مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

البعد التربوي لألفية ابن مالك الطائي الجياني (الحلقة السادسة عشرة)

 

16-  حسن الصّحبة:
قال الناظم – رحمه الله تعالى -:
بِأَفْعَلَ انْطِقْ بَعْدَ “مَا” تَعَجُّبَا
  أَوْ جِئْ بِأَفْعِلْ قَبْلَ مَجْرُورٍ بِبَا
  
وَتِلْوَ أَفْعَلَ انْصِبَنَّهُ كَـ«مَا
  أَوْفَى خَلِيلَيْنَا وَأَصْدِقْ بِهِمَا»
  
*   *   *
ورد البيت في باب «التعجّب»، وهو بابٌ تكلم فيه الشيخ الناظم – رحمه الله تعالى – عن التعجب وعن صيغتيه الاثنتين، الأُولى: ما أَفْعَلَهُ،  نحو: ما أحسنَ زيداً، ونحو مثالِ الناظم: مَا أوفى خَلِيلَيْنَا، والثانية: أَفْعِلْ بِهِ، نحو: أَحْسِنْ بِالزَّيْدَيْنِ، ونحو مثال الناظم: أَصْدِقْ بِهِمَا(1).
* * *
ويحثُّ الشيخ الناظم – رحمه الله تعالى – في مثاله:«مَا أَوْفَى خَلِيلَيْنَا وَأَصْدِقْ بِهِمَا» على الصحبة الصالحة، بأن يُخاللَ المرءُ أهلَ الوفاءِ والصِّدق، المتوَاصّين بِالصَّبر وَالحقّ، الّذين جمعوا مكارم الأخلاق، وطهروا أنفسهم من الشقاق، وكذلك يحث الناظم – رحمه الله تعالى – على مجانبة صاحب السوء؛ لأن ضرَّه أكبرُ من نفعه، فمن أكثر الاختلاف إليه سرق من طباعه من حيث لا يشعر.

16-  حسن الصّحبة:

قال الناظم – رحمه الله تعالى -:

بِأَفْعَلَ انْطِقْ بَعْدَ “مَا” تَعَجُّبَا /// أَوْ جِئْ بِأَفْعِلْ قَبْلَ مَجْرُورٍ بِبَا

  وَتِلْوَ أَفْعَلَ انْصِبَنَّهُ كَـ«مَا /// أَوْفَى خَلِيلَيْنَا وَأَصْدِقْ بِهِمَا»

 *   *   *

ورد البيتان في باب «التعجّب»، ويتكلم فيهما الشيخ الناظم – رحمه الله تعالى – عن التعجب وعن صيغتيه الاثنتين، الأُولى: ما أَفْعَلَهُ،  نحو: ما أحسنَ زيداً، ونحو مثالِ الناظم: مَا أوفى خَلِيلَيْنَا، والثانية: أَفْعِلْ بِهِ، نحو: أَحْسِنْ بِالزَّيْدَيْنِ، ونحو مثال الناظم: أَصْدِقْ بِهِمَا(1).

* * *

ويحثُّ الشيخ الناظم – رحمه الله تعالى – في مثاله:«مَا أَوْفَى خَلِيلَيْنَا وَأَصْدِقْ بِهِمَا» على الصحبة الصالحة، بأن يُخاللَ المرءُ أهلَ الوفاءِ والصِّدق، المتوَاصّين بِالصَّبر وَالحقّ، الّذين جمعوا مكارم الأخلاق، وطهروا أنفسهم من الشقاق، وكذلك يحث الناظم – رحمه الله تعالى – على مجانبة صاحب السوء؛ لأن ضرَّه أكبرُ من نفعه، فمن أكثر الاختلاف إليه سرق من طباعه من حيث لا يشعر.

هذا وقد حث الله تعالى في محكم تنزيله على ملازمة أهل الصدق والوفاء، وقال:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة:119]، وقال النبيّ – صلى الله عليه وسلم – مُوصِّيًا بمجالسة الرجل الصالح، ومصاحبة الأخ الناصح:«الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ(2)»، وقال:«إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً»[متفق عليه]، قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى -:”وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجْره وَبَطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة(3)”.

وقد ورد أيضا عن السلف – رضي الله عنهم – الحضُّ على مخالطة المحمود خصالهُ، ومصاحبةِ المرضيِّ دينهُ وخلالُه، فقال عمر – رضي الله عنه -:”مَا أعطيَ عبدٌ بعد الإسلام خيراً من أخ صالح، فإذا رأى أحدكم وداً من أخيه فليتمسك به(4)”،وقال:”لا تخالط من الناس إلاّ حسن الخلق، فإنه لا يأتي إلاّ بخير، ولا تخالط سيِّءَ الخلق فإنه لا يأتي إلاّ بشر(5)”.وقال مالك بن دينار – رحمه الله تعالى -“كُلَّ جَلِيسٍ وَصَاحِبٍ، لَا تَسْتَفِيدُ فِي دِينِكَ مِنْهُ خَيْرًا فَانْبِذْ عَنْكَ صُحْبَتَهُ(6)”، وقال آخر:”اصْحَبْ مَنْ إذا صحبتَهُ زَانَكَ، وَإِنْ خَدَمْتَهُ صَانكَ، وَإِنْ أَصابتْكَ خَصاصَةٌ مَانَكَ، وَإِنْ رَأَى مِنْكَ حَسَنَةً عَدَّهَا، وَإنْ عَثَر على سيّئةٍ سَدّهَا، لا تُخافُ بوائقُهُ، وَلا تختلفُ عَليكَ طَرَائقُه(7)”، وقيل للأحنف بن قيس:”أي إخوانك أحبّ إليك؟ فقال: من يسدُّ خَللي، ويستُر زَلَلي، ويَقبَلُ عِلَلي(8)”.

وقال عديُّ بن زيد العبادي:[من الطويل]

إذَا كُنْتَ فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ /// وَلَا تَصْحَبِ الْأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي

عَنِ الْـمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ /// فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْـمُقَارَنِ يَقْتَدِي

وقد حثَّ الشيخ الناظم – رحمه الله – في مثاله « مَا أَوْفَى خَلِيلَيْنَا وَأَصْدِقْ بِهِمَا» على خصلتين رفيعتين، وخَلَّتين بديعتين، على المرء أن يتحرّاهما في رفيقه، ويراعيهما في صاحبه وصديقه، وهما:

الأولى: الوفاء، وقد توارد الحثُّ عليه، وقالوا:”الوفاءُ أفضلُ شمائلِ العبدِ، وأوضحُ دلائل المجدِ، وأقوى أسباب الإِخلاصِ في الوُدِّ، وأحقُّ الأفعالِ بالشُّكر والحمد”، وقالوا:”الوَفاءُ أتمُّ حميدِ الخلالِ، ومُنتهَى غايةِ الكمالَ تمس الحاجة إليه، وتجب المحافظة عليهِ”، وقالوا:”بالوفَاءِ تُملَكُ القُلوب، وَتُستَدَامُ الأُلفَةُ بين المحِبِّ والمحبوبِ”، وقالوا:”منْ تحلَّى بالوفاءِ، وتخلَّى عَن الجفَاء، فَذلكَ مِن إِخوانِ الصَّفاء(9)”.

ومعنى ذلك أن يصاحب الوفيّ، وهو الذي يحافظُ على عهود أصحابه ويراعي آداب الصحبة، وذكر منها الإمام الغزالي – رحمه الله تعالى – جملةً في كتابه «بداية الهداية»، ومنها: الإيثار، وكتمان السرّ، وستر العيوب، والذب عن صاحبه في غَيبته، والنصح له، والعفو عن زلته وهفوته، ولا يعتب عليه، وأن يدعو له في خلوته في حياته وبعد مماته، وأن يحسن الوفاء مع أهله وأقاربه بعد موته، ثم قال:”وعلى الجملة، فيعامله بما يحب أن يعامل به، فمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه فأُخُوَّتُهُ نفاقٌ، وهي عليه وبال في الدنيا والآخرة(10)”.

الثانية: الصدق، وقد حث عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال:«عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»[صحيح مسلم].

ومعنى ذلك أن يصاحب الصادق، وهو الذي استوى ظاهرُه وباطنه، المتحرِّي في كلامه الصّدقَ؛ فلا يخادع ولا يداهن، ولا يكذب، ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبهِ.

ولأهمية الخصلتين المذكورتين وكونهما تَوْأمتينِ –كما قال الإمام علي رضي الله عنه – كرَّر الشيخ الناظم – رحمه الله تعالى – الحثَّ عليهمَا، فقال في «باب عطف النسق»:

فالعطفُ مُطلقًا بواوٍ ثمَّ فَا  ///  حتَّى أَم اَو كَـ«فِيكَ صِدْقٌ وَوَفَا»

وقد جمع بعضاً من آداب الصحبة أبو المحامد الشيخ الخديم – رحمه الله تعالى – بقوله:[من الرجز]

وَلَا تُصَاحِبْ إِنْ أَرَدْتَ صُحْبَهْ /// ذَا سَفَهٍ أَوْ حَسَدٍ أَوْ رَغْبَهْ

وَلَا تُجَالِسْ غَيْرَ مَنْ بِهِ تُزَادْ /// دِينًا وَعَقْلًا أَبَدًا تَنَلْ مُرَادْ

وبقوله:[من الرجز]

وَلَا تُصَاحِبْ غَيْرَ مَنْ يُرْشِدُكَا /// وَنَاءِ كُلَّ صَاحِبٍ يُهْلِكُكَا

إِذْ رُبَّ غُمْرٍ قَدْ غَدَا نَبِيلَا /// بِصُحْبَةِ الصَّالِحِ لَا تَمِيلَا

وَرُبَّ صَالِحٍ غَدَا ذَلِيلَا /// بِصُحْبَةِ الْأَحْمَقِ ذَرْ جَهُولَا

ـــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1 )  انظر: شرح ابن عقيل (3/147) المقاصد الشافية (4/432).

(2 )  المستدرك على الصحيحين (4/188).

(3 )  شرح النووي (16/178).

(4 )  قوت القلوب (2/360).

(5 )  قوت القلوب (2/377).

(6 )  الزهد لأحمد بن حنبل (ص:260)، صفة الصفوة (2/169).

(7 )  غرر الخصائص الواضحة (541)، إحياء علوم الدين (2/171)، قوت القلوب (2/363).

(8 )  قوت القلوب (2/363).

(9 )  هذا الكلام وما قبله من:  الخصائص الواضحة (42).

(10 )  بداية الهداية (ص:67).

 

وصلى الله على سيدنا محمد وسلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق