومعانيه”38، التي هي ناتجة عن تأليف إبداعي شخصي من حروف وأسماء متداولة يتلقاها الشخص من اللغة المتداولة39 حيث الإضافة والتركيب في هذا التأليف لهما الأثر الأساس. ولما كانت العناصر الثابتة في اللغة، وهي الحروف والأسماء، محدودة فلابد أن تبقى في التأليفات اللغوية عناصر مشتركة، فكل لفظ قابل لأن يضاف إلى جميع الألفاظ الممكنة، دون أن نضطر إلى وضع هذه الإمكانات تحت خانة المجاز، فإذا قلنا رأس الإنسان أولا، لم يكن قولنا رأس الأمر، أو رأس القوم، أو رأس الدرب، مجازا، فلم تستعمل الرأس إلا مقيدة بقيود، وكل تركيب إضافة يعطي معنـى خاصا مميـزا40.

ـ الإمساك والوصل

المقصود بالإمساك هنا الإمساك عن القيود الخاصة، والإمساك عن القيود الخاصة قيد41 “ولهذا يقال للأمر صيغة موضوعة له في اللغة تدل بمجردها على كونه أمرا، وللعموم صيغة موضوعة له في اللغة تدل بمجردها على كونه عاما، فنفس التكلم باللفظ مجردا قيد: ولهذا يشترط في دلالته الإمساك عن قيود خاصة”؛42 كما ذكر ابن تيمية أمثلة لغوية أخرى، فيقول: “إن الاسم الذي يتكلم به لقصد الإسناد إليه مع تجريده عن العوامل اللفظية فيه هو المبتدأ الذي يرفع، وسر ذلك تجريده عن العوامل اللفظية، فهذا التجريد قيد في رفعه، كما أن تقييده بلفظ مثل “كان” و “إن” و”ظننت”: يوجب له حكما آخر”43.

وقضية الإمساك والوصل لصيقة بدور المتكلم في الخطاب، وهو أمر سنفصل القول فيه في القيود المعنوية. ولكن هذا الدور يتضمن جانبا لفظيا، إذ المتكلم يتصرف في اللفظ بصيغ تمكنه من إيصال مراده، ولهذا “كان المتكلم بالكلام له حالات: تارة يسكت ويقطع الكلام ويكون مراده معنى. وتارة يصل ذلك الكلام بكلام آخر بغير المعنى الذي كان يدل عليه اللفظ الأول إذا جرد، فيكون للفظ الأول حالان: حال يقرنه المتكلم بالسكوت والإمساك، وترك الصلة، وحال يقرنه بزيادة لفظ آخر. ومن عادة المتكلم أنه إذا أمسك أراد معنى آخر: وإذا وصل أراد معنى آخر، وفي كلا الحالين قد تبين مراده وقرن لفظه بما يبين مراده”44.

وترجع نظرة ابن تيمية لدلالة السكوت هنا إلى نظرية أصولية في الدلالة تحدث عنها الأصوليون ضمن مسائل المفهوم، وخاصة مسألة فحوى الخطاب.

 وبالجملة لا وجود للفظ مطلق عار من القيود، فاللفظ المفرد غير المقيد بالإضافة يعتبر “ترك الزيادة” فيه قيدا، إذ هناك علاقة عكسية بين القيد والمعنى: نقصان القيود يزيد من عمومية المعنى، وزيادة القيود يقلل منها “ولهذا يقال الزيادة في الحد نقص في المحدود، وكلما زادت قيود اللفظ العام نقص معناه”45، فإذا انعدمت القيود صار المعنى مطلقا لا حد له، وما هو مطلق لا وجود له إلا في الذهن، فثبت أنه ما من لفظ له معنى في حياة الناس إلا وهو مقيد، بقيود لفظية أو معنوية.

2. السياق التداولي

في مقابل نفيه لمقولات التجريد والإطلاق اللغويين، سعى ابن تيمية إلى إثبات تداولية الخطاب عن طريق إبراز أثر المتكلم، والمتلقي، وعرف الاستعمال، وهي مجمل القيود التفاعلية الثقافية والاجتماعية التي تشكل الوضعية الكلية للخطاب. التي يسميها ابن تيمية بالقيود المعنوية للفظ. ففي هذا المستوى من القيود يضع ابن تيمية القاعدة السياقية التالية: كل لفظ هو “مقيد مقرون بغيره، ومتكلم قد عرفت عادته، ومستمع قد عرف عادة المتكلم بذلك اللفظ: فهذه القيود لابد منها في كلام يفهم معناه، فلا يكون اللفظ مطلقا عنه”46. أما المقرون بغيره، فمعناه السياق اللغوي للفظ، وقد ذكر في القرائن اللفظية. وأما المتكلم والمستمع وعادة المتكلم، فهي القيود المعنوية وقد تسمى حالية نسبة إلى “حال المتكلم” أو “حال الخطاب” “والحال: حال المتكلم والمستمع لابد من اعتباره في جميع الكلام”47.

وبذلك تشتمل القرائن المعنوية على ثلاثة جوانب أساسية: المتكلم والمستمع (أو المتلقي) والعادة والعرف. وتكون في مجملها عناصر السياق المقامي48 التداولي.

أ. المتكلم: إن الكلام على ما ذكرنا في مسألة الوضع نقل وتأليف. فالمتكلم ينقل عن بيئته الحروف والأسماء ولكنه يعيد بنائها وتأليفها. (فالمتكلم بالكلام المبتدئ له، سواء كان نظما أو نثرا لا ريب أنه هو الذي ألف معانيه وألف ألفاظه)49. ويبرهن ابن تيمية على ذلك بأدلة من الشعر والنثر والقرآن الكريم والنحو والفقه وأصوله، ليخلص إلى القول بأن “الكلام كلام من اتصل به، واتصف به وألفه وأنشأه، وكان مخبرا بخبره وآمرا بأمره، وناهيا عن نهيه”50.

فالمتكلم هو من انتمى إلى اللغة اتصالا واتصافا، وانتسبت اللغة إليه تأليفا وإنشاءً، فهو يمارسها نقلا وإبداعا. والكلام لا يوجد إلا من متكلم، واللغة تحمل في طياتها صفات المتكلم بها، هذه الصفات التي تجعله شخصا متعينا، والصفات التي تعين المتكلم هي: العقل والإرادة.

وبهذا تكون اللغة خاصية إنسانية صرفة وأداة للتعبير عن الفكر، وقد يستخدم ابن تيمية عوض العقل لفظ “التصور”: “فالنوع الإنساني يعبر عما يتصوره بلفظه”51 و”التعبير فرع التصور”52. على أن الذهن، من جانب آخر، لا يتصور إلا المعاني المقيدة، وهذا وجه أقرب إلى البحث المنطقي منه إلى البحث اللغوي.

والإنسان لا يعبر باللفظ عما يتصوره فقط، بل عما يريده أيضا، والإرادة لها وجه يرتبط بالعقل من حيث هي اختيار وقصدية؛ إذ أن دلالة اللفظ على المعنى دلالة قصدية إرادية اختيارية53؛ أي أن اللغة “تدل على ما أراد المتكلم أن يدل بها عليه، لا تدل بذاتها”54.

وهكذا، فالمتكلم يبدع اللغة ويعبر من خلالها عن عقله وإرادته، فهو يركب الألفاظ والمعاني تركيبا خاصا يختلف عن غيره من المتكلمين. وينطبق هذا الاختلاف على الأمم كما ينطبق على الأفراد. فالمعنى “الذي تعلمه الأمم وتعبر عنه كل أمة بلسانها؛ قد يكون ذلك المعنى واحدا بالنوع في الأمم؛ بحيث لا يختلف كما يختلف اللفظ الواحد باللغة العربية، وقد يكون تصور ذلك المعنى متنوعا في الأمم، مثل أن يعلمه أحدهم بنعت، ويعبر عنه باعتبار ذلك النعت، وتعلمه الأمة الأخرى بنعت آخر، وتعبر عنه باعتبار ذلك النعت”55، ويعطي ابن تيمية أمثلة على ذلك من الفارسية والتركية، ويلاحظ أن ذلك يؤثر على الترجمة بحيث إنها تعبر عن “أصل المقصود” وتترك بين النصين في اللغتين “نوع فرق”56.

هذا على صعيد اختلاف اللغات بين الأمم، أما على صعيد المتكلم الفرد فإن الناطقين بالاسم الواحد، واللغة الواحدة، يتصور أحدهما منه ما لم يتصور الآخر: حقيقته وكميته وكيفيته وغير ذلك. بل المعنى المدلول عليه بالاسم الواحد لا يتحد من كل وجه في قلب الناطقين بل ولا في قلب الناطق الواحد في الوقتين57.

إن حضور المتكلم الجماعة والمتكلم الفرد، إذن، داخل اللغة، هو ما يميز نظرة ابن تيمية للمسألة اللغوية، ولنظرية السياق خاصة. حقا، لقد ركز القاضي عبد الجبار أيضا على “قصد المتكلم” أو حال المتكلم، إلا أنه جعل التحول الدلالي للمفردات اللغوية يتم على الصعيد الاجتماعي عبر مفهوم الاستعمال العرفي، لا على الصعيد الفردي من خلال إيداع المتكلم58.

وعلى الرغم من أن نظرية النظم، عند عبد القاهر الجرجاني، ربطت بين فعل المتكلم وفعل النظم، إلا أنها بحصرها دور المتكلم في كونه مجرد ناظم للعلامات من جهة صياغتها وتركيبها، وفق أحكام النحو، لا من جهة أنفس الكلم وأوضاع اللغة، كمن يصوغ الحلي من الذهب والفضة؛ فإن هذه النظرية ظلت، بذلك، محصورة ضمن الفهم البلاغي الأرسطي للاستعارة، دون أن تستثمر مفهوم النظم في بناء نظرية متكاملة في “قصد المتكلم”، مرتبطة بالإبداع اللغوي، ونظرية السياق على نحو ما ألمح إليه ابن تيمية والمفكرون الأصوليون معه. فإن نظرية “المقاصد اللغوية” التي تعتبر من أحدث النظريات في الدراسات اللغوية، متأثرة بالاتجاهات المنطقية الجديدة،  تؤكد على ما ألمح إليه شيخ الإسلام مرارا، وهو أن معرفة مقاصد المتلفظ توجه الفعل الكلامي نحو معنى معين إذ التسليم بمقاصد المؤلف وراء كل متلفظ كلامي وارد لا مدفع له59.

وليس الغرض هنا جعل ابن تيمية مؤسسا للنظرية المقصدية في دور المتلفظ، وإنما الإشارة فقط إلى أن تأكيد ابن تيمية على دور المتكلم في إنشاء الكلام يقطع الطريق أمام الفهم المجرد للغة، ويجعلها فعلا إنسانيا مقيدا بأحوال منتجها. وهذا فيه تجاوز واضح للمفاهيم الأرسطية التي هيمنت على البلاغة التقليدية التي تنظر إلى “فكرة مقتضى الحال بمعناها الخارجي الذي يراعي أحوال المستمعين دون أن يضع في تقديره الأحوال الخاصة بالأديب أو المبدع”60. هذه الأحوال الخاصة التي بين ابن تيمية أنها أحوال عينية تنطلق من عقله وإرادته وحياته وعاداته وتؤثر على الممارسة اللغوية في أنفس الكلمات وكيفية تصورها وطرق نظمها، ومشاكل ترجمة ذلك النظم من لغة لأخرى. وهذا النقد الذي وجهه ابن تيمية لذلك الفهم الأرسطي نابع من منهجه المنطقي الذي استقاه من أصول الفقه وعممه على مسائل اللغات في الفقه وغيره.

ب. المتلقي: يركن الكثير من البلاغيين والنقاد ـ إلى مسألة التأثير في المتلقي، في تحليلهم لمغزى وجود الكثير من الصور البيانية في اللغة. وبتأثير من النظرية الأرسطية في هذا المجال جعلوا طرُقُ تبليغ المعنى بعضها يتم بواسطة البرهان وبعضها يتم بواسطة الخطابة أي بتحسين المعاني وتزيينها، وتحقيق لذة في السامع61، ومن هنا جاء التأكيد على أهمية المتلقي، حيث وصفه الجرجاني بأنه من طبعه الميل إلى الأساليب التمثيلية البلاغية62. ورأى الفخر الرازي أن في المجاز تحصل لذة قوية كالدغدغة النفسانية على عكس الألفاظ الحقيقية التي يحصل بها كمال العلم63.

لكن حضور المتلقي عند هؤلاء يضل حضورا سلبيا: فهو دوما منفعل بجمال الصور البيانية الشكلي، ورغم ما قدمه الجرجاني من مجهودات لتطوير وتجاوز هذه النظرة التقليدية، وذلك بالتأكيد على البعد الإقناعي الحجاجي للاستعارة والمجاز، فإن حضور المستمع أو المتلقي عنده، يبقى حضور المنفعل بالطبع للذة هذه الصور البيانية فقط، أما السياق أو النظم أو العلامات النحوية فلا تغير شيئا من ثبات المعنى، تأثرا بثبات الكلام النفسي عند الأشعرية.

حاصل القول: إن البلاغيين والنقاد جعلوا المتلقي، كالمتكلم، له دور عرضي ينحصر في الانفعال بجمالية اللغة. في حين نجد ابن تيمية في إلحاحه على البعد التداولي للغة، يجعل حضور المتلقي يتعدى الانفعال بما يسمعه، إلى الإسهام في إنشاء الخطاب، لأن عادته فيه معتبرة ولها تأثير مباشر في المعنى، كما هو الحال بالنسبة لعادة المتكلم، ولا فرق بينهما في هذا المستوى، وهذا المعنى سيظهر بوضوح أكثر في الركن الثالث من أركان القيود المعنوية.

ج. العادة والعرف: يقودنا إحصاء الألفاظ والعبارات الدالة على الشروط التداولية لدلالة اللفظ (العادة والعرف) في أحد النصوص التي ناقش فيها ابن تيمية مسألة السياق، وهو نص: “رسالة الحقيقة والمجاز”، إلى أهمية هذه الشروط في اللغة، والجدول التالي يوضح ذلك بجلاء:

أنواع القيود التكرارات النسب المئوية المجموع

حال (وما يكافئه)

8

8.16%
ألفاظ عامة موضع  (=    =) 17 17.34% 26.52%
  سياق  (=    =) 1 1.02%
  معهود   (=    =) 6 6.12%
قيود تفاعلية اجتماعية عادة   (=      =) 20 20.4% 32.28%
  عرف    (=    =) 6 6.12%
  معرفة   (=      =) 42 42.84%
قيود تفاعلية  معرفية تصور   (=      =) 3 3.06% 80.58%
  قصدية    (=      =) 34 34.68%
المجموع 137 139.38% 139.38%

إن الدلالة الإحصائية للجدول تبين أنه من أصل 98 صفحة (هو عدد صفحات الرسالة المذكورة) نجد ابن تيمية يذكر قيود السياق التداولي 137 مرة؛ أي بنسبة: 139.98%؛ أي بمعدل أربع مرات في كل ثلاث صفحات.

وهو يستعمل للدلالة على هذه الشروط عبارات كثيرة أهمها: العادة، والعهد، والمعروف، والعقل، والتصور، والتعود، والعرف، والموضع، والسياق، والحال، والمراد.

ـ أما الحال والسياق والموضع فهي ألفاظ عامة تخصصها الألفاظ الأخرى ويتجلى عمومها في اشتمالها على معنى القيود اللفظية ومعنى القيود المعنوية وتأتي في عدة صيغ مثل: حال المتكلم، حال الخطاب، حال اللفظ، دلالة حالية، موضع معين، سياق الكلام.

ـ أما العهد والتعود والعادة والعرف، فهي ألفاظ تشترك في معنى القيود المعنوية التفاعلية الاجتماعية، وصيغها كثيرة مثل: المعهود عند المخاطب، وعند المتكلم، عادة المتكلم، عادة المخاطب، عادة اللفظ، عرف الاستعمال، عرف متقدم…

ـ وأما المعروف والتصور والمراد والقصد والاختيار، فهي ألفاظ تتضمن معنى القيود التفاعلية الثقافية، ويدخل ضمنها العقل الذي هو شرط كل تواصل لغوي بين المتكلم والمخاطب، وهذه الفئة لها عدة صيغ مثل: الدلالة القصدية، إرادة المتكلم، تصور المتكلم، تصور المخاطب، عقل المتكلم، عقل المخاطب، القرائن تعلم بالعقل، الدلالة عقلية، المعروف بالقلب، المعنى المعروف، اللفظ المعروف…

ولم تأت هذه المفاهيم في نص ابن تيمية مجرد إشارات عابرة بل هي شروط ضرورية يكررها ابن تيمية كلما قصد إلى تبيان قوانين دلالة الألفاظ، إذ اللفظ لا يدل عنده إلا مع هذه الشروط العقلية المعنوية.

فكيف بسط ابن تيمية الحديث عن هذه الفئات الثلاث؟

ـ أما فئة الألفاظ العامة، فمن قبيل القول المعاد أن نذكر بإلحاح ابن تيمية على حال الخطاب وموضع الألفاظ والمعاني وسياق الكلام، فقد ذكرها ضمن القيود اللفظية، والقيود المعنوية، فبقي ذكر ما يتعلق منها بالجانبين الاجتماعي والفكري. وهذا تخصيص مجاله الفئة الثانية والثالثة:

 ـ وأما الفئة الثانية: فئة القيود التفاعلية الفكرية، فتشتمل على المعروف والتصور والقصد والاختيار والإرادة والعقل، وقد سبق ذكر هذه القيود ضمن المتكلم والمتلقي، فلا حاجة لزيادة تفصيل فيها، فإن المتكلم والمخاطب يتوفران على صفة العقل والإرادة، والدلالة قصدية اختيارية إرادية، واللغة تعبير عما يتصوره المتكلم والمخاطب، وهذه كلها ينبغي معرفتها لفهم الخطاب.

ـ وأما الفئة المتعلقة بالقيود التفاعلية الاجتماعية فيلخصها مفهوم العادة، وما يكافئه من مفاهيم كالعرف والعهد والتعود. فقد أولى ابن تيمية للعادة وظيفة كبرى في تحديد دلالة الكلمة، إذ الذي يجمع بين المتكلم والمتلقي هو العادة: عادة المتكلم، وعادة المخاطب في فهم الكلام، فلا بد أن يكون هناك متكلم قد عرفت عادته ومستمع قد عرف عادة المتكلم بذلك اللفظ، فهذه القيود لابد منها في كلام يفهم معناه. فالعادة شرط كل تواصل لغوي، ومن هنا فإن الكلمة مهما قل حجمها من الناحية الصوتية، ولو تشكلت من حرف واحد أو حرفين (مثل لام التعريف)، فإنها تتحدد ضمن ما يعرفه المخاطب من سياقها اللفظي، وسياقها الثقافي الاجتماعي؛ أي “بعرف متقدم”64، وهو ما يسميه ابن تيمية بشرط “الدلالة الحالية”65. فإن كانت هناك دلالة لفظية تؤخذ من “المعهود” عند المتكلمين بالعرف والعادة، فأهل اللغة “إنما يحتاجون إلى ما يوجد في الخارج، وإلى ما يوجد في القلوب في العادة”66؛ أي إلى “المعروف بالقلب”67، ويترتب على هذا القول، أن مرجع الكلمة هو عبارة عن معطى متعين في العيان والوجدان، فالناس لا يشتركون في العادات الملموسة، بل في المعاني المنطبعة في القلوب بفعل العادة ولكل قوم عادة في استعمال لفظ ما في معنى ما، عادة انطبعت في قلوبهم لا في عقولهم وحسب. فالعادة تتضمن، إذن، كل المقتضيات النفسية والعقلية والاجتماعية التي ولدت فيها، ولها، الكلمة.

إن هذا البعد قد غاب عن أغلب أهل البيان، وأدركه بعض الأصوليين… إذ نجد الشاطبي يكثر الإلحاح على تأويل القرآن الكريم بما كان معلوما عند الصحابة ومن بعدهم68. وهذا هو نفسه المقصود بمفهوم السياق الذي هو أحد الأركان الثلاثة لعملية التواصل إلى جانب المتكلم والمخاطب69، وتركيز الأصوليين على النية والمساق والسياق يصب في صلب مفهوم التأويل في النظرية المقصدية الحديثة، وإن اختلفت الأطر الفلسفية النظرية70، بل لقد ذهب أحد الباحثين إلى القول بأن هذه الخاصية، التي يصطلح عليها بخاصية الاستدلالية؛ (أي دلالة اللفظ عقلية ترتكز على عادة الخطاب)، تعتبر عنصرا من عدة عناصر تجعل ابن تيمية “ينظر إلى الخطاب كما يتداول طبيعيا.. (و) تقربه كثيرا مما استجد في البحث السيميائي المعاصر)71.

وما من شك في أن ابن تيمية بتركيزه على هذا البعد أكثر من غيره، مستفيدا في ذلك من اطلاعه الواسع على الفلسفة والمنطق والأصول واللغة..، قد استطاع أن يحيط بهذا البعد من جوانبه المتعددة: ففي “العادة” لا يوجد الملموس وحده، بل القلب كذلك أي الوجدان، كما يوجد العقل أيضا: فالأذهان تتعود على تصور مسميات لمعاني داخل مجتمع معين، “فإن العربي الذي يفهم كلام العرب يسبق إلى ذهنه من اللفظ ما لا يسبق إلى ذهن النبطي الذي صار يستعمل الألفاظ في غير معانيها”72، وليس هناك ذهن مجرد مطلق.

فالمجتمع له أثر في تحديد معاني الألفاظ؛ لأنه يتداولها على نحو يختلف به عن مجتمع آخر. بل داخل المجتمع الواحد يختلف تداول اللفظ من زمن لآخر، فإن تداول الألفاظ في المجتمع العربي مثلا، في عهد الجيل الأول من الصحابة ليس هو تداولها في ما بعد ذلك: “ومن هنا غلط كثير من الناس، فإنهم قد تعودوا ما اعتادوه، إما من خطاب عامتهم وإما من خطاب علمائهم باستعمال اللفظ في معنى، فإذا سمعوه في القرآن والحديث ظنوا أنه مستعمل في ذلك المعنى، فيحملون كلام الله ورسوله على لغتهم.. وعادتهم الحادثة، وهذا مما دخل به الغلط على طوائف، بل الواجب أن يعرف اللغة والعادة والعرف الذي نـزل به القرآن والسنة، وما كان الصحابة يفهمون من الرسول عند سماع تلك الألفاظ فبتلك اللغة والعادة والعرف خاطبهم الله ورسوله لا بما حدث بعد ذلك”73.

ولما كان حال المتكلم والمستمع لابد من اعتباره في الكلام، وأن المتكلم إذا عُرِف وعرفت عادته في خطابه، فُهِم معنى كلامه، وأن المتكلم متى اعتاد أن يعبر باللفظ عن المعنى كانت تلك لغته74؛ فإن من كانت له عناية بألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم ومراده بها عرف عادته في خطابه وتبين له من مراده ما لا يتبين لغيره.

على أن التغير الزمني لا يلحق كل المفردات اللغوية، بل يبقى فيها ثابتا ما ظل على ثبوته من خصائص القوم الذين يتداولونها. وبتعبير آخر، فإننا قد نجد ألفاظا تحافظ على معناها، ففي هذه الحال يمكن رد ذلك إلى أن القوم الذين يتداولونها يحافظون فعلا على بعض عاداتهم التي تشكل هويتهم القومية، وهذا ما قصده ابن تيمية حين قال: “ينبغي أن يقصد إذا ذكر لفظ من القرآن والحديث أن يذكر نظائر ذلك اللفظ ماذا عنى بها الله ورسوله، فيعرف بذلك لغة القرآن والحديث وسنة الله ورسوله التي يخاطب بها عباده وهي العادة المعروفة من كلامه. ثم إذا كان لذلك نظائر في كلام غيره، وكانت النظائر كثيرة عرف أن تلك العادة واللغة مشتركة عامة لا يختص بها هو صلى الله عليه وسلم، بل لغة قومه”75.

 ولهذا لا يجوز أن يحمل كلامه على عادات حدثت بعده لم تكن معروفة في خطابه وخطاب أصحابه “فإنه قد يجوز للإنسان أن يستعمل هو اللفظ في نظير المعنى الذي استعملوه فيه مع بيان ذلك على ما فيه من النـزاع. لكن لا يجوز أن يعمد إلى ألفاظ قد عرف استعمالها في معاني فيحيلها إلى غير تلك المعاني. ويقول إنهم أرادوا تلك بالقياس على تلك، بل هذا تبديل وتحريف”76. ولا يكتفي ابن تيمية بعرض هذه الأمثلة من عرف الاستعمال القرآني، بل يطنب في أمثلة لغوية متعددة.

خاتمة

إن هذا التصور لأهمية السياق وأثره في تحديد المعاني وفهم مراد المتكلم من كلامه، كانت له نتائج مهمة على مستويين:

أولا؛ مستوى دراسة النصوص الإبداعية عموما، حيث إن هذا التصور يجعل اللغة والأساليب البيانية خاصة، متماثلة من حيث احتياجها إلى سياق لفظي وتداولي تدرك من خلاله، ولا فروق هناك بين مستويات الخطاب سوى في المعاني الناتجة عن الفرق بين السياقات المختلفة، وبهذا المعنى لا نستطيع التفريق بين الحقيقة والمجاز مثلا، فكلاهما مقام من مقامات الخطاب، وحال من أحوال اللفظ يتشكل بتفاعل بين المتكلم والمتلقي وعادتهما في التخاطب. وعموما، فإن مجرد الإقرار بالبعد التداولي للغة: بالتركيز على المتكلم والمخاطب والسياق التداولي، يفرض بالضرورة إلغاء كثير من التقسيمات البلاغية الكلاسيكية.

ثانيا؛ مستوى دراسة النصوص الدينية على الخصوص (القرآن الكريم والحديث الشريف)، فقد نبه ابن تيمية على أحد أخطر أسباب وجود التحريف وسوء التأويل في دراسة النصوص القرآنية، حيث أخضعت تلك النصوص عند الكثير من المفسرين والمفكرين، لتصوراتهم وعاداتهم في فهم معاني ألفاظ تلك النصوص، التي هي تصورات وعادات حادثة، دون اعتبارهم لفهم من كانوا أقرب إلى فهم عادة وعرف من خوطبوا أولا بتلك النصوص، وهم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، ولذلك وجدناه يؤكد على أن خطأ هؤلاء نتج عن حملهم كلام الله ورسوله على لغتهم وعادتهم الحادثة، في حين أن الواجب أن يحملوه على اللغة والعادة والعرف الذي نـزل به القرآن، وما كان الصحابة يفهمون من الرسول عند سماع تلك الألفاظ فبتلك اللغة والعادة والعرف خاطبهم الله ورسوله لا بما حدث بعد ذلك. وهذه الفكرة كان لها أكبر الصدى في ما أصله ابن تيمية من قواعد للتفسير في مقدمته المعروفة.

لكن ابن تيمية، عموما، لم يكن بدعا في تنبيهه المستمر على ضرورة فهم دلالات الألفاظ من خلال قيودها اللفظية والمعنوية، فإنها فكرة أصيلة عند المفسرين الأوائل، كالطبري. وقد أشار الأصوليون دوما إلى ضرورة فهم اللفظ ضمن التركيب منذ الشافعي، وقد قام الإمام الشاطبي، بعد ذلك، بما قام به ابن تيمية من استحضار شروط السياق في كل مسائل موافقاته كما يظهر بجلاء في المسألة الثالثة من فصل العموم والخصوص حيث ركز على مراعاة “المقاصد الاستعمالية” في الخطاب77. ولكن ما يميز ابن تيمية عن غيره، هو تعميمه لهذه الفكرة على كل القضايا التي ترتبط بالدلالة، بما فيها المسائل البلاغية. وهو منهج في التفكير عنده قائم على تعميم الضوابط الأصولية على اللغة والمنطق والتفسير.

الهوامش

1. البداية والنهاية، ص: 14/137.

2. العقود الدرية، ص: 7.

3. العقود الدرية، ص:  7 + الكواكب الدرية، ص: 142 + الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب، ص: 2/390.

4. درء تعارض العقل والنقل، ص: 1/ 216 وأيضا، ص: 5/ 92.

5. يقول ابن رشد: (المعين الكلي الواحد يوجد خارج الذهن، ويزيد على الأشخاص زيادة في الوجود وذلك أنه غير فاسد ولا كائن) تلخيص كتاب البرهان، ص: 116.

6. درء، ج: 5، ص: 102.

7. نفسه، ص: 5/91 و 100 و133 وما بعدها + وينظر: منهاج السنة: 1/253 + ف: 20/432 وما بعدها + بغية المرتاد ص: 167.

8. نفسه، ص: 1/216.

9.  درء تعارض العقل والنقل، ص: 5/100، وينظر منهاج السنة، ص: 1/253.

10. كتاب الإيمان، ص: 96. وليس هذا هو المطلق عند الأصوليين لأنه: «إذا قال العلماء (مطلق) إنما يعنون به مطلق عن ذلك القيد ومقيد بذلك القيد كما يقولون: الرقبة مطلقة في آية الكفارة ومقيدة في آية القتل…» الإيمان، ص: 96، فالمسلمون لا يعرفون وجودا للمطلق المحض الذي ذكره الفلاسفة.

11.  يرى النقاري أن آلية التحديد (عند المناطقة) ترتكز على أصول رفضها ابن تيمية، وأول هذه الأصول: «أولية المفرد على المركب» حيث ترتكز آلية تصور المفرد عندهم على تفريقهم بين الماهية والوجود…         (ص: 92 وما بعدها).

12. مثلا: المنهجية… النقاري، ص: 107 + بلاغة الخطاب… صلاح فضل: ص: 111 + منطق ابن تيمية ومنهجه الفكري، ص: 56.

13. المنهجية…، النقاري، ص: 108-113.

14. درء تعارض العقل والنقل، ص: 3/320.

15. نفسه، ص: 3/ 330.

16. نفسه، ص: 3 /330 – 331.

17. نفسه، ص: 3/320.

18. نفسه، ص: 3/330.

19. ينظر هذا القول عند النقاري في الفصول والفقرات التي تحدث فيها عن منطق ابن تيمية في المنهجية الأصولية….

20. نفسه، ص: 159.

21. المنهجية الأصولية، ص: 53.

22. كتاب الإيمان، ص: 82.

23. كتاب الإيمان، ص: 82.

24. نفسه، ص: 82-83.

25. نفسه.

26. بلاغة الخطاب وعلم النص، ص: 67. وينظر: مدخل إلى البلاغة =Introduction à la Rhétorique  أوليفيي روبول: ص: 75 + الانـزياح الدلالي الشعري: تامر سلام، مجلة علامات في النقد، مجلد، ص: 5، ج:19، مارس 1996، ص: 91.

27. ينظر مجهول البيان، محمد مفتاح، ص: 36، والمنهجية الأصولية والمنطق اليوناني، من خلال أبي حامد الغزالي وتقي الدين بن تيمية، حمو النقاري، ص: 222 – 223.

28. لإيمان، ص: 90-91.

29. الكيلانية، فتاوى، ص: 12 /449.

30. نفسه، فتاوى، ص: 12 / 449 – 450.

31. الإيمان، ص: 90.

32. نفسه، ص: 96 – 97.

33. مجهول البيان، محمد مفتاح، ص: 18.

34. ينظر: فلسفة البلاغة، ريتشاردز، ص:9، 30 وغيرها.

35. فلسفة البلاغة، ريتشاردز، ص: 9.

36. بلاغة الخطاب وعلم النص، ص:20،وينظر: محاضرات في علم اللسان العام،دي سوسير،ص:133- 135.

37. رسالة الحقيقة والمجاز، فتاوى، ص: 20/411.

38. نفسه، ص: 409-410.

39. الكيلانية، فتاوى، ص: 12/456.

40. ينظر نفس المصدر، ص: 458.

41. الإيمان، ص: 89.

42. رسالة الحقيقة والمجاز، فتاوى 20/413.

43. نفسه.

44. نفسه.

45. نفسه، وينظر بعض دلالات السكوت، مثلا عند أهل اللغة والأصول والتفسير في: المجاز وأثره في الدرس اللغوي، ص: 95 – 98.

49. فتاوى، ج: 20/ ص: 415.

47. نفسه: 450.

48. الإيمان، ص: 103.

49. المقام: موضع القيام، أو الجماعة من الناس أو مجالسهم، لسان العرب 12/498 + القاموس الفقهي لغة واصطلاحا، سعيد أبو حبيب، ص: 310. ومعناه هنا: مجمل الشروط غير اللفظية التي يتم فيها الكلام، أي اللغة كما يتم تداولها بين متكلمين في جماعة إنسانية معينة، أي ما يعرف بالبعد التداولي للغة، بمعنى أخذ دور المتكلمين والسياق بعين الاعتبار في الخطاب وآثار الخطاب على المتكلمين والمستمعين والجمع بين دلالة أو جملة وبين وضعها الاستعمالي، (ينظر: المقاربة التداولية، فرانسوا أرمينغو، من مقدمة الكتاب، ترجمة سعيد علوش، الفكر العربي المعاصر، مركز الإنماء القومي، عدد: 41، 1986، ص: 61.).

50. نفسه.

51.نفسه، ص: 463.

52.الإيمان، ص: 86.

53.الحقيقة والمجاز، فتاوى، ص: 20/451.

54.الإيمان، ص: 104.

55.الحقيقة والمجاز، فتاوى، ص: 20/496.

56.الأكملية، ابن تيمية، فتاوى، ص:  6/62.

57. نفسه، ص: 63.

58. نفسه.

59. ينظر القارئ والنص، سيزا قاسم، عالم الفكر، م: 23، ع: 3-4، س1995، ص: 277.

60. ينظر مجهول البيان، ص: 110، 111.

61. الصورة الفنية، جابر عصفور، ص: 167.

62. ينظر كتاب الصناعين، ص: 269 + العمدة، ص: 1/456 + المثل السائر، ص: 1/26.

63. أسرار البلاغة، ص: 102.

64. المحصول للرازي، ص: 1/467.

65. الحقيقة والمجاز، فتاوى: 20/495.

66. نفسه.

67. الإيمان، ص: 95.

68. الحقيقة والمجاز، فتاوى، ص: 20/434.

69. ينظر: الموافقات للشاطبي،  م: 2، ج: 3، ص: 156-157، وصفحات عديدة من كل أجزاء الكتاب.

70. مجهول البيان، ص: 99.

71. نفسه، ص: 112- 113.

72. المنهجية الأصولية…، حمو النقاري، 94.

73. الإيمان، ص: 95.

74. نفسه.

75. نفسه، ص: 104.

76. نفسه.

77. الموافقات في أصول الأحكام، الشاطبي، م: 2، ج: 3، ص: 165.

Science

دة. فريدة زمرد

  •  عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء، ورئيسة لجنة الدراسات والأبحاث بها.
  • رئيسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق