وحدة الإحياءقراءة في كتاب

السلام والمجتمع الديمقراطي

في إطار نشاطه العلمي والبحثي، وفي سياق الرسالة التي يضطلع بها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أصدر المركز ضمن سلسته “ترجمان”، المعنية بترجمة الأعمال والمؤلفات الأجنبية الجديدة أو ذات القيمة المتجددة في مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية عامة، وفي العلوم الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والسياسية والثقافية بصورة خاصة، أصدر ترجمة الكاتبة الفلسطينية روز شوملي مصلح،  لكتاب “السلام والمجتمع الديمقراطي” لــ”أمارتيا سن” أستاذ الاقتصاد والفلسفة بجامعتي، لاموت وهارفرد.

السلام والمجتمع الديمقراطي

يعد كتاب “السلام والمجتمع الديمقراطي”، في طبعته الأولى ببيروت 1916م، نتاج عمل أشرفت عليه هيئة الكومنولث في مالطا عام 2005، في صورة  تقرير عن ” مسارات مدنية للسلام”  تم تقديمه خلال اجتماع رؤساء حكومات الكومنولث في كامبالا، أوغندا 2007، تم التطرق فيه إلى تنامي ظاهرة العنف وأسبابه، وتهديداته لحياة أكثر من ملياري شخص في دول الكومنولث، وطرق منع الإرهاب، والتدابير الأمنية الجديدة التي اعتمدتها الدول في حربها ضد الإرهاب.

والمقصود بالكومنولث “رابطة تطوعية تضم دولا مستقلة تتشاور وتتعاون فيما يتعلق بالمصالح المشتركة لشعوبها والترويج للتفاهم على الصعيد الدولي والسلام العالمي”.

حاول أعضاء هيئة هذا التقرير، بصفتهم أعضاء من دول الكومنولث، وليس بصفتهم كممثلي إحدى الحكومات أو المنظمات غير الحكومية، الكشف عن مضمون الاحترام والتفاهم بين المجتمعات، وكذا الانتباه إلى طريقة تعامل العالم مع انتشار جماعات العنف، مركزين على مساهمات المسارات المدنية للسلام، استنادا إلى عنصري الاحترام والتفاهم.

ومما جاء في التقرير أن العنف قد أصبح الصفة الدائمة للحضارة البشرية، فالعالم المعاصر ليس استثناء فيما يتعلق بانتشار الاعتداء والغضب في كل مكان، وهو عنف متمركز حول الانقسامات التي غذيت بشكل ممنهج، محدثا تدميرا كارثيا وذلك نتيجة التقدم في العلوم والتكنولوجية.

وفي تطرقه للمبادرات العسكرية، أوضح أن هذه المبادرات رغم أنها قد تكون مبنية على حسن الاطلاع، ومدروسة جيدا، وتنفذ تنفيذا جيدا، وتولي انتباها للشؤون المتنوعة التي يجب أخذها في الحسبان، إلا أن الفائدة منها تكون محدودة في بعض الأحيان، مستشهدا بالتجربة العسكرية بالعراق، حيث جرى تجريب التدخل العسكري كأداة لتحقيق الديمقراطية بالوسائل العسكرية والتي كان مآلها الفشل، إن على الصعيد العسكري، أو لجهة القيادات القادرة على المحافظة على الدعم من أجل تدخل مستدام بواسطة جماهيرها محليا أو دوليا. فهذه التدخلات لا تتطرق إلى الأسباب العميقة للعنف، بل يمكنها أن تولد نتائج عكسية، بخلق عداوات جديدة وإعطاء مبرر لجماعات العنف المختلفة للتعاون معا لــ “مقاومة العدوان”.

ويشير “أمارتيا سن” إلى أن التقرير تطرق إلى ضرورة احتواء أي مشروع معقول من أجل إرساء السلام، لفكرة تعزيز الاحترام بالمعنى الواسع للكلمة، لأن احترام الناس لا يتطلب بالضرورة قبول وجهات نظرهم، كما لا يقتضي الإجماع للقيام بشيء مشترك.

وبما أن قيم الاحترام والتفاهم تقع في قلب ما أسماه “نهج الكومنولث” المتضمن لتقليد يقضي بإنجاز الأشياء بالحوار، حيث يكون لكل واحد الحق في الكلام، وفي أن يسمع، وفي أن يستشار للوصول إلى وجهة نظر مشتركة، وكذا الإيمان بعملية المشاركة وبقدرة الناس جميعهم، دون تمييز لما يؤمنون به أو للطريقة التي يتصرفون بها، على الإفادة من تلك العملية، فإن “أمارتيا سن”، يرى أن هيئة الكومنولث، رغم محاولتها البحث عن إجماع وتثمين للعملية التي أدت إلى الوصول إلى وجهة نظر مشتركة، إلا أنه يفترض فيها منطقيا أن تعرف الاحترام بالرجوع إلى الحقوق والمعاملة بالتساوي، وأن توسع التعريف أبعد من قضية العرق ليشمل كيفية التعامل مع الآخرين، مهما يكن عمرهم أو عرقهم أو نوعهم الاجتماعي أو جوانب أخرى من هويتهم، بإنصاف وكرامة.

 مضيفا أن النظر إلى الاحترام بهذه الطريقة يجعل مصطلح الاحترام يعكس المبادئ التي يمثلها الكومنولث المعاصر: حقوق الإنسان، الحريات، الديمقراطية، المساواة الجندرية، سيادة القانون والثقافة السياسية التي تعزز الشفافية والمساءلة والتنمية الاقتصادية.

وفي تحليلها لمفهومي الاحترام والتفاهم، خلصت الهيئة في تقريرها إلى أنه من أجل تأمين احترام أكبر وتفاهم أكبر، دون غض النظر عن التمييز الهائل والإيذاء، يمكن أن يتضمن توضيحا قابلا للفهم بأن الحكومة نفسها تدعم مبادئ احترام الأفراد بوصفهم بشرا، وأن لجميع الناس الحق في أن يعاملوا بعدل وبكرامة. وللحكومة أيضا بأن تقوم باعتماد سياسات تعالج انعدام العدل والظلم الهائل، والاعتراف بدور المجتمع الدولي في تشكيل قيم عالمية وتعزيز التغيير الإيجابي.

إن الإجراءات المتعلقة بالسياسة والتي تتخذ من أجل حماية المواطنين من الهجمات الإرهابية أو ما يسمى بــ “الحرب على الإرهاب”، خاصة تلك الاستراتيجيات المضادة للإرهاب والتي فرضت بسرعة بعد هجوم 11 شتنبر الإرهابي، والتي عززت كرها خاصا للذين يعتبرون مهاجرين في دول كثيرة، ولا سيما المهاجرين من أصل مسلم، كانت سببا في انسحاب مسلمين كثيرين من النقاش العام، في وقت كانت فيه حاجة إلى أصوات أكثر من المسلمين. فمع غياب الخطاب اللازم، والنقاش والتفاهم، كان ذلك كفيلا بأن يقسم الناس أكثر، فيما كان المطلوب مشاركة أكبر، وذلك من خلال الإفادة من الهويات الدينية بطريقة إيجابية جدا، مثلا، من خلال وضع مدونة أخلاقية، ومنهج حياة،  لأن إعطاء الهويات الدينية وزنا يفوق الهويات السياسية والاجتماعية، من شأنه أن يقلل من أهمية الجهد لتقوية المجتمع المدني وتماسك المجتمع. لقد تم التقليل من شأن الجوانب الغنية ثقافيا، عند اللحظة الخطأ بالتحديد، وهذا يسهل على المتطرفين العدوانيين الحصول على الدعم وكسب موطئ قدم في بلدان كثيرة.

إن هيئة الكومنولث لا ترى للإرهاب علاقة بالأنواع الأخرى من العنف، بل تعتبر الإرهاب  تكتيكا، وجريمة أيضا، وقد يستخدمه اليسار أو اليمين، والمتطرفون الشعبويون أو القوميون، علما أن الإرهاب يستخدم  العنف مع سبق الإصرار، قصد توفير مناخ من الخوف، مستهدفا الوصول إلى هدف أوسع من الضحايا الفوريين، إذ يمكن أن تكون للضحايا أهمية رمزية، لكن الهدف الفعلي ليس الضحية، بل الهدف هو “السلطة المسؤولة”.

يشار إلى أن كتب “أمارتيا سن”، أستاذ الاقتصاد والفلسفة، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، وميدالية أيزنهاور، ووسام الاستحقاق البرازيلي العلمي، قد ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، منها؛ الاختيار والرفاه الاجتماعي (1970)، عن اللامساواة الاقتصادية (1973-1997)، الفقر والمجاعات (1981)، الاختيار، والرفاه والقياس (1982)، الموارد، والقيم والتنمية(1984)

ولإحاطة أشمل بالموضوع، نحيل المهتمين من زوار موقع مجلة “الإحياء” على محتويات الكتاب، والتي جاءت على الشكل التالي:

القسم الأول: العنف والمجتمع المدني

القسم الثاني: مسارات مدنية للسلام

  تقرير هيئة الكومنولث في شأن الاحترام والتفاهم

أعضاء هيئة الكومنولث في شأن الاحترام والتفاهم

ملخص تنفيذي

الفصل الأول: لماذا الاحترام والتفاهم مهمان؟

الفصل الثاني: طبيعة العنف وتغذيته

الفصل الثالث: الفقر واللامساواة والإذلال

الفصل الرابع: التاريخ والظلامة والنزاع

الفصل الخامس: المشاركة السياسية

الفصل السادس: دور الإعلام والتواصل

الفصل السابع: الفئات الشابة والتربية

الفصل الثامن: تعددية الأطراف والنظام العالمي

الفصل التاسع: الطريق إلى الأمام

كلمة الختام: المقدمة الأصلية

رسالة تقديم للتقرير

أمارتيا سن

مصادر إضافية

الثبت التعريفي

ثبت الأعلام

المراجع

المصادر

فهرس عام

ذة فاطمة الزهراء الحاتمي

باحثة مساعدة بالوحدة البحثية للإحياء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق