وحدة الإحياءقراءة في كتاب

الثورة الرابعة.. كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني؟

صدر العدد 452/2017 من سلسلة كتاب “عالم المعرفة” التي دأب المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت على نشرها، منذ يناير 1978. وقد انصب موضوع هذا العدد حول “الثورة الرابعة.. كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني” من تأليف لوتشيانو فلوريدي، وترجمة لؤي عبد المجيد السيد. يقع الكتاب، ذو الحجم المتوسط في300 صفحة، متضمنا مقدمة وعشرة فصول.

استهل لوتشيانو فلوريدي، أستاذ فلسفة وأخلاقيات المعلومات في جامعة أكسفورد، مؤلفه هذا، بطرح العديد من الإشكاليات الفلسفية التي تمحورت حول موضوع ثورة المعلوميات، وما يكمن وراءها، والبحث عن منظور موحد يمكن من خلاله تفسير كل الظواهر التي تناولها بالتحليل، على أنها جوانب مختلفة لتوجه واحد كبير وشامل، موضحا أن صعوبة الإجابة عن هذا السؤال، تكمن في نظرتنا إلى المعلومات والاتصالات على أنها أدوات للتواصل والتفاعل، في حين يرى فلوريدي أنها أصبحت قوى بيئية وأنثروبولوجية واجتماعية وتفسيرية، تخلق وتشكل واقعنا الفكري والمادي، وتغير فهمنا لذواتنا أيضا.

لقد حاول فلوريدي شرح وتحديد بعض القوى التكنولوجية العميقة المؤثرة في الحياة، وفي المعتقدات وفي كل ما يحيط بالفرد، مبرزا إيمانه ببداية ثورة ثقافية شاملة مدفوعة إلى حد كبير بتكنولوجيات المعلومات والاتصالات، لتنقل هذا العالم من مرحلة ما قبل التاريخ، إلى التاريخ المفرط، مرورا بمرحلة التاريخ، حسب تصنيفاته.

وكباقي الكتب الفلسفية ذات الأسئلة الجذرية والإشكالية، فإن المؤلَّف يناقش العديد من التساؤلات المرتبطة بموضوع التكنولوجية والاتصالات ومدى تأثيرها على الحياة البيئية والاجتماعية مستقبلا، ساعيا إلى توضيح هذه الإشكاليات ومعالجتها، من قبيل الاستفادة القصوى من منافع تكنولوجيا المعلومات مع الحرص على تجنب عواقبها، تشجيع ورعاية التحولات التكنولوجية الأفضل، ومدى مساعدتها وزيادة المقدرة لدى الفرد دون تقييده، رابطا هذه الأمور بضرورة التوصل إلى نهج فعال لتحدي المشاكل التي تطرحها ثورة المعلومات.

وقبل هذا، وقف المؤلف على واقع التحولات التي طالت تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، ومدى تسببها في قصور المفاهيم، الواقع الذي دفع به إلى ضرورة إيجاد فلسفة تستوعب طبيعة المعلومات بشكل أفضل، توجه الأثر الأخلاقي لهذه التكنولوجيات على الفرد وعلى بيئته، وتحسن من الديناميات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمعلومات، ولن يتأتى كل هذا، إلا بما أسماه فلسفة المعلومات، باعتبارها فلسفة تخص العصر.

من بين الفصول العشرة للكتاب، خص فلوريدي، الفصل الخامس لفهم الذات والثورات الأربع، وهو ما يحيلنا على عنوان المؤلَّف ” الثورة الرابعة.. كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني”، مستعرضا خلاله، وبشكل سريع، كيف للثورات الثلاث السابقة، والتي قادها كل من كوبيرنيكوس، داروين وفرويد، أن غيرت من مفهوم الأشخاص للعالم الخارجي، وكذا فهمهم لذواتهم.

فهذه الذات البشرية حسب فلوريدي أصبحت تعهد بذاكرتها وقراراتها والمهام الروتينية التي تقوم بها في حياتها اليومية إلى عناصر وسيطة اصطناعية، من شأنها أن تصبح متكاملة مع هذه الذات، بل تتجاوزها أحيانا لأنها تفوقها ذكاء وأداء، إلا أنها تفقدها الحماية والخصوصية “المعلوماتية” بالذات، بالنظر إلى أن شاشة الحاسب تعد بمثابة نافذة على حياة الفرد عبر الانترنت، ترصده وتراقبه طوال الوقت، الوضع الذي جعل من الأشياء الخاصة في مجتمع المعلومات، أن تصبح عامة رغم عدم التصريح بها.

ويوضح أيضا كيف أن اندماج الفرد في الغلاف المعلوماتي، جعل من حياته حياة دائمة الاتصال، أو كما أسماها “حياة الإنترنت، كونها تحدد مختلف مناحي الحياة من حيث طبيعة النشاطات، وطريقة التفاعل والتعامل مع عوالم المال والقانون والسياسة… وهو ما دفع المؤلف إلى المطالبة بضرورة  إضافة مصطلح “إليكترونيا” إلى المذهب البيئي للتعامل بنجاح مع التحديات الجديدة التي تفرضها التكنولوجيات الرقمية ومجتمع المعلومات.

ويعتبر المؤلف أن الثورة الرابعة استطاعت أن تخرج إلى النور الطبيعة المعلوماتية المتأصلة في هوية الإنسان، وساعدته على فهم نفسه بشكل أفضل، على أنه كائن حي معلوماتي من نوع خاص، غيرت التكنولوجيات جوهره، عبر استحداث وإعادة هندسة واقعه، وخلعت وأعادت تقييم جوهر طبيعته ودوره الأساسي في الكون.

هذا الواقع هو الذي جعل الكاتب يعتبر أن البشرية تعرف هجرة تاريخية غير مسبوقة، من فضاء نيوتوني مادي، إلى بيئة إنفوسفيرية جديدة، منبئة بجيل يعاني الاضطراب والاعتلال والصدمة النفسية، كلما انقطع اتصاله بالإنفوسفير.

يشار إلى أن كتاب” الثورة الرابعة.. كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني”، لصاحبه لوتشيانو فلوريدي، قد صدر في نسخته الأصلية باللغة الإنجليزية، سنة 2014، وطبعت منه ثلاثة وأربعون ألف نسخة.

ذة فاطمة الزهراء الحاتمي

باحثة مساعدة بالوحدة البحثية للإحياء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق