مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

الرحلات المغربية إلى الديار الإفريقية

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد

 وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

 

إنجاز: يوسف أزهار*

إن المغاربة أصحاب رحلات كثيرة، وكانت وجهاتهم إلى الحجاز إما حجاجا أو طلابا للعلم، كما كانت وجهتهم أيضا إلى إفريقيا جنوب الصحراء طلبا للمعرفة أو التجارة، أو مهام سياسية، أو للسياحة، فحملوا معهم عاداتهم ومعتقداتهم إلى تلك البلاد، كما انتشرت كتبهم ولغتهم بها. وسأورد في هذا المقال بعون من الله بعض من أولائك الأعلام المغاربة الذين كانت وجهتهم إلى تلك البلاد الافريقية أو بلاد السودان كما كان يطلق عليها وقتئذ، والذين اشتهروا عند الغرب قبل العرب، وكانت رحلاتهم التي دونوها تناولت جوانب عديدة: الجانب الجغرافي، والجانب السياسي، والجانب الاجتماعي، والجانب الاقتصادي، وأولئك الأعلام هم: الشريف الإدريسي، ابن بطوطة الطنجي، ليون الإفريقي، أتناول عند ذكر كل واحد منهم الآتي: نبذة عن حياته، ولمحة عن رحلته، ثم مقتطف من رحلته.

الشريف الإدريسي (493 _560 هـ)[1] 

نبذة عن حياته: هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الإدريسي السبتي الصقلي، ولد بسبتة عام 493هـ، وكان التجأ إليها جده بعدما خلع من الملك، ورحل وهو صبي إلى قرطبة، هناك تلقى مبادئ العلوم، وشغف بالتجوال فساح في الأرض، ثم رحل إلى جزيرة صقلية تلبية لملكها روجرس الثاني، فوضع الإدريسي بطلب من ملك صقلية خريطة العالم التي تعد أهم خريطة صورت رسم البلاد والأقاليم، لكن الاضطربات التي عرفتها صقلية أثناء حكم غليوم الأول كانت السبب في عودة الشريف الإدريسي إلى سبتة، إذ بها وافته المنية عام 560هـ.

لمحة عن رحلته: رحل الشريف الإدريسي رحلة طويلة انتهت به إلى صقلية، فنزل على صاحبها روجار الثاني، وطلب منه هذا الملك وضع شيء في شكل صورة للعالم، فرسم له ما عاينه من البلدان على كرة من الفضة كانت منطلقا لكتابه الضخم المعروف بـ: نزهة المشتاق في اختراق الآفاق[2]، طار سيط هذا الكتاب في الآفاق، وكل من كتب عن الغرب من علماء العرب أخذ عنه، في حين اهتم به مجموعة من الدارسين بنشره وترجمته، وقد ألفه في خمسة عشر عاما، وأتمه سنة 548هـ، استهله بمقدمة في ذكر هيئة الأرض، وقسمها إلى سبعة أقاليم، وما يهمنا في هذا المقام هو الإقليم الأول، وهو موطنه وانطلاق رحلته، وهي القارة الإفريقية، وقد طبع مأخوذا من الكتاب المذكور، وعنون بـ: المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس[3]، كما نُشر هذا القسم بعنوان: أنس المهجم وروض الفرج –قسم شمال إفريقيا وبلاد السودان-[4] وقد قسم هذا الإقليم الأول إلى خمسة أجزاء، آخرها أرض الحبشة.

مقتطف من رحلته: يصف في رحلته التي دونها باسم: نزهة المشتاق في اختراق الآفاق بعض الأراضي الإفريقية وساكنيها، وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وما تزخر بها من موارد طبيعية، والمسافات الفاصلة بالأيام بين منطقة وأخرى، ويصفها فيقول: أكثر أرضها أيضاً رمال تنسفها الرياح وتنقلها من مكان إلى مكان، فلا يوجد بها شيء من الماء، وهذه البلاد كثيرة الحر حامية جداً، ولذلك أهل هذا الإقليم الأول والثاني وبعض الثالث لشدة الحر وإحراق الشمس لهم، كانت ألوانهم سوداء وشعورهم متلفلفة، بضد ألوان أهل الإقليم السادس والسابع[5].

وقال في موضع آخر: ومن مدينة ملل إلى مدينة غانة الكبرى نحو من اثنتي عشرة مرحلة في رمال ودهاس لا ماء بها، وغانة مدينتان على ضفتي البحر الحلو، وهي أكبر بلاد السودان قطراً وأكثرها خلقاً وأوسعها متجراً، وإليها يقصد التجار المياسير من جميع البلاد المحيطة بها ومن سائر بلاد المغرب الأقصى، وأهلها مسلمون، وملكها فيما يوصف من ذرية صالح بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو يخطب لنفسه، لكنه تحت طاعة أمير المؤمنين العباسي، وله قصر على ضفة النيل[6]، وأخذ في وصف قصر ملك غانة الكبرى وذكر شمائله.

تلك كانت نتفا من كلام الشريف الإدريسي، تحدث فيها عن رحلته إلى إفريقيا، وما رآه من عادات وعبادات ومعاشات تلك الأقوام، وهذا دال على ولعه بالسياحة في العالم.

 ابن بطوطة الطنجي (703_779)[7]

 نبذة عن حياته: هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم ابن بطوطة اللواتي الطنجي، ولد بطنجة سنة 703هـ، وفي نسبته لابن بطوطة كلام، فقد ذكر الأستاذ التازي رحمه الله في مقدمة تحقيقه لرحلة المترجم[8]، أن أصل كلمة: بطوطة ترجع إلى سيدة كانت تدعى: فاطمة، فتحولت في المشرق -تدللا- إلى بطة، مثل ابن بطة العكبري، وتسمى بطة في المغرب: بطوطة كسفودة، وليس الأمر كذلك -كما ذهب شادي حكمت ناصر في رسالته عن ابن بطوطة ورحلته[9]– إذ وضع احتمالا آخرا ادعى أنه مقبول، فلو أخذ بعين الاعتبار اجتماع القرينة اللغوية مع الشخصية، فهذا ابن الأعرابي ذكر أن البُطُط تعني: الأعاجيب، وقد اشتهرت رحلة مترجمنا بذكر العجائب والغرائب، وهو الدافع وراء تلقيبه بابن بطوطة. وقد خرج هذا الأخير من طنجة سنة 725هـ ، سائحا في الآفاق يبتغي المعرفة.

لمحة عن رحلته: لما اشتد عود ابن بطوطة، وبلغ ما يربو عن عشرين سنة، خرج من طنجة مسقط رأسه في عام 725هـ مريدا بيت الله الحرام، وزيارة قبر رسوله صلى الله عليه وسلم، ومر من بلاد: الأندلس، ومصر، والشام، والعراق، واليمن، والهند، والصين، ووسط إفريقيا، ثم انقلب إلى موطنه، وفيه أخذ يملي على ابن جزي الكلبي الغرناطي -توفي سنة 757هـ[10]– رحلته التي سماها: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، التي دونها بإشارة من السلطان أبي عنان المريني-توفي سنة 759هـ[11]-، كما ساهم في هذه الرحلة الوزير ابن وُدْرار -توفي سنة 758هـ[12]– وكان الفراغ من تقييدها سنة قبل وفاته، وذلك عام 756هـ، وكانت مدة ارتحاله خمسا وعشرين سنة، اعتنى بهذه الرحلة الدارسون بترجمتها إلى أكثر من لغة ونشرها أكثر من نشرة، وقد تحدث في الجزء الأول عن بلاد السودان، وملوكها، وأهلها، وعاداتهم، وعباداتهم، وأحوالهم، وثرواتهم، كما يسرد حكايات حصلت له أثناء رحلته وإقامته في بعض المناطق الإفريقية وهي حكايات عجيبة.

مقتطف من رحلته: انتقيت من كتاب تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار نصوصا أذكر الشاهد منها: ثم سافرنا من مراكش، صحبة الركاب العلي، ركاب مولانا أيده الله، فوصلنا إلى مدينة سلا، ثم إلى مدينة مكناسة العجيبة الخضرة النضرة ذات البساتين والجنات، المحيطة بها بحائر الزيتون من جميع نواحيها، ثم وصلنا إلى حضرة فاس -حرسها الله تعالى- فوادعت بها مولانا أيده الله، وتوجهت برسم السفر إلى بلاد السودان … ثم سافرت في غرة شهر الله المحرم سنة ثلاث وخمسين، في رفقة مقدمها أبو محمد يندكان المسوفي رحمه الله تعالى، وفيها جماعة من تجار سجلماسة وغيرهم. فوصلنا بعد خمسة وعشرين يوماً إلى تَغَازَى، وهي قرية لاخير فيها، ومن عجائبها أن بناء بيوتها ومسجدها من حجارة الملح، وسقفها من جلود الجمال، ولا شجر بها، إنما هي رمل في معدن الملح[13].

ثم أخذ في وصفه طريق رحلته وما يقع له: ثم سرنا من زاغري فوصلنا إلى النهر الأعظم، وهو النيل وعليه بلدة كَارْسَخُو، والنيل ينحدر منها إلى كَابرَة، ثم إلى زَاغَة، ولكابرة وزاغة سلطانان يؤديان الطاعة لملك مالي، وأهل زاغة قدماء في الإسلام، ولهم ديانة وطلب للعلم، ثم ينحدر النيل من زاغة إلى تنبكتو، ثم إلى كوكو، وسنذكرهما، ثم إلى بلدة مُولِي من بلاد الليميين، وهي آخر عمالة مالي، ثم إلى يُوِفي واسمها، وهي من أكبر بلاد السودان، وسلطانها من أعظم سلاطينهم[14].

وعند ذكره لسلطان مالي: وهو السلطان منسى سليمان، ومَنْسَى معناه السلطان، وسليمان اسمه وهو ملك بخيل لا يرجى منه كبير عطاء، واتفق أني أقمت هذه المدة ولم أره بسبب مرضي، ثم إنه صنع له طعاماً برسم عزاء مولانا أبي الحسن رضي الله عنه، واستدعى الأمراء والفقهاء والقاضي والخطيب، وحضرت معهم فأتوا بالربعات وختم القرآن، ودعوا لمولانا أبي الحسن رحمه الله، ودعوا المنسى سليمان، ولما فرغ من ذلك، تقدمت فسلمت على منسى سليمان، وأعلمه القاضي والخطيب وابن الفقيه بحالي، فأجابهم بلسانهم فقالوا لي: يقول لك السلطان: اشكر الله فقلت: الحمد لله، والشكر على كل حال[15].

هكذا كان حال الرحالة ابن بطوطة ففي كل قرية يقيم بها يذكر حياة أهلها وحكاياتهم، وما يصادفه من الأحداث.

ليون الإفريقي (888_ بعد 957هـ) [16] 

نبذة عن حياته: هو الحسن بن محمد الوزان الغرناطي الفاسي المعروف بليون الإفريقي، رحل مع أسرته إلى فاس، وقد كان من أسرة كثيرة الرحلات، فقد صحب أباه وهو صغير إلى عديد من الدول، واكتسب تجربة واسعة في العلاقات الدبلوماسية، بفضل هذه التجربة التي راكمها قربه منه سلطان فاس آنذاك محمد بن محمد الشيخ بن أبي زكرياء الوطاسي، المعروف بأبي عبد الله البرتغالي توفي سنة 932هـ[17]، ثاني ملوك الدولة الوطاسية بفاس، بويع سنة 910هـ، وأسند إليه مهام الدولة في حقبة حرجة عرفتها المنطقة، وفي سنة 926هـ أثناء عودته من البلاد الليبية والتونسية إلى المغرب بحرا أسره قراصنة إيطاليون فسلموه إلى ليون العاشر، فحمل اسمه، ولقبوه كذلك بيوحنا الأسد الغرناطي أو الإفريقي، وقد قضى زهاء ثلاثين سنة في إيطاليا يدرس اللغة العربية، وفي سنة 957هـ التحق بتونس، وبعد هذه السنة توفي رحمه الله.  

لمحة عن رحلته: رحل حسن الوزان إلى إفريقيا، صحب فيها عمه الذي كان مكلفا عام 917هـ بسفارة بين ملك فاس محمد الوطاسي البرتغالي وملك سنغاي محمد أسكيا الكبير[18]، وقد سلكوا في الذهاب الطريق الغربي عبر مراكش ودرعة، وأخذوا في الرجوع طريق سجلماسة-فاس.

وقد دوَّن الرحالة حسن الوزان هذه الرحلة فعنونها بـ: وصف افريقيا، ألف الكتاب بالعربية، ثم ترجمه إلى الإيطالية أتمه عام 933هـ، وقد اعتمد في كتابه على ما علق بذهنه أثناء زيارته عام 917هـ، وهذا الكتاب هو القسم الثالث من كتابه الكبير الجغرافيا العامة.

مقتطف من رحلته: هذه مسيرة حسن الوزان منتقاة من كتاب وصف إفريقيا موضوع مقالنا المعنون أعلاه: سرنا في النهر شرقا من تمبكتو واتبعنا مجرى المياه إلى مملكة جني ومملكة مالي، وكلتاهما واقعتان غربي تمبكتو، وأجمل أرض السودان ما امتد منها على طول مجرى النيجر … ويحكم هذه البلاد رئيس من نوع الشيوخ يسميه الايطاليون: بريطي جياني، ومعظم السكان من النصارى، إلا أن أميرا مسلما يملك إقليما شاسعا في اثيوبيا[19].

وقد قسم إفريقيا أو أرض السودان: تنقسم بلاد السودان إلى ممالك نجهل بعضها لبعدها عن تجارتنا، لذلك لن أتعرض إلا للبلاد التي ذهبت إليها وترددت عليها كثيرا، أو التي كان التجار يأتون منها إلى البلدان التي زرتها، فيبيعون بضائعهم ويزودونني بمعلومات عنها، ولا أكتم أني زرت خمس عشرة مملكة من أرض السودان، وفاتني ثلاثة أضعافها لم أزرها، وكل منها معروف ومجاور للممالك التي كنت فيها[20].

تلك كانت بعض الأحداث التي تحدث عنها حسن الوزان في اتجاهه إلى إفريقيا جنوب الصحراء تظهر مدى تجواله في هذه البلاد الشاسعة.

ختاما إن هذه الرحلات وغيرها أسهمت في إغناء الخزينة المعرفية للقارة الإفريقية، فأصبحت مصادر لعديد من الدارسين والمهتمين بالشأن الإفريقي، وهنا نلحظ الدور الكبير الذي قام بها المغاربة في توثيق تاريخ وجغرافية إفريقيا.

********************

                                                    هوامش المقال:

[1] – انظر مصادر ترجمته في الأعلام للزركلي (7 /24)، دار العلم للملايين، ط: 5، 1980.

[2] – نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، مكتبة الثقافة الدينية، 1422 /2002 مصورة.

[3] – مطبعة بريل، ليدن، 1863.

[4] – تحقيق: د/الوافي نوحي، منشورات الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، 2007.

[5] – نزهة المشتاق في اختراق الآفاق (1 /18 ).

[6] – نزهة المشتاق في اختراق الآفاق (1 /23 ).

[7] – انظر مصادر ترجمته في مقدمة تحقيق تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، منشورات أكاديمية المملكة المغربية، 1417 /1997.

[8] – تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (1 /80).

[9] – رسالة ماجستير: ابن بطوطة وصناعة أدب الرحلة: نسيج الواقع والخيال(ص:14_16)، الجامعة الأمريكية في بيروت، 2003.

[10] – ترجمته في الأعلام للزركلي (7 /37).

[11] – ترجمته في الأعلام للزركلي (5 /127).

[12] – مقدمة تحقيق تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (1 /78).

[13] – تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (4 /239).

[14] – تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (4 /249).

[15] – تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (4 /255).

[16] – انظر مصادر ترجمته في مقدمة كتاب وصف افريقيا (ص: 5-6) ترجمه عن الفرنسية: د/محمد حجي، ود/محمد الأخضر، عن نشرة دار الغرب الإسلامي، تونس، ط2: 1983.

[17] – ترجمته في الأعلام للزركلي (7 /56).

[18] – انظر عنه فاي منصور علي في أسكيا الحاج محمد وإحياء دولة السنغاي الإسلامية (889 – 935هـ)، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس، الطبعة الأولى (ص: 13-14).

[19] – وصف افريقيا (ص: 30).

[20] – وصف افريقيا لليون (ص: 33).

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق