وحدة الإحياءدراسات وأبحاثتراث

التراث الصوفي وسؤال التحقيق والتحقق

حظي تراث الأمة منذ عقود من الزمن بعناية العلماء والمفكرين والباحثين، حيث تعددت رؤى ومناهج وزوايا النظر إلى هذا التراث بحسب المشارب، واختلاف السياقات، والحاجة الملحة إلى إيجاد حلول لإشكالات الحاضر؛ إذ لم تكن العودة إلى الماضي، كليا أو جزئيا أو تأَوُّلا، إلا استجابة للتحديات الكبرى التي واجهها المعبرون عن ضمير الأمة مهما اختلفت توجهاتهم أو توظيفاتهم التي ضغطت وتضغط على حاضرهم.

غير أن الجديد في هذه المسألة هو التفكير في التراث من جهة أفقه المستقبلي واستشراف مآله، بعدما كانت العودة إليه عنوانا للانحسارية والانغلاقية في زوايا الماضي الذي ولى، وفي أحسن الأحوال توظيف ما تبدى منه نافعا لتبرير قضايا الحاضر ما دامت الجماهير متشبثة به بوعي أو غير وعي.

إن التفكير في التراث بهذا البعد الاستشرافي والمستقبلي يعبر عن تجديد للنظر في التراث نفسه وإخراجه من البعد الزمني ليأخذ مكانه باعتباره فكرا حيا يشكل تقليدا للأمة، وليس مجرد ميراث أو تركة خلفها غيرنا لنا، بل هو ضمير تتساكن فيه أمور مستنفذة، وأوراش مستأنفة، وإشكالات منفتحة على التجديد والإبداع، بل مازالت أماني لم تجد من يسير بها إلى أبعد مدى من الإحياء والابتكار، فليست الحداثة دوما دالة على الحاضر، فكم من خطاب معاصر مغرق في الماضوية، وكم من لمعات الماضي في غاية الحداثة والجدة.

لقد كان الباعث على هذه الأفكار هو اللقاء العلمي الدولي الذي نظمته مجلة الإحياء التابعة للرابطة المحمدية للعلماء بتعاون مع معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية حول: “مستقبل التراث: المشروع والمشروعية وسؤال التجديد” بغية الخروج برؤية منهجية وبحثية علمية ترسم فلسفة جديدة للتراث مفهوما وتأثيلا، ووظيفة وإبداعا. مما يمنح مثل هذا المنتدى العلمي جديته وجدته؛ إذ رسم للإشكالية التراثية طريقا متحررا من هيمنة هواجس الماضوية، ومتوجها إلى البحث في التراث باعتباره تقليدا قابلا للتجديد؛ مما يكسبه أبعادا كبرى تجاوزت تراث البحث في التراث نفسه، فالزمن الماضي كان حاضرا، والمستقبل سيصبح هو الآخر حاضرا، ومن ثم تعتريه أحكام الزمن ليصير ماضيا.

إن إشكال استشراف التراث ينم عن وعي بصيرورة الزمن، وينظر للتراث بوصفه وعاء للهوية والخصوصية الحضارية للأمة التي يمكن التمييز فيها بين الثوابت والمتغيرات، والحاجة القصوى لتجديد النظر فيها قائمة باعتبار الأصول والتحولات التي يعرفها السياق، والذي يظهر كفاءات المجتهدين في إدراك هذه اللحظات الفارقة التي بها يصبح التراث حيا وحاضرا قابلا للإحياء والإبداع.

وبخصوص التصوف، الذي كان وما يزال مثار جدل، يستعيد طروحات الممالئين والمناوئين منذ قرون، طروحات تجعل هذه الفئة أو تلك تستدعي التراثين في غياب للحاضر الذي يستدعي استئناف السؤال حول التراث الصوفي منهجا ومضمونا وبحثا عن آفاق مستقبلية يمكن أن تسعف في إيجاد سبل لتجديد منظومة العلوم الإسلامية.

ويتميز التراث الصوفي بكونه تراثا مركبا يحتوي عناصر مادية ومعنوية شكلت وجدان الأمة علميا وتنظيميا وعمرانيا من خلال ما اجتهد أعلامه في إبرازه من أنظار أخلاقية وعرفانية، وما أبدعه أهله من “تنظيمات” اصطلح عليها بالطرق أو الطرائق الصوفية، والتي كانت بمثابة مدارس عنيت بتربية النفوس وتزكيتها ومدارسة رقائق “القوم” وحقائقهم، اتخذت لها أماكن مخصوصة عرفت باسم الزوايا أو التكايا أو الخانقاه، عبرت عن منظور عمراني ينطق بجماليات الروح، ومن ثم كان للتراث حضورا قويا في الثقافة العالمة، والشعبية، والذاكرة المدونة والشفوية، بحيث تبنته النخب وسائر الجمهور.

حول التراث الصوفي

فالتراث الصوفي يفي بالمفهوم الشمولي للتراث الذي يعني كل ما ورثه[1] الخلف عن السلف من ماديات ومعنويات، ورد في معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب: “التراث (legacy) ما خلفه السلف من آثار علمية وفنية وأدبية مما يعتبر نفيسا بالنسبة لتقاليد العصر الحاضر وروحه… كذلك ما تحتويه المتاحف والمكتبات من آثار تعتبر جزءا من حضارة الإنسان[2]“، وبالتالي فالتراث الصوفي بطبيعته المركبة التي تتصل بالمعرفي والخلقي والمجتمعي، وسريان تأثيره في الحاضر، يدخل ضمن مفهوم التراث (patrimoine)، وهو “ما تراكم خلال الأزمنة من تقاليد وعادات وتجارب وخبرات وفنون وعلوم في شعب من الشعوب. وهو جزء أساسي من قوامه الاجتماعي والإنساني والسياسي والتاريخي والخلقي، ويوثق علاقته بالأجيال الغابرة التي عملت على تكوين هذا التراث وإغنائه[3].”

ومن تم فالتراث الصوفي يشمل كل ما دونه الصوفية بخصوص علومهم شعرا ونثرا، سواء ما تعلق منها بالسير والسلوك، والأحوال والمقامات، أو ما اشتمل على أنظار في الوجود والمعرفة، أو ما اتصل بقضايا المحبة، أو ما كان تسجيلا لمناقب طبقاتهم، أو أوراد و أدعية طرقهم.

ولقد تم الاقتصار في هذا السياق على التراث الصوفي المكتوب والمدون في المخطوطات المحفوظة في المكتبات العامة والخاصة، وعلاقته بسؤال تحقيقه ونشره، “فالتراث في مجال تحقيق النصوص، هو كل ما وصل إلينا مكتوبا، في أي علم من العلوم، أو فن من الفنون، أو هو بالتالي: كل ما خلَّفهُ العلماء في فروع المعرفة المختلفة..[4].”

التراث الصوفي والتدوين

اشتغل علم التصوف بأحوال النفوس وتزكيتها والبحث عن أسباب الترقي الأخلاقي والعوائق التي تحول دون التحقق بكمالات الدين وقيمه، واستغرق جهده في تأصيل الأصول لعلم السلوك؛ باذلا جهده في بلورة تصور متكامل يجمع بين العمل والنظر عبر مسيرة تطوره، فهو “فلسفة حياة تهدف إلى الترقي بالنفس الإنسانية أخلاقيا، وتتحقق بواسطة رياضات عملية معينة تؤدي إلى الشعور في بعض الأحيان بالفناء في الحقيقة الأسمى، والعرفان بها ذوقا لا عقلا، وثمرتها السعادة الروحية، ويصعب التعبير عن حقائقها بألفاظ اللغة العادية؛ لأنها وجدانية الطابع وذاتية[5].”

 فقد أجمع الصوفية على اعتبار “الروح” مبدأ “يفسر حقيقة الوجود في مجال النظر، كما تبنوا القيم الروحية كمسلك في مجال العمل[6]“. وبذلك أصبح التصوف علما يعنى بالجوانب القيمية والأحكام الأخلاقية التي تحث عليها الشريعة سعيا منه نحو تكميل عمل الفقهاء الذين استفرغوا جهودهم في استنباط الأحكام من أدلتها الشرعية والتي انصبت على الظاهر، ومن ثم اختص الصوفية بأحكام القلوب اعتبارا منهم لتكاملية الفقه والتصوف في بناء الشخصية الروحية والأخلاقية للأفراد والمجتمعات المسلمة، فقد “تطور معنى التصوف إلى ما يناسب الكمال الديني الذي وضع له اللفظ أولا، وأدى هذا الطموح إلى نشأة علم ديني إلى جانب العلم الفقهي[7]“. وغدت “الأعمال الباطنة هي أعمال القلوب، وسمي هذا العلم الثاني علم التصوف، وسمى المتصوفون أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسموا من عداهم أهل ظواهر وأهل رسوم[8]“، واختصوا بـ”الأخلاق الدينية ومعاني العبادة[9].”

 فأصبح مضمون التراث الصوفي في الفكر الإسلامي معبرا عن  القيم والأخلاق في شمولها ودقائق تفاصيل التحقق بها وطبيعة العوارض الصارفة عن تمثلها، وكل ما يمت إلى الحياة الروحية في الإسلام بصلة، فقد كثرت أسماء علم التصوف “فسمي علم القلوب، وعلم الأسرار، وعلم المعارف، وعلم الباطن، وعلم الأحوال والمقامات، وعلم السلوك، وعلم الطريقة، وعلم المكاشفة[10]“، وغيرها من الأسماء التي تشير إلى الاعتناء بالشأن الروحي والأخلاقي في التراث الإسلامي.

لقد تبلور علم التصوف داخل المنظومة الإسلامية باعتبار اشتغاله الأخلاقي واتخاذه لمفهوم شمولي وتكاملي للشريعة أساسه الجمع بين الظاهر والباطن، أو الحقيقة والشريعة، مما تولد معه جدل كبير مع الفقهاء، كما تطورت آليات الحجاج والاستدلال الصوفي لتشمل مناهج التعرف والمعرفة الدينية؛ حيث “اتسعت أنظار الباحثين في العلوم الدينية ودقت وترامت هممهم إلى الكلام في أصول الدين بعقولهم، ولطفت أذواق المراقبين منهم لمعاني العبادات وحركات القلوب، فأخذ التصوف يتسامى إلى نظرية خاصة في المعرفة وسبيل الوصول إليها[11]“؛ ليترسخ أن الذوق والكشف وجلاء البصيرة يمكن من درك حقائق التوحيد، فلا يمكن التعويل على العقل وحده في فن التوحيد وأصول الدين كما عند المتكلمين، فـ”أهل التصوف يؤْثرون العلوم الإلهامية دون التعليمية، ويعدونها المعرفة الحقيقية والمشاهدة اليقينية التي يستحيل معها إمكان الخطأ[12].”

فقد ارتبط التصوف منذ بدايات تشكله الأولى بمساءلة علم الفقه من حيث تحقيقه للكمال الأخلاقي المطلوب من الدين؛ مما جعل الفقهاء في غالبيتهم خصوما له، كما قام بمساءلة علم الكلام من حيث تحقيقه للشهود الاعتقادي المقصود من الدين؛ مما جعل علماء الكلام خصوما له كذلك، ليعرف التصوف في مختلف مساراته جدلا كبيرا وخصومة حادة ظلت مصاحبة لتراثه في مختلف أطواره أثرت على طبيعة تلقيه والعناية به إلى اليوم.

إن الكتابة أو التدوين يعتبر إشكالا في حد ذاته بالنسبة لعلم التصوف، ذلك بأن كثيرا من الصوفية كانوا يعتبرون تكوين الأفراد أو الجماعات أخلاقيا وروحيا لا يضاهيه تأليف الكتب، فتجد عندهم مقولات من مثل “كتبي أصحابي”، “تأليف القلوب أولى من تأليف الكتب”. كما ارتبط تدوين التصوف بطبيعة أخذ أحكام الشريعة وتلقيها “من صدور الرجال لا فرق بين عباداتها ومعاملاتها وعقائدها، ثم تحدث الناس في الأمور الدينية على نظام علمي، ونشأ التدوين فكان أول ما توجهت إليه الهمم وانصرفت إليه الأفكار علم الشريعة بمعنى الأحكام العلمية حتى يحسب الناس أن الاشتغال بهذا العلم والعمل به هو غاية الدين[13].”

غير أن فئة من الصوفية وجدت في معاني القوم العليا من الشفوف ما لا يمكن لعبارة بكثافتها أن تحتوي لطائفها؛ فآثروا الصمت أو التداول المحدود بينهم في مجالسهم.

وأخرى رأت في رقائق القوم وحقائقهم العرفانية نوعا من الخطاب الذي لا يمكن أن يرقى إليه فهم عامة الناس، وأنه خاص بخاصة الخاصة التي تقدر على إدراك مراميه بدون وهم و لا اعتساف، فاختاروا الإشارة طريقا للتواصل بينهم بحيث لا يفك شفراتها إلا من نزل منازلهم وذاق مذاقاتهم وأناخ في مقاماتهم من خلال تجاربهم الروحية والأخلاقية.

في حين انبرت طائفة من الصوفية إلى إثبات مشروعية علم التصوف وتأصيله بالرجوع إلى الكتاب والسنة وسيرة الصحابة والتابعين، مخلفة مصادر يمكن اعتبارها مؤسسة لمبادئ هذا العلم وقواعده. كما أبرزت طائفة أخرى من أهل التصوف رؤيتها للإنسان والعالم والوجود ومراتب المعرفة والعرفان، “ولعل علم التصوف إنما صار علما مدونا في هذا الدور، وصار موضوعه ما يوصل إلى درجة العرفان من أنواع المجاهدات، وما ينشأ عنها من الأذواق والمواجد التي هي المقامات والأحوال، وقد جدت للقوم عبارات يدلون بها على ما اكتشفوا من دقائق المعاني فضمنوا علمهم أيضا شرح هذه الاصطلاحات[14].”

كما ارتبطت قضية تدوين الصوفية لعلومهم بالسياق العام لتدوين العلوم الإسلامية، حيث “كان علماء السنة جادين في تحديد موازين الحديث، وجمع التقارير عن رجاله، والبحث عن علله، والمقارنة بين رواياته، وكان علماء الفقه كذلك منهمكين في بحث الأحكام وتأصيل الأصول[15]“، فقد كانت أولويات علمية وحضارية لبناء الأسس وتأصيل الثوابت التي يقوم عليها دين وتدين الأمة، بيد أنهم لم “يعنوا بعلم السلوك لأمرين:

أولهما؛ أنهم جميعا كانوا على المنهج السوي علما وعملا، قمة في الورع، وخمول الذكر، وسلب الإرادة لله وحده، لا رائد لهم وراء عملهم ولا أمامه إلا الله ورسوله، وعلى هذا كان تلاميذهم.

الثاني؛ أن الغالب من أصول السلوك أمور قلبية يسهل ادعاؤها، ويصعب تعليمها عن طريق غير طريق القدوة والمراقبة العملية، على العكس من علوم الشريعة من العبادات والمعاملات والمواريث التي تخضع للظاهر من أمر الناس، ويكفي الجانب الظاهر منها لإقامة رسم الإسلام، أما الجانب الباطن منها، وهو الذي تقوم به روح الإسلام فقد ترك للضمير وحده[16].”

 مما كان سببا في ذيوع المدارس والطرق الصوفية وانتشارها في أرجاء العالم الإسلامي، واقتصارها في الغالب الأعم على تداول بعض كتب الأدعية والأذكار والأوراد والتصليات مما له صلة بالجانب العملي والسلوكي تستوي في تحصيله مختلف طبقات المجتمع، الشيء الذي أكسب التصوف جمهورا واسعا وحضورا كبيرا وانتعاشا للثقافة الشفوية قد تمتزج بالمخيال الشعبي[17].

فالاهتمام الروحي الذي تميز به التصوف، منحه انسيابية خارقة في مختلف المجتمعات التي حل بها، وقدرة هائلة على التكيف مع البيئات المتنوعة؛ مما أكسبه حضورا قويا في مختلف البقاع التي وصلها. فقد “أثبت التصوف الإسلامي أنه أقدر تيارات الحضارة الإسلامية على التأثر بالبيئة التي يحط فيها رحله، وعلى امتصاص أكبر قدر من سماتها البيئية والحضارات المحلية والقديمة فيها[18].”

وأعطى بالتالي للتراث الصوفي اتساعا كبيرا يمكن إجمال تشعباته المختلفة إلى منحيين كبيرين اثنين اصطلح عليهما بالسلوك والعرفان، حيث “يطلق الباحثون من الفرس على التصوف الفارسي اسم العرفان، وواضح أن المصطلح قريب من المعرفة، قاصدين بذلك أن السمة التي تميز التصوف في إيران أنه تصوف فكري أكثر منه تصوفا سلوكيا.. وأن التصوف كلما كان يتطور في إيران كان يبتعد عن الاهتمام بمسائل السلوك بقدر قربه من مسائل الفلسفة، وأن الاهتمام بالعرفان بدأ عند فلاسفة مثل ابن سينا، وانتهى بفلاسفة مثل ملا صدرا؛ كما أن الشعر العرفاني يمثل أكثر من ثلتي الشعر الفارسي[19].”

التراث الصوفي والتحقيق

لا ينفصل سؤال تحقيق[20] التراث الصوفي عن حركة إحياء التراث عموما لمقاصد نهضوية، سواء في الغرب أو العالم الإسلامي، فقد اعتنى علماء الغرب بالتراث اليوناني واللاتيني والعربي القديم منذ القرن الخامس عشر الميلادي. ولو أن عملهم في نشره “لا يتعدى حدود الطبع البدائي الذي كان يعتمد فيه غالبا على نسخة واحدة، وقد تكون غير مصححة ولا معنى بها فنيا[21]“، إلى أن تطورت مناهج العلماء الغربيين بصدد التراث حتى استوت منهجية علمية متكاملة تقوم على مجموعة من القواعد والمبادئ لنقد النصوص ونشرها في القرن التاسع عشر..

 “حيث تطورت الخبرات في عمل نشر المخطوطات إلى وضع أصول فنية وقواعد علمية لتحقيق النصوص[22]“، فنبغ فيه ثلة من المستشرقين الكبار الذين عنوا بنشر عيون التراث العربي لأهداف دينية وسياسية، وتحقيقه تحقيقا يفي بالشرائط العلمية الصارمة، وقد تأثر بهؤلاء المستشرقين بعض رجال الرعيل الأول من المحققين العرب المحدثين من أمثال العلامة المرحوم أحمد زكي باشا، الذي حقق كتابي “أنساب الخيل”، و”الأصنام” لابن كلبي وطبعهما بمطبعة دار الكتب بالقاهرة سنة 1914م. وكان من أوائل الكتب التي عليها كلمة “تحقيق” لأول مرة[23].

وهذا لا يعني أن العرب القدامى لم يعرفوا هذا النوع من الاهتمام العلمي بالنصوص، فـ”منذ نشوء حركة التأليف عندهم وعلى مديات تطوراتها، وقد تمثل ذلكم الاهتمام وتلكم العناية بما اصطلح عليه لديهم بـ”الضبط” و”التحرير” و”المقابلة[24].”

غير أن نشر نصوص التراث العربي عند المحدثين من العرب مع ظهور المطابع وانتشارها لم يبلغ درجة ما وصله المستشرقون من العناية والدقة العلمية في إخراج كنوز التراث، فقد “كان العرب ينشرون تراثهم الثقافي نشرا بدائيا يعتمدون فيه، غالبا، على نسخة واحدة للمخطوط وبغير تحقيق[25]“، ومثال ذلك في سياق التراث الصوفي، نص دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار لمحمد بن سليمان الجزولي الذائع الصيت، والذي يعرف تداولا كبيرا في الأوساط الصوفية حين طبع بديوان المدارس الذكية بالأزبكية (1256ﻫ/1840م) أو “عصيدة الشهدة شروح قصيدة البردة” للخربوتي الحنفي والذي طبع بدار الطباعة بالأستانة (1271ﻫ/1855م).

ومعلوم اعتناء الطرق الصوفية بقصيدة البردة للبوصيري ما اشتملت عليه من معاني التعلق بالجانب النبوي المحمدي، إلا أن مثل هذه النصوص لم تحظ إلا بعناية من كان يعرف بالنساخ والمصححين؛ “فالنساخ هم الذين يقومون بنسخ الكتب لطباعتها على الحجر؛ لما عرفوا به من جودة الخط، وغالبا ما يذكر اسم الخطاط الناسخ للكتاب في آخر الكتاب، وقد يذكر أسفل صفحة العنوان[26]، أما المصححون فهم الذين “كانوا يقومون بنسخ الكتب وضبطها وتصحيحها أثناء الطبع[27].”

وفي النصف الأول من القرن العشرين بدأت تقاليد التحقيق والنشر العلمي للنصوص تترسخ في التربة العربية وبالضبط في السنة التي صدر فيها كتاب “نقد النصوص”[28]. وألقى فيها المستشرق الألماني الدكتور “برجستراسر”  (bergstresser) محاضرات  في أصول نقد النصوص ونشر الكتب على طلبة الماجستير بقسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، “وكانت محاضراته المادة الأولى باللغة العربية لعلم تحقيق التراث، والمنطلق الأول للمثقفين العرب للتعامل مع هذه المادة تأليفا ودراسة[29].”

غير أن التراث الصوفي في غمرة إحياء التراث الإسلامي  في عصر النهضة عرف إقصاء وتهميشا من لدن  رواد الإصلاح و التجديد الذين اعتبروه مسؤولا عن تأخر المسلمين، فالطرق أو الطرقية الصوفية تتحمل مسؤولية الانحطاط والتخلف والجمود الذي يعيشه العالم الإسلامي ولا سبيل إلى التقدم ومضاهاة الغرب إلا بالرجوع إلى التراث “المستنير” أو العقلاني عند الليبراليين، أو بالعودة إلى الدين في أصوله الأولى كما تجلت في تراث السلف عند المحافظين أو الإصلاحيين، ليبقى التراث الصوفي ضحية الصدمة الحضارية التي عانتها النخب العالمة أواخر القرن التاسع عشر وبحثها الدؤوب عن حلول لأزمتها التاريخية الكبرى.

فمعظم حركات التجديد الإسلامي في العصر الحديث “قد اتخذت موقفا مناهضا للتصوف، وعدته مسؤولا عما ران على عقول المسلمين من غيبيات أدت إلى تخلفهم عن مسايرة ركب الحضارة، وأنه لا يرجى لهم نهوض إلا بالتخلص من التصوف. ولا تقتصر إدانة التصوف على أصحاب النزعة السلفية، وإنما شملت مجددين يمكن اعتبار أكثرهم منتسبين إلى مذاهب كانت ومازالت لا تتهم التصوف، إن لم تكن متعاطفة معه كالمذهب الأشعري، مذهب الخلف من أهل السنة، الذين يدين به جمهور كبير من المسلمين[30].”

 فجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد إقبال وغيرهم من زعماء الإصلاح، رغم مخالطتهم لأوساط التصوف أو نشأتهم الصوفية  قاوموا روح التواكلية وشيوع الفكر الجبري وخطاب الشطحات الصوفية وعوائد الرهبانية، ومجموعة من الأعطاب الاجتماعية التي اعتبروا بأن التصوف مسؤول عنها، مما كان له بالغ الأثر على العناية بالتراث الصوفي واكتشاف ثروته الروحية والأخلاقية التي احتجبت وراء ما آلت إليه الممارسة الصوفية كغيرها من العلوم الإسلامية من الجمود والتقليد والاجترار. وجعلت مفكرا في الأربعينات من القرن العشرين كأبي العلا عفيفي يقول في مقدمة تحقيقه لفصوص الحكم لابن عربي بخصوص تعليقاته عليها: “… ولم أتجه في هذه التعليقات اتجاها خاصا غير ما يمليه علي فهمي لمذهب الشيخ، تاركا أمر الحكم على عقيدته جانبا، غير متأثر بمواقف الذين وقفوا منه موقف الدفاع أو موقف الاتهام، فإن هذه النواحي أتفه من أن يعنى بها الباحثون عن الحقيقة، الذين يدرسون مذاهب الفلسفة من حيث هي وينزلونها منزلتها من التاريخ الفكري والروحي للجنس البشري[31]“؛ فكان هذا الحديث بمثابة إدانة أكاديمية لما عرفه التراث الصوفي من حملات تشويه كادت تطمس حقائقه.

فتم الاحتفاء بالمقابل بالكتب التي تذم البدع وترد على مزاعم الصوفية ككتاب “الاعتصام” للشاطبي و”فتاوى ابن تيمية” و”رسائل ابن القيم الجوزية” و”تلبيس إبليس” لابن الجوزي وغيرها من المصادر التي تم الاعتناء بها وتحقيقها من أجل تقويض مشروعية الفكر الصوفي.

الاستشراق والتراث الصوفي

غير أن صنفا آخر من الباحثين والمفكرين من خارج المجال التداولي الإسلامي العربي وهم المستشرقون والمستعربون الذين كانوا يكتشفون الذات الإسلامية ويحاولون خدمة أغراض التمركز الغربي، قاموا بتحقيق نصوص من التراث الصوفي ركزت بانتقائية على مشارب بعينها خدمة للإلحاق والاستتباع لفكرهم؛ إذ اعتبروا الإسلام غير مؤهل لإنتاج روحانية أخلاقية، وكل ما تبدى من إشراقات روحية وأنظار عرفانية لا يمكن أن يكون مصدرها إلا الدين المسيحي أو اليهودي أو الإرث الأفلوطيني أو الديانات الشرقية القديمة… ليصبح التراث الصوفي على يد النهضويين ابتداعا وعلى يد المستشرقين انتحالا.

اختلفت تقويمات الباحثين للاستشراق من حيث علاقته بالتراث الفكري للأمة بين متحمس لجهودهم العلمية ومتوجس منها، ويزداد الإشكال تعقيدا عندما يرتبط بالدراسات التراثية الصوفية بحيث لم تنفصل عن الجدل الدائر حول مصادر التصوف ونشأته، مما أثر في كثير من الأحكام بخصوص العمل الاستشراقي وجهده في تحقيق تراث الصوفية، والحاجة في الحقيقة ملحة لفحص منهجية التحقيق لديهم وطبيعة إخراجهم للنصوص وضبط مدى التزامها بالضوابط العلمية في إخراج النص المحقق من غياهب المخطوط إلى عالم النشر والذيوع، حتى يتيسر تأسيس تقاليد علمية صارمة، وتترسخ معايير تقويمية قادرة على التعالي عن التوظيفات الحاضرة..

 وبهذا يمكن التمييز بين النص/الوثيقة، وطبيعة دراسته وقراءته، فمن حق الباحث، أي باحث، سواء كان مستعربا أو مستشرقا أو من أبناء الملة المنتجة للتراث أن يدرس ذلك التراث انطلاقا من اختيارات منهجية معينة ومرجعيات محددة، وما التفاوت بينهم جميعا والتفاضل إلا في القيمة العلمية التي يكتنزها العمل، وقياس مدى تماسكه النظري وقوته الاستدلالية والتحليلية التي بها صيغت نتائجه وخلاصاته، فتعدد زوايا النظر تبعا لاختلاف الرؤى التي تنطلق منها  الأبحاث حق علمي لا يعاند فيه إلا مكابر، فالاجتهاد العلمي يبقى متروكا لسطوة الحقيقة العلمية التي  تميز بين الغث والسمين، وبين التحقيق والتدليس، وبين طالب الحقيقة وصاحب الغرض، إلى غير ذلك من الأوصاف التي تحتفظ بها الذاكرة  والتاريخ العلميين. “وهكذا فإن نشر التراث العربي ما خلا على الدوام، وطوال قرن ونصف القرن، من أغراض أيديولوجية إيجابية أو سلبية. بيد أن كمية الأيديولوجيا كانت أقل في النصف الأول من القرن العشرين. ثم في العقود الأخيرة، ما عاد هناك تعمد أو اختيار معين للنصوص التي يراد نشرها، باستثناء النصوص التي تنشر في سياق أطروحات جامعية[32].”

والتصوف باعتبار اهتمامه بالأخلاق وتزكية النفوس يعتبر علما عمليا لا ينفصل فيه النظر عن العمل، و ترتبط فيه المدارسة بالممارسة من خلال مناهج رياضة النفوس، فارتبط لذلك بجدل فكري منذ بدايات تشكله في المجال التداولي الإسلامي الذي كان يؤسس للعلوم والمعارف في مختلف تجلياتها النقلية والعقلية، حيث كان سؤال التأصيل في مقدمة تقويم العلوم وتصنيفها وترتيبها.

ولم تنفصل الصلة بالتراث الصوفي في المرحلة المعاصرة عن تاريخ الجدل الذي واكب التصوف ورجالاته عبر العصور، والذي أخذ مظاهر متعددة يمكن اختصارها في مكونين اثنين؛ يتعلق الأول منهما بقضية التبديع والتفسيق الذي وصل إلى حد التكفير؛ تعتبر لحظة مقتل الحلاج إحدى أكبر تجلياتها في بدايات التاريخ الصوفي، فيما يتعلق الثاني بالخرافية والتخلف المعيق للتقدم إبان صدمة اللقاء بالغرب في عصر النهضة، والتي أصبح فيها معنى التصوف مرتبطا بالطرقية باعتبارها تنظيما مجتمعيا واسعا مسؤولا عن التأخر الحضاري الذي عرفته الأمة.

لم ينفصل التراث الصوفي عن احتكاك الدراسين الغربيين به منذ فجر الاطلاع على مقومات الثقافة الإسلامية ورغبته في الاغتراف من مناهلها، منذ انتباه رجال الكنيسة من الرهبان إلى قيمته وفائدته الحضارية، حيث قصدوا مراكز الإشعاع العلمي حينها كالأندلس فتتلمذوا على علمائها في مختلف الفنون والعلوم، وقاموا بحركة ترجمة واسعة وشاملة لمصادر الفكر الإسلامي.

والتصوف باعتباره علما وممارسة منظمة في مختلف أرجاء العالم الإسلامي يجمع بين ثقافة النخبة والاتساع التأطيري الجماهيري، حظي بعناية  بالغة من طرف المستشرقين حتى يستطيعوا التعرف على مكامن القوة والضعف في المجتمع تمهيدا للسيطرة الاستعمارية[33]، فقد لقيت دعاواهم حول خرافية وأسطورية الفكر الصوفي صدى عند كثير من رواد الإصلاح الذين روجوا لخطاب العلم والعقل والتقدم انطلاقا من مركب النقص الحضاري الذي حمل التصوف مسؤولية التخلف. كما إن كثيرا من المستشرقين لم يستسغ انبثاق قوة روحية في الإسلام بمثل ذلك التوهج والإبداع، فحاول بشتى الوسائل الاستدلال على عدم إمكانية أن يفرز “دين بدوي في الصحراء” روحانية من قبيل ما شاهدوه في واقع المسلمين وما خلفوه من نظرات عميقة تسبر أغوار النفس وأسرار الروح.

فالاستشراق هو نتيجة هذا الاتصال المبكر والطويل بالتراث الإسلامي، غير أن سياقات هذا التعرف تختلف بين زمنين، زمن كان فيه الغرب متلقيا ومترجما وتلميذا، وزمن صار فيه مهيمنا وسيدا وأستاذا يبشر بقيم المدنية والتقدم.

بل هناك من الباحثين من توسع في مفهوم المستشرق ولم يحصره في دائرة الانتماء إلى الديار الغربية، بل اعتبر “كلَّ من كتب بغير العربية أبحاثاً أو حقق كُتباً أو صنَّفها حول الفكر الإسلامي، حتى ولو كان عربيا مسلما أو؛ كالجزائري ابن أبي شنب، والعراقي بولُوس نْوِيا، والفلسطيني الأصل الروسي الجنسية بندلّي جوزي” مستشرقين. ذلك أن هؤلاء “يجمعهم أنهم نشروا أعمالهم إما في مجلاّت المستشرقين، وإما في دور نشر معروفة خاصة بهم، وهذا يعني أنهم خالطوا محافلهم أو تبنوا مناهجهم[34].”

وقد اختلفت أغراض المستشرقين بخصوص تحقيق التراث العربي عموما والصوفي خصوصا، فمنهم من أراد الاحتفاء بتراث بلده والتوثيق البيبليوغرافّي الخاص بوطنه، بتحقيق نصوص تنتسب إليه. كالإيطاليين، “أماري” و”غابْرييللي” اللذين جمعا ما كتب حول وطنهما صِقلية الإسلامية في مختلف المجالات[35]. وكالجزائري ابن أبي شنَب الذي حقق كتاب البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم[36]، تأكيدا لإسهامات الجزائر في بناء الفكر العلمي والتصوفي. كما حقق البرتغالي “دو مينْغْويش” كتاب خلع النعلين لابن قسّي، ولم يكن قصده من وراء عمله إلا إحياء تراث البرتغال الإسلامية[37].

وأراد آخرون إثبات تأثير الفكر اليوناني في نظيره الإسلامي، كالألماني ش. بينيس[38]. والهولندي “دي بور”[39]. والدنمركي “ميهْرن”[40]، وكتب قسم ثالث منهم أبحاثا أو صنف كتبا هدف من ورائها إلى إثبات تأثير اليهودية في هذا الفكر؛ كالمجري “جولْدزيهَر”[41]، والأمريكي “روزِنتال”[42] والتشيكي “بول كراوسْ”[43]، وكتب قسم رابع منهم أبحاثا أو صنف كتبا مَنْحاه فيها إثبات الأثر المسيحي في الفكر الإسلامي؛ كالإسبانيين، “أسِينْ بلاسْيوسْ”[44]، و”إصْطِبان لاتور”[45]، وكتب قسم خامس منهم أبحاثا أو صنف كتبا يؤكد فيها تأثير الغنوصية الفارسية على الفكر الإسلامي؛ كالياباني “توشيهيكو”[46]، والألماني “ريتَّرْ”[47]، والإنجليزي “بِرْنارْد لويس”[48]، وكتب قسم سادس منهم أبحاثا أو صنف كتبا يميل فيها إلى إثبات الأصل الإسلامي لهذا الفكر؛ كالفرنسيين “ماسينْيون”[49]، و”كُورْبان”[50]، فمن حيث عَزا الأول أصول التصوف الإسلامي إلى إرهاصات الزهاد المسلمين الأُول، ألحَّ الثاني على ثيوصوفية وثيوفانية هذا الأصل، يضاف إلى هذين كل الأمريكي “ماكدونالد”[51]، الذي كان شديد الرغبة في إرجاع هذا الأصل إلى علمي الكلام والفقه، وكذلك الإنجليزي “نيكولسون”[52]، والإسباني “هيْرنانديث”[53]، وكتب قسم سادس منهم أبحاثا أو صنف كتبا إما للتأكيد على ثورية بعض اتجاهات هذا الفكر، كالروسي “إيفانوف”[54] الذي رأى المذهب الإسماعيلي بمنظور ماركسي. وكتب قسم أخير منهم أبحاثا أو صنف كتبا دافِعُه إليها جمالية اللغة التي كتب بها هذا الفكر، كالعراقي “بولُوس نْوِيا”[55].

وبخصوص تحقيق المستشرقين للنص، فقد اتخذوا الخطوات التالية:

ـ تحقيق النص والتعليق عليه بلغة المحقق[56]؛

ـ تحقيق النص والتعليق عليه بالعربية[57]؛

ـ تحقيق النص وكتابة مقدمة له بلغة المحقق؛

ـ تحقيق نص يتعلق بتراجم الرجال؛

ـ تحقيق النص وترجمته إلى لغة المحقق[58]؛

ـ تحقيق النص وترجمته إلى غير لغة المحقق[59]؛

ـ تحقيق جزء من نص عربي لمؤلف غير مسلم يهودي[60]؛

ـ تحقيق نص عربي لمؤلف غير مسلم يهودي وترجمته إلى لغة المحقق[61]؛

ـ تحقيق نص صوفي تغلب عليه الزيرجة[62].

ومن ثم فعلاقة المستشرقين بالتراث الصوفي كانت بدوافع مختلفة تجتمع كلها في سلب قوة الإسلام الروحية والتي مثلها اجتهاد الصوفية في تاريخ الإسلام وإلحاقه ب”العبقرية” الغربية تحت مسميات مختلفة وعناوين مختلقة، ركب موجتها الكثير من الباحثين العرب، غير أن المفارقة في هذا الإطار بالذات هي أن أغلب الدارسين الذين يحملون على الاستشراق ويعتبرونه شرا وخطرا على الهوية الفكرية الإسلامية يتبنون طروحاتهم جملة وتفصيلا بخصوص نشأة التصوف[63]..

 فقد شغل البحث في مصادر التصوف جزءا كبيرا من الدراسات الحديثة، وإن كان ذلك أمرا مفهوما بالنسبة للمستشرقين؛ فإنه بالنسبة للباحثين المسلمين لا يفسر إلا في ضوء تعذر الفصل بين “دراسة التصوف” وبين “الموقف” من التصوف، فمن أراده غريبا عن الإسلام يرده إلى مصدر أجنبي هندي أو فارسي أو مسيحي أو يوناني، ومن تعاطف مع التصوف التمس له أصلا إسلاميا في القرآن والسنة، وسيرة كبار الصحابة[64].”

الجهد العربي بين التحقيق والتحقق

غير أن انطلاق العمل التحقيقي للتراث في العالم العربي، وفق الشروط العلمية المعتبرة تم مع مطلع القرن العشرين؛ إذ يمكن اعتبار المحاولات السابقة في القرنين 18 و19 مجرد نشر للتراث بالمعنى الواسع، والذي شجعه ظهور الطباعة، فما من جهد علمي وتحقيقي مذكور سوى إخراج التراث من حيز المخطوط إلى فضاء المطبوع[65].

وقد ارتبط الإحياء والنهوض بالتراث العربي بنزوع “قومي” اتجه إلى بعث اللغة العربية وعلومها؛ فـ”قد كانت فكرة إحياء التراث والنشاط فيه، فكرة قومية، قبل أن تكون فكرة علمية… فأرادوا أن يخرجوا إلى متنفس يحسون فيه بكيانهم المستمد من كيان أسلافهم، في الوقت الذي ألفوا فيه الغرباء من الأوربيين يتسابقون وينبشون كنوز الثقافة العربية…[66].”

ومن ثم توالت جهود الأفراد والهيئات في تحقيق التراث العربي، تلتها في مرحلة لاحقة بحوث الدراسات العليا ورسائل الدكتوراه بالجامعات العربية في تحقيق كتب التراث.

مر تحقيق التراث بالعالم العربي بأطوار ومراحل؛ شاقا فيها طريقه نحو الضبط العلمي الصارم والملتزم بطرائق نشر المخطوطات المتعارف عليها في الأوساط العلمية والأكاديمية، ولا يخرج التراث الصوفي عن هذا السياق العام الذي هم مكونات التراث الإسلامي، غير أن الفكر الصوفي بخلاف العلوم الأخرى ارتبط بالإهمال بدل الاهتمام؛ نظرا للموقف الذي ترسخ عند كثير ممن تصدى لقضايا الإصلاح والنهضة والذي حمل التصوف وزر التخلف والانحطاط، والذي أدى إلى نوع من التعصب ضد التصوف وأهله بشن حملات ضد تراثه باسم السلفية وتصحيح “العقائد الفاسدة”، والعودة إلى “منابع” الدين الأصيلة من خلال العناية بالسنة النبوية..

 فقد عمل الشيخ محب الدين الخطيب[67]، على نشر كثير من مصادر التراث الإسلامي، منها الأدب المفرد للبخاري، وعلل الحديث لابن أبي حاتم الرازي، وأنشأ لذلك المطبعة السلفية ومكتبتها بالقاهرة، ومن أوسع ما نشر موسوعة فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني بمقدمة الشيخ ابن عبد الله بن باز[68]، كما اجتهد الشيخ محمد حامد الفقي[69] في نشر كتب الحنابلة وطبقات رجالها، واعتنى بنشر تراث شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم الجوزية، وقد أنشأ هو الآخر مطبعة السنة المحمدية التي تخصصت في نشر التراث السلفي.

غير أن نخبة من المفكرين انفتحت في العقود الأولى من القرن العشرين على واقع البحث العلمي في الجامعات الغربية، واطلعت على “الثورات” المنهجية في الإنسانيات، وإشكالات العصر الفلسفية، فانبرت لدراسة التراث وتحقيقه من زوايا نظر مختلفة، فكان للتصوف حظ من هذا الاهتمام الجديد ضمن المراجعات التقويمية للفكر الإسلامي في جانبه الفلسفي والكلامي والصوفي[70].

كما تميز منتصف القرن العشرين بانبعاث حركة فكرية تحتفي بالتراث الصوفي وتسهر على تحقيقه وبعثه والتعريف به، مما يمكن اعتباره يقظة نهضوية تأملت أخطاء الماضي وردت الاعتبار للفكر الصوفي مبينة قيمته العلمية والعملية والأخلاقية؛ من خلال نشر نصوص الرواد من أهل التأصيل كاللمع للطوسي والتعرف للكلاباذي وعوارف المعارف للسهروردي والرسالة القشيرية والمنقذ من الضلال للغزالي[71]… وكانت هذه الحركة العلمية نابعة من داخل مؤسسة الأزهر الشريف بمصر مع الشيخ عبد الحليم محمود[72]، تلتها بعد ذلك محاولات علمية مختلفة في الجامعات تباينت مقاصدها بين الحاجة الأكاديمية أو القيمة الأخلاقية أو التوظيف السياسي.

ولذلك بين عبد الحليم محمود القصد من تحقيق التراث الصوفي ونشر أصوله المعتمدة في مقدمة تحقيقه لكتاب اللمع للطوسي والذي صدر سنة 1960م بقوله: “ولهذا وضعنا المنهج العلمي، لنشر الأصول الصوفية القديمة، تلك الأصول التي أضاءت أفق الحياة الإسلامية في أزهى عصورها، وصنعت الأخلاق الإسلامية في أنبل عهودها، وصاغت لأمتنا في وثبتها الأولى، فلسفتها الروحية، وآفاقها المثالية، وخطوطها العريضة في المعرفة والتربية، ومناهجها في السلوك والمجاهدة، ومعارجها في الحب والمناجاة، من قربى إلى الله، ووسيلة إلى هديه ورضاه[73].”

فالهدف من “نشر هذه الأصول الصوفية، أن تكون زادا طيباً صالحاً مباركاً، يتمثل في نهضتنا عزما أبيَّا، وإيماناً قوياً، وخلقاً مثالياً، وتوحيداً نقياً[74]“، “فإذا عاد إلى القلب الإسلامي، نوره القرآني، وخلقه المحمدي، وعزمه الإلهي، عاد من جديد إلى الحياة، ليقودها سعيدة مطمئنة إلى الله[75]“؛ مما جعلنا نؤمن بأن حركة تحقيق التراث الصوفي في هذه المرحلة ارتبطت بسؤال التحقق ومراجعة سبل الإصلاح المجتمعي من خلال تجديد النظر في التربية الصوفية ومدى إمكان استثمار جهود أخلاقييها المحققين في النهوض الأخلاقي والحضاري.

كما نجد في مقدمة تحقيق الرسالة القشيرية نفسا تصحيحيا للمفاهيم؛ إذ تم تأطير النص بعنوان “من تراثنا الروحي[76]“، مما يدل على أصالة انتماء التصوف للميراث الروحي للأمة، بل هو من صميم التدين “في أسمى صوره.. والإيمان في إيجابيته.. والإحسان في العادة والعبادة، والتصوف كل هذه المفاهيم بمعنى واحد، تتكتل، وتتجمع تحت ظلال كلمة واحدة.. كلمة “الإسلام”، وكل هذه المسميات روافد فرعية تتلاقى عند النبع الأصيل عند الشريعة الإسلامية في روحانيتها وسماحتها وفي إشراقها وشفافيتها[77].”

وليس ظلم التصوف وتراثه إلا نابعا من الجهل بقيمته وحقيقته من جراء “ما وقر في بعض الأذهان أن التصوف يباين التدين أو يغاير الإسلام، وأن له مفهوما سلبيا يدعو إلى الركون والركود والخمود والخمول، ويهدف إلى العزلة والعكوف والانطواء، أو أنه دروشة وبهدلة ومظاهر تنفر منها الأذواق، وتنبو عنها العيون، وتعزف عنها النفس الأبية[78]“؛ مما أدى إلى أن “تبلبلت الفكرة في أذهان الكثيرين عن التصوف وحقيقته وطقوسه ورسومه، فحملوا على التصوف وعلى رجاله مدعين أن هذا الأمر مستحدث في الدين، وأن الشرع يعارضه، ولا يعاضده، ومن جهل أمرا عاداه، فلا جرم أن كانت بين هؤلاء وبين أهل التصوف جفوة أو فجوة[79]“، غير أن الأناة والصبر العلميين لو تحلى بهما “المتسرعون في أحكامهم على التصوف، ولو تزود خصوم التصوف بالإطلاع على أمهات كتب التصوف التي أرخت لرواده، وتحدثت عن خطوطه واتجاهاته، لوجدوا أنهم متحاملون عليه، وأنهم قد تسرعوا في الحكم من غير أن يتسلحوا بالبرهان[80].”

ولذا فإن التراث الصوفي عرف حركة نهوض أو ضمور من خلال الحاجات التوظيفية له في الحاضر سلبا أو إيجابا، ولذلك فمازال التراث الصوفي  يفتقر إلى استراتيجية علمية تروم النظر الشمولي في العلوم الإسلامية، وتعاود قراءة المشاريع التكاملية والاندماجية لكل من فقه الأحكام وفقه القلوب التي يعتبر الغزالي وابن تيمية والعز بن عبد السلام والشاطبي من كبار منظريها، والتي تحتاج إلى استئناف التجديد النظري بخصوصها للخروج من الخصومات التراثية إلى بناء تعاون في الحاضر لا ينكر أحد اليوم أن تحديه الأول هو المنظومة القيمية التي يمكن للتصوف، إن تمت مدارسته بشكل علمي مجدد، أن يقدم في شأنها الكثير للأمة.

الهوامش


[1]. “أصل كلمة “تراث” مأخوذ من الفعل “ورث” بإبدال الواو تاء؛ بسبب ما يسمى في علم اللغة باسم “القياس الخاطئ”؛ إذ قد يؤدي هذا النوع من القياس إلى نشوء كلمات جديدة في اللغة”، “وفي ذلك يقول القرطبي أيضا: ﴿وتاكلون التراث﴾ (الفجر: 21)؛ أي ميراث اليتامى، وأصله “الوارث” من “ورثت” فأبدلوا الواو تاء، كما قالوا في.. “وتخمة” و”تؤدة” ونحو ذلك”، مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين، رمضان عبد التواب، مكتبة القاهرة ط 1، 1985 ص8-10.

[2]. عبد الهادي الفضلي، تحقيق التراث، جدة: مكتبة العلم، ط 1982، ص35.

[3]. المرجع نفسه.

[4]. رمضان عبد التواب، مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين، مكتبة القاهرة ط 1، 1985، ص8.

[5]. أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، مدخل إلى التصوف الإسلامي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ط3، ص8.

[6]. أحمد محمود صبحي،  التصوف إيجابياته وسلبياته، سلسلة كتابك ع 169، دار المعارف، ص25.

[7]. ماسينيون ومصطفى عبد الرزاق، التصوف، كتب دائرة المعارف الإسلامية 16، لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلامية، دار الكتاب اللبناني، مكتبة المدرسة، ط 1، 1984، ص63.

[8]. المرجع نفسه، ص66.

[9]. المرجع نفسه.

[10]. المرجع نفسه، ص74.

[11]. المرجع نفسه، ص68.

[12]. المرجع نفسه.

[13]. المرجع نفسه، ص63.

[14]. المرجع نفسه، ص74.

[15]. عبد القادر أحمد عطا، التصوف الإسلامي بين الأصالة والاقتباس في عصر النابلسي، بيروت: دار الــجيــل/لبنان. ط1، 1987م، ص12.

[16]. المرجع نفسه.

[17]. السيرة الشعبية للحلاج، دراسة وتحقيق رضوان السيد، بيروت: دار صادر، ط1، 1998.

[18]. إبراهيم الدسوقي شتا، التصوف عند الفرس، دار المعارف سلسلة كتابك، ع 62، ص3-4.

[19]. المرجع نفسه، ص4.

[20]. “تحقيق النص معناه: قراءته على الوجه الذي أراده عليه مؤلفه، أو على وجه يقرب من أصله الذي كتبه به هذا المؤلف. وليس معنى قولنا “يقرب من أصله” أننا نخمن أية قراءة معينة، بل علينا أن نبذل جهدا كبيرا في محاولة العثور على دليل يؤيد القراءة التي اخترناها. فالتحقيق إثبات القضية بدليل. وفي لسان العرب “حقق” و”حققت الأمر” و”أحققته”: “كنت على يقين منه”. انظر: رمضان عبد التواب، مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين، ص5. كما استعمل مصطلح التحقيق في مقابل نقد النصوص؛ “فالتحقيق ترجمة لكلمة “Critique” الفرنسية ولكلمة «criticism» الإنجليزية وذلك لأن كلمة “تحقيق” العربية لم تستعمل قديما في اللغة العربية بمعناها العلمي أو الاصطلاحي هنا؛ لأنها معجميا تعني إحكام الشيء “يقول المعجم الوسيط: “كلام محقق محكم الصنعة رصين.. وحقق القول والقضية والشيء والأمر أحكمه”. وبالرجوع إلى المعاجم الحديثة المختلطة نجد في معجم مصطلحات الأدب أن كلمة “Critique” أو “Criticism” تعني الفحص العلمي للنصوص الأدبية من حيث مصدرها وصحة نصها وإنشاؤها وصفاتها وتاريخها”. تحقيق التراث، الدكتور عبد الهادي الفضلي، ص81.

[21]. تحقيق التراث، م، س، ص5.

[22]. المرجع نفسه، ص10.

[23]. مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين، رمضان عبد التواب، ص58.

[24]. تحقيق التراث، م، س، ص17.

[25]. المرجع نفسه، ص20.

[26]. المرجع نفسه، ص21.

[27]. المرجع نفسه، ص23.

.[28] Collomp. La Critique de textes. Paris 1931.

[29]. تحقيق التراث، م، س، ص27.

[30]. أحمد محمود صبحي، التصوف إيجابياته وسلبياته، م، س، ص3.

[31]. فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن عربي والتعليقات عليه، أبو العلا عفيفي، دار إحياء الكتب العربية، 1946، ص22.

[32]. رضوان السيد، تحقيق التراث العربي بين التوثيق والنهضوية، جريدة الشرق الأوسط، (الثلاثـاء 19 جمـادى الثانية 1431ﻫ/1 يونيو 2010م)، العدد 11508.

[33]. “في هذا الوضع كان الدين هو المسيطر على حياة الناس الفكرية. وكان علماء الدين يشكلون الطبقة الفكرية الوحيدة في الأمة، يشاركهم في ذلك مشايخ الطرق الصوفية التي عم انتشارها في مختلف أنحاء البلاد العربية”. الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة، علي المحافظة، الأهلية للنشر والتوزيع، 199 بيروت 1987. ص12.

[34]. محمد السرغيني، المستشرقون والتصوف الإسلامي، ندوة المغرب في الدراسات الاستشراقية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة الندوات، مراكش، (شوال 1431ﻫ/ أبريل 1993م)، ص142.

[35].Michel Amari, Bibliotcca arabo sicula de Sicilia, palermo. 1857. Fransisco Gabrieli, Frederique II et la culture musulmane.Revue de l Histoire, T. I. 1952

 نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص142.

[36]. الجزائر، 1986، ديوان المطبوعات الجامعية. 

[37]. لقد عكف Jose Garcia Domingues على تحقيق هذا الكتاب منذ مدة، ولحد الآن لم تصلنا أخبار عنه، هكذا يعلق الدكتور محمد السرغيني في هامش دراسته القيمة، المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص142. وقد قام بتحقيق ودراسة خلع النعلين المفكر المغربي الدكتور محمد الأمراني، وهو منشور بالمملكة المغربية، ويعتبر هذا العمل العلمي في غاية الرصانة والضبط العلميين.

38.S. Pines  في كتابه: مذهب الذرة عند المسلمين وعلاقته بمذهب اليونان والهنود ترجمه إلى العربية محمد عبد الهادي أبو ريدة، القاهرة، 1946. 1952، نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص142. 

[39]. T. J. De Boer في كتابه: تاريخ الفلسفة في الإسلام ترجمه إلى العربية محمد عبد الهادي أبو ريدة، القاهرة 1957 طبعة 4. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص142. 

[40].  Van Mchrenفي كتابه: تصوف أبي علي الحسين بن عبد الله بن سينا ليدن، 1889. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص142.

41.Ignaz Goldziher  في مقدمته الطويلة لكتاب التوحيد لمحمد ابن تومرت، نشره لوسيان بمدينة الجزائر سنة 1903. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص142.

[42].  F. Rosenthal في دراسته عن: أثر الصوفية في اليهودية العربية، حولية الكلية اليهودية، 15،1940. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص142.

[43]. Paul Kraus في كتابه من تاريخ الإلحاد في الإسلام: كتاب الزمرد لابن الراونْدي مجلة الدراسات الشرقية. 1934، ج14، ص93-129، 355-379 وقد ترجمه عبد الرحمن بدوي إلى العربية القاهرة، 1945. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص142.

[44]. Asin Palacios  في كتابه: EL Islam cristianisado  1931. ترجم إلى العربية بعنوان ابن عربي حياته ومذهبه القاهرة، 1965. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص142.

45.Esteban Lator  في بحثه: Ibn sab in de Murcia y su budd al- Arif revue Al-andalus,vol. ix1944.fas ;2. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص142.

46.Toshihiko Izutsu  في كتابه: Unicitè de Lexistence et crèation perpètuelle  en mystique islamique Paris.1980  نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص142.

47. H. Ritter في كتابه  كتاب من أناب إلى الله للمحاسبي جْلوكشتِد، 1935. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص142.

48.Bernard Lewis  في كتابه أصول الإسماعليين والإسماعلية كمبردج، 1940 وقد ترجم إلى العربية. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص142.

.[49] L. Massignon.Essais sur les origines du lexique technique de la mystique musulmane. Paris,1954.

نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144.

.[50] Histoir de la philosophie islamique Gallimarad,Paris,1964  كتابه  في Henry Corbin.

نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144.

.[51] Development of muslim theology, jurisprudence and constitutional: D. Machdonald theory london, 1903.

نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144.

[52].  Reynold Nicholson  في كتابه في التصوف الإسلامي ترجمة إلى العربية أبو العلا عفيفي. القاهرة، 1956. كما ترجم له نور الدين شريبه: الصوفية في الإسلام القاهرة، 1951. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144.

.[53] Historia del pensamiento en el mundo islamico. Madrid, 1981.èd  في كتابه  Miguel Hernandez Alianza universidad.

نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144.

[54].W. Ivanov  في كتابه: عقيدة الفاطميين بومباي، 1936. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144.

[55]. Exègèse coranique et langage mystiq. Beyrouth, 1986.èd.Dar  في كتابه Paul Nwyia el-Machreq.

نقلا عن: محمد السرغيني، المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144.

[56]. آدم ميتز، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمه إلى العربية محمد عبد الهادي أبو ريدة، القاهرة، ط2، 1957. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144.

[57]. بول كْراوس، المختار من رسائل ابن حيان، القاهرة، 1935. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144.

[58]. أدولف فور، التشوف إلى رجال التصوف للتادلي، الرباط 1958. نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144.

.[59] Muhasibi. Paris, 1978. Ed. Librairie C. Klincksieck.

نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144.

[60]. Asin Palacios, Ibn al-Arif. Mahasin al-Majlis Paris, 1933. Ed. Gethner.

نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144.

[61]. S. Munk, Mèlanges de philosophie juive et arab, Paris, 1927. 2, èd.

نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144. وحقق النص العربي لكتاب دلائل الحائرين لابن ميمون العالم التركي حسين آتاي، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، د. ت.

.[62] Joaquin Lomba Fuentes. la Correccion de los caracteres, Ibn Gabirol….Prensas universitarias.

نقلا عن المستشرقون والتصوف الإسلامي، م، س، ص144.

[63]. انظر علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج3، ط8، دار المعارف، ودراسته المبكرة  في الستينيات من القرن العشرين رائدة في هذا المجال، خصوصا الفصل الأول الذي بين فيه مناهج دراسة التصوف الإسلامي ومدارس البحث فيه، وأبان مغالطات الدرس الحديث بخصوص التراث الصوفي، ص21-28.

[64]. أحمد محمود صبحي، التصوف إيجابياته وسلبياته، م، س، ص10.

[65]. يمكن اعتبار جهود أحمد زكي باشا والأب لويس شيخو والأب أنطون صالحاني فاتحة التحقيق العلمي لنفائس التراث العربي من خلال اعتماد النسخ المتعددة للنص المخطوط، وتقديمه وضبطه والتعليق عليه وشرحه ووضع الفهارس، واستخدام علامات الترقيم الحديثة.

[66]. محمود محمد الطناحي، مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، القاهرة: مكتبة الخانجي، ط1، 1984، ص34.

[67]. ولد في دمشق سنة1886، استقر في القاهرة سنة 1920، أصدر مجلتي الزهراء والفتح، وكان من أوائل مؤسسي جمعية الشبان المسلمين، ألف العديد من الكتب، ضمت خزانة كتبه نحو عشرين ألف مجلد مطبوع، توفي سنة 1969. انظر: مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، م، س، ص63.

[68]. مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، م، س، ص64.

[69]. ترأس جماعة أنصار السنة المحمدية، وكان حمل لواء السلفية بمصر، وصاحب معارك وصولات، لقي عونا ظاهرا من حكومة المملكة العربية السعودية، ومن رجالاتها البارزين، توفي سنة 1959. مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، م، س، ص69-70.

[70]. حقق الدكتور أبو العلا عفيفي رسالة الملامتية  لأبي عبد الرحمن السلمي سنة 1945، ثم كتاب ” فصوص الحكم ” لمحيي الدين بن عربي سنة 1946.

ـ حقق الدكتور على حسن عبد القادر كتاب “الرياضة وأدب النفس” للترمذي مع المستشرق الإنجليزي آربري سنة 1947.

ـ حقَّق الدكتور عثمان يحيى “ختم الأولياء” للحكيم الترمذي سنة 1965م، كما حقق “الفتوحات المكية” لابن عربي الحاتمي 1973.

ـ حقق الدكتور عبد الرحمن بدوي سنة 1949م في كتابه “شطحات الصوفية” كتاب النور من كلمات أبي طيفور البسطامي، وملحق نصوص خاصة بالبسطامي، كما حقَّق لأبي حيان التوحيدي كتاب “الإشارات الإلهية” سنة 1950م، ثم “رسالة النصيحة” لابن سبعين سنة 1956م، و”عهد ابن سبعين لتلاميذه” سنة 1957م، ثم رسائل ابن سبعينسنة 1965م.

ـ حقق محمد بن تاويت الطنجي شفاء السائل لتهذيب المسائل لابن خلدون سنة 1957. وقام بنشره والتعليق عليه ثانية إغناطيوس عبده خليفة اليسوعي سنة 1959.

ـ حقق علي سامي النشار ديوان الشستري، سنة 1960.

ـ حقق نور الدين شريبة  “طبقات الصوفية” لأبي عبد الرحمن السلمي، سنة 1974.

ـ حققت إسعاد عبد الهادي قنديل  “كشف المحجوب” للهجويري، سنة 1974م.

ـ حقق عبد اللطيف العبد كتاب “اصطلاحات الصوفية” لعبد الرازق القاشاني سنة 1977م. كما حقق محمد كمال جعفر “رسالة الحروف” و”كلام سهل بن عبد الله التستري” و”تفسير القرآن العظيم” و”المعارضة والرد على أهل الدعاوى” سنة 1970م.

وتوالت التحقيقات “العلمية” للتراث الصوفي من خلال الدراسات الجامعية العليا أو جهود المؤسسات والأفراد إلى اليوم، في حاجة إلى قراءة تقويمية شاملة.

[71]. على سبيل المثال حقق عبد الحليم محمود “المنقذ من الضلال” للغزالي 1955م، وأخرج بتعاون مع الأستاذ طه عبد الباقي سرور كتاب “الرعاية لحقوق الله” للحارث المحاسبي وكتاب “التعرف لمذهب أهل التصوف” للكلاباذي، وكتاب “اللمع” للسراج الطوسي، وحقق مع الدكتور محمود بن الشريف “الرسالة القشيرية” للقشيري، و”غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية” لابن عباد الرندي، و”عوارف المعارف” لشهاب الدين بن عمر السهروردي.

[72]. حفظ القرآن الكريم ثم التحق بالأزهر سنة 1923م، حصل على العالمية سنة (1351ﻫ/1932م)، ثم سافر إلى فرنسا على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي حيث حصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عن الحارث المحاسبي سنة (1359ﻫ/1940م).

[73]. أبو نصر السراج الطوسي، اللمع، تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور، مصر: دار الكتب الحديثية. بغداد: مكتبة المتنى، سنة 1960، ص1. وقد استكمل عبد الحليم محمود في هذا التحقيق النقص الكبير الذي كان في طبعته الأوروبية التي قام بها المستشرق “نيكلسون حيث كان في طبعة “نيكلسون” قسم مفقود، ابتدأ من باب في ذكر أبي الحسن النورى، رحمه الله، ثم أبواب: ذكر أبي حمزة الصوفي. جماعات المشايخ الذين رموهم بالكفر. ذكر أبي بكر علي بن الحسن. ذكر محمد بن موسى الفرعاني. بيان ما قال الواسطي وقد أثبت عبد الحليم محمود هذا القسم المفقود. وبهذا ينشر كتاب “اللمع” كاملا لأول مرة في التاريخ.

[74]. المرجع نفسه.

[75]. المرجع نفسه، ص4.

[76]. أبو القاسم القشيري، الرسالة القشيرية، تحقيق عبد الحليم محمود والدكتور محمود بن الشريف مطابع مؤسسة در الشعب للصحافة والطباعة والنشر 1989م، ص4. يقول محمد بن الشريف مشيدا بجهود عبد الحليم محمود في مقدمة تحقيق الرسالة: “وللرسالة القشيرية طبعات قديمة لم يان لها أناقة الإخراج، ولا جمال المظهر، ولا كمال التحقيق، آخر طبعة حديثة قام بتحقيقها رائد من رواد الصوفية في عصرنا الحالي، وعالم من أعلامها جمع بين الثقافتين الإسلامية والأدبية والأوربية هو الدكتور عبد الحليم محمود من الذين عاشوا التصوف دراسة وسلوكا ومنهجا وتطبيقا حتى أطلق عليه لقب “غزالي مصر” فأخرج الرسالة في طبعة مضبوطة محققة منقحة مفهرسة، ص6.

[77]. المرجع نفسه، ص4.

[78]. المرجع نفسه.

[79]. المرجع نفسه.

[80]. المرجع نفسه.

Science

د. عبد الصمد غازي

رئيس مركز الرصد والدراسات الاستشرافية بالرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق