مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

التفسير الصوفي الإشاري من خلال نموذج لطائف الإشارات للقشيري (8)

 

ذ. عبد الرحيم السوني.

باحث بمركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك.      

يتضح، إجمالا، أن تفسير القرآن الكريم تفسيرا إشاريا كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته التابعين كما كان ولا زال ممارسة حية موجودة عند الصوفية الذين ورثوا هذا النوع من التفسير.

إن الإشكال الذي يمكن أن يطرح في هذا الإطار هو لماذا تميز الصوفية بتفسير القرآن الكريم تفسيرا إشاريا؟ هل كان ذلك مجرد رغبة في التميّز وحبا في الظهور؟ أم أن المسألة تفرض نفسها عليهم بحكم طبيعة التجربة الدينية التي يخوضون غمارها، ويتغلغلون في مسالكها؟

وإن كنا على وعي تام بأن الإجابة عن هذا الإشكال يتطلب منا بحثا مستقلا قائما بذاته فإننا نشير إشارة عابرة إلى أن طبيعة النص القرآني تحتم ضرورة على الإنسان القارئ أن يرى ما وراء حجاب اللغة للظفر بالمعاني المطلقة والمتجددة المستترة وراءها. فالصوفية يرون أن معاني القرآن متعددة ومتجددة بشكل لا نهائي وبالتالي يتعين عليهم السعي وراءها بكل ما أوتوا من قوة النظر العقلي و الذوق القلبي والصفاء الروحي حتى يتحققوا بمعنى كون القرآن صالحا لكل زمان و مكان. كما ينبغي أن نضيف إلى ذلك أن طبيعة اللغة كما أصبح معلوما لذا المهتمين بقراءة النصوص والخطابات الإنسانية تحتم على القارئ بصفة عامة أن يمارس نوعا من التأويل لتوسيع اللغة وجعلها وسيلة مرنة تقبل أن تحمل المعاني الجديدة التي لا تطفو على ظاهر اللفظ.

وإذا أضفنا إلى كل هذا أن الصوفي الذي يكابد تجربة روحية يواجه فيها المتكلم في النص القرآني ويتلقى منه الخطاب مباشرة، يكون في موقع يجعله يؤول النص القرآني ويفسره تفسيرا جديدا بجدة ما يرد عليه من الموارد التي تحصل له بفعل التقرب والتخلق بهذه الآية أو تلك. وهو ما يحيلنا إلى أن التجربة التفسيرية الصوفية الإشارية تجربة أصيلة ومضبوطة وهو ما سنتأكد منه أكثر من خلال النماذج التي سنقدمها من كتاب لطائف الإشارات الذي جعلناه نموذجا للدراسة، لكن قبل ذلك لابد أن نأخذ فكرة عن هذا التأليف وما يتضمنه من معاني إشارية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق