وحدة الإحياءدراسات محكمة

التراث العلمي الإسلامي من الإمداد إلى الاستمداد .. دراسة في صلة أصول الفقه بالمنطق

تبحث هذه الدراسة في سؤال الإمداد والاستمداد في التراث العلمي الإسلامي، ويعتبر منهج النظر الأصولي من أهم ما أنتجه العقل المسلم، بالنظر إلى خصوصيته واستقلاليته، وباعتباره منهجية في النظر والبحث، وقد قللت آراء مختلفة من كفاءة هذا العلم الذاتية، بكونه قائما على القواعد المنطقية واستمداد فلسفته المنهجية من الفلسفة اليونانية. تأتي هذه الدراسة للتحقيق في زعم تأسيس المنهج الأصولي على القواعد والمبادئ المنطقية، مع إجراء مرافعة معرفية ومنهجية لرصد العلاقة المنهجية بين العلمين على عهد الغزالي، الذي أشيع عنه مزج النظر الأصولي بقواعد المنطق.

في سؤال الدراسة

يزخر تراثنا العلمي بثراء معرفي متنوع أسهم في تشكيل وتطوير العقل الإسلامي، وأنجب عددا من العلماء الذي أثروا بإنتاجاتهم تاريخنا العلمي في سياقنا الثقافي ومجالنا الحضاري، ومن خصوصيات هذا الثراء ذلك الجمع القويم والمفيد بين المصادر النقلية في المعرفة والبناء، وبين القواعد العقلية في التفكير والإنتاج.

ومن أهم ما أنتجه العقل المسلم منهج النظر الأصولي بالنظر إلى خصوصيته واستقلاليته، وباعتباره منهجا في النظر المعرفي في العلوم الإسلامية والإنسانية عموما، وقد تواترت آراء فكرية متأخرة وحديثة وحتى معاصرة على التقليل من قيمة هذا العلم، بكونه قائم على القواعد المنطقية واستمداد فلسفته المنهجية من الفلسفة اليونانية.

 تحاول هذه الدراسة بحث مسألة زعم تأسيس المنهج الأصولي على القواعد والمبادئ المنطقية في شقها الصوري، كما تحاول إجراء مرافعة معرفية ومنهجية لتبريء الدرس الأصولي الأول من هذه الدعوى، ورصد المراحل التاريخية التي أرخت لمسألتي الإمداد والاستماد بين النظر الأصولي والمنطق اليوناني.

في سوابق الدراسة

لا أخفي أنني مسبوق إلى هذا التحقيق في هذه المغالطة من قبل دارسين محققين، على رأسهم الدكتور علي سامي النشار في فريدته “مناهج البحث عند مفكري الإسلام”، الذي أبان فيها بدقة علمية على الروح المتميزة والمستقلة للنظر الأصولي في المعرفة الإسلامية، وباحثا عن أوجه التميز المنهجي والمعرفي لعلم أصول الفقه واستقلاله بذاته في خدمة تراث العلوم الإسلامية كلها، غير أن محاولتي هاته ترغب في تعضيد هذه الحقيقة من مداخل أخرى إبستولوجية معرفية تبحث في طبيعة العلوم الإسلامية وفلسفة تأسيسها. وبحث العلاقات التأسيسية لتلك العلوم مع بيان استحالة استنادها إلى غيرها في القيام بذاتها. وهذا ملحوظ على طول تاريخ العلوم الإسلامية.

في تحرير السؤال

إن تحرير سؤال الاستقلالية والتميز في الدرس الأصولي سلك ثلاثة مسالك:

1. المسلك التاريخي؛ أي الرصدي والتطوري ويمثله الشيخ مصطفى عبد الرزاق في كتابه “التمهيد لتاريخ الفسلفة الإسلامية”، وهو الطريق الذي سلكه ابن خلدون في مقدمته من قبل.

2. المسلك البنيوي؛ أي الداخلي التداولي ورائده الدكتور علي سامي النشار في كتابه المذكور، وهو معتمد المدرسة التيمية سلفا وخصوصا في كتابيه “نقض المنطق” و”الرد على المنطقيين”.

3. المسلك الابستمولوجي؛ العلائقي أي في طبيعة العلاقات القبلية لأصول الفقه مع مجالاته الأولى؛ الفقه والتفسير والنحو والكلام، وكذا البعدية مع المنطق، إبان تأسيس عمران الدرس الأصولي، وتحديدا المرحلة الشافعية، وهو المسلك الذي ما أعلم دراسة عميقة اعتمدته مدخلا في تحرير المسألة.

سأشير إلى أهم خلاصات المسلكين الأولين بين ثنايا هذه الدراسة مجربا اقتفاء المسلك الثالث في محاولتي المدخلية هاته.

أولا: في التأسيس الطبيعي للدرس الأصولي

إن الطبيعة الأداتية والاستعمالية لعلم أصول الفقه تؤرخ بدقة لنشأته الأولى، كما تؤسِّس، أيضاً، للوجود الفعلي لمجاله العملي علم الفقه، وهذا شأن كل العلوم التقعيدية التي تبحث في مبادئ وأصول الحقول العلمية المرتبطة بمجالاتها التطبيقية، لذلك فإن ظهور المنهجية الأصولية ونشأتها عبر تاريخ المعرفة الفقهية تقوم على شروط معرفية تخص الجانب التنزيليّ والتطبيقيّ لعلم الفقه.

قبل تدوين رسالة الشافعي، لم يكن هناك علم بالمعنى الحقيقي المركّب، اسمه علم أصول الفقه، هذا إذا استثنينا الحديث عن بعض الإشارات واللمحات التي توحي ضمنياً ببدايات ولادة هذا العلم.

إن المتأمل في تاريخ الوضع الأصولي وبداياته الأولى، سيقف بقوة على بعض العلل الحقيقية التي كانت وراء ظهور الرسالة، التي جاءت لتؤسس لطفرة منهجية تروم تقويم الوضع العلمي الأصولي بكل أبعاده، الناجم عن غياب قانون عام موحّد، تبنى عليه الأفهام والمدارك للخطاب الشرعي.

وسأقف عند أهم الأسباب الحقيقية المباشرة، التي كانت وراء تدوين كتاب الرسالة، باعتباره العمل العلمي المنهجي الذي تثبت به استقلالية علم أصول الفقه العلمية والمنهجية، لتنهار معه دعاوى التأسيس المنطقي لهذا العلم واستمداده من القواعد المنطقية، لأنه بالوقوف عندها تسعفنا حتما في رسم الحدود بين الحقلين.

ـ العامل المنهجي؛ ويتمثل في محاولة تصحيح الوضع الأصولي، إذ لم يكن البحث الفقهي وتخريجاته منذ بداياته الأولى قائماً على تصورات اعتباطية، وتأملات خاصة تحتكم إلى رؤى مختلفة عند كل فقيه، بل إن المسالك الاجتهادية والقواعد الأصولية المعتبرة في التخريج الفقهي كانت متضمّنة، ولا تخرج عن السياق العام الذي خلَّفته مرحلة النص والوحي الأولى، إلا أن بروز الاختلاف الفروعي، وظهور المذاهب الفقهية أكد بوضوح وجود اختلافات بين الفقهاء الأصوليين في البنية الأصولية المعتمدة، وحدوث تباينات في الأسس التي بنيت عليها الأحكام، الشيء الذي يفسر نزوع الإمام الشافعي إلى البحث عن منهجية تملأ ذلك الفراغ المنهجي؛ لتوحيد الآراء والاجتهادات. يقول الإمام الدهلوي:” نشأ الإمام الشافعي في أوائل ظهور المذهبين، وترتيب أصولهما وفروعهما، فنظر في صنيع الأوائل فوجد فيه أموراً كَبَحَتْ عنانه عن الجريان في طريقهم، وقد ذكرها في كتاب الأم.

منها: أنه وجدهم يأخذون بالمرسل والمنقطع فيدخل فيها الخلل، فإنه إذا جمع طرق الحديث، يظهر أنه كم من مرسل لا أصل له، وكم من مرسل يخالف مسنداً، فقرر أن لا يأخذ بالمرسل إلا عند شروط، وهي مذكورة في كتب الأصول.

ومنها: أنه لم تكن قواعد الجمع بين المختلفات مضبوطة عندهم، فوضع لها أصولاً، ودوَّنـها في كتاب، وهذا أول تدوين كان لأصول الفقه”[1].

وقال الفخر الرازي مبرزاً أهمية الرسالة في تقويم الوضع الأصولي: “الناس كانوا قبل الشافعي يتكلمون في مسائل أصول الفقه، ويستدلون ويعترضون، ولكن ما كان لهم قانون كلي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة، وفي كيفية معارضتها، وترجيحاتها، فاستنبط الشافعي، رحمه الله، علم أصول الفقه، ووضع للخلق قانوناً كلياً يُرجَع إليه في معرفة مراتب أدلة الشرع”[2].

إن هذا العامل يرشدنا إلى طبيعة المنهج السائد والمعتمد في التخريج الفقهي عهد الشافعي، وهو منهج خاص وذو أبعاد خاصة، ما كان للشافعي إلا استنباطه واستخراجه تقعيدا من المجال التداولي الفقهي والمذهبي حينئذ. وليس بإمكانه الخروج عن الطبيعة المجالية واستعارة منهجية أخرى غريبة كالمنطقية مثلا؛ لأن العقل الفقهي المعاصر سيتحاشى التعامل معه ولا يوليه العناية التي حظي بها.

ـ العامل العلمي؛ ويبدو في تصحيح الوضع الفقهي؛ لأن الأحكام المخرَّجة بناء على اجتهادات الأئمة نتيجة استثمار الأصول المعتمدة في ذلك، وكلما كان تعدد في المسالك الأصولية وطرق الاستنباط تعددت الحصيلة الفقهية وما يترتب عنها من فروع وجزئيات؛ لأن الاختلاف في الأصول سيؤدي حتماً إلى اختلاف في الفروع.

ولعل الإمام الشافعي قد عاش مرحلة الازدهار المذهبي، وتطور الخلاف الفقهي؛ إذ “بقدر ما كان الشافعي منزعجاً لاندفاع أهل الرأي وأصحابه في تحكيم العقل العملي في قضايا الدين والأمة، كان انزعاجه من فقهاء الحجاز والشام تمسكهم بكل معروف ومتداول؛ باعتباره سنة من سنن المسلمين يبلغ بهم التقديس له، والتشبت به، حدَّ تحكيمه في النص القرآني فهماً وتطبيقاً”[3]..

 فكان هذا الوضع في نظره لا يتم معالجته و إصلاحه إلا بالنظر في القواعد الأصولية المستثمرة، وتأسيس مبادئ علمية ينبغي احترامها واتخاذها قانونا يُحتكَم إليه في استنباطات الفقهاء واجتهاداتهم: “وكان طبيعياً أن يجول بخاطر الإمام الشافعي موضوعات معينة، متمثلة فيما كان مثار اختلاف ونزاع بين المدرستين، حملته فيما بعد، عندما واتته الفرصة على تدوينها؛ لتثبيت وترسيخ أصول الاستنباط الصحيحة الراجحة، ونفي الدخيل العقيم، ومناقشة المختلف منها”[4].

إن وضع مسلك أصولي قائم على قواعد ومبادئ عامة عند الشافعي لا يعني سده للاختلاف والتعددية في الآراء الفقهية، وإنما في ذلك قطع لدابر الخلاف المحموم، ومحاولة لترشيد الاجتهاد وفق قواعد عامة متفق عليها، ولا ينصرف إليها الخلل والتأويل المذموم؛ لذلك نجده يجيب عن سؤال الاختلاف بقوله: “كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على سنن نبيه منصوصاً بيننا لم يحِلَّ الاختلاف فيه لمن علمه، وما كان من ذلك يحتمل التأويل، ويُدرَك قياساً فذهب المتأول أو القائس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، وإنما خالفه فيه غيره، لم أقل إنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص”[5].

كما أن التصحيح الفقهي، وتقويم الاجتهادات في الفروع يتطلبان النظر في شرط جهة العلم، حسب الشافعي؛ لأنه الكفيل بامتلاك ناصية القول في الحرام والحلال، يقول: “على أنه ليس لأحد أن يقول في شيء حل، ولا حرم، إلا من جهة العلم، وجهة العلم الخبر في الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس”[6].

واختلال هذا الشرط في كثير من الحالات في ميدان الفقه والاجتهاد، هو الذي دفعه إلى توجيه انتقاد شديد لمن تقلد الكلام في باب الفقه، دون اعتبار للشروط الضرورية لذلك: “وقد تكلم في العلم، من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه، لكان الإمساك به أقرب من السلامة له إن شاء الله”[7].

ـ العامل اللغوي؛ ويتحدَّد في تقويم اللسان العربي، لا شك أن قوة عارضة الإمام الشافعي في علوم اللغة، أهَّلته إلى الوقوف على أهمية اللغة في تقوية الأنظار الفقهية وترشيدها؛ حتى لا تجانب الصواب في اجتهاداتها العلمية، وهو الشيء الذي طالما نبَّه إليه في أكثر من مناسبة، معتبراً الإحاطة بلسان العرب شرطاً ضرورياً في إيضاح علم الكتاب وانتفاء الشبه الدخيلة، فقال بعدما بَيَّنَ حال نزول القرآن عربيا: “إنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره؛ لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب، وكثرة وجوهه، وجماع معانيه وتفرقها، ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها”[8].

فالتمكن من العربية، واستيعاب أساليبها المتنوعة والمختلفة، والإحاطة بقواعدها عند الشافعي، هو المدخل الرئيس إلى البحث الاجتهادي والفهم الشرعي؛ لذلك نجده قد ركز عليه في الرسالة مُذكِّراً بأهميته وخطورته، كما أن البعد اللغوي الذي تتميز به قواعد تفسير النصوص الشرعية يزيد من قيمة، وضرورة قوامة اللسان العربي عند المجتهد؛ ليسهل عليه فهم الخطاب الشرعي، وإدراك معانيه ومقاصده، يقول الإمام الشافعي: “ومن جماع علم كتاب الله: العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب، والمعرفة بناسخ كتاب الله ومنسوخه، والفرض في تنزيله، والأدب والإرشاد والإباحة، والمعرفة بالموضع الذي وضع الله به نبيه من الإبانة عنه، فيما أحكم فرضه في كتابه، وبيَّنه على لسان نبيه، وما أراد بجميع فرائضه؟ ومن أراد؟ أكل خلقه أم بعضهم دون بعض؟ وما افترض على أناس من طاعته، والانتهاء إلى أمره، ثم معرفة ما ضرب فيها من الأمثال الدوال على طاعته المبينة لاجتناب معصيته، وترك الغفلة عن الحظ، والازدياد من نوافل الفضل”[9].

 وقال أيضاً: “فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها، على ما تعرف من معانيها اتساع لسانها، وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عاماً ظاهراً يراد به العام الظاهر، ويستغنى بأول هذا منه عن آخره، وعاماً ظاهراً يراد به العام ويدخله الخاص، فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه، وعاماً ظاهراً يراد به الخاص، وظاهراً يعرف سياقه أنه يراد به غير ظاهره”[10].

ثم يستنكر الإمام على الناظر في علوم الشريعة دون معرفة اللغة العربية وأسرارها، ويوجه انتقاده الشديد للمخطئ في ذلك مع علمه بقصور ملكته اللغوية، فقال: “ومن تكلف ما جهل، وما لم تثبته معرفته، كانت موافقته للصواب، إن وافقه من حيث لا يعرفه، غير محمودة، والله أعلم، وكان بخطئه غير معذور، إذا ما نطق فيما لا يحيط علمه الفرق بين الخطأ والصواب فيه”[11].

وبذلك يظهر التشكل اللغوي البارز عند الفقهاء والأصوليين عهد الشافعي، وهي اللغة التي أسس عليها أصول الفقه في رسالته، واللغة هي الوعاء الحقيقي والكامل للنظر الأصولي؛ لأن “غالب ما صنف في أصول الفقه من الفنون، إنما هو من المطالب العربية، التي تكفل المجتهد فيها بالجواب عنها”[12]، ثم لكونه يمتح من المعين القرآني دلالاته ومعانيه. واللغة المنطقية اليونانية المترجمة سوف تعجز عن استيفاء النظر في الأصول خلال هذه المرحلة؛ لأنها مغايرة كل المغايرة كما ستظهر في المباحث المقبلة.

ـ العامل المقصدي؛ ويظهر في غايته الرامية إلى تطوير الاجتهاد وآلياته، ويمكن استجلاؤه من خلال توجيهاته العلمية في طرق الاستنباط في مسالك القياس، وتنبيهاته الأصولية على وجود خللٍ ما في اعتبار الشروط الاجتهادية المرتبطة بالمجال التداولي الأصولي في تلك المرحلة، الشيء الذي يتطلب من الإمام الشافعي محاولة توضيح الرؤية لإعادة النظر في تلك الشروط بدقة علمية.

ولعلَّ من دواعي ذلك تغيير الواقع الاجتهادي، ومراجعته بالدعوة إلى تفعيل الاجتهاد وتقويته، يقول رحمه الله: “فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله في استدراك علمه، نصاً واستنباطاً، والرغبة إلى الله في العون عليه، فإنه لا يُدرَكُ خير إلَّا بعونه.

فإنَّ من أدرك علم أحكام الله في كتابه، نصاً واستدلالاً، ووفقه الله للقول والعمل بما علم منه فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الرِّيَب، ونورت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين وضع الإمامة”[13].

بل أكثر من ذلك؛ فإن من وجوه البيان في الشريعة وجهاً اعتبره الشافعي موقع إلزام، وفرضاً لا يليق بالمسلم تركه، فقال بعد ذكر الوجوه الأولى: “ومنه ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد، كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم”[14]؛ لذلك كان تصنيف الأصوليين لعلم الأصول ضمن العلوم الوظيفية الشريفة التي يُعتمَد عليها في الاجتهاد والبحث عن الأحكام العملية، يقول الأسنوي: “إن أصول الفقه علم عظم نفعه وقدره، وعلا شرفه وفخره؛ إذ هو مثار الأحكام الشرعية، ومنار الفتاوى الفرعية التي بها صلاح المكلفين، معاشاً ومعاداً، ثم إنه العمدة في الاجتهاد، وأهم ما يتوقف عليه من المواد، كما نص عليه العلماء، ووصفه به الأئمة الفضلاء”[15].

وعموماً فإن الإمام الشافعي جاء ليرسيَ قواعد تنظيم الاجتهاد، وتوجيه العلماء نحو تطوير الفقه؛ ليواكب التطورات والمستجدات، على أن الجهد الذي انصب في الرسالة تمحور حول تصنيف الأصول وترتيبها من دون الخروج على الاستشهاد المستمر بالمسموع؛ أي الدوران في نطاق المعنى النصي من غير شطط[16]، ثم بناها على خطوات تروم وضع قواعد يلتزم بها الفقيه في تفسير النصوص الشرعية؛ كي تسلم اجتهاداته من مجانبة الصواب.

إن كل هذه العوامل العلمية المعتبرة في طبيعة علم الفقه، والمنهجية المرتبطة بتفتق علم أصول الفقه، والذاتية المتمركز في شخصية الشافعي الفقهية والمذهبية، والموضوعية الخاصة بالواقع العلمي والمذهبي، لا تشجع إطلاقا على الميل ابتداء إلى فرضية الاستمداد المنهجي والمعرفي من علم المنطق لتأسيس علم أصول الفقه. ثم إن هذه الاسباب المتعددة الأبعاد ذات العلاقات والوشائج العميقة مع العلوم الرديفة، والمصاحبة لأصول الفقه لا تستلزم البحث في مناهج مغايرة كالمنطق لتأسيس هذا العلم وإقامة أركانه.

ثانيا: في استقلالية الدرس الأصولي

إن الاستثمار المنطقي في النظر الأصولي سيكون له التمكين في مرحلة متأخرة ضمن مراحل تطور علم أصول الفقه، أما مرحلة التأسيس والتقعيد الأولى فنقطع باستقلالية هذا العلم وتميز منهجه فيها، وكذا خلوه من آثار المعرفة المنطقية سواء العلمية منها أو المنهجية، والدليل على ذلك أمور:

الأول: موضوعي داخلي: ويقوم على ثلاثة أدلة:

أولها؛ ومفاده خلو الكتابات الأصولية التقعيدية من المنطق والمعرفة المنطقية بالمعنى اليوناني الصوري، وقد تواترت أقوال لعلماء محققين في هذه الحقيقة، سنذكر بعضها لاحقا، ومن أقواها ما أشار إليه ابن تيمية بقوله: “وقد صنف في الإسلام علوم النحو واللغة والعروض والفقه وأصوله والكلام وغير ذلك. وليس في أئمة هذه الفنون من كان يلتفت إلى المنطق بل عامتهم كانوا قبل أن يعرب هذا المنطق اليوناني.

وأما العلوم الموروثة عن الأنبياء صرفا وإن كان الفقه وأصوله متصلا بذلك، فهي أجل وأعظم من أن يظن أن لأهلها التفاتا إلى المنطق، إذ ليس في القرون الثلاثة من هذه الأمة، التي هي خير أمة أخرجت للناس، وأفضلها القرون الثلاثة: من كان يلتفت إلى المنطق أو يعرج عليه، مع أنهم في تحقيق العلوم وكمالها بالغاية التي لا يدرك أحد شأوها؛ كانوا أعمق الناس علما وأقلهم تكلفا وأبرهم قلوبا”[17].

 وهذا تلميذه ابن قيم يؤكد نفس الرأي قائلا: “وهذا الشافعي وأحمد وسائر أئمة الإسلام وتصانيفهم، وسائر أئمة العربية وتصانيفهم، وأئمة التفسير وتصانيفهم لمن نظر فيها؛ هل راعوا فيها حدود المنطق وأوضاعه؟ وهل صح لهم علمهم بدونه أم لا؟ بل هم كانوا أجل قدرا وأعظم عقولا من أن يشغلوا أفكارهم بهذيان المنطقيين، وما دخل المنطق (الصوري) على علم إلا أفسده وغير أوضاعه وشوش قواعده”[18].

ثانيها؛ ويرتبط بكون استمداد الأصول من العلوم اللغوية تخصيصا؛ والفقه عموما يمنع من الاستفادة من المنطق، فالأصول أصلها لغوي لساني على سبيل الإجمال، وفي هذا الشأن يقول القرافي حين تحدث في قاعدة التفضيل بالثمرة والجدوى بين المعلومات:”علم النحو وعلم المنطق كلاهما له ثمرة جليلة؛ غير أن ثمرة النحو أعظم بسبب أنه يستعان به على كتاب الله تعالى، وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكلام العرب في نطق اللسان وكتابة اليد، فإن اللحن كما يقع في اللفظ يقع في الكتابة ويستعان به في الفقه وغير ذلك مما علم في مواضعه؛ ولا يحتاج إلى المنطق إلا في ضبط المعاني المتعلقة بالبراهين والحدود خاصة، وأيضا العقل بمجرده لا يهتدي لتقويم اللسان وسلامته من اللحن لأنها أمور سمعية، ولا مجال للعقل فيها على سبيل الاستقلال فلابد من النحو بالضرورة فيها، والمنطق يكفي في معرفة قواعده الطبع السليم والعقل المستقيم؛ فيستغنى عنه بصفاء العقل فصارت الحاجة للنحو أعظم وثمرته أكثر فيكون أفضل”[19].

وإلى الأمر نفسه أشار السبكي في إبهاجه؛ لما أكد على تطور النزعة النحوية لدى الأصوليين أكثر من النحويين أنفسهم، حيث قال: “فإن الأصوليين دققوا في فهم أشياء من كلام العرب لم يصل إليها النحاة ولا اللغويون، فإن كلام العرب متسع جدا والنظر فيه متشعب، فكتب اللغة تضبط الألفاظ ومعانيها الظاهرة دون المعاني الدقيقة التي تحتاج إلى نظر الأصول واستقراء زائد على استقراء اللغوي مثاله ودلالة صيغة “أفعل” على الوجوب “ولا تفعل” على التحريم وكون “كل وإخوتها للعموم” وما أشبه ذلك مما ذكر السائل أنه من اللغة لو فتشت كتب اللغة لم تجد فيها شفاء في ذلك ولا تعرضا لما ذكره الأصوليون، وكذلك كتب النحو لو طلبت معنى الاستثناء وأن الإخراج هل هو قبل الحكم أو بعد الحكم، ونحو ذلك من الدقائق التي تعرض لها الأصوليون وأخذوها باستقراء خاص من كلام العرب وأدلة خاصة لا تقتضيها صناعة النحو فهذا ونحوه مما تكفل به أصول الفقه”[20].

وقد تضافرت آراء المقاربين للعلاقة بين المنطق واللغة حول تباين اللغة المنطقية الأرسطية واللغة العربية، وغياب أي إمكانية للتطابق المطلق في التوظيف والاستثمار، على اعتبار أن “الترتيب الذي صنعه أرسطو بالمنطق كان منسجما مع لغة اليونان التي تحتاج في مجال البرهان بألفاظها إلى منسق. أما العربية ففيها من القواعد، وأساليب الشرط والجزاء وأدوات الترتيب والعطف والبيان والتمييز والأخبار ما يحكم الربط بين أجزائها، يحكم الربط في جرس موسيقي سليم، ويحكم الربط في التئام المعنى مؤديا غايته؛ مثمرا نتائجه في صورة أبهى وأدق وأحكم من مقدمات أرسطو التي قد تكون كاذبة المضمون، والتي لا تفي بذاتها، ولو كانت صادقة، بالمقاصد الدينية”[21].

وإنه من لطيف الروابط التي توحي بالفروق العلمية والمنهجية بين المنطق وأصول الفقه من جانب اللغة؛ هو أن المنطق اعتبره الحكماء لغة الفلسفة، كما اعتبر الأصوليون علم أصول الفقه منطق الفقه[22]؛ أي لغته، واللغة عرفت لدى أهل اللغة بالمنطق أيضا أي الكلام، حتى وسم ابن السكيت مصنفه في اللغة بإصلاح المنطق”، يقول عنه محققه:

“وهذا الكتاب قد أراد ابن الكسيت به أن يعالج داءً كان قد استشرى في لغة العرب، والمستعربة، وهو داء اللحن، والخطأ في الكلام، فعمد إلى أن يؤلف كتابه، ويضمنه أبوابًا يمكن بها ضبط جمهرة من لغة العرب، وذلك بذكر الألفاظ المتفقة في الوزن الواحد مع اختلاف المعنى، أو المختلفة فيه مع اتفاق المعنى، وما فيه لغتان أو أكثر، وما يعلُّ ويصحح، وما يهمز، وما لا يهمز، وما يشدد، وما تغلط فيه العامة. وقد عرف هذا الكتاب قديمًا، وعني به كبار اللغويين”[23].

ثالثها: أن الأصول في طبيعتها الأولى مجالها علمي نصي أي النصوص الشرعية، وعملي فقهي أي الفروع الفقهية، وهذين المجالين لا يفتقران بالضرورة في التأسيس والتقعيد إلى المسالك المنطقية المجردة؛ من استدلال وبرهان، بل يحتاجان الى مجرد التوضيح والبيان. بل إن الاختلاف واضح وبين في ترتيب النتائج على المقدمات بين التخريج الفقهي والاستنتاج المنطقي، وإلى ذلك أشار الشاطبي حينما فصل بشكل واضح العلل المؤثرة في ترك إعمال الأصول المنطقية واستثمارها، من ذلك “أن التزام الاصطلاحات المنطقية والطرق المستعملة فيها مبعد عن الوصول إلى المطلوب في الأكثر؛ لأن الشريعة لم توضع إلا على شرط الأمية، ومراعاة علم المنطق قي القضايا الشرعية مناف لذلك”[24]. وقد أدرج لذلك مثالا، يبسط فيه موقفه ويبين فيه رأيه في المسألة، مشددا على ضرورة الفصل يبن الأسس المنهجية المنطقية والقضايا الشرعية، والأقرب في التمثيل للمسألة، حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: “كل مسكر خمر وكل خمر حرام”[25]، الذي اعتمده بعض المتحمسين لعلم المنطق في الاستدلال على إعمال أصولهم، وتخريج مسالكهم المنطقية، المتعلقة بالمقدمات والنتائج في القياس المنطقي ومنهج الاستقراء، فقال: “ومن هنا يعلم ما قاله المازري في قوله عليه الصلاة والسلام: “كل مسكر خمر وكل خمر حرام”، قال: فنتيجة هاتين المقدمتين كل مسكر حرام، قال: وقد أراد بعض أهل الأصول أن يمزج هذا بشيء من علم أصحاب المنطق، فيقول أن أهل المنطق يقولون لا يكون القياس ولا تصح النتيجة إلا بمقدمتين، فقوله: “كل مسكر خمر” مقدمة لا تنتج بانفرادها شيئا، وهذا إن اتفق لهذا الأصولي، هاهنا، وفي موضع أو موضعين في الشريعة، فإنه لا يستمر في سائر أقيستها ومعظم الأقيسة الفقهية لا يسلك فيها هذا المسلك، ولا يعرف من هذه الجهة… قال وإنما نبهنا على ذلك لما ألفينا بعض المتأخرين صنف كتابا أراد أن يرد فيها أصول الفقه لأصول علم المنطق”[26].

والثاني: وسيط قيمي؛ ومعناه الموقف الصريح من العلوم اليونانية، وتحديدا المنطق لدى علماء القرون الأولى المعنية، ومن ذلك ما حفظته المرويات التاريخية من أن “المسلمين لمّا افتتحوا بلاد فارس، وأصابوا من كتبهم وصحائف علومهم ممّا لا يأخذه الحصر، ولمّا فتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتبا كثيرة كتب سعد بن أبي وقّاص إلى عمر بن الخطّاب ليستأذنه في شأنها وتنقيلها للمسلمين. فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء. فإن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالا فقد كفانا الله. فطرحوها في الماء أو في النّار وذهبت علوم الفرس فيها عن أن تصل إلينا”[27].

والثالث: تاريخي خارجي؛ والمقصود به غياب أي تصريح أو تلميح يفيد بحضور النزعة المنطقية عند الشافعي إبان كتابة الرسالة، بل هناك قرائن قولية وعلمية تدل على عكس ذلك، كقول الإمام الشافعي نفسه رحمه الله تعالى: “ما جهل الناس ولا اختلفوا الا لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس”[28]، قال الذهبي معلقا على هذه المقالة بعدما أوردوها رغم أنه أنكرها، بقوله: “هذه حكاية نافعة لكنها منكرة ما أعتقد أن الإمام تفوه بها، ولا كانت أوضاع أرسطو طاليس عربت بعد البتة”[29]، ومنه أيضا ما نقله الزركشي عن ابن دقيق العيد في موقفه من استثمار المنطق في النظر الأصولي حيث قال: “قال ابن دقيق العيد: ولا شك أن في اشتراط ذلك على حسب ما يقع اصطلاح أرباب هذا الفن غير معتبر، لعلمنا بأن الأولين من المجتهدين لم يكونوا خائضين فيه، ولا شك أيضا أن كل ما يتوقف عليه تصحيح الدليل ومعرفة الحقائق لا بد من اعتباره”[30].

الرابع: منهجي؛ حيث إن من قواعد البحث الابستمولوجي وحفريات العلوم أن التباين العلمي يستصحب معه بالضرورة تباينا في النظر المنهجي، وإن علماء الأصول تحديدا قد تفطنوا لآثار هذه القاعدة وتطبيقاتها على الحقل الأصولي، لذلك تراهم قد توجسوا خيفة، وتوقفوا حيطة من استيعاب واستقبال المعرفة المنطقية الوافدة على الثقافة العلمية الإسلامية، وقد أشار ابن خلدون في مقدمته إلى هذا الملحظ قائلا: “فلم يأخذ بها المتكلمون لملابستها للعلوم الفلسفية المباينة للعقائد الشرعية بالجملة فكانت مهجورة عندهم”[31].

 إن ابن خلدون لم يكتف بالتذكير بالآثار العلمية المحضة، بل جاوز ذلك إلى الآثار العقدية، خصوصا إذا عرفنا الوشائج العميقة التي ربطت بين الدرس الأصولي والعقدي في تلك المرحلة، كما أن ذلك التوجس لا يعود الى الضعف القيمي في التراث الفقهي والأصولي، بل إلى السالكين والآخذين به خشية الإضرار بقواعده وثوابته، وهو ما حصل للعلوم الإسلامية فيما بعد لما وقع المزج المخل بين قواعدها وقواعد علم المنطق.

أما ابن تيمية العارف بأصول العلوم وخصوصا علمي الأصول والمنطق، فقد كشف عن ذلك التداخل والتباين المنهجيين المؤدي إلى إفساد المنطق للعلوم المبنية على الوضوح والتحقيق والصحة، فقال: “بل إدخال صناعة المنطق في العلوم الصحيحة يطول العبارة ويبعد الإشارة، ويجعل القريب من العلم بعيدا واليسير منه عسيرا. ولهذا تجد من أدخله في الخلاف والكلام وأصول الفقه وغير ذلك لم يفد إلا كثرة الكلام والتشقيق؛ مع قلة العلم والتحقيق. فعلم أنه من أعظم حشو الكلام وأبعد الأشياء عن طريقة ذوي الأحلام”[32].

والأمر نفسه انتبه إليه الدكتور سامي النشار في دراسته العميقة في هذا المجال حيث قال: “إن هذا المنطق هو أدق تعبير عن الروح اليونانية في نظرتها إلى الكون، وفي محاولته إقامة مذاهبها في الوجود وقد لفظ الإسلام علوم اليونان الفكرية لفظا قاسيا، وحاربها أشد محاربة كانت الروح الإسلامية تستمد مقوماتها من بيئة مخالفة، وجنس مخالف وتصور حضاري جديد، وتنأى أشد النأي عن النظر في العوالم اليونانية الفكرية من ميتافيزيقا وفيزيقا وغيرهما، فكان من المحتم أن يكون لها منهج في البحث مختلف أشد الاختلاف عن منهج اليونان تستمد مقوماته من حضارتها العلمية، بحيث يكون طابع تلك الحضارة الأساسي وجوهرها الوحيد”[33]، لذلك يمكن القول بإيجاز ووضوح: “إن المنهج الإسلامي يختلف كليا عن المنطق اليوناني لأن منهج القرآن يقوم على توحيد الله، وأنه الفاعل لكل شيء وأن مصدر العلم واليقين هو الوحي من كتاب وسنة..”[34].

ثالثا: المنهج الجدلي الفلسفي ورسالة الشافعي

إن ولادة علم منهجي لا يستقيم استناده الى قواعد علمية ليست من جنسه ولا نوعه ولا مجاله ابتداء، بل قد يكون ذلك استثناء بعد تقويه وكماله؛ بل نضجه، وفي حالة التدافع المعرفي والمنهجي داخليا وخارجيا؛ أي استدلال علمي أو لاستثماره في غيره. ولعل أظهر ما يستدل به الذاهبون إلى استفادة علم أصول الفقه من علم المنطق اليوناني والصوري تحديدا، هو اعتماد الشافعي على المنهج الجدلي في كتابة مصنفه الرسالة، لكن ذلك لا ينهض دليلا قطعيا بله مسوغا للاستثمار المنطقي، بل ليس هناك في الرسالة باعتبارها المعرفة التأسيسية الأولى للأصول؛ ما يؤكد استدعاء المعرفة المنطقية في أصول الفقه، إنما هي أضغات أوهام.

لذلك تعددت المواقف في هذا الشأن؛ فمن معتبر الرسالة ضمن الاتجاه الكلامي الجدلي المشبع بصور المنطق[35] ومعانيه، إلى مصنف لها ضمن كتب الجدل الأصولي[36]، إلى قائل بأنها صورة من صور الحوار الفلسفي المنطقي، وهو الرأي الذي ذهب إليه الأستاذ مصطفى عبد الرزاق متجاوزا النفس الأصولي إلى الفلسفي فالمنطقي حيث قال: “إذا كنا نلمح في الرسالة نشأة التفكير الفلسفي في الإسلام من ناحية العناية بضبط الفروع والجزئيات بقواعد كلية، وإن لم تغفل جانب الفقه… فإننا نلمح للتفكير الفلسفي في الرسالة مظاهر أخرى… ومنها أسلوبه في الحوار الجدلي المشبع بصور المنطق ومعانيه، حتى لتكاد تحسبه، لما فيه من دقة البحث ولطف الفهم وحسن التصرف في الاستدلال والنقض ومراعاة النظام المنطقي، حوارا فلسفياً…”[37].

سأحقق النظر في هذه الدعوى من خلال البحث في أسلوب الشافعي “الجدلي” وأقول:

يستعين الإمام الشافعي في بناء العمران الأصولي في الرسالة، بأسلوب الفنقلة “فإن قيل”، الذي دأب على توظيفه على طول المباحث المدروسة، غير أنه باستقراء الأساليب المعتمدة، وبقليل من التأمل في منهج “الفنقلة” في الرسالة، يتبين أنها تتحدد في ثلاث صور[38] لا يجد البعد الجدلي فيها موقعه ضمنها إلا في حالات نادرة:

الأولى: الفنقلة البيانية التعليمية

وهي أسلوب استفساري أُدرِج في الرسالة على سبيل البيان والتعليم، المقصود به الجواب لا السؤال، ولا تلمس فيه أثر الجدل أو الحِجاج العقيم، كما أن موضوعه لم يعرف اختلافاً كبيراً وتبايناً في الرؤى؛ لأنه واضح وَبيِّن، وإنما جيء به في سياق التعليم ومن هذا النوع قوله: “فلما قال رسول الله لامرأة طلقها زوجها ثلاثاً ونكحها بعده رجل “لا تحلين حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك” يعني: يصيبك زوج غيره، والإصابة النكاح.

فإن قال قائل: فاذكر الخبر عن رسول الله بما ذكرت قيل: أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: “أن امرأة رفاعة جاءت إلى النبي فقالت: إن رفاعة طلقني فبث طلاقي، وإن عبد الرحمان بن الزبير تزوجني، وإنما معه مثل هدبة الثوب؟ فقال رسول الله: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟! لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك”[39].

قال الشافعي: فبين رسول الله أن إحلال الله إياها للزوج المطلق ثلاثاً بعد زوج بالنكاح: إذا كان مع النكاح إصابة من الزوج”[40].

ومن ذلك، أيضاً، ما جاء في معرض حديثه عن دليل القياس؛ إذ قال: “فإن قال قائل: فاذكر من الأخبار التي يقيس عليها، وكيف يقيس؟ قيل له: إن شاء الله… أوضح من بعض”، إلى أن قال: “فإن قال: فاذكرمن كل واحد من هذا شيئاً يبين لنا ما في معناه؟ قلت: قال رسول الله: “إن الله حرم من المؤمن دمه وماله وأنْ يُظَنَّ به إلا خيراً[41]“… أعظم من المأثم”[42].

الثانية: الفنقلة الحوارية التناظرية

وهذه أكثر الصور استعمالاً، ويهدف من خلالها الإمام الشافعي إلى التحقيق في مسائله ودراستها بطريقة تحاورية؛ لتبسيط المعرفة الأصولية من جهة، والكشف عن مكامن الخطأ عند المناظر أو المحاور من جهة أخرى، وخير مثال على ذلك ما ساقه في باب خبر الواحد الذي استهله بقوله: “فقال لي قائل: احدُدْ لي أقل ما تقوم به الحجة على أهل العلم، حتى يثبت عليهم خبر الخاصة؟ فقلت: خبر الواحد عن الواحد حتى ينتهي به إلى النبي، أو من انتهى به إليه دونه”[43]، حيث استمر الحوار في المسألة حوالي ثلاثين صفحة، ولمزيد من البيان سوف أسوق هذا الجزء:

“قلت: فلو قلت لك هذا في خبر الواحد، وهو مجامع للشهادة في أن أقبله، ومفارق لها في عدده، هل كانت لك حجة إلا كهي عليك؟

قال: فإنما قلت بالخلاف بين عدد الشهادات خبراً واستدلالاً.

قلت: وكذلك قلت في قبول خبر الواحد خبراً واستدلالاً.

وقلت: أرأيت شهادة النساء في الولادة لِمَ أجزتها ولم تجزها في درهم؟

قال: اتباعاً.

قلت: فإن قيل لك: لم يُذكرْ في القرآن أقل من شاهد وامرأتين؟

قال: ولِمَ يُحظَرُ أن يجوزَ أقل من ذلك، فأجزنا ما أجاز المسلمون، ولم يكن هذا خلافاً للقرآن.

قلنا: فهكذا قلنا في تثبيت خبر الواحد،استدلالاً بأشياء كلها أقوى من إجازة شهادة النساء.

قلت: نعم، ما لا أعلم من أهل العلم فيه مخالفاً.

قال: وما هو؟

قلت: العدل يكون جائز الشهادة في أمور، مردودها في أمور”[44].

فهذا الأنموذج من الحوار العلمي بعيد كل البعد عن الطريقة الجدلية، المعروفة ضمن المناهج المنطقية المتسمة بالتعقيد والالتباس والتداخل.

الثالثة: الفنقلة التحقيقية الاستدلالية

 وهي التي يقصد من ورائها تقويم نظر ما، وتصويب رأي خطأ، أو إقامة الدليل على مذهب أصولي خاص، وقد غطت هذه الصورة مساحة مهمة من كتاب الرسالة؛ لكونها محاولة تأسيسية للمعرفة الأصولية تستوجب تدقيق النظر وتحقيق الآراء.

ومن الأمثلة على هذا الأسلوب ما عرضه الشافعي في عربية القرآن، حيث قال: “فقال منهم قائل: إن في القرآن عربياً وأعجمياً، والقرآن يدل على أن ليس في كتاب الله شيء إلا بلسان العرب، ووجد قائل هذا القول من قبل ذلك منه، تقليداً له، وتركاً للمسألة له عن حجته، ومسألة غيره ممن خالفه، وبالتقليد أغفل من أغفل منهم والله يغفر لنا ولهم، ولعل من قال: إن في القرآن غير لسان العرب، وقبل ذلك منه، ذهب إلى أن القرآن خاصاً يجهل بعضه بعض العرب، ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها، حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه، والعلم به عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه، لا نعلم رجلا جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن، وإذا فرق علم كل واحد منهم ذهب عليه شيء منها، ثم كان ما ذهب عليه موجودا عند غيره”[45].

هذه، إذن، أهم أنواع “الفنقلة” التي اعتُمِدَتْ في الرسالة؛ فهي: إما بيانية تهدف إلى تعليم السائل، أو حوارية المقصود منها بسط المعرفة الأصولية، أو استدلالية الغرض منها تحقيق المسائل والاستدلال عليها، ولا يوجد من بينها “فنقلة” ذات بعد جدلي تهدف إلزام الخصم وإحراجه، مع الإغراق في النظريات دون غاية منشودة بالمعنى الكلامي الذي عرف من بعد، أو المنطقي الذي عرف في صورية اليونان والذي يحتوي على الزامات منطقية وبراهين خلفية وأنماط من التعاند واستدلالات لمّية، بل هناك حوار واضح بين متعلم ومعلم وكأنك تستمع إلى حوار متسلسل في الاستدال الفقهي، وتلك خاصية من خصائص النظر الأصولي المستقل، وهذا ما توضَّحَ من خلال هذه القراءة لمنهج الاستدلال العلمي عند الإمام الشافعي. كما أنه من أهم الخصائص المنهجية على مستوى التحقيق والاستدلال عند الإمام، ذلك الكم الهائل من الاستدلالات الشرعية بالنصوص القرآنية والحديثية، ثم مزجه لعملية التنظير الأصولي بالمعرفة الفقهية التطبيقية من مبحث لآخر.

رابعا: الاستثمار المنطقي في النظر الأصولي عند الغزالي

أ. دعوى استثمار المنطق عند الغزالي  

إذا كانت عناية أصوليي مرحلة ما قبل الغزالي دائرة على بيان المادة الأصولية، وتوضيحها بالدراسة والتحليل، فإن انشغال العقل الأصولي خلال مرحلة الغزالي ستغلب عليه خاصية تحقيق المباحث الأصولية وتصفيتها، ونخلها مما علق بها من مباحث ومسائل دخيلة على الدرس الأصولي؛ لأنها شهدت تطبيقاً للمباحث المنطقية على أغلب المباحث الأصولية، من جهة التقسيمات اللفظية، والتعريفات، والاستدلالات، ونقد التعريفات وفق مصطلحات المنطقيين، واستعمال المنهج نفسه في الاستدلال[46].

لقد ظهر أبو حامد في وقت تماهت فيه المعرفة الأصولية مع الدرس المنطقي، فأضحى علم أصول الفقه دراسات يغلب عليها الغموض وصعوبة فقه المعاني والمرامي العلمية للمباحث الأصولية، وقد اشتهر الغزالي بمقدمته المعروفة لكتابه المستصفى الداعي فيها إلى دراسة علم المنطق للحاجة إليه في باقي العلوم، بقوله: “وليست هذه المقدمة من جملة علم الأصول، ولا من مقدماته الخاصة به، بل هي مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط بها فلا ثقة له بعلومه أصلا، فمن شاء أن لا يكتب هذه المقدمة فليبدأ بالكتاب من القطب الأول، فإن ذلك هو أول أصول الفقه وحاجة جميع العلوم النظرية إلى هذه المقدمة كحاجة أصول الفقه”[47].

غير أن هذه المقدمة جلبت على الغزالي اعتراضات كثيرة وانتقادات حادة، ليست لأنها تفقد الثقة في الجاهل بالمنطق في علومه وإنتاجاته، بل لأن ما يُفهم من عباراته هو محاولته الدعوة الصريحة إلى استعارة معرفة غريبة على حساب المعارف الشرعية من جهة، ثم لأن تلك الدعوة أتت في وقت كانت فيه العلوم الشرعية في أمس الحاجة إلى غربلتها وتصفيتها من الأجسام المعرفية الغريبة التي التصقت بها أمدا طويلا.

ومن بين تلك الانتقادات الموجهة إليه، ما أورده الشاطبي على لسان المازري من تنبيه على خطورة دعوة الغزالي وإن لم يسمه بالاسم، لشهرته بين أوساط العلماء بتلك الدعوة، يقول المازري بعد ممانعته في توظيف التخريجات المنطقية في الشرعيات:” وإنما نبهنا على ذلك لما ألفينا بعض المتأخرين صنّف كتبا أراد أن يرد فيها أصول الفقه لأصول علم المنطق”[48].

كما يضاف إلى ذلك اعتراض تقي الدين ابن تيمية في بعض كتبه وإن لم يذكر الغزالي بالاسم، من بينها “نقض المنطق” حيث قال فيه: “وأما المنطق فمَنْ قال: إنه فرض كفاية، وأن من ليس له به خبرة فليس له ثقة بشيء من علومه، فهذا القول في غاية الفساد من وجوه كثيرة التعداد، مشتمل على أمور فاسدة ودعاوى باطلة كثيرة،((…)). بل الواقع قديما وحديثا أنك لا تجد من يلزم نفسه أن ينظر في علومه ويناظر به إلا وهو فاسد النظر والمناظرة، كثير العجز عن تحقيق علم وبيان”[49].

لكن إذا صح هذا التقصيد من كلام ابن تيمية من أنه يقصد الغزالي في تلك العبارة، فإن لكلامه أوجه قساوة شديدة لم تؤثر عن العلماء الكبار مع باقي الأعلام المشهود لهم بالعطاء وقوة العارضة في العلوم المختلفة أمثال أبي حامد، خاصة إذا تابعنا القول إلى آخر نظره في نقض المنطق، الذي وصف صاحب الدعوة بالجهالة واتهمه بالضلالة، وفقدان أسباب الهدى يقول تقي الدين: “فأحسن ما يحمل عليه كلام المتكلم على هذا أن يكون قد كان هو وأمثاله في غاية الجهالة والضلالة. وقد فقدوا أسباب الهدى كلها، فلم يجدوا ما يردهم عن تلك الجهالات إلا بعض ما في المنطق من الأمور التي هي صحيحة، فإنه بسبب بعض ذلك رجع كثير من هؤلاء عن بعض باطلهم، وإن لم يحصل لهم حق ينفعهم، وإن وقعوا في باطل آخر”[50]، إنها عبارات تؤكد جناية كلام الغزالي في اعتبار المنطق والاستعانة به على إيمانه ومدى رشده إلى سواء السبيل.

وعلى الرغم مما يلتمس الدارس من ثمرات في دراسة علم المنطق، فإن أصول الاحتياج إليه لا يكفي بالنصاب الداعي إلى ضرورات الاستدعاء في الاشتغال عليه؛ لأن ذلك اجتياز من التزام الحق على اختيار الباطل، “ومع هذا فلا يصح نسبة وجوبه إلى شريعة الاسلام بوجه من الوجوه، إذ من هذه حاله فإنما أتى من نفسه بترك ما أمر الله به من الحق، حتى احتاج إلى الباطل”[51].

 ويبقى التساؤل: هل ما قاله الغزالي من كلام سابق في مقدمة المستصفى مفاده الدعوة الصريحة إلى استثمار علم المنطق على سبيل الاحياج والضرورة، من جهة؟ وهل الدعوة قائمة على وجه التأبيد والاستمرار في الاحتياج من جهة ثانية؟ أم أن الدعوة ظرفية تحكمها استثناءات متعينة لا ينبغي أن تحمل على الوجه الكلي و البعد المطلق؟

ب. أبعاد الاستثمار المنطقي عند الغزالي

إن دعوى أبي حامد الغزالي إلى استثمار المعرفة المنطقية في الدرس الأصولي من خلال مقدمات كتابه المستصفى تذكرنا بذلك التلاقح المعرفي الذي حصل بين الدرس الأصولي وباقي العلوم الدخيلة الأخرى على العلوم الإسلامية، وهذا في اعتقادي سيثير إشكالية جوهرية تتعلق بالوثاقة المنهجية بين دعوى الغزالي والقيمة المعرفية للمنطق في الخطاب الأصولي، وخصوصا في المستصفى الذي وردت فيه تلك الدعوى[52]، وقبل النظر في هذا الإشكال لابد من قراءة في مقصد الدعوى و أبعادها عند الغزالي، فنقول:

إن السياق التاريخي الذي جاء فيه أبو حامد بهذه النظرية، لا يفهم منه دعوته إلى خلط علم أصول الفقه بغيره من المنطق، وإنما ذكره في مرحلة امتزجت فيها المعرفة الأصولية مع المعرفة المنطقية امتزاجاً، وإن لم يصرح بذلك الأصوليون، بل أعملوا قواعد المنطق[53] وأساليبه في المباحث الأصولية بصورة غير مباشرة، وعلى العكس مما يتصور، فإن دعوة أبي حامد إلى الاستعانة بالمقدمات المنطقية قائمة على أربعة أبعاد جوهرية:

الأول: في عمومية الحكم؛ يقرّ الغزالي بداية بأنّ ما جعله مقدمة ضرورية ليست من أصول الفقه في شيء، حيث يقول: “وليست هذه المقدمة من جملة علم الأصول، ولا من مقدماته الخاصة به”[54] وهو الأمر الذي يعتبره أيضا خلال النظر في فلسفة الإلهيات في مقدّمة تهافت الفلاسفة حيث اعتبر المقدّمات المنطقية ثانوية ليست من باب الضرورة التمكن منها حتى يدرك المقصود فقال: “فإنه كالآلة لدرك مقصود الكتاب، ولكن رب ناظر يستغني عنه في الفهم، فنؤخره حتى يعرض عنه من لا يحتاج إليه، ومن لا يفهم ألفاظنا في آحاد المسائل في الرد عليهم، فينبغي أن يبتدئ أولا بحفظ كتاب “معيار العلم” الذي هو الملقب بالمنطق عندهم”[55].

الثاني: في كلّية الحاجة؛ إنّ هذه المقدمة في اعتقاده ضرورية ليس لعالم أصول الفقه فحسب، بل لكل العلوم، وذلك يتضح من خلال قوله:”وحاجة جميع العلوم إلى هذه المقدّمة كحاجة أصول الفقه”[56].

الثالث: في الضرورة المنهجية؛ قد نبه الغزالي سلفاً على الخلط الذي حصل مع الأصوليين قبله، وإسرافهم في ذلك، وإدراجه للمقدمات المنطقية ليس تناقضاً منه، وإنما اقتصاراً على ما ألفه الدرس الأصولي بالقدر المفيد، يقول: “وبعد أن عَرَّفناك إسرافهم في هذا الخلط، فإنا لا نرى أن نخليَ هذا المجموع عن شيء منه؛ لأن الفطام عن المألوف شديد، والنفوس عن الغريب نافرة، لكنا نقتصر من ذلك على ما تظهر فائدته على العموم في جملة العلوم”[57].

الرابع: في تنقيح الأصول؛ إنّ إدراجه للمقدمات المنطقية، وتأكيده على بعض قواعدها يدخل في باب منهجية تنقيحه للمعرفة الأصولية وتصفيتها، ويظهر ذلك في ما يأتي: “لكنا نقتصر من ذلك على ما تظهر فائدته على العموم في جملة العلوم من تعريف مدارك العقول، وكيفية تدرجها من الضروريات إلى النظريات، على وجه يتبين فيه حقيقة العلم والنظر، والدليل، وأقسامها، وحججها تبيناً بليغاً تخلو عنه مصنفات الكلام”[58]. فالغزالي برغم إيمانه بوجوب تصفية علم أصول الفقه من تلك الموضوعات، فإنه يعيش واقعه العلمي الذي لم يستمرئ بعد تصفية علم الأصول من تلك المباحث، وهذا يوجب عليه المسايرة في حدود ضيقة”[59].

الخامس: في الذبّ عن العقل المعياري؛ إن تجربة الغزالي مع علم المنطق أنتجهتها محاولات الدفاع عن العقل الإسلامي المعياري بوسائل من جنس وسائل الفلسفة والمنطق نفسه الذي بات الفلاسفة يستعملونه في مهاجمة النظر الكلامي، يقول أبو حامد: “فإذا سمع المتكايس المستضعف اسم المنطق ظن أنه فن غريب لا يعرفه المتكلمون، ولا يطّلع عليه إلا الفلاسفة، ونحن لدفع هذا الخيال واستئصال هذه الحيلة في الإضلال، نرى أن نفرد القول في مدارك العقول في هذا الكتاب، ونصبها في قوالبهم، ونقتفي آثارهم لفظا لفظا، ونناظرهم في هذا الكتاب بلغتهم، أعني بعباراتهم في المنطق”[60].

 فتبين، إذن، أن استعارة أبي حامد للأدوات المنطقية لا يخرج عن سياق البعد التنقيحي للمعرفة الأصولية؛ لأن ما خلفته المرحلة السابقة، من آثار التداخل والامتزاج بين أصول الفقه وغيره، يتطلب وسع وقت وطول نفس، حتى يستعيد أصول الفقه تميزه واستقلاليته.

خامسا: تجلّيات تصفية الدرس الأصولي من المنطق عند الغزالي

تتجلى مظاهر تنقيح المعرفة الأصولية عند الغزالي من الآثار المنطقية، وتصفيتها من أبعادها في صور عديدة، فالعناوين المختارة لكتبه تشير إلى ذلك المعنى وتنطق بدلالات التصفية والتنقية عنده، فهو قد بدأ مشروعه الأصولي بتدوين “تهذيب الأصول”، ولم يقصد بذلك إلا تنقيح المعرفة الأصولية، ثم أتبعه “بالمنخول” تحقيقاً وغربلة للمادة الأصولية، ثم ختمه “بالمستصفى” تصفية وتنقية للدرس الأصولي من كل الشوائب المعرفية الأخرى خصوصا الآثار المنطقية، وعوالقها غير المرغوب فيها، وهذا ما يعبر عنه بنفسه في مقدمة المستصفى قائلاً: “… جمعت فيه بين الترتيب والتحقيق لفهم المعاني، فلا مندوحة لأحدهما على الثاني، فصنفته وأتيت فيه بترتيب لطيف عجيب، يطلع الناظر في أول وهلة على جميع مقاصد هذا العلم، ويفيده الاحتواء على جميع مسارح النطر فيه، فكل علم لا يستولي الطالب في ابتداء نظره على مجامعه ولا مبانيه، فلا مطمع له في الظفر بأسراره، ومباغيه وقد سميته كتاب المستصفى من علم الأصول”[61].

إن مرحلة الغزالي ستعرف محاولات لتصفية علم الأصول، وتنقيحه مما علق به من دخائل وغرائب لا تليق بمجال هذا الفن، وخصوصا القضايا الكلامية والمنطقية واللغوية، وكذا الفلسقية، وقد أشار نفسه إلى ذلك مُعيباً على سابقيه من الأصوليين “… فشرعوا في بيان حد العلم والدليل والنظر، ولم يقتصروا على تعريف صور هذه الأمور، ولكن انجرَّ بهم إلى إقامة الدليل على إثبات العلم على منكريه من السوفسطائية، وإقامة الدليل على النظر على منكري النظر، وإلى جملة من أقسام العلوم، وأقسام الأدلّة، وذلك مجاوزة لحدّ هذا العلم وخلط له بالكلام”[62].

ويرجع سبب ذلك؛ إلى تأثر بعضهم بعلم الكلام، والآخر بعلم اللغة والنحو، والبعض الآخر بالآليات المنطقية، فكان ذلك مترجماً واضحاً على مصنفاتهم، فقال: “وإنما أكثر فيه المتكلمون من الأصوليين، لغلبة الكلام على طبائعهم، فحملهم حب صناعتهم على خلطه بهذه الصنعة؛ كما حمل حب اللغة والنحو بعض الأصوليين على مزج جملة من النحو بالأصول”[63].

 وقد نبه محقّق المستصفى إلى بعض الخصائص الموضوعية فيه، وذكر منها:

1. الترتيب: فقال: “أما المستصفى فقد قصد فيه الغزالي قصداً أن يسير على نظام ترتيبي جديد، واضح يضعه هو، بحسب نظر بصيرته الوقادة، يدركه الدارس من أول وهلة”[64].

2. التمييز: أي تنقيح المعرفة الأصولية وتمييز “المباحث التي ترد في كتب الأصول وليست من الأصول في شيء، فانتقد إدخال بعض مسائل الاعتقاد، أو الفقه، أو النحو، أو غير ذلك، وهو الأمر الذي كان سببه تعلق بعض الأصوليين بتلك العلوم، وكانت هذه محاولة قيمة لوضع الحدود لعلم الأصول، ووضع الصّوى والمعالم؛ لئلا ينشغل طلبة العلم بأمور خارجة عنه، أو يلبسوها بقواعده”[65].

3. التحقيق: “فالغزالي في المستصفى ليس مقلداً، بل يجري على طريقة النظار والمحققين، حتى إنه لا يسمي أصحاب المذاهب الأصولية والفقهية إلا نادراً؛ لأن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف بما قامت عليه الأدلة الصحيحة”[66].

كما أن التحقيق في المسائل الأصولية وتنقيحها، كانا أهم محاور الدرس الأصولي عند أبي حامد، ويمكن للدارس أن يلمس ذلك في أغلب المباحث، سواء في المستصفى أو المنخول، حيث يعتمد في دراساته الأصولية أسلوب الحجاج العلمي؛ أي الذي يبحث في تأصيل محلّ النزاع وتعليله، ثم التماس سبل تحريره وإنهائه، وهو مسلك أغلب الأصوليين الذين ورثوا اجتهادات و أقوال أصولية متعددة في المسألة العلمية الواحدة، وكثيراً ما يلجأ أبو حامد في هذا المسلك إلى استعراض الآراء الأصولية المخالفة في المسألة نفسها، مُرجِّحاً بينها، أو مُتخيِّراً أسدّ الآراء بالنسبة إليه وأقواها.

ولأجل ذلك كله، نُلفيه يقدّم كتابه شفاء الغليل بشرائط ينبغي للمطالع استجماعها قبل مراجعته، ومن هذه الشروط: “أن يكون التعريج على مطالعة هذا الكتاب مسبوقاً بالارتياض بمجاري كلام الفقهاء في مناظراتهم، ومراقي نظرهم في مباحثاتهم، محيطاً بجليات كلام الأصوليين، محتوياً على أطراف هذا العلم، خبيراً بمنهاج الحِجاج، كثير الدربة والمران بمصنفات أهل الزمان…”[67].

أما في كتابه المنخول فيعرض فيه بنفسه منهجه العام في دراسة الأصول، وفيه يظهر بقوّة منزعه التحقيقي والتنقيحي للمعرفة الأصولية، يقول: “هذا تمام القول في الكتاب، وهو تمام المنخول من تعليق الأصول، بعد حذف الفضول وتحقيق كل مسألة بماهية العقول، مع الإقلاع عن التطويل، والتزام ما فيه شفاء الغليل، والاقتصار على ما ذكره إمام الحرمين، رحمه الله، في تعاليقه تبديل وتزييد في المعنى، وتعليل سوى تكلف في تهذيب كل كتاب بتقسيم فصول وتبويب أبواب؛ روماً لتسهيل المطالعة، ثم مسيس الحاجة إلى المراجعة، والله أعلم بالصواب”[68].

إن الغزالي اعتنى بالمادة الأصولية، و صنف فيها كتبه رغبة منه في تحقيق القول فيها، وفي تنقيحها مما علق بها من غير الأصول، وهو الأمر الذي صرح به في غير ما مرة في مقدّمات وخطب مصنّفاته، وبين ثناياها وفي خاتماتها؛ فالإمام الغزالي أقام تدوين المستصفى بناء على اقتراح طلبته تصنيف كتاب في الأصول، وفق ترتيب جيد و مفيد يبعدهم عن الإخلال الحاصل في الكتب المتداولة، ويخلّصهم من الملل والغموض والتعقيد، يقول رحمه الله: “ثم ساقني قدر الله تعالى إلى معاودة التدريس، والإفادة، فاقترح علي طائفة من مُحصِّلي علم الفقه تصنيفاً في أصول الفقه، أصرف العناية فيه إلى التلفيق بين الترتيب والتحقيق، وإلى التوسط بين الإخلال والإملال، على وجه يقع في الفهم دون كتاب تهذيب الأصول؛ لميله إلى الاستقصاء والاستكثار، وفوق كتاب المنخول لميله إلى الإيجاز والاختصار، فأجبتهم إلى ذلك مستعينا بالله، وجمعت فيه بين الترتيب والتحقيق لفهم المعاني، فلا مندوحة لأحدهما على الثاني، فصنفته، وأتيت فيه بترتيب لطيف عجيب، يطلع الناظر في أول وهلة على جميع مقاصد هذا العلم، ويفيده الاحتواء على جميع مسارح النظر فيه، فكل علم لا يستولي الطالب في ابتداء نظره على مجامعه ولا مبانيه، فلا مطمع له في الظفر بأسراره ومباغيه”[69].

كما جعل تأليف المنخول على منوال البرهان للجويني، غير أن قصده من تأليفه وغايته العلمية تسهيل أمر القارئ والمبتدئ في الأصول، للمراجعة والمطالعة، ولا يميزه من عمل الجويني “سوى تكلف في تهذيب كل كتاب بتقسيم فصول، وتبويب أبواب؛ روماً لتسهيل المطالعة، ثم مسيس الحاجة إلى المراجعة، والله أعلم بالصواب”[70].

نتائج ختامية

بعد هذه المرافعة العلمية والتاريخية يمكنني الخلوص إلى النتائج الآتية:

نتيجة أولى؛ لا يستقيم القول بتأثر تراث الدرس الأصولي بالمنهج المنطقي خلال مرحلته التأسيسية الأولى؛ لاعتبارات كثيرة منها علمية وموضوعية وذاتية ومنهجية تم بيانها في حينها خلال المباحث السابقة، من أبرزها تأخر التعرف الكلي على المنطق وقواعده، بعد قيام القواعد الأصولية وتأسيسها بصفة كاملة، ثم المغايرة الفلسفية للعلوم الإسلامية عن غيرها من العلوم الوافدة، الأمر الذي أخر من المزج الرشيد بينهما.

نتيجة ثانية؛ إذا صح القول باستثمار المعرفة المنطقية في النظر الأصولي؛ فإن ذلك قد تم خلال مراحل الاستدلال والحجاج بعد اشتداد العود الأصولي، وتقويته على أسس متينة، كما كان حضور النزعة المنطقية خلال هذه المرحلة للاستدلالات العلمية المذهبية على صحة القواعد والأصول؛ لأن الاستدلال والبرهان مجاله المنافحة والدفاع عن صحة الرأي؛ بما لا يتوفر في الأولى أي عن المذهب، وهذا الأمر لم يظهر إلا بعد تطور المذاهب الفقهية ونضجها، وهذا ما نلحظه في المدونات الأصولية بعد الشافعي، وخصوصا مع بداية القرن الرابع. لذلك، فإنه ليس عيبا استمداد الأصول للمنطق إنما ليس من المعقول استمرار الخطا في القول بما ينافي الحقائق التاريخية والعلمية لتراثنا.

نتيجة ثالثة؛ ومفادها أنّ الدعوى المشاعة عن الغزالي بدعوته إلى إدماج علم المنطق وآلياته ضمن منهج الاستدلال في النظر الأصولي غير صحيحة على إطلاقها، وإنما دعوته قائمة على أسس علمية تروم تصفية علم أصول الفقه من الدواخل المنطقية وآثاره، كما لها مقاصد تهدف إلى ضرورة تحقيق وظهور الفائدة البينة من استثمارها، وكذا تحرير محال النزاع الواردة في المباحث بين الأصوليين.

نتيجة رابعة؛ فإن الغاية النافعة المقصودة في الخطاب الشرعي كانت الحاكم عند العلماء في إمكانية اختيار الوسائل الكفيلة لوصولها، وتحدّد الآليات المعتبرة في بلوغها، لذلك اعتُبر علم المنطق ومبادؤُه المنهجية إحدى الأدوات الوافية بالغرض، كلما تم استخلاص المناسب فيها والخدوم في صحيح الاستدلال والنظر، الشيء الذي منح طبيعة خاصة إلى علم المنطق المكيف مع البيئة العلمية الإسلامية عند الغزالي.

الهوامش


[1]. ولي الله الدهلوي، حجة الله البالغة، تحقيق: محمد شريف سكر، بيروت: دار إحياء العلوم/لبنان، ط2، (1413ﻫ/1992م)، 1/309-310.

[2]. فخر الدين الرازي، مناقب الشافعي، القاهرة: المطبعة العلامية، د. ت، ص21.

[3]. رضوان السيد، “الشافعي والرسالة، نظرة في التكون التاريخي للنظام الفقهي”، مجلة الاجتهاد، بيروت:  دار الاجتهاد، ع8، س2، (صيف 1410ﻫ/1990م). ص67.

[4]. عبد الوهاب إبراهيم، أبو سليمان، الفكر الأصولي: دراسة تحليلية نقدية، دار الشروق، ط2، (1404ﻫ/1984م)، ص69.

[5]. محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الفكر، 1309ﻫ، ص560.

[6]. المرجع نفسه، ص39.

[7]. المرجع نفسه، ص41.

[8]. الشافعي نفسه، ص50.

[9]. المرجع نفسه، ص 40-41.

[10]. المرجع نفسه، ص51.

[11]. المرجع نفسه، ص53.

[12]. أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق: عبد الله دراز، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، (1414ﻫ/1994م)، 4/84-85.

[13]. الشافعي، الرسالة، م، س، ص19.

[14]. المرجع نفسه، ص22.

[15]. جمال الدين الأسنوي، التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، تحقيق: محمد محسن هيتو، بيروت: مؤسسة الرسالة/لبنان، ط2، (1401ﻫ/1981م)، ص34.

[16]. رفيق العجم، الأصول الإسلامية، منهجها وأبعادها، دار العلم للملايين، ط1، 1973، ص326.

[17]. أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، نقض المنطق، تحقيق: الشيخ محمد بن عبد الرزاق حمزة، والشيخ سليمان بن عبد الرحمن الصنيع، تصحيح محمد حامد الفقي، بيروت: المكتبة العلمية/لبنان، (1370ﻫ/1951م)، ص168.

[18]. ابن قيم الجوزية، مفتاح دار السعادة، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، ط1، (1413ﻫ/1993م)، ص163.

[19]. شهاب الدين أبو العباس القرافي، الفروق: أنوار البروق في أنواء الفروق، تحقيق: مركز الدراسات الفقهية والاقتصادية، محمد أحمد السراج، علي جمعة محمدأ دار السلام، ط1، (1421ﻫ/2001م)، 2/670.

[20]. تقي الدين وتاج الدين السبكي، الإبهاج شرح المنهاج، بيروت: دار الكتب العلمية، (1416ﻫ/1995م)، 1/7.

[21]. رؤوف شلبي، الدعوة الإسلامية في عهدها المكي: مناهجها وغاياتها، دار القلم، ط 3، ص277.

[22]. انظر علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، القاهرة: دار المعارف، ط9، 1995، ص54.

[23]. أبو يوسف يعقوب بن إسحاق ابن السكيت (المتوفى: 244ﻫ)، إصلاح المنطق، المحقق: محمد مرعب الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، (1423ﻫ/2002م)، ص8.

[24]. الموافقات، م، س، 4/249.

[25]. رواه مسلم في كتاب الأشربة، باب بيان أن كل مسكر خمر، رقمه 1865.

[26]. الموافقات، م، س، 4/249-250.

[27]. عبد الرحمن ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون. بيروت: دار الجيل/لبنان، ص530.

[28]. السيوطي، صون المنطق والكلام، تحقيق: علي سامي النشار، سعاد علي عبد الرزاق، سلسلة إحياء التراث الإسلامي، ص48.

[29]. شمس الدين أبو عبد الله الذهبي (المتوفى: 748ﻫ)، سير أعلام النبلاء، القاهرة: دار الحديث، (1427ﻫ/2006م)، 8/268.

[30]. بدر الدين الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، تحقيق: محمد محمد تامر، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، (1421ﻫ/2000م)، 8/233.

[31]. ابن خلدون، المقدمة، م، س، ص515.

[32]. ابن تيمية، نقض المنطق، تحقيق: الشيخ محمد بن عبد الرزاق حمزة، والشيخ سليمان بن عبد الرحمن الصنيع، تصحيح محمد حامد الفقي. بيروت: المكتبة العلمية/لبنان، (1370ﻫ/1951م)، ص168.

[33]. علي سامي النشار، مناهج البحث عند مفكري الإسلام، دار المعارف، ط4، 1978، ص10-11.

[34]. علي بن محمد السويلم، رؤية نقدية لنظريات أرسطو طاليس المنطقية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، (1431ﻫ/2001م)، ص127.

[35]. انظر: يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، طرق الاستدلال ومقدماتها، عند المناطقة والأصوليين، الرياض: مكتبة الرشد، ط2، (1422ﻫ/2002م)، حيث يقول في هذا الصدد: “ظهرت للمنطق آثار متعددة في العلوم الإسلامية، ومنها أصول الفقه، ولن نبحث هنا ما يُدَّعَى من تأثيره على بدايات هذا العلم، والادعاء بتأثر الشافعي، في رسالته به، لأن هذا مما لم يقم عليه دليل…” ص22.

[36]. انظر: مسعود بن موسى فلوسي، الجدل عند الأصوليين بين النظرية والتطبيق، مكتبة الرشد ناشرون، ط1، (1424ﻫ/2003م)، ص88.

[37]. مصطفى عبد الرزاق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، القاهرة: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، (1363ﻫ/1944م)، ص245.

[38]. انظر الحسان شهيد، نظرية النقد الأصولي، دراسة في منهج النقد الاصولي عند الإمام الشاطبي، فرجنيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 2012، ص87.

[39]. أخرجه البخاري، كتاب الطلاق، باب من أجاز الطلاق الثلاث، رقمه 4960، وأخرجه مسلم، كتاب باب لا تحل المطلقة ثلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره، رقم 1433.

[40]. الرسالة، م، س، ص160-161.

[41]. أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره، رقمه 2564، وابن ماجة، كتاب الفتن، باب حرمة المؤمن وماله، رقمه 3933.

[42]. الرسالة، م، س، ص 513-514-515.

[43]. المرجع نفسه، ص369.

[44]. المرجع نفسه، ص386-391.

[45]. المرجع نفسه، ص41-43.

[46]. يعقوب بن عبد الوهّاب الباحسين، طرق الاستدلال ومقدّماتها، عند المناطقة والأصوليّين، الرياض: مكتبة الرشد، ط2، 2001، ص23.

[47]. أبو حامد الغزالي، المستصفى، تحقيق: محمد سليمان الأشقر، بيروت: مؤسسة الرسالة/لبنان، ط1، (1417ﻫ/1997م)، 1/45.

[48]. الموافقات، م، س، 4/249-250.

[49]. نقض المنطق، م، س، ص155.

[50]. المرجع نفسه.

[51]. المرجع نفسه.

[52]. المستصفى، م، س، ص45.

[53]. يعتبر البعض أن ابن حزم هو أول من أدخل المنطق إلى علوم المسلمين وليس الغزالي، انظر:

ـ عباس سليمان، تطور علم الكلام إلى الفلسفة ومنهجها عند نصير الدين الطوسي، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1994م، ص17، وهو الأمر الذي لم يجد له البعض مساغاً بالنظر إلى احتفاء ابن حزم البالغ بالكتاب والسنة، انظر:

ـ أبو الفضل عبد السلام ابن عبد الكريم، الإمام ابن حزم ومنهجه التجديدي في أصول الفقه، القاهرة: المكتبة الإسلامية، ط1، (1422ﻫ/2001م)، ص96.

ـ محمد سليمان داود، القياس الأصولي: منهج تجريبي إسلامي، الإسكندرية: دار الدعوة للطباعة والنشر، (1304ﻫ/1984م)، ص231.

[54]. الغزالي، المستصفى، م، س، ص45.

[55]. أبو حامد الغزالي، تهافت الفلاسفة، تحقيق صلاح الدين الهواري، بيروت: المكتبة العصرية/لبنان، ط1، (1422ﻫ/2001م)، ص50

[56]. المرجع نفسه، ص45.

[57]. المرجع نفسه، ص43.

[58]. المرجع نفسه، ص43.

[59]. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، الفكر الأصولي: دراسة تحليلية نقدية، القاهرة: دار الشروق، ط2، (1404ﻫ/1984م)، ص338.

[60]. أبو حامد الغزالي، تهافت الفلاسفة، م، س، ص50.

[61]. المرجع نفسه، ص34.

[62]. المرجع نفسه، ص42.

[63]. المرجع نفسه، ص42.

[64]. مقدمة محقق المستصفى، م، س، ص15.

[65]. المرجع نفسه، ص16.

[66]. المرجع نفسه، ص17.

[67]. أبوحامد محمد بن محمد الغزالي، شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل، وضع حواشيه الشيخ: زكرياء عميرات، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، (1420ﻫ/1999م)، ص8-9.

[68]. أبو حامد الغزالي، المنخول من تعليقات الأصول، تحقيق: محمد حسن هيتو، دمشق: دار الفكر، ط2، (1400ﻫ/1991م)، ص504.

[69]. الغزالي، المستصفى، م، س، ص33-34.

[70]. الغزالي، المنخول، م، س، ص403.

Science

د. الحسان شهيد

أستاذ التعليم العالي، كلية أصول الدين وحوار الحضارات، تطوان-المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق