مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةأعلام

الإمام الفخر الرازي

ترك لنا التاريخ الإسلامي أسماء لعلماء أجلاء، ومفكرين فضلاء، قلما يخلو كتاب أو مرجع في العلوم الإسلامية من ذكرهم، والإشادة بمكانتهم العلمية، وتمرسهم ورسوخهم في كثير من مجالات العلم والمعرفة، ومن هؤلاء؛ المتكلم الأصولي والمفسـر والمؤرخ وعالم اللغة والطبيب والفيلسوف الإمام فخر الدين الرازي(ت 606 هـ) الذي بلغت شهرتـه الآفاق.

اسمه ونسبه:

 هو: محمد بن عمر بن الحسين بن علي القرشي التيمي البكري، يكنى بأبي عبد الله وأبي المعالي وأبي الفضل، وابن الخطيب الري، ويلقب بألقاب كثيرة منها: فخر الدين  والإمام،  إلا أن من أشهر ألقابه الرازي[1].

مولــده ونشــأته:

 ولد الإمام في مدينة الري في شهر رمضان المبارك سنة 544هـ ، وفي أسرة اشتهرت بالعلم والفضل، ونشأ في هذا البيت المفعم بالعلم والمعرفة؛ فقد كان أبوه أحد علماء الشافعية في مدينة الري، فنهل من علمه، واغترف من فقهه إلى أن مات، وكان الرازي ينسب الفضل إليه في كثير من العلوم ويذكره بإجلال[2].

وقد حباه الله بالإضافة إلى بيئته العلمية همة طلب العلم؛ فكان شديد الحرص على تلقي العلوم الشرعية والحكمية ، كثير البراعة، قوي النّظر في صناعة الطّبّ، عارفا بالأدب[3].

شيــوخـــه :

كان أبوه الإمام ضياء الدين أول شيوخه وأجلهم، تّأثر به ولازمه طول حياته،  وهو أحد أئمة الإسلام مقدما فِي علم الكلام، أخذه عن ابن القاسم الأنصاري تلميذ إمام الحرمين وكان فصيح اللسان قوى الْجنانَ فقيها أصوليا متكلما صوفيا خطيبا محدثا أديبا [4]. وبعد وفاة والده تتلمذ الرازي على الكمال السمناني[5] مدة من الزمن،  ثم عاد إلى الري واشتغل على المجد الجيلي وهو أحد أصحاب محمد ابن يحيى، وقرأ عليه مدة طويلة علم الكلام والحكمة[6].

تــلامــيـــذه :

تتلمذ على يديه الكثير؛ فقد كان إذا ركب مشى معه نحو الثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم في التفسير، والفقه،  والكلام، والأصول والطب وغير ذلك[7]، ومن هؤلاء التلاميذ:

قطب الدين المصري إبراهيم بن علي بن محمد السلمي،  المعروف بالقطب المصـري: طبيب، مغربي  الأصل،  أقام مدة بمصر ورحل إلى خراسان فتتلمذ للفخر الرازيّ، وصنف كتبا في الطب والفلسفة،  وشرح »الكليات  الخمس» من كتاب القانون لابن سينا، وقتل بنيسابور لما استباحها التتار سنة 618هـ[8].

شمس الدين الخسروشاهي عبد الحميد بن عيسى بن عمّويه بن يونس بن خليل بن عبد الله بن يونس،  أبو محمد،  من علماء الكلام، نسبته إلى خسروشاه -من قرى تبريز- ومولده فيها.  تقدم في علم الأصول والعقليات والفقه، وأقام في دمشق والكرك، عند الملك الناصر داود سنين كثيرة،  وتوفي بدمشق 652هـ. له «اختصار المهذب في فقه الشافعية»، و«تلخيص الآيات البيانات» للفخر الرازيّ [9].

المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري السمرقندي أثير الدين: منطقي،  اشتغل بالحكمة والطبيعيات والفلك،  توفي 663هـ [10].

مــؤلفـــاتــــه :

 جالت أقلام فخر الدين في فنون عديدة، فقد رزق الحظوة في  تصانيفه،  وانتشـرت في الآفاق،  منها :

التفسير الكبير

 الأربعين في أصول الدين 

أساس التقديس 

محصل أ فكار المتقدمين والمتأخرين من الحكماء و المتكلمين في علم الكلام

شرح عيون الحكمة لابن سينا

اعتقادات فرق المسلمين والمشركين

كتاب نهاية العقول في دراية الأصول

كتاب القضاء والقدر

عصمة الأنبياء

رسالة الحدوث

المباحث المشرقية في العلم الإلهي

المطالب العالية في الكلام

الملخص في المنطق والحكمة

 

عقيدة الإمام الرازي:

الإمام الرازي أشعري العقيدة،  وقد  أفصح  عن  توجهه  العقدي في  مؤلفاته،  يقول: «وقد علم العالمون أنه ليس مذهبي، ولا مذهب أسلافي إلا مذهب أهل السنة والجماعة«.

 ويرد على من يطعن في عقيدته ومخالفته لمنهج أهل السنة والجماعة قائلا»:فإن الأعداء والحساد لا يزالون يطعنون فينا  وفي  ديننا  مع ما بذلنا من الجد  والاجتهاد في نصـرة  اعتقاد أهل السنة والجماعة. ويعتقدون  أنني لست على مذهب أهل السنة والجماعة، ولم تزال تلامذتي وتلامذة والدي في سائر أطراف العالم يدعون إلى دين الحق، والمذهب الحق، وقد أبطلوا جميع البدع» [12].

آراؤه العقــدية:

النظر: النّظر والفكر عبارَة عَن تَرْتِيب مُقَدمَات علمية أَو ظنية ليتوصل بهَا إِلَى تَحْصِيل علم أَو ظن[13] . وفيه أربعة مسائل:

الأولى: قد يُفِيد العلم؛ لِأَن من حضر فِي عقله أَن هَذَا الْعَالم متغير وَحضـر أَيْضا أَن كل متغير مُمكن فمجموع هذَيْن العلمين يُفِيد الْعلم بِأَن الْعَالم مُمكن[14].

الثانية: هُوَ أَن يحصل فِي الذِّهْن علمَان وهما يوجبان علما آخر فالتوصل بذلك الْمُوجب إِلَى ذَلِك الموجب المطْلُوب هُوَ النّظر وَذَلِكَ الْمُوجب هُوَ الدَّلِيل[15].

الثالثة: النّظر فِي الشَّيْء يُنَافِي الْعلم بِهِ؛ لِأَن النّظر طلب والطلب حل حُصُول الْمَطْلُوب محَال وينافي الْجَهْل بِهِ لِأَن الْجَاهِل يعْتَقد كَونه عَالما بِهِ وَذَلِكَ لاعتقاد يصرفهُ عَن الطّلب.

الرابعة: الصحيح أن النّظر يستلزم العلم اليقيني لما ذكرنا أنه مع حصول تينك المقدمتين يمتنع أن لا يحصل العلم بالمطلوب إلا انه غير مؤثر فيهِ لأن سنقيم الأدلة على أن الْمؤثر لَيْسَ إِلَّا الواحد وهو الله تعالى[16].

الاستدلال على وجود الصانع: سلك الرازي مسلك المتكلمين في الاستدلال على الصانع؛ إما بالإمكان أو الحدوث والتخصيص،  وقد حصرها في أربعة أوجه:

 الأول: الاستدلال بحدوث الأجسام وهو طريقة الخليل عليه السلام في قوله: ﴿لا أحب الآفلين﴾،  وتحريره أن العالم محدث وكل محدث فله محدث. 

الثاني: بإمكانها وهو أن  يقيم الدلالة على أن واجب الوجود يستحيل أن يكون أكثر من واحد، ثم يشاهد في الأجسام كثرة  ممكنة وكل ممكن فله مؤثر.

الثالث: بحدوث الأعراض؛ مثل ما نشاهد من انقلاب النطفة علقة ثم مضغة ثم لحما ودما  فلابد من مؤثر صانع حكيم. 

الرابع:  بإمكان الأعراض، وهو أن الأجسام متساوية في الجسمية فاختصاص كل واحد بما له من الصفات يكون جائزا ، فلابد في التخصيص من مخصص له[17].

الرؤية: 

 اتفق أهل السّنة على أن الله تعالى يصح أن يرى.  وأنكرت الفلاسفة والمعتزلة والكرامية والمجسمة ذلك.   والدلَائِل السمعية دَالَّة على حُصول الرُّؤْيَة، وشبهات الْمُعْتَزلَة فِي امْتنَاع الرُّؤْيَة باطلة، فوجب علينا البقاء على تلك الظواهر. أما بيان الدلائل السمعية فمن وجوه:

أحدهَا قوله- تعالى-: ﴿وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة﴾ [18]، فنقول النّظر إما أن يكون عبارة عن الرُّؤْيَة، أو عن تقليب الحدقة نحو المرئي التماسا لرُؤْيَته، والأول هو المقصود.

الثانِي قوله- تعالى -: ﴿ للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة﴾ [19] ، نقل عَن النَّبي صلى الله علَيْهِ وَسلم أَنه قال «الزِّيَادَة هِيَ النّظر إِلَى الله20]«].

والثَّالث قوله –تعالى-:﴿ الذين يظنون أَنهم ملاقوا رَبهم﴾، وَقَوله تَعَالَى ﴿أُولَئِكَ الَّذين كفرُوا بآيَات رَبهم ولقائه﴾[21] .

الرَّابِع قَوْله -تَعَالى-: ﴿كلا إِنَّهُم عَن ربيهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون﴾ [22]،  وَتَخْصِيص الْكفَّار بِهَذَا الحجب يدل على أَن الْمُؤمنِينَ لَا يكونُونَ محجوبين.

 الْخَامس قَوله- تعالى-: ﴿   وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رأَيْت نعيما وملكا كَبِير ﴾[23] ،  والْملك الكبير هو الله- تعالى- وذلك يدل على أنه صلى الله علَيه وسلم يرى ربه يوم الْقيامة.

السادس قوله- تعالى- حكاية عن موسى عليه السلامة: ﴿رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك﴾ [24]،  ولو كانت الرؤية ممتنعة على الله- تعالى- لكان موسى جاهلا بالله –تعالى- .

السابِع قوله- تعالى-﴿  فإن استقر مكانهُ فَسَوف تراني﴾[ [25،  علق الرُّؤْيَة على اسْتِقْرَار الْجَبَل وَهَذَا الشَّرْط مُمكن وَالْمُعَلّق بالممكن مُمكن. 

الثامن قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا تجلى ربه لجبل﴾ [26]، والتجلي هو الرؤية وذلك لأن الله تعالى خلق فِي الْجبل حياة وسمعا وبصرا وعقلا وفهما وخلق فيه رؤية رأى الله بها.

التَّاسع قوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر [27]«،  والْمَقصود من هذا التشبيه تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي.

 العاشر أن الصحابة- رضي الله عنهم- اختلفوا في أن مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه أم لَا، واختلافهم في الوقوع يدل ظاهرا على اتفاقهم على الصِحة [28].

الأسماء والصفات: إن البحث في أسماء الله وصفاته من أهم المباحث التي كثر فيها الجدل واختلفت الفرق في إثباتها ونفيها، وهدف كل فرقة إثبات الكمال لله- عزوجل-، وتنزهيه –تعالى- عن كل ما لا يليق به سبحانه. 

فالإمام الفخر الرازي يرى أن أسماء الله –تعالى- أزلية في معانيها، حادثة بألفاظها وحروفها، ويقسم أسماء الله –تعالى- إلى ثلاثة أقسام ويبين هذا التقسيم في كتابه  «المطالب العالية»: « اعلم أن أسماء الله –تعالى- يمكن تقسيمها من وجوه: التقسيم الأول:  الاسم الدال على الذات، القسم الثاني:  وهو الاسم الذي يفيد جزء الماهية، القسم الثالث: وهو الاسم الذي يفيد صفة خارجية عن الماهية 29]].

وقبل أن أختم هذه الكلمات المعدودة عن الإمام  الذي  أولاه الدارسون عناية  خاصة،  وعدوه  إمام الدنيا في عصـره، أود أن أذكر بعض الفقرات من وصيته المؤثرة، قال صاحب  »طبقات الشافعية الكبرى» الإمام ابن السبكي:

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، إذناً خاصا، أخبرنا الكامل عمر بن إلياس بن يونس المراغي، أخبرنا التقي يوسف أبي بكر النسائي بمصر، أخبرنا الكامل محمود بن عمر الرازي قال: سمعت الإمام فخر الد ين يوصي بهذه الوصية لما احتضر لتلميذه إبراهيم بن أبي بكر الأصبهاني.

يقول العبد الراجي رحمة ربه، الواثق بكرم مولاه، محمد بن عمر بن الحسين الرازي، وهو أول عهده بالآخرة وأخر عهده بالدنيا، وهو الوقت الذي يلين فيه كل قاس، ويتوجه إلى مولاه كل آبق:

 أحمد الله  تعالى بالمحامد التي ذكرها أعظم ملائكته في أشرف أوقات معارجهم ونطق بها أعظم أنبيائه في أكمل أوقات شهاداتهم، وأحمده بالمحامد التي يستحقها، عرفتها أو لم أعرفها؛ لأنه لا مناسبة للتراب مع رب الأرباب. وصلواته على ملائكته المقربين، والأنبياء والمرسلين، وجميع عباد اللّه الصالحين.

اعلموا أخلائي في الدين، وإخواني في طلب اليقين، أن الناس يقولون: إن  الإنسان إذا مات انقطع عمله و تعلقه عن الخلق، وهذا مخصص من وجهين: الأول: أنه إذا بقي منه عمل صالح صار ذلك سبباً للدعاء، والدعاء له عند الله تعالى أثر، والثاني: ما يتعلق بالأولاد وأداء الجنايات.

 أما الأول: فاعلموا أني كنت رجلاً محبا للعلم، فكنت أكتب من كل شيء شيئاً لأقف على كميته وكيفيته، سواء كان حقاً أو باطلا، إلا أن الذي نطق به في الكتب المعتبرة،  أن العالم المخصوص تحت تدبير مدبر المنـزه عــن مماثلة المتحيزات، موصوف بكمال القدرة والعلم والرحمة، ولقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن؛ لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال للّه –تعالى-، ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات، وما ذاك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك المضايق العميقة، والمناهج الخفية فلهذا أقول:

كل ما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته  وبراءته عن الشـركاء في القدم والأزلية والتدبير والفعالية، فذلك هو الذي أقول به وألقى الله –تعالى- به، وأما ما انتهى الأمر فيه إلى الدقة والغموض، فكل ما ورد في القرآن والأخبار الصحاح المتعين للمعنى الواحد فهو كما قال،  والذي لم يكن كذلك.

 أقول:

 يا إله العالمين، إني أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فكل ما مدّ قلمي أو خطر ببالي:  فأستشهد وأقول: إن علمت مني أني أردت به تحقيق باطل أو إبطال حق فافعل بي ما أنا أهله، وإن علمت مني أني ما سعيت إلا في تقديسٍ  اعتقدت أنه هو الحق، وتصورت أنه الصدق، فلتكن رحمتك مع قصدي لا مع حاصل، فذاك جهد المقل، وأنت أكرم من أن تضايق الضعيف الواقع في زلة، فأغثني وارحمني واستر زلتي وامح حوبتي يا من لا يزيد ملكه عرفان العارفين، ولا ينتقص ملكه  بخطأ المجرمين.

 وأقول:

 ديني متابعة محمد سيد المرسلين وكتابي هو القرآن العظيم، وتعويلي في طلب الدين عليهما، اللّهم يا سامع الأصوات ويا مجيب الدعوات ويا مقيل العثرات أنا كنت حسن الظن بك، عظيم الرجاء في رحمتك وأنت قلت :﴿أنا عند ظن عبدي  بي﴾، وأنت قلت:﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه﴾،  فهب أني ما جئت بشيء فأنت الغني الكريم، فلا تخيب رجائي، ولا ترد دعائي واجعلني آمناً من عذابك قبل الموت وعند الموت، وبعد الموت وسهل علي سكرات الموت فإنك أرحم الراحمين.

 وأما الكتب التي صنفتها،  واستكثرت فيها  من إيراد السؤالات فليذكرني من نظر فيها بصالح دعائه، على سبيل التفضل والإنعام، وإلا فليحذف القول السيء، فإني ما أردت إلا تكثير البحث، وشحذ الخاطر والاعتماد في الكل على الله. 

وأما الثاني وهو إصلاح أمر الأطفال والعورات،  فالاعتماد فِيهِ على الله.

ثم إنه سرد وصيته في ذلك إلى أن قال:… وأمرت تلامذتي ومن لي عليه حق إذا أنا مت يبالغون فِي إخفاء موتي ويدفنوني على شرط الشرع،  فإذا دفنوني قرأوا علي ما قدروا عليه من القرآن ثمّ يقولون يا كريم جاءك الْفقير الْمحْتاج فأحسن إليه.

وفاته: 

توفي الإمام  ـ رحمه الله تعالى ـ  بهرة يوم الاثنين يوم عيد الفطر ستة 606هـ [31].

 

                                                     إعداد الباحثة: حفصة البقالي

 

الهوامش:

[1]- مصادر ترجمة الرازي: وفيات الأعيان، لابن خلكان 248-249/4، تاريخ الإسلام للذهبي،  137/13، البداية والنهاية لابن كثير،13  65/، شذارات الذهب لابن عماد الحنبلي، 40/ 7، الإمام الفخر الرازي حياته وآثاره للعماري،11-16.

[2]- وفيات الأعيان لابن خلكان،  250/4، شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي،  7/40.

[3]- تاريخ الإسلام للذهبي، 13/137.

[4]- طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، 8/86 ، طبقات الشافعية الكبرى للأسنوي،7/242. 

[5]- طبقات الشافعية الكبرى للسبكي،  86/8، طبقات الشافعية الكبرى  للأسنوي1/338.

[6]- وفيات الأعيان 4/250، طبقات الشافعية  الكبرى للسبكي،8/86.

[7]- شذرات  الذهب، 40/7.

[8]- الأعلام  للزركلي، /115.

[9]- الأعلام  للزركلي  3/288.

[10]- الأعلام  للزركلي،  7/279.

[11]- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للفخر الرازي تحقيق الدكتور سامي النشار، ص:92،  دار الكتب العلمية- بيروت .

[12]- المصدر السابق، ص:93

[13]- معالم في أصول الدين للفخر الرازي، تح: طه عبد الرؤوف سعد، ص:22، دار الكتاب العربي- لبنان. 

[14]- معالم في أصول الدين، ص: 23

[15]- معالم في أصول الدين، ص:23

[16]- معالم في أصول الدين، ص:24

[17]- محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين،  للفخر الرازي، راجعه وقدم له: طه عبد الرؤف سعد،  مكتبة الكليات الأزهرية. ص:148-149.

[18]- سورة القيامة، الآية 22-23

[19]- سورة يونس ،الآية 26

[20]- انظر جامع البيان لابن جرير الطبري، تح: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، 12/156-162.

[21]- سورة البقرة،  الآية  46

[22]- سورة المطففين،  الآية15 

[23]- سورة  الإنسان،  الآية 20

[24]- سورة  الأعراف، الآية 143

[25]- سورة  الأعراف، الآية 143

[26]- الأعراف، الآية  143 

[27] – أ خرجه البخاري في المواقيت، باب فضل صلاة العصر. ومسلم في المساجد، باب فضل صلاتي الصبح والعصر.

[28]- معالم في أصول الدين، ص: 73-74-75-76

[29]- المطالب العالية  من العلم الإلهي للفخر الرازي، تح: أحمد حجازي السقا، دار الكتاب العربي،3/239 وما بعدها. 

[30]- طبقات الشافعية الكبرى  لابن السبكي،  8/90

[31]- طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي،  8/93

 

 

 

ترك لنا التاريخ الإسلامي أسماء لعلماء أجلاء، ومفكرين فضلاء، قلما يخلو كتاب أو مرجع في العلوم الإسلامية من ذكرهم، والإشادة بمكانتهم العلمية، وتمرسهم ورسوخهم في كثير من مجالات العلم والمعرفة، ومن هؤلاء؛ المتكلم الأصولي والمفسـر والمؤرخ وعالم اللغة والطبيب والفيلسوف الإمام فخر الدين الرازي(ت 606 هـ) الذي بلغت شهرتـه الآفاق.
اسمه ونسبه:
 هو: محمد بن عمر بن الحسين بن علي القرشي التيمي البكري، يكنى بأبي عبد الله وأبي المعالي وأبي الفضل، وابن الخطيب الري، ويلقب بألقاب كثيرة منها: فخر الدين  والإمام،  إلا أن من أشهر ألقابه الرازي[1].
مولــده ونشــأته:
 ولد الإمام في مدينة الري في شهر رمضان المبارك سنة 544هـ ، وفي أسرة اشتهرت بالعلم والفضل، ونشأ في هذا البيت المفعم بالعلم والمعرفة؛ فقد كان أبوه أحد علماء الشافعية في مدينة الري، فنهل من علمه، واغترف من فقهه إلى أن مات، وكان الرازي ينسب الفضل إليه في كثير من العلوم ويذكره بإجلال[2].
وقد حباه الله بالإضافة إلى بيئته العلمية همة طلب العلم؛ فكان شديد الحرص على تلقي العلوم الشرعية والحكمية ، كثير البراعة، قوي النّظر في صناعة الطّبّ، عارفا بالأدب[3].
شيــوخـــه :
كان أبوه الإمام ضياء الدين أول شيوخه وأجلهم، تّأثر به ولازمه طول حياته،  وهو أحد أئمة الإسلام مقدما فِي علم الكلام، أخذه عن ابن القاسم الأنصاري تلميذ إمام الحرمين وكان فصيح اللسان قوى الْجنانَ فقيها أصوليا متكلما صوفيا خطيبا محدثا أديبا [4]. وبعد وفاة والده تتلمذ الرازي على الكمال السمناني[5] مدة من الزمن،  ثم عاد إلى الري واشتغل على المجد الجيلي وهو أحد أصحاب محمد ابن يحيى، وقرأ عليه مدة طويلة علم الكلام والحكمة[6].
تــلامــيـــذه :
تتلمذ على يديه الكثير؛ فقد كان إذا ركب مشى معه نحو الثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم في التفسير، والفقه،  والكلام، والأصول والطب وغير ذلك[7]، ومن هؤلاء التلاميذ:
قطب الدين المصري إبراهيم بن علي بن محمد السلمي،  المعروف بالقطب المصـري: طبيب، مغربي  الأصل،  أقام مدة بمصر ورحل إلى خراسان فتتلمذ للفخر الرازيّ، وصنف كتبا في الطب والفلسفة،  وشرح »الكليات  الخمس» من كتاب القانون لابن سينا، وقتل بنيسابور لما استباحها التتار سنة 618هـ[8].
شمس الدين الخسروشاهي عبد الحميد بن عيسى بن عمّويه بن يونس بن خليل بن عبد الله بن يونس،  أبو محمد،  من علماء الكلام، نسبته إلى خسروشاه -من قرى تبريز- ومولده فيها.  تقدم في علم الأصول والعقليات والفقه، وأقام في دمشق والكرك، عند الملك الناصر داود سنين كثيرة،  وتوفي بدمشق 652هـ. له «اختصار المهذب في فقه الشافعية»، و«تلخيص الآيات البيانات» للفخر الرازيّ [9].
المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري السمرقندي أثير الدين: منطقي،  اشتغل بالحكمة والطبيعيات والفلك،  توفي 663هـ [10].
مــؤلفـــاتــــه :
 جالت أقلام فخر الدين في فنون عديدة، فقد رزق الحظوة في  تصانيفه،  وانتشـرت في الآفاق،  منها :
التفسير الكبير
 الأربعين في أصول الدين 
أساس التقديس 
محصل أ فكار المتقدمين والمتأخرين من الحكماء و المتكلمين في علم الكلام
شرح عيون الحكمة لابن سينا
اعتقادات فرق المسلمين والمشركين
كتاب نهاية العقول في دراية الأصول
كتاب القضاء والقدر
عصمة الأنبياء
رسالة الحدوث
المباحث المشرقية في العلم الإلهي
المطالب العالية في الكلام
الملخص في المنطق والحكمة
عقيدة الإمام الرازي:
الإمام الرازي أشعري العقيدة،  وقد  أفصح  عن  توجهه  العقدي في  مؤلفاته،  يقول: «وقد علم العالمون أنه ليس مذهبي، ولا مذهب أسلافي إلا مذهب أهل السنة والجماعة«.
 ويرد على من يطعن في عقيدته ومخالفته لمنهج أهل السنة والجماعة قائلا»:فإن الأعداء والحساد لا يزالون يطعنون فينا  وفي  ديننا  مع ما بذلنا من الجد  والاجتهاد في نصـرة  اعتقاد أهل السنة والجماعة. ويعتقدون  أنني لست على مذهب أهل السنة والجماعة، ولم تزال تلامذتي وتلامذة والدي في سائر أطراف العالم يدعون إلى دين الحق، والمذهب الحق، وقد أبطلوا جميع البدع» [12].
آراؤه العقــدية:
النظر: النّظر والفكر عبارَة عَن تَرْتِيب مُقَدمَات علمية أَو ظنية ليتوصل بهَا إِلَى تَحْصِيل علم أَو ظن[13] . وفيه أربعة مسائل:
الأولى: قد يُفِيد العلم؛ لِأَن من حضر فِي عقله أَن هَذَا الْعَالم متغير وَحضـر أَيْضا أَن كل متغير مُمكن فمجموع هذَيْن العلمين يُفِيد الْعلم بِأَن الْعَالم مُمكن[14].
الثانية: هُوَ أَن يحصل فِي الذِّهْن علمَان وهما يوجبان علما آخر فالتوصل بذلك الْمُوجب إِلَى ذَلِك الموجب المطْلُوب هُوَ النّظر وَذَلِكَ الْمُوجب هُوَ الدَّلِيل[15].
الثالثة: النّظر فِي الشَّيْء يُنَافِي الْعلم بِهِ؛ لِأَن النّظر طلب والطلب حل حُصُول الْمَطْلُوب محَال وينافي الْجَهْل بِهِ لِأَن الْجَاهِل يعْتَقد كَونه عَالما بِهِ وَذَلِكَ لاعتقاد يصرفهُ عَن الطّلب.
الرابعة: الصحيح أن النّظر يستلزم العلم اليقيني لما ذكرنا أنه مع حصول تينك المقدمتين يمتنع أن لا يحصل العلم بالمطلوب إلا انه غير مؤثر فيهِ لأن سنقيم الأدلة على أن الْمؤثر لَيْسَ إِلَّا الواحد وهو الله تعالى[16].
الاستدلال على وجود الصانع: سلك الرازي مسلك المتكلمين في الاستدلال على الصانع؛ إما بالإمكان أو الحدوث والتخصيص،  وقد حصرها في أربعة أوجه:
 الأول: الاستدلال بحدوث الأجسام وهو طريقة الخليل عليه السلام في قوله: ﴿لا أحب الآفلين﴾،  وتحريره أن العالم محدث وكل محدث فله محدث. 
الثاني: بإمكانها وهو أن  يقيم الدلالة على أن واجب الوجود يستحيل أن يكون أكثر من واحد، ثم يشاهد في الأجسام كثرة  ممكنة وكل ممكن فله مؤثر.
الثالث: بحدوث الأعراض؛ مثل ما نشاهد من انقلاب النطفة علقة ثم مضغة ثم لحما ودما  فلابد من مؤثر صانع حكيم. 
الرابع:  بإمكان الأعراض، وهو أن الأجسام متساوية في الجسمية فاختصاص كل واحد بما له من الصفات يكون جائزا ، فلابد في التخصيص من مخصص له[17].
الرؤية: 
 اتفق أهل السّنة على أن الله تعالى يصح أن يرى.  وأنكرت الفلاسفة والمعتزلة والكرامية والمجسمة ذلك.   والدلَائِل السمعية دَالَّة على حُصول الرُّؤْيَة، وشبهات الْمُعْتَزلَة فِي امْتنَاع الرُّؤْيَة باطلة، فوجب علينا البقاء على تلك الظواهر. أما بيان الدلائل السمعية فمن وجوه:
أحدهَا قوله- تعالى-: ﴿وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة﴾ [18]، فنقول النّظر إما أن يكون عبارة عن الرُّؤْيَة، أو عن تقليب الحدقة نحو المرئي التماسا لرُؤْيَته، والأول هو المقصود.
الثانِي قوله- تعالى -: ﴿ للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة﴾ [19] ، نقل عَن النَّبي صلى الله علَيْهِ وَسلم أَنه قال «الزِّيَادَة هِيَ النّظر إِلَى الله20]«].
والثَّالث قوله –تعالى-:﴿ الذين يظنون أَنهم ملاقوا رَبهم﴾، وَقَوله تَعَالَى ﴿أُولَئِكَ الَّذين كفرُوا بآيَات رَبهم ولقائه﴾[21] .
الرَّابِع قَوْله -تَعَالى-: ﴿كلا إِنَّهُم عَن ربيهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون﴾ [22]،  وَتَخْصِيص الْكفَّار بِهَذَا الحجب يدل على أَن الْمُؤمنِينَ لَا يكونُونَ محجوبين.
 الْخَامس قَوله- تعالى-: ﴿   وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رأَيْت نعيما وملكا كَبِير ﴾[23] ،  والْملك الكبير هو الله- تعالى- وذلك يدل على أنه صلى الله علَيه وسلم يرى ربه يوم الْقيامة.
السادس قوله- تعالى- حكاية عن موسى عليه السلامة: ﴿رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك﴾ [24]،  ولو كانت الرؤية ممتنعة على الله- تعالى- لكان موسى جاهلا بالله –تعالى- .
السابِع قوله- تعالى-﴿  فإن استقر مكانهُ فَسَوف تراني﴾[ [25،  علق الرُّؤْيَة على اسْتِقْرَار الْجَبَل وَهَذَا الشَّرْط مُمكن وَالْمُعَلّق بالممكن مُمكن. 
الثامن قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا تجلى ربه لجبل﴾ [26]، والتجلي هو الرؤية وذلك لأن الله تعالى خلق فِي الْجبل حياة وسمعا وبصرا وعقلا وفهما وخلق فيه رؤية رأى الله بها.
التَّاسع قوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر [27]«،  والْمَقصود من هذا التشبيه تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي.
 العاشر أن الصحابة- رضي الله عنهم- اختلفوا في أن مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه أم لَا، واختلافهم في الوقوع يدل ظاهرا على اتفاقهم على الصِحة [28].
الأسماء والصفات: إن البحث في أسماء الله وصفاته من أهم المباحث التي كثر فيها الجدل واختلفت الفرق في إثباتها ونفيها، وهدف كل فرقة إثبات الكمال لله- عزوجل-، وتنزهيه –تعالى- عن كل ما لا يليق به سبحانه. 
فالإمام الفخر الرازي يرى أن أسماء الله –تعالى- أزلية في معانيها، حادثة بألفاظها وحروفها، ويقسم أسماء الله –تعالى- إلى ثلاثة أقسام ويبين هذا التقسيم في كتابه  «المطالب العالية»: « اعلم أن أسماء الله –تعالى- يمكن تقسيمها من وجوه: التقسيم الأول:  الاسم الدال على الذات، القسم الثاني:  وهو الاسم الذي يفيد جزء الماهية، القسم الثالث: وهو الاسم الذي يفيد صفة خارجية عن الماهية 29]].
وقبل أن أختم هذه الكلمات المعدودة عن الإمام  الذي  أولاه الدارسون عناية  خاصة،  وعدوه  إمام الدنيا في عصـره، أود أن أذكر بعض الفقرات من وصيته المؤثرة، قال صاحب  »طبقات الشافعية الكبرى» الإمام ابن السبكي:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، إذناً خاصا، أخبرنا الكامل عمر بن إلياس بن يونس المراغي، أخبرنا التقي يوسف أبي بكر النسائي بمصر، أخبرنا الكامل محمود بن عمر الرازي قال: سمعت الإمام فخر الد ين يوصي بهذه الوصية لما احتضر لتلميذه إبراهيم بن أبي بكر الأصبهاني.
يقول العبد الراجي رحمة ربه، الواثق بكرم مولاه، محمد بن عمر بن الحسين الرازي، وهو أول عهده بالآخرة وأخر عهده بالدنيا، وهو الوقت الذي يلين فيه كل قاس، ويتوجه إلى مولاه كل آبق:
 أحمد الله  تعالى بالمحامد التي ذكرها أعظم ملائكته في أشرف أوقات معارجهم ونطق بها أعظم أنبيائه في أكمل أوقات شهاداتهم، وأحمده بالمحامد التي يستحقها، عرفتها أو لم أعرفها؛ لأنه لا مناسبة للتراب مع رب الأرباب. وصلواته على ملائكته المقربين، والأنبياء والمرسلين، وجميع عباد اللّه الصالحين.
اعلموا أخلائي في الدين، وإخواني في طلب اليقين، أن الناس يقولون: إن  الإنسان إذا مات انقطع عمله و تعلقه عن الخلق، وهذا مخصص من وجهين: الأول: أنه إذا بقي منه عمل صالح صار ذلك سبباً للدعاء، والدعاء له عند الله تعالى أثر، والثاني: ما يتعلق بالأولاد وأداء الجنايات.
 أما الأول: فاعلموا أني كنت رجلاً محبا للعلم، فكنت أكتب من كل شيء شيئاً لأقف على كميته وكيفيته، سواء كان حقاً أو باطلا، إلا أن الذي نطق به في الكتب المعتبرة،  أن العالم المخصوص تحت تدبير مدبر المنـزه عــن مماثلة المتحيزات، موصوف بكمال القدرة والعلم والرحمة، ولقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن؛ لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال للّه –تعالى-، ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات، وما ذاك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك المضايق العميقة، والمناهج الخفية فلهذا أقول:
كل ما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته  وبراءته عن الشـركاء في القدم والأزلية والتدبير والفعالية، فذلك هو الذي أقول به وألقى الله –تعالى- به، وأما ما انتهى الأمر فيه إلى الدقة والغموض، فكل ما ورد في القرآن والأخبار الصحاح المتعين للمعنى الواحد فهو كما قال،  والذي لم يكن كذلك.
 أقول:
 يا إله العالمين، إني أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فكل ما مدّ قلمي أو خطر ببالي:  فأستشهد وأقول: إن علمت مني أني أردت به تحقيق باطل أو إبطال حق فافعل بي ما أنا أهله، وإن علمت مني أني ما سعيت إلا في تقديسٍ  اعتقدت أنه هو الحق، وتصورت أنه الصدق، فلتكن رحمتك مع قصدي لا مع حاصل، فذاك جهد المقل، وأنت أكرم من أن تضايق الضعيف الواقع في زلة، فأغثني وارحمني واستر زلتي وامح حوبتي يا من لا يزيد ملكه عرفان العارفين، ولا ينتقص ملكه  بخطأ المجرمين.
 وأقول:
 ديني متابعة محمد سيد المرسلين وكتابي هو القرآن العظيم، وتعويلي في طلب الدين عليهما، اللّهم يا سامع الأصوات ويا مجيب الدعوات ويا مقيل العثرات أنا كنت حسن الظن بك، عظيم الرجاء في رحمتك وأنت قلت :﴿أنا عند ظن عبدي  بي﴾، وأنت قلت:﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه﴾،  فهب أني ما جئت بشيء فأنت الغني الكريم، فلا تخيب رجائي، ولا ترد دعائي واجعلني آمناً من عذابك قبل الموت وعند الموت، وبعد الموت وسهل علي سكرات الموت فإنك أرحم الراحمين.
 وأما الكتب التي صنفتها،  واستكثرت فيها  من إيراد السؤالات فليذكرني من نظر فيها بصالح دعائه، على سبيل التفضل والإنعام، وإلا فليحذف القول السيء، فإني ما أردت إلا تكثير البحث، وشحذ الخاطر والاعتماد في الكل على الله. 
وأما الثاني وهو إصلاح أمر الأطفال والعورات،  فالاعتماد فِيهِ على الله.
ثم إنه سرد وصيته في ذلك إلى أن قال:… وأمرت تلامذتي ومن لي عليه حق إذا أنا مت يبالغون فِي إخفاء موتي ويدفنوني على شرط الشرع،  فإذا دفنوني قرأوا علي ما قدروا عليه من القرآن ثمّ يقولون يا كريم جاءك الْفقير الْمحْتاج فأحسن إليه.
وفاته: 
توفي الإمام  ـ رحمه الله تعالى ـ  بهرة يوم الاثنين يوم عيد الفطر ستة 606هـ [31].
الباحثة: حفصة البقالي
الهوامش:
[1]- مصادر ترجمة الرازي: وفيات الأعيان، لابن خلكان 248-249/4، تاريخ الإسلام للذهبي،  137/13، البداية والنهاية لابن كثير،13  65/، شذارات الذهب لابن عماد الحنبلي، 40/ 7، الإمام الفخر الرازي حياته وآثاره للعماري،11-16.
[2]- وفيات الأعيان لابن خلكان،  250/4، شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي،  7/40.
[3]- تاريخ الإسلام للذهبي، 13/137.
[4]- طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، 8/86 ، طبقات الشافعية الكبرى للأسنوي،7/242. 
[5]- طبقات الشافعية الكبرى للسبكي،  86/8، طبقات الشافعية الكبرى  للأسنوي1/338.
[6]- وفيات الأعيان 4/250، طبقات الشافعية  الكبرى للسبكي،8/86.
[7]- شذرات  الذهب، 40/7.
[8]- الأعلام  للزركلي، /115.
[9]- الأعلام  للزركلي  3/288.
[10]- الأعلام  للزركلي،  7/279.
[11]- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للفخر الرازي تحقيق الدكتور سامي النشار، ص:92،  دار الكتب العلمية- بيروت .
[12]- المصدر السابق، ص:93
[13]- معالم في أصول الدين للفخر الرازي، تح: طه عبد الرؤوف سعد، ص:22، دار الكتاب العربي- لبنان. 
[14]- معالم في أصول الدين، ص: 23
[15]- معالم في أصول الدين، ص:23
[16]- معالم في أصول الدين، ص:24
[17]- محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين،  للفخر الرازي، راجعه وقدم له: طه عبد الرؤف سعد،  مكتبة الكليات الأزهرية. ص:148-149.
[18]- سورة القيامة، الآية 22-23
[19]- سورة يونس ،الآية 26
[20]- انظر جامع البيان لابن جرير الطبري، تح: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، 12/156-162.
[21]- سورة البقرة،  الآية  46
[22]- سورة المطففين،  الآية15 
[23]- سورة  الإنسان،  الآية 20
[24]- سورة  الأعراف، الآية 143
[25]- سورة  الأعراف، الآية 143
[26]- الأعراف، الآية  143 
[27] – أ خرجه البخاري في المواقيت، باب فضل صلاة العصر. ومسلم في المساجد، باب فضل صلاتي الصبح والعصر.
[28]- معالم في أصول الدين، ص: 73-74-75-76
[29]- المطالب العالية  من العلم الإلهي للفخر الرازي، تح: أحمد حجازي السقا، دار الكتاب العربي،3/239 وما بعدها. 
[30]- طبقات الشافعية الكبرى  لابن السبكي،  8/90
[31]- طبقات الشافعية الكبرى لابن السترك لنا التاريخ الإسلامي أسماء لعلماء أجلاء، ومفكرين فضلاء، قلما يخلو كتاب أو مرجع في العلوم الإسلامية من ذكرهم، والإشادة بمكانتهم العلمية، وتمرسهم ورسوخهم في كثير من مجالات العلم والمعرفة، ومن هؤلاء؛ المتكلم الأصولي والمفسـر والمؤرخ وعالم اللغة والطبيب والفيلسوف الإمام فخر الدين الرازي(ت 606 هـ) الذي بلغت شهرتـه الآفاق.اسمه ونسبه: هو: محمد بن عمر بن الحسين بن علي القرشي التيمي البكري، يكنى بأبي عبد الله وأبي المعالي وأبي الفضل، وابن الخطيب الري، ويلقب بألقاب كثيرة منها: فخر الدين  والإمام،  إلا أن من أشهر ألقابه الرازي[1].مولــده ونشــأته: ولد الإمام في مدينة الري في شهر رمضان المبارك سنة 544هـ ، وفي أسرة اشتهرت بالعلم والفضل، ونشأ في هذا البيت المفعم بالعلم والمعرفة؛ فقد كان أبوه أحد علماء الشافعية في مدينة الري، فنهل من علمه، واغترف من فقهه إلى أن مات، وكان الرازي ينسب الفضل إليه في كثير من العلوم ويذكره بإجلال[2].وقد حباه الله بالإضافة إلى بيئته العلمية همة طلب العلم؛ فكان شديد الحرص على تلقي العلوم الشرعية والحكمية ، كثير البراعة، قوي النّظر في صناعة الطّبّ، عارفا بالأدب[3].شيــوخـــه :كان أبوه الإمام ضياء الدين أول شيوخه وأجلهم، تّأثر به ولازمه طول حياته،  وهو أحد أئمة الإسلام مقدما فِي علم الكلام، أخذه عن ابن القاسم الأنصاري تلميذ إمام الحرمين وكان فصيح اللسان قوى الْجنانَ فقيها أصوليا متكلما صوفيا خطيبا محدثا أديبا [4]. وبعد وفاة والده تتلمذ الرازي على الكمال السمناني[5] مدة من الزمن،  ثم عاد إلى الري واشتغل على المجد الجيلي وهو أحد أصحاب محمد ابن يحيى، وقرأ عليه مدة طويلة علم الكلام والحكمة[6].تــلامــيـــذه :تتلمذ على يديه الكثير؛ فقد كان إذا ركب مشى معه نحو الثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم في التفسير، والفقه،  والكلام، والأصول والطب وغير ذلك[7]، ومن هؤلاء التلاميذ:- قطب الدين المصري إبراهيم بن علي بن محمد السلمي،  المعروف بالقطب المصـري: طبيب، مغربي  الأصل،  أقام مدة بمصر ورحل إلى خراسان فتتلمذ للفخر الرازيّ، وصنف كتبا في الطب والفلسفة،  وشرح »الكليات  الخمس» من كتاب القانون لابن سينا، وقتل بنيسابور لما استباحها التتار سنة 618هـ[8].- شمس الدين الخسروشاهي عبد الحميد بن عيسى بن عمّويه بن يونس بن خليل بن عبد الله بن يونس،  أبو محمد،  من علماء الكلام، نسبته إلى خسروشاه -من قرى تبريز- ومولده فيها.  تقدم في علم الأصول والعقليات والفقه، وأقام في دمشق والكرك، عند الملك الناصر داود سنين كثيرة،  وتوفي بدمشق 652هـ. له «اختصار المهذب في فقه الشافعية»، و«تلخيص الآيات البيانات» للفخر الرازيّ [9].- المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري السمرقندي أثير الدين: منطقي،  اشتغل بالحكمة والطبيعيات والفلك،  توفي 663هـ [10].مــؤلفـــاتــــه : جالت أقلام فخر الدين في فنون عديدة، فقد رزق الحظوة في  تصانيفه،  وانتشـرت في الآفاق،  منها :• التفسير الكبير•  الأربعين في أصول الدين • أساس التقديس • محصل أ فكار المتقدمين والمتأخرين من الحكماء و المتكلمين في علم الكلام• شرح عيون الحكمة لابن سينا• اعتقادات فرق المسلمين والمشركين• كتاب نهاية العقول في دراية الأصول• كتاب القضاء والقدر• عصمة الأنبياء• رسالة الحدوث• المباحث المشرقية في العلم الإلهي• المطالب العالية في الكلام• الملخص في المنطق والحكمة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق