وحدة الإحياءدراسات عامة

الإصلاحية الإسلامية بالمغرب وأهم قضايا التجديد

رغم أن الإصلاحية الإسلامية[1] بالمغرب قد تبلورت، بشكل أساسي، واتضحت معالمها مع اجتهادات علال الفاسي، إلا أن أصولها تعود إلى الدور الهام الذي قام به الشيخ أبي شعيب الدكالي في تكوين نخبة من العلماء التقليديين والمنفتحين في نفس الوقت، ممن حملوا، بعد ذلك، لواء الإصلاحية الوطنية المناهضة للاستعمار والداعية للتحديث في نفس الآن. وكان على رأس هؤلاء جميعا الشيخ محمد بن العربي العلوي الذي لم تحل تقليديته من أن يكون من أقوى المناصرين للمطالب الديمقراطية التحررية[2]؛ إذ بفضله تحولت السلفية في المغرب “من سلفية تقليدية وهابية الطابع، إلى سلفية وطنية مناضلة كونت الجيل الأول من رجال الحركة الوطنية المغربية وقدمت لهم الأساس الفكري العربي الإسلامي لتشييد تطلعاتهم النهضوية التحديثية ومواقفهم السياسية النضالية[3].”

ويبرز هذا البعد الوطني للإصلاحية الوطنية من خلال تأكيد محمد بن الحسن الوزاني أن هذه الأخيرة “لم تكن وقفا على واحد دون آخر ولا في مكان دون سواه. لم تكن محتكرة في يد العناصر الدينية دون غيرها، فضلا عن أنها لم تكن لها زعامة تتمثل في أي شخص بأية جهة من البلاد[4].”

ولعلها الحقيقة التي جعلت البعض ينفي أن تكون الإصلاحية الإسلامية مجرد نزعة أو تيار ضمن صيرورة الفكر المغربي عامة والفكر الوطني خاصة، وإنما تبدو وكأنها تؤسس لهما معا[5]” لتغدو تبعا لذلك بمثابة “إيديولوجية الفكر المغربي الحديث والحركة الوطنية المغربية بامتياز؛ أي أنها قاعدة انبثاق وتشكل مجمل الأفعال التي بلورتها مبكرا نخبة المغرب الحاكمة والعالمة إزاء التهديد الاستعماري الظاهر والكامن، وصيرورة التحديث..[6].”

وهو ما يفسر إقرار الزعيم التقدمي المهدي بنبركة بدورها في مصالحة النخب العلمانية الحداثية مع تراثها ودينها بقوله: “وعقب ظهور هذه الحركة.. تبدلت نظرتنا إلى الدين، وأخذنا نزيل على أذهاننا طبقة الخرافات والقشور التي تكونت فوق لب العقيدة الإسلامية المبنية على حرية المناقشة والتفكير، وأعتقد بأنه لولا وجود هذه الحركة المباركة لتنكر كل شبابنا، الذي يتابع دراسته في إسبانيا وفرنسا إلى الدين. فبفضل هذا الاحتكاك مع الاستعمار ظهرت السلفية الجديدة التي بدلت نظرتنا إلى الدين وحفظت شبابنا من الإلحاد، وجعلتنا نفهم الإسلام على حقيقته[7].”

ومع أن هناك من يعود بأصول الإصلاحية الوطنية لأبي شعيب الدكالي ومحمد بن العربي العلوي نجد اتجاها آخر يربطها بأحمد بن خالد الناصري وأحمد بن المواز ومحمد بن الحسن الحجوي الذين “انخرطوا من موقعهم كعلماء وموظفين مخزنيين في سياق إنتاج فكر مغربي تحديثي كان يطرح التجديد الفكري والديني، بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية، كمخرج للوضع القائم الذي لم تزده الحماية الاستعمارية إلا بؤسا وتعقيدا.” وهو ما جعل ممثل هذا الاتجاه ينعت إصلاحيتهم بالإصلاحية الجديدة ذات المنحى التحديثي مقابل نظيرتها ذات المنحى الوطني، حيث عبر هذا المزج بين الدعوتين الإصلاحية والوطنية عن نفسه من خلال؛ الهجوم القوي على الطرق الدينية المتهمة بالخيانة، وتطوير وتثوير أسلوب وفكر المقاومة الجهادية، وأخيرا طرح مسألة الإصلاحات السياسية..

غير أن كلا الاتجاهين اتفقا، مع ذلك، على الدور الهام الذي لعبه محمد بن عبد الكريم الخطابي ليس كقائد لحرب الريف التحريرية الكبرى فحسب، وإنما كفقيه إصلاحي تلقى تعليمه في القرويين، وأسهمت حركته في خلق “جو جديد في المغرب كان من أبرز مظاهره الفكرية تحول الدعوة الإصلاحية إلى حركة وطنية تدعو إلى التحديث والتحرر[8].”

تسجل الأدبيات ذات الصلة، أن الإصلاحية الوطنية قد تجاوزت معظم “مثالب” الإصلاحية النهضوية بالمشرق.. فقد تلقى المغاربة التيارات الفكرية النهضوية على اختلافها وتباينها كتيارات مبشرة بالنهضة والإصلاح والتقدم والتحرر..

الأمر الذي جعل أفكارها، بغض النظر عن تباينها، تعيش علاقات سلمية جديدة بالمغرب علاقات تزاوج واندماج.. لا ترى بمقتضاها الإصلاحية الوطنية من تناقض بين “الإصلاح الديني ونشر التربية والتعليم، وبين إقرار الحريات الديمقراطية والحياة النيابية الدستورية والأخذ بقيم الحداثة ووسائل التحديث من جهة ولا بين الوطنية الإقليمية، وبين الفكرة القومية العربية والجامعة الإسلامية من جهة أخرى[9].”

ذلك أن “الحركة الشعبية في المغرب العربي، كانت تنشد تحقيق الذات لا عن طريق “القوم” الذين هم عرب وبربر، ولكن عن طريق الرباط الترابي الذي هو الوطن، والفكري العاطفي الذي هو الدين، (من منطلق أن) الدين والوطن كافيان لضمان الارتباط مع كل الذين تربطهم الدار والإيمان..[10]“، وهي الحقيقة التي يؤكدها الفاسي بقوله: “لذلك نجدنا نحس دائما أننا وطنيون ومصلحون دينيون واجتماعيون في آن.. تلك صبغة الوطنية المغربية في استقلالها وفي تفاعلها مع الآخرين[11].”

أولا: الإصلاحية الإسلامية حركة تجديدية

ترتبط الحركة الإصلاحية الإسلامية، من خلال الفاسي، بالحركة الوطنية ارتباطا وثيقا خاصة حينما تغدو إطارا مرجعيا ناظما للنشاط الاجتماعي، ومحفزا ومؤطرا للشؤون العامة للجماعة الوطنية.

فرغم الدلالة الظاهرة للمغزى الماضوي الذي تستبطنه السلفية، إلا أن أهم ما يميزها لدى الفاسي هو “أنها أقرب ما تكون منهجا منها إلى أن تكون مذهبا” وهو ما جرى التعبير عنه بـ”السلفية المنهجية[12].” ولعل في موقفه الإيجابي من الفلسفة، وتصوره للعلاقة بين العلم والدين ما يعزز هذا البعد التجديدي.

أكثر من ذلك فإن الإصلاحية الإسلامية تغدو حركة تحررية تجديدية تنويرية تصدر عن وعي عميق بالصيرورة والتقدم التاريخيين يقول الفاسي: “والذي ينظر في تاريخ الحركات العامة في الدنيا كلها؛ يجد أنه لم تقم ثورة مفيدة في بلد ما، إلا سبقتها دعوة للرجوع للماضي البعيد؛ ذلك أن هذا الرجوع الذي يظهر في شكل تقهقر إلى الوراء، هو نفسه تحرر كبير من أشياء كثيرة وضعت الأجيال العديدة والعصور المختلفة؛ والتحرر منها هو تخفف يسهل السير إلى الأمام بخطى واسعة، وإزالتها من الطريق يفتح أفقا عاليا يهدي السائرين للغاية الصحيحة التي يجب أن يوجهوا أنفسهم إليها[13].”

كما تصدر عن الوعي بأن “الحياة حركة.. وكذلك هي الحقيقة، فإن الإنسانية سائرة دائما لا تعرف الوقوف، ثم هي تنتقل من حالة إلى غيرها دون مبالاة بما يريده الناس أو يعتبرونه..[14]“، وكذلك من الوعي بضرورة ” النظر والتبصر والاعتبار بتقلبات الزمن والبحث المستمر عن اتجاهات الحياة ومحاولة الحكم في سير الأشياء وفقا لما تستدعيه مصلحة الإنسان الذي أنزل لهذه الأرض كي يخلف الإله فيها بالعمارة والإصلاح[15].”

فلولا تشبع المسلمين بتلك “الروح التقدمية العظيمة” التي غمرهم بها الإسلام لما استطاعوا أن يبنوا الحضارة الإسلامية التي كان من أخص مميزاتها الإنسانية اتصالها وانفتاحها على مختلف التجارب الحضارية[16]“. لقد أراد الإسلام، يقول الفاسي، أن تكون دعوته حركة دائمة، وجعل هذه الإرادة جزءا من فكره الذي ما سرى في مجتمع إلا كان باعثا له على النظر والتفكير والعمل التقدمي الدائب”. وفي هذا السياق، يجزم أن القرآن المجيد “لم يشهر حربا بقدر ما أشهرها على التقليد، ولم يهتم بشيء اهتمامه بالدعوة إلى التبصر والتأمل والتدبر..[17].”

 لا يكل الفاسي من التذكير بأن الإسلام حركة، ولذلك يجب أن نواصل السير دائما إلى الأمام لا أن نقطع الصلة بالماضي ونحاول استئناف سير جديد، وأن الفكر الإسلامي ليس شيئا آخر غير “الانتباه، والحذر، والحركة الدائبة، والتجديد المستمر في الأسلوب وخصوصا في الآلة النفسية.. وفي فهم العوامل الداخلية والخارجية التي تدعوا إليها. وهو أكثر من ذلك، وازع الثورة على الخمود والاستنكار للجمود والامتلاء بروحانية العمل والكفاح للتمتع بالحق والشعور بالعدل وتذوق معاني الحرية[18].”

واستلهاما لهذه الروح وتمثلا لها، لم تكن الإصلاحية الإسلامية عند الفاسي مجرد دعوة ضد الخرافات والشعوذة، وإنما كانت، أكثر من ذلك، دعوة” لحث الشعب على العلم والدعوة إلى إصلاح شامل، ومقاومة الجمود في كل فروع الحياة[19].” فعنده أن العلم لا يناقض الدين ولا يجافيه، كما أن له كامل الحق في الاستقلالية عنه[20].

وهو ما لن يتحقق إلا إذا نهضت النخبة بوظيفتها التاريخية في تطوير ذهنية الأمة وتحرير روحانياتها “إلى أن ينتصر العقل ويصبح المسيطر على جميع ميادين الحياة وتكون له الرقابة على أخلاقنا وسلوكنا[21].” وهو ما لن يتأتى، حسب الفاسي، إلا من خلال الانطلاق من الإسلام الذي شكل على امتداد تاريخه “ثورة عقلية وروحية واجتماعية” في مواجهة شتى مظاهر الفساد والإفساد..

ومقابل الرؤية التي تنظر إلى اليونان والرومان كوثنيين وكفار، يذهب الفاسي إلى أن “السمو الروحي لليونانيين هو الذي جعل منهم هذه الأمة الخالدة التي استطاعت أن تبني حضارة لا مثيل لها في التاريخ”، وهو ما ينطبق على الرومانيين والقرطاجيين. أكثر من ذلك، نجده يقرن بين هذه الحضارات وبين الإسلام في النجاح في تحقيق التلازم بين السمو الروحي والسمو الحضاري..

غير أن الاعتراف بإنجازات “الآخر” الحضارية وأساسها الروحي، لم تمنعه من نقد المدنية الغربية المعاصرة المتمركزة على نفسها وعلى الإنسان؛ من منطلق أن “المدنية الغربية المعاصرة حينما أرادت أن تركز كل شيء في مقياس الإنسان من حيث هو غاية، انحدرت شيئا فشيئا إلى أحط مستوى عند الإنسان ولم تعد تبحث إلا عما يرضي حاجته المادية، وفي كل يوم تخلق له حاجات جديدة وتبحث عما يرضيها.”

كما لم تمنع الفاسي من رسم حدود ومعايير واضحة لممارسة الاختلاف والتسامح والتفاعل مع القيم والأفكار المخالفة، كاشفا كيف أن “الذين يتسامحون في الصفات أو الأخلاق والنظريات السيئة لا يلبثون أن يتأثروا بها ولو أنكروها”؛ مدللا على ذلك بكون “طفيليات المذاهب والسلوكيات هي كطفيليات الأمراض والأوبئة، إما أن تحارب وإما أن تلحق حتى بالأطباء أنفسهم” ليخلص إلى أن “الذين يدعون للاتفاق أو التسامح مع ذوي الأفكار الضارة بالأمة ما مثلهم إلا كمثل الطبيب الذي ينصح المصاب بالسرطان بعدم مقاومة جرثومة الداء بداعي الإشفاق عليها ككائن حي يستحق الرحمة ويستوجب أن يترك له حظه من الحياة وأسبابها التي في مقدمتها نخر جسم ذلك المريض[22].”

وهو ما يفضي بنا إلى تأكيد الفاسي على ضرورة المفاصلة النفسية لمظاهر الانحراف الأخلاقي، وعلى أهمية الحفاظ على ثوابت العقيدة تحث أي ظرف أو شرط. وفي هذا المعنى يقول: “إنه ليكفي أن يقتنع الإنسان بقبول أبسط أسباب الفساد الخلقي أو الاجتماعي لكي يكون قد خطى الخطوة الأولى في سبيل ضياعه الكلي. لقد أصبح من مظاهر التحذلق في هذا العصر أن يسكت الإنسان عن كثير من الآراء التي تتنافى وعقيدته… وهكذا دواليك حتى تنحل من نفسه عقدة اليقين في المبادئ التي يؤمن بها والعقائد التي يقدسها..[23].”

 يذهب الفاسي إلى أن الحركة الإصلاحية والوعي بضرورة النهضة التاريخية للأمة سابق على ما بات يسمى بـ”صدمة الحداثة”، سواء مع حملة نابليون بونابرت على المشرق العربي، أو بفعل الاستعمار الغربي الحديث؛ وفي هذا المعنى يؤكد أنه ” في القرن الثامن عشر بدأت نهضة التجديد الإسلامي بالثورة الوهابية التي نعتبرها، بحق، إشارة البعث الأولي في العصر الحديث، على الرغم من أن بعض المستغربين يقلدون أساتذتهم الأوروبيين فيجعلون من حملة نابليون الاستعمارية على مصر بداية نهضتنا، ويتجاهلون هذه الانطلاقة الوهابية التي اندفعت من صميم الفكر العربي الإسلامي، وكان لها الأثر في بلادنا وفي بلاد الإسلام بتوجيهنا نحو الثورة على الخرافة والاستقاء من نبع السنة الصافية[24].”

وتبعا لذلك يعتقد الفاسي أن “أمتنا كانت سائرة في طريق الخلاص لولا استعجال المستعمرين الأمر، وهجومهم علينا بطريق القوة التي شغلتنا في شأن الدفاع عن النفس أمدا طويلا[25].” لقد “كنت أعود إلى تاريخ الحماية وسياساتها فأحسب بأن نظامها لم يكن إلا حجر عثرة في سبيل تقدم المغرب وتطوره الشعبي الذي بدأ منذ ستين عاما[26].”

ثانيا: الإصلاحية الإسلامية وإشكالية النهضة

لقد شكل سؤال النهضة محور اهتمام الفاسي لدرجة أنه من اليسير قراءة مجمل مشروعه الفكري كبحث موصول عن مختلف المعوقات التي تحول دون تحقيق هذه النهضة، وسعي دائم للبحث عن الشروط اللازمة لانجازها؛ فكل “فكرة لا تعمل على توجيه الأمة صوب التطور والتقدم إلى الأمام هي، بالنسبة إليه، فكرة عقيمة يجب رفضها ومحاربتها[27].” فبعد أن يعتبر أن من معوقات النهضة العربية الإسلامية ضمور الفاعلية التاريخية للأمة من خلال استشراء شتى مظاهر “العجز والكسل والتقليد” التي تمثل “أعظم مساس بكرامتنا الوطنية كأمة ذات تاريخ عقلي وحضارة روحية..”، يعود ليؤكد أن الحرية القائمة على موقف عقلي وفكري راسخ تعد شرطا أساسيا من شروط نهضة الأمة وتقدمها؛ إذ “إن حياة بغير حرية لهي الموت المحض، وإن وجودا من غير فكر حر لهو العدم، وأن مدنية لا تقوم على التحرر والتبصر لهي الوحشية ولو كانت في أحدث طراز[28].”

إن الفاسي هاهنا، لا يتحدث عن الحياة والموت، وعن الوجود والعدم، بالمعنى الطبيعي المباشر، وإنما بالمعنى التاريخي الفلسفي، وإلا فإن الحياة في ظل العبودية موت، والوجود في ظل الجهل ظلام؛ فكما أن الانتقال من حالة الموت والموات إلى حالة الفاعلية والحياة لا تتحقق من غير حرية ومن غير اختيار وفعل حر، فإن الانتقال من العدم إلى الوجود لا يتم إلا بفكر حر. أما المدنية الحقيقية فلا قوام لها بغير تحرر متسلح بالحرية، وتبصر قائم على الفكر الحر.. ليغدو “طابع الفكر الحر طابعا إنسانيا لا تتحقق آدمية الإنسان بدونه.” و” نقطة البداية في بعثنا الحديث[29].”

 كما أن الفاسي لا يتصور أية نهضة حضارية من غير استلهام لمثل أعلى؛ من منطلق أن “الاعتقاد في الخالق والاعتداد به كمثال أعلى ضروري لنا إذا كنا نريد السير في الطريق الذي نرمي قطع مراحلها في طمأنينة وأمان.. والتجرد عن هذه “المثالية الصحيحة” معناه الانحطاط بالإنسان وبالشعوب إلى أسفل الدركات..” خاصة وأن “الذين بدلوا الجهود الجبارة ليقظة أوروبا وأمريكا لم يكونوا، خلافا للرأي الشائع، بعيدين عن الله ولا متجردين من مثاليته..”.

وتفسير ذلك، من وجهة نظره، أن “المثالية الإلهية وحدها هي التي يمكن أن تسيطر على سلوكنا، وتراقب ضميرنا، وتقلل من أغراضنا وأهوائنا (…) والتفكير بها هو الذي يجعلنا نعشق التقدم دائما والعمل باستمرار.. والتفكير بالمثال الإلهي هو الذي يربط مستقبلنا بحاضرنا وبماضينا القومي والإنساني[30].”

وبعد أن يشدد على شمولية الإسلام؛ نافيا وجود أمر “يماثل الطبيعة في شمولها وسريانها مثل الدين..” ومشددا، تبعا لذلك، على أن الأمة لا يمكنها إلا أن “تختار في حياتها الخاصة والعامة أحد أمرين؛ إما الإلحاد وعدم الاعتداد بتعاليم الدين وإما التدين”، يعود ليجعل من الدين شرطا محددا لكل تقدم؛ ومن الإلحاد عاملا منتجا ومصاحبا لكل تقهقر ونكوص؛ “إنه ما سرى الإلحاد وعدم الاعتداد بالدين في أمة إلا رجعت القهقرى، وآلت بعد عزتها ومجدها إلى الانحلال، وما حافظت في شؤونها على مراعاة المثل الأعلى الإلهي، إلا احتفظت بحياتها وفخرها ومكانتها[31].” فمهما تعددت مظاهر تخلف الأمة، فإن الفاسي يردها إلى “أصل أصيل هو إهمال المسلمين لتعاليم الإسلام الذي يأمرهم بالأخذ بوسائل العلم والعدل والقوة.” ذلك أن “التخلف الاقتصادي والاجتماعي إنما هو نتيجة التخلف الثقافي والديني[32].”

وتأكيدا لهذه القاعدة/القانون يعتبر الفاسي أن أعظم طابع يميز الديانة الإسلامية هو “بناؤها على أصول متينة تجعلها قابلة للتطور والسير دائما إلى الأمام، وتعهدها لكي تكون صالحة لكل الطبقات ولكل العصور ومختلف البقاع.” وهو ما جعلها تشكل تاريخيا “ثورة عقلية وروحية واجتماعية على الوثنية العربية ونظام الأرستقراطية التجارية.” كما يذهب إلى أن وظيفة الفكر الإسلامي تتمثل في إصلاح حال الأمة وتحريرها من الخرافات والأوهام والتقاليد البالية “التي تحول دون تقدمها ورقيها، وتحول بين عقلها والتفتح لأسرار الكون ومعالم الإيمان وتمنعها من تغيير ذهنيتها التي تكونت تدريجيا في عصور الانحطاط الأخير[33].”

وهي الذهنية التي طالما دعا الفاسي إلى دراستها، بل وإلى “التفكير في وسائل تبديلها” ضمن “ثورة شاملة في الأفكار والذهنيات[34]“؛ لأنها مادامت على حالها فإن “كل نهوض شعبي سيظل بطيئا ومشكوكا في صموده إزاء هذه الآفات النفسية الكبرى[35].”

ومن شروط النهضة؛ التأسيس على التراث الحضاري للأمة وعلى التراث الإنساني “فواجبنا، يقول الفاسي، أن نعمل على تجديد أحوالنا مستمدين من تراثنا ومن تراث غيرنا ومن حاضر الأمم الراقية وتجاربها ما يكون لنا عصر انبعاث حقيقي، ويقظة نشيطة، واستئناف لمواصلة السير نحو المثل الأعلى الذي يملأ قلوبنا..[36].”

كما أن النقد التاريخي يغدو من المقومات الأساسية لأي مشروع تجديدي؛ “إن النقد التاريخي لمما ينقص النهضة العربية عموما والمغربية بالأخص. وبدونه لا يتسنى لنا أن نبني مستقبلنا على الأسس الصالحة المفيدة.” وفي هذا السياق يحمل الفاسي بشدة على ما أسماه بـ”الإقطاعية البغيضة”، و”الرجعية الإقطاعية” التي تواطأت مع الاستعمار لمقاومة حركة التجديد والتحرير الوطني..[37].

 ومن شروط النهضة ما عبر عنه الفاسي بـ” التفكير بالواجب”، حيث يعتقد أن “أدائه في وقته من الأسس الضرورية للقدرة على المواظبة والخلق، وأنه ما دام لم يتسرب في نفوسنا فنحن لا نستطيع أن نأتي بالأعمال إلا مبعثرة وغير خاضعة لترتيب مضبوط[38].” أكثر من ذلك، فإن تعميم هذا التفكير في الأمة يغدو “سبيل نهوضها وتحريرها[39]” شريطة إشاعة حرية التعبير عن الرأي؛ لأن “الوسط الذي يمنع المفكرين من أن يظهروا بآرائهم يظل دائم الجمود غير قابل للتطور ولا للارتقاء[40].”

كما يعتبر أن أية أمة لا يمكنها أن تنهض من وهدة التخلف التي وقعت فيها إلا إذا “تدربت على أن تفكر اجتماعيا[41]” من خلال “التربية على التفكير الشامل”، والتفكير المستقبلي وتجاوز الارتجال..

ولابد من التنويه في ختام هذا المحور أن المسألة الاجتماعية احتلت مكانة مركزية في المشروع الإصلاحي للفاسي رغم ضغط الحاجة التاريخية إلى التحرر السياسي من الاستعمار، وتأكيدا لهذه المكانة فقد أفرد لها بابا كاملا من كتابه “النقد الذاتي”. وفي هذا السياق يؤكد أن “العمل الاجتماعي هو الغاية من كل عمل سياسي أو اقتصادي؛ لأن ما يرمي إليه الكل يتركز نهائيا في تكوين المجتمع الصالح وإسعاد أفراده[42].”

وفي صلة مباشرة بالمسألة الاجتماعية يعتبر الفاسي أن “تحسين حالة المرأة وإسعادها يجب أن ينال حظا مهما من تفكيرنا الاجتماعي؛ لأنه شرط أساسي لإصلاح المجتمع وإعداد المغرب لحياة أسعد[43].” ولذلك فقد اهتم بحقوق المرأة اهتماما خاصا؛ مشددا على أن كل ما يدعيه الناس نقصا في المرأة عن مستوى القدرة الموجودة عند الرجل ليس “إلا من آثار ما صنعته أجيال الاضطهاد وعصور الانحطاط[44].” كما كانت له مواقف واجتهادات فقهية رائدة من قبيل موقفه من التعدد؛ فبعد أن أورد العديد من سلبيات التعدد اعتبر أن “تعدد الزوجات يجب أن يمنع في العصر الحاضر منعا باتا عن طريق الحكومة؛ لأن الوجدان وحده لا يكفي لمنع الناس منه[45].” وذلك “تحقيقا للعدل، وتقديرا للمرأة، وحماية للإسلام[46].”

ثالثا: مكانة الحرية والديمقراطية في المشروع الإصلاحي لعلال الفاسي

تحتل الحرية مكانة متميزة في البناء الفكري لعلال الفاسي؛ فهي ليست مجرد حق طبيعي وإنما هي أكثر من ذلك، حق عقلي، فهي “جعل قانوني يتفق مع إنسانية الإنسان وفطرته، وليست حقا طبيعيا يستمد من غريزة الرجل المتناقضة” ذلك أن الإنسان ما كان له أن يصل إلى إدراك كنه حريته “لولا الرشد الديني الذي جاء به القرآن[47].”

ولذلك نجده ينبه على أن الاقتصار في الاستدلال على الحرية بكونها محض حق طبيعي يشكل خطرا على الحرية من حيث هي؛ إذ “لو وضعنا حرية التفكير في عداد الحقوق الطبيعية لكان من المتيسر أن نقول بإمكانية تحديدها بمختلف القيود التي تحد بها الحقوق الطبيعية” والحال أن هناك فرقا جوهريا بين الحقين؛ فحماية الذات تسري على الجميع بينما تقتصر حماية التفكير على نخبة النخبة ممن يخرجون عن الآراء السائدة. ويأتون بأفكار جديدة بالنسبة للمجتمع الذي يعيشون فيه..[48].

 ترتبط الحرية لدى الفاسي ارتباطا وثيقا بالمسؤولية والتفكير؛ “فلا مسؤولية بغير حرية، ولا حرية بغير تفكير.” لذلك نجده ينتصر للحرية ويحتفي بها احتفاء خاصا: “إن واجبنا يقضي علينا بتأييد الحرية ونشر دعوتها، ولذلك لا يمكننا أن نكبث أي تيار من التيارات أو نمنع الاستماع لدعوة من الدعوات، وواجبنا نحو التفكير يرغمنا على ترك الناس ينظرون بأنفسهم ويتدبرون في كل ما يعرض لهم من الآراء أو يعن من النظريات[49].”

 وتأكيدا لهذا المعنى يعتبر الفاسي أن إيمان الإنسان بأنه مكلف يمثل أول خطوة في مسار حريته؛ “فإذا اختار الحرية فقد آمن بأنه مكلف فيصبح حرا لأنه يصبح مسؤولا، ويصبح مسؤولا لأنه حر[50].” وتبعا لذلك؛ “فالحرية خلق ذاتي وشخصي تتجلى آثاره في أعمال الإنسان الصادرة عن شعوره بالتكليف[51].”

ويصل انتصار الفاسي للحرية ذروته بقوله: “إذا كانت الحرية ستحرقنا فلنفعل، فإنها على كل حال خير من الضغط ومن التغذي بأفكار تنظمها عبادة القوة أو عبادة المال.” وقوله: “مهما كانت للأفكار التي أدافع عنها من قيمة فإن مبدأ الحرية يجب أن يعلو عليها، وقد أجد في نفسي صعوبة لقبول الانتقاد المزمن للآخرين، ولكن يجب أن أتعود على ذلك، ويجب ألا يصدمني حتى يمنعني من الاستمرار في التفكير[52].”

غير أن تمثل الحرية والالتزام بها، وفقا لهذا التصور، يتوقف على مدى التزام النخبة بـ”التحرر من كل سلطة حسية أو معنوية لذوي المال أو ذوي الجاه، وأن لا تصدر في تفكيرها إلا عن تجرد مطلق من كل المنافع الموقوتة، غير مراعية إلا مصلحة الأمة، ومصلحة الحرية[53].” وهكذا يترتب على انتصار الفاسي للحرية كمبدأ وقيمة وسلوك اجتماعي رفضه لاحتكارها سواء من قبل الدولة أو من قبل رأس المال..

كما ترتبط الحرية لديه بمدى تمثل قيمة النقد ومدى الإيمان بالاختلاف؛ فما ضيقنا بنقد الآخرين لنا واختلافهم معنا إلا “دليل على الاضطهاد العظيم الذي وجدته الحرية في بلادنا سواء من ذوي الأمر المنتسبين للدين، أو من ذوي الثروة والجاه، لأن الذين يألفون رؤية المناظر البشعة يعتادونها فلا تنكرها أبصارهم، بل ربما طلبوها عند فقدها، كذلك الذين يتعودون النفاق ينتهون بنسيان نفاقهم؛ أي يصبح ما يتظاهرون به جزءا من أفكارهم ومبادئهم[54].”

فالحرية لا تتحقق إلا بمعرفة الذات، والانفتاح على تجارب “الآخر”؛ أي “لا تتحقق إلا إذا عرف الشعب حقيقة نفسه، وأدرك مراميها ثم اختار من بين التجارب الإنسانية ما يساعده على الاحتفاظ بنجاح تجربته هو ككائن حي مستقل وليس صورة مكررة لغيره[55].”

إن ارتقاء الفاسي بالحرية إلى مستوى المبدأ المطلق لا تلغي صدوره عن تصور واقعي وتاريخي لها؛ حينما يجزم أن الحق لا ينتصر وحده خلافا لما يظنه الذين يزعمون أن للحق قوته الخارقة.. وحينما يؤكد أن الحقوق لا تعطى بقدر ما تنتزع؛ ومصداق ذلك أن الأرقاء لم تحررهم مواثيق الأمم المتحدة ولا دعوات الزعماء، ولكن حررهم كفاح هؤلاء الأرقاء وتضامنهم في المطالبة بحقوقهم في الحياة[56].”

لقد كان من الطبيعي أن تنعكس هذه المكانة التي تحتلها الحرية في المعمار المعرفي والبناء النظري للفاسي على موقفه الإيجابي من الديمقراطية خاصة في بعدها النيابي،التعاقدي والدستوري.

وهكذا فإن تمثله للمبدأ الديمقراطي يتجلى، أول ما يتجلى، من خلال إيمانه بقيم الغيرية والاختلاف والمساواة؛ حيث نجده يتساءل: “متى يأتي ذلك اليوم الذي نأخذ فيه أنفسنا على التفكير بغيرنا (…) متى ندرك أن الله الذي خلق الإنسان يوم ولادته عاريا، وخلق الدنيا يوم بروزها كاسية، ما زال يخرجنا من بطون أمهاتنا متساوين في العري لكي نتساوى في الاستفادة من كساء الأرض؟[57].”

لا ديمقراطية بدون سيادة

كما أن تمثل الفاسي للمثال الديمقراطي يبرز من خلال الحضور المركزي لمفهوم “سيادة الأمة” وما يتصل به من مبادئ المشاركة السياسية والمراقبة لعمل السلطة؛ إيمانا منه أن كل عضو من أعضاء الجماعة يحوز على “سلطة معنوية، أي حقا لحراسة سير السلطة ومراقبتها.. وهذا الحق يستدعي واجبا معنويا على كل من يملكه، ولذلك لا يصح أبدا أن يتخلى فرد من أفراد الأمة عن العمل السياسي؛ أي عن مراقبة السلطة وأعمالها.”

وفي هذا الإطار يدلل على أن “الأساس الأخلاقي للسلطة”، والمتمثل في سعيها لتحقيق الصالح العام لا يتحقق عمليا إلا إذا “أصبح خلق الاهتمام بسير الشؤون العامة، والاستعلام عنها، والتعليق عليها، والتفكير فيها، والنقد لها، متيقظا حارسا في أغلب طبقات الأمة؛ لأن بذلك يتحقق وجود رأي عام كقوة يحسب لها حسابها”.

وهذا معنى سيادة الأمم (…)؛ أي أن الأمة هي صاحبة السلطة والحفيظة عليها؛ مادامت السلطة كامنة فيها، ومنها تصعد إلى أيدي الرؤساء وأولي الأمر، ومن حق الأمة وواجبها أن تظل، تبعا لذلك، حارسة على مواطن الاستعمال لما هو منها وإليها[58].

ينطلق الفاسي من أن السيادة في القوانين الدستورية تحيل إلى ما يستند عليه الحكم؛ “أي المصدر الذي يستمد منه القانون أو الحاكم حق الامتثال لأمره، والعمل بما يصدره من تشريع أو يتخذه من تدبير..”وبعد أن يورد جملة من الاجتهادات تعبر عن الاتجاهات الأساسية بخصوص مفهوم السيادة في علاقتها بمفهوم “الحاكمية” وما أثارها من التباسات، خاصة مع أبي الأعلى المودودي وسيد قطب، يستخلص نتيجتين أساسيتين: أولاهما؛ تسليمه بأن الحكم الله تعالى وهو مناط كل تدبير في شؤون الحياة.. وثانيهما؛ تأكيده أن السلطة للأمة، وأنها هي التي تتولى تعيين أهل الحل والعقد منها بالطريقة التي تقتضيها التطورات الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بمقتضى جعل شرعي.” وتبعا لذلك، فإن سند الحكم في الدولة الإسلامية يعود إلى إرادة الشعب المسلم. أما سند الأمة في الحصول على هذه السلطة فهو الدستور المكتوب الذي هو القرآن..[59].

ومع أن الفاسي يسلم بأن الأمة هي مصدر السيادة، إلا أنه يشدد على أن “سلطة الأمة مقيدة بالتوافق مع أصول الشريعة”، وهو ما يمثل الفرق الأساسي بين نظرية السيادة في الإسلام وبين غيرها من النظريات.. ليخلص إلى أن “الدين في الدولة الإسلامية لا يمكن أن ينفصل عن السياسة بل هما توأمان[60].”

 الديمقراطية وشرطها الثقافي

ترتبط الديمقراطية، لدى الفاسي، ارتباطا وثيقا بالعقلانية وفي هذا المعنى يقول: “إذا كانت الديمقراطية هي سيطرة العقل، فمن الواجب أن نتجه لرفع مستوى العقل والإعلاء من شأنه لأنه وحده الذي يحمينا من أخطائنا ويعقلنا عن شهواتنا[61].”

الأمر الذي يقتضي العمل على “تنوير الفكر العام، ودعوته للتحرر من كثير من الخرافات والتقاليد البالية، وتعليمه أساليب التفكير الصحيحة، والتذرع بالمبادئ السليمة حتى يتهيئا لأداء واجبه على الوجه الذي يرضى، فيكون النظام النيابي نعمة عليه، ووسيلة لإنقاذه من أنواع الاستعباد السياسي والاقتصادي والروحي الذي يحرص كثير من المغرضين على بقائه وعدم زواله[62].”

هكذا نلمس، لدى الفاسي، وعيا مبكرا بالأساس الثقافي والاجتماعي للديمقراطية. فالديمقراطية، بالنسبة إليه، ليست مجرد مؤسسات وهياكل وآليات وإجراءات، إنها، قبل كل ذلك، تمثلٌ لمنظومة كاملة من قيم النسبية والاختلاف والمساواة والغيرية والتسامح.. ولذلك نجده “يدعو باستمرار إلى “تربية ديمقراطية مستمرة للشعب[63]“، وإلى “تطوير الذهنية المغربية لنجعل من المغاربة مواطنين عصريين شاعرين بواجباتهم وحقوقهم[64].” فلا ديمقراطية، انسجاما مع هذا التصور، من دون ثقافة سياسية ديمقراطية قائمة على تنشئة اجتماعية ديمقراطية في المدرسة والبيت ومختلف مؤسسات المجتمع المدني..

وبمقتضى هذا الفهم للشأن السياسي عموما، والشأن الديمقراطي على وجه أخص يستخلص الفاسي أن “القانون لا قيمة له إذا لم يدعمه يقين عام في الأصول التي بني عليها، وأن الشرطة عديمة الفائدة إذا لم يكن للأمة من خلقها وضميرها الحارس الأمين[65].” ذلك أن للقانون “علاقة وشيجة بالجماعة؛ لا يمكن أن يكون إلا منها ولا يعقل أن ينقل إليها عن غيرها.” كما أن ” الشريعة شيء خاص بالجماعة التي تطبقها. ولا يمكن أن تمتد منها إلى غيرها إلا إذا امتزجت معها في عقائدها وفي أصول حضارتها، وقواعد سلوكها فأصبحت على صورتها[66].”

ولأن “القانون ينبثق من الجماعة ويمتزج بنموذجها النفسي”، فلا يمكن “أن ينتزع منها انتزاعا ويفرض عليها قانون أجنبي عنها فترضاه وتتعصب له، إلا إذا كانت هي قد فقدت حاسة وجودها الذاتي ولإيمانها بمثلها العليا..[67]” وإذا كان القانون هو الذي يعنى بتنظيم أعمال الجماعة وحمايتها، فإنه يغدو، تبعا لذلك، “جزء لا يتجزأ من الدين، من العقيدة وآثارها..[68]“؛ لأن العقيدة، من وجهة نظر الفاسي، هي “منتهى ما تصل إليه الجماعة لحفظ كيانها، وتحقق أهدافها الفطرية في قيام حياة اجتماعية منتظمة، متحركة ودائمة. وما دامت العقيدة فإن الجماعة تدوم، فإذا زالت، فإن تلك الجماعة تنحل وينقرض وجودها[69].” ومن هنا أولويتها على الدولة والخلافة؛ إذ “ما شرعت الدولة إلا لمصلحة الدين، وما جعلت الخلافة إلا لتنفيذ أحكام الشريعة..[70].”

 كما يؤكد أن “من حقوق الإنسان أن لا يفرض جيل اليوم نظامه وأعماله على جيل الغد[71].”

أكثر من ذلك، فإن الديمقراطية ليست مجرد آلية لتكييف الخلاف وتدبير الشأن العام، وإنما هي، أكثر من ذلك، شرط لازم من شروط التحرر والنهضة بغض النظر عن كونها من المبادئ التي جاءت في ركاب إيديولوجيا الحماية. “إننا، يقول الفاسي، سننظم الحكومة والشعب في المغرب المستقل على غرار الديمقراطية الغربية، مع احترام تراثنا الروحي والمعنوي، إننا نؤمن بالمساواة والإخاء بين جميع المواطنين المغاربة، وبضرورة القضاء على الطبقات[72].”

نلمس لدى الفاسي وعيا حادا بالخصوصية الحضارية؛ حينما يشرط استلهام النموذج الديمقراطي الغربي بضرورة احترام ما عبر عنه بـ”تراثنا الروحي والمعنوي”، ولذلك نجده شديد الحرص على عملية التأصيل لأهم القيم السياسية الحديثة في التجربة التاريخية العربية الإسلامية؛ حيث نجده يؤكد، على سبيل المثال،أن “الديمقراطية ليست شيئا طارئا على المغرب بل هي شيء واقع منذ القديم في كثير من أنظمتنا الشعبية[73]“، و”أن فصل السلطات ليس ابتكارا غربيا كما يزعمون؛ فقد عرفه الإسلام من عهد أبي بكر حين كلف عمر بالقضاء، ووسعه الفاروق يوم عين في الآفاق قضاة مختصين وأسند إليهم كل ما يتعلق بالحكم بين الناس بناء على رسالته لأبي موسى الأشعري التي تعتبر الميثاق القضائي الأول في الإسلام[74].”

كما نجد الفاسي يؤصل ويدافع عن التعددية الحزبية، خلافا لمن يمعنون في اعتباره داعية للحزب الواحد، مؤكدا أن “الفرقة في الدين مذمومة قطعا، ولكن الاختلاف في النظر والتحزب لبعض ضروب الحكم وأشكاله إذا لم يخرج عن دائرة الدين، فلا محل لاعتباره من الفرقة المذمومة، فلم يزل المسلمون يكونون من المذاهب والجماعات الشيء الكثير، ولكل منهم شيع وأنصار ومع ذلك لم يعتبر أحد خلافهم أو تشيعهم من الفرقة المذمومة.”

 ثم يستطرد كاشفا أن “أمور الحكم والسلطان لا تجري في الأرض إلا على مقتضيات العمران وسنن الاجتماع. فإذا لم تتبع فيها الوسائل المعتادة في كل عصر بعدت عن السياسة وكللت بالفشل”، ليخلص إلى أن “الحزبية في هذا العصر هي العصبية التي كان يتحدث عنها الاجتماعيون المسلمون، والتي استند عليها أبو بكر في السقيفة في توطيد دعامة الخلافة..[75].”

فبعد أن ينتقد نظرية فصل السلطات كما طرحها مونتسكيو في كتابه “روح القوانين” معتبرا “أن فضل التشريع الإسلامي هو أنه لم يتخذ هذا التوزيع كقضية مقدسة دائمة[76]“، وبعد أن يبرز كيف أن التوزيع ظل قابلا للتطور بحسب ما كان يراه الإمام صالحا بمقتضى الزمان والمكان، وكيف أن القاضي كان “مستقلا عمليا عن السلطة التنفيذية” رغم أن الإمام هو الذي يعينه مباشرة، الأمر الذي جعل مكانته لا تقل عن مكانة الوزراء ورجال الدولة الكبار..

 بعد كل ذلك يعود ليشدد على أن “الاستقلال هو الفكرة الأساسية التي يجب أن تعتبر في احترام القضاء، ثم لا يضر أن يكون هذا الأمر منفصلا عن التنفيذ أو متصلا به أحيانا”، ليخلص إلى أن “معنى استقلال القضاء هو أن لا يكون لغير القانون عليه سلطان؛ بحيث لا يستمد اعتباراته الإجرائية من غرض القائم به أو من الذين يولونه، وأن لا يكون منصب القاضي في مهب الرياح يمكن أن يعزل صاحبه بمجرد شهوة بعض المراقبين أو رغبة بعض الحاكمين، وأن يكون أمر الترقية فيه والزيادة في الأجور خاضعا لاعتبارات أوتوماتيكية.. وبذلك لا يطمع القاضي في ترضية أحد ولا يخاف من إساءته[77].”

وفي هذا السياق أوضح الفاسي كيف أن القضاء المغربي كان كله ” خاضعا لأحكام الشريعة طبقا لمذهب الإمام مالك، ولما تقتضيه اعتبارات الفقهاء وترجيحاتهم الجاري بها العمل. وهكذا كان القاضي طبقا لما تقتضيه الشريعة مستقلا في أحكامه لا يخضع لسلطة مهما كانت عالية، بينما يخضع لحكمه المبني على الحيثيات الشرعية كل المواطنين: الملك فمن دونه. وأن تاريخ القضاء في المغرب والأندلس لممتلئ بنماذج حية تدل على مدار ما تمتع به القضاة المسلمون من استقلال وسلطة لم يتجرأ أحد حتى أكبر الحكام استبدادا على انتزاعها منهم[78].”

يصدر الفاسي عن تصور للإصلاح السياسي يراهن على “الخروج بالدولة من النظام الأوتوقراطي إلى حكم ديمقراطي تتمكن به الأمة من مراقبة أحوالها وإصلاح شؤونها..[79]” فرغم موقفه المبدئي الإيجابي من الملكية ودفاعه عنها[80]، في وقت كانت فيه مستضعفة ومستهدفة بشكل جدي من طرف الاستعمار بفعل وطنيتها ورصيدها التاريخي ومشروعيتها الدينية، إلا أنه لا يتردد في انتقادها من الداخل كاشفا كيف أن “البلاد ما تزال ترزح تحث ثقل نظام من العصور الوسطى تدعمه إقطاعية جديدة يأبى بعض الناس إلا دوامها.” غير أن هذا النقد لم يمنعه من الرهان على يوم ” تدرك فيه الأمة كل رغباتها وتتحقق فيه آمال مولانا الملك في تمتيع رعيته بالحرية السياسية والنظام الدستوري..[81].”

وهو ما يفسر تركيز الفاسي على الجانب التعاقدي الدستوري في الملكية مؤسسا موقفه منها، بالإضافة إلى دورها التاريخي في الحفاظ على وحدة المغاربة واستمرارهم كأمة ذات مصير مشترك، على أساس التزامها بـ”إعطاء الشعب نظاما ديمقراطيا حرا[82].”

  وانسجاما مع هذا “النظام الديمقراطي الحر” لا يتصور الفاسي الشريعة إلا باعتبارها “وسيلة لتحقيق الإرادة الإلهية في عمارة الأرض وإقامة العدل بين أفرادها[83].” وهكذا فالسلفية الجديدة لا تصر على التطبيق الحرفي للشريعة بقدر ما تدعو لاستمداد القانون من الشريعة من خلال النظر إلى الفقه الإسلامي أصولا وفروعا كمادة لتشريع مدني عام قابل للتطوير وفقا لآلية الاجتهاد تأكيدا لسيادة الأمة.

وهو ما لن يتحقق إلا “بخضوع هذا الاجتهاد الجديد في التشريع لنواب أكفاء ضمن مجلس تختاره الأمة، ويصبحون فيه مكان أهل الحل والعقد الأولين، ومعنى هذا أنه لابد من اتباع النظام الدستوري المبني على حكم الشعب بواسطة من يختارهم من نوابه الأكفاء[84].”

فعلال الفاسي حينما يتحدث عن “الحكومة المسلمة” فإنه لا يتحدث عن الحكومة الدينية الحاملة لأية صبغة كهنوتية كتلك التي عرفتها أوروبا في القرون الوسطى، إنه يتحدث، بلا مواربة، عن نظام دستوري قائم على حكم الشعب ومرجعية الشريعة. فمثلما أن حرية العقيدة تستدعي حرية التألب من أجلها والتجمع للنضال عنها بالوسائل المشروعة السلمية، فإن تقرير المصير واختيار النظم يستدعي حرية الجماعة في التعبير عن رأيها.. الأمر الذي لن يتحقق، حسب الفاسي، “إلا من خلال التنظيم العصري في شكل جمعيات وأحزاب ونقابات..[85].”

لكن، كما أن الفاسي يرفض أي شكل من أشكال الحكم الكهنوتي، فإنه بالمقابل يرفض بالطبع “لا دينية الدولة”، وبذلك يجعل الحكومة الإسلامية حارسا على الأخلاق والفضيلة.. ويطالبها بتهيئة سائر الوسائل التي تسهل على الفرد القيام بالواجبات الفردية والجماعية[86].

رابعا: المشترك الإنساني وتداخل دوائر الانتماء لدى علال الفاسي

تتداخل دوائر الانتماء عند الفاسي لدرجة حلولها في بوتقة المشترك الإنساني المتوجة بقيم الإسلام ومبادئه، وتتراتب أهميتها الإجرائية وفقا لمنطق مقاصدي يعطي الأولوية لأكثر دوائر الانتماء استجابة لمنطق العصر، وأقدرها على تحقيق لحمة التضامن والتلاحم كشرط للفاعلية التاريخية للشعوب والأمم في سعيها لكسب الرهان الحضاري.

 وهو ما يفسر ترجيح الفاسي، في سياقات وشروط محددة، لما هو وطني عما هو قومي عربي، وما هو عربي عما هو إسلامي. ومن هذا المنطلق نجده يدعو،وهو العالم المسلم، إلى “تقديم التضامن مع الشعوب العربية على كل تضامن سواه[87]“، كما يعتبر أن علاقات المغرب يجب أن تكون أحكم وأوثق مع الدول العربية التي تربطه بها روابط تاريخية وثقافية لا حصر لها على أن تنتهي بالانضمام “للاتحاد الذي يجمع سائر الدول العربية في عائلة العروبة الكبرى ليتسنى للمغرب والعرب جميعا أن يشتركوا في بناء صرح سلام عالمي، وبعث نظام إنساني لخير العالم بأسره[88].”

غير أنه يؤكد، في الوقت نفسه، أن العروبة، تعد هبة من هبات الإسلام؛ حيث انتشر اللسان العربي انتشار العقيدة الجديدة و”قام علماء الإسلام بتربية الذوق العربي في نفوس المغاربة حتى أصبح جزءا من الحاسة الدينية في أعماقهم[89].”

الأمر الذي يفسر أن أبعاد الانتماء تتداخل لديه من الناحية المبدئية والمعيارية، كما سلفت الإشارة، إلى درجة التماهي، وهو ما يتمثل في قوله على سبيل المثال: “إن المغرب لا قيمة له في نظرنا إلا إذا كان وطن الأمة التي جمعت كلمتها حضارة العرب وثقافة الإسلام[90].” ويتضح هذا التداخل بين الانتماء للوطن، والعروبة، والإسلام حينما يذكر أن “تاريخ المغرب منذ الفتح العربي هو جزء من تاريخ الحضارة العربية، ولا يمكن أن يدرس بعضه دون التعرض للآخر، والعرب الذين اندفعوا بروح العقيدة الإسلامية فتحوا بلاد البربر (الذين لا يكل الفاسي من نعتهم في أكثر من موضع بالأحرار الذين اعتنقوا الدين الإسلامي وناصروه عن إيمان و طواعية) لينشروا فيها دعوتهم الإسلامية، وقد نجحوا في غرس روح العروبة في هذه البلاد، ولم تزل منذ ذلك الوقت في الازدهار، وقد ساعد الدين الجديد العرب على نشر نفوذهم في المغرب حتى أصبح من ملاجئ العروبة والإسلام الكبيرة[91].”

إن خوض الإصلاحية الإسلامية المغربية وقيادتها لمعركة الاستقلال في مواجهة الاستعمار لم ينسها التزاماتها القومية والإسلامية؛ ففي الحزب الوطني الذي كان يتزعمه علال الفاسي، على سبيل المثال، تم استحداث لجنة خاصة بحماية فلسطين والأماكن المقدسة، والتوعية بالخطر الصهيوني على العروبة، وإذاعة كل منشورات اللجنة العربية العليا، إلى جانب فتح اكتتابات، وبعث احتجاجات، فضلا عن إحياء يوم فلسطين من كل سنة.

 وفي هذا السياق يقول الفاسي: “لقد استطعنا أن ننشر الدعاية ضدا على الصهيونية حتى في أوساط اليهود المغاربة إلى حد أنهم أمضوا معنا وثيقة مشتركة وجهناها للخارجية الإنجليزية احتجاجا على قرار اللجنة الملكية التي قررت تقسيم فلسطين لثلاث مناطق[92].”

 خامسا: أهم مقومات المنهج الإصلاحي عند الفاسي

يصدر الفاسي في إنتاجه الفكري ومنظوره الإصلاحي عن تصور نظري معرفي ومنهجي يندمك على مجموعة من الخصائص أهمها:

1. المثالية

 غير أنها مثالية مبدئية وتاريخية لا تقفز على حقائق الواقع بمعطياته ومحدداته وإنما تقف، بشكل أساسي، ضدا على المفهوم الماركسي المادي للصراع الطبقي، وضدا على الطوباوية الفردانية، وكذا ضدا على النزعة البرجماتية أو النفعية..

 فالمثالية عند الفاسي لا تحيل إلى فكر طوباوي مجرد وإنما تحيل إلى “رابطة توحد بين المؤمنين بها، بل إنها توحد حتى بين ذوي العقائد المختلفة التي يقرب بينهم الإيمان بمبدأ والعمل لغاية معينة”؛ إذ من السهل على المرء أن يتوافق ويتواصل مع المختلفين عنه في العقيدة، غير أنه من الصعوبة عليه أن “يتفق مع الذين يعارضونه دون أن يؤمنوا بفكرة ما[93].”

 كما أن المثالية لديه ترتبط ارتباطا وثيقا بالغائية؛ من منطلق أن قيمة أي عمل إنساني إنما تتحدد “بقدر الغاية التي يبدل من أجلها”؛ إذ “كلما كان المثل عاليا كانت الجهود التي تبدل عالية مثله وعظيمة الاعتبار.” وانسجاما مع هذا التصور فإن “الرجل المثالي لا يبحث إلا عن العمل هل يؤدي للغاية التي يريدها.. لذلك فإن مداره على عقد الأخلاقيات والاجتماعيات المسلمة..[94].”

 وانسجاما مع ذلك، يشدد الفاسي على أن “كل كفاح نبذله لتحسين جانب من جوانب حياتنا ليس في نظرنا صراعا بين طبقتين أو جماعتين مختلفتين، ولكنه صراع بين فكرة الخير وفكرة الشر[95].” ذلك أن موضوع الإصلاح ومعياره يتمثل، أول ما يتمثل، في “العمل على تنظيم الدولة، وتنظيم الشعب وتكوين تجاوب معنوي بين الحاكم والمحكوم على أساس مثل أعلى هو التضامن بين أفراد الأمة لحمايتها وإسعادها[96].”

وتبعا لذلك، ينفي أن يكون في المغرب، قبل الاستقلال، أرستقراطية بالمعنى الصحيح للكلمة، و”إنما هنالك شعب بما فيه من راع ورعية يرزح تحث أعباء العادات التي نجمت عن عهد الفوضى، والتي يستغلها أولئك الذين يريدون الاستمرار في سلب سيادة الأمة واستغلال خيراتها. فالمسألة، إذن، مسالة التضامن التام بين الملك وبين الحكومة لحماية التراث الروحي والمادي لهذا الشعب المجيد..[97].”

 فخلافا لكل المقولات الماركسية حول؛ الصراع الطبقي، والماديتين التاريخية والجدلية، وديكتاتورية البروليتارية.. يؤمن الفاسي “أن شعبنا شعب روحي، وأنه لا يحيا بغير صوفية المبدأ.. لندع الفرد يطلب الإمحاء بنفسه في المثال عن طريق الخدمة للجماعة ونشدان التضحية من أجل البقاء[98].”

كما أن مفهومه للدولة والوطن يختلف جذريا عن المفهوم الماركسي الذي يربط وجود الدولة بالملكية الفردية والتفاوت الطبقي اللذين بزوالهما ستزول الدولة حتما. يقول الفاسي: “توحيد الأرض بالنموذج النفسي وتوحيدهما معا بروح العصر، ذلك هو التفاعل الإنساني الذي تمتزج فيه مادية الأرض بروحانية الإنسان فيصبح الكل عبارة عن فكرة مجردة هي فكرة الوطنية الصحيحة[99].”

وتتأكد مثالية الفاسي في مواجهة كل أشكال النفعية، وخضوع الفكر لسلطة المال من خلال رفضه وانتقاده الشديد للنزوع إلى أن ” يحل محل المثل نظام اجتماعي منسق.. لأن هذه النفعية تقتضي أن نجد في آلة واحدة كل شيء ما عدا مصيرها”؛ فبدل الرجل الواقعي يعتقد أننا بحاجة إلى الرجل المثالي الذي يحمل عقيدة تبين الغاية التي ينبغي أن تسير لها الأمور. لذلك يدعو إلى “نبذ هذا النوع من الواقعية والاعتداد بالمثالية في أسمى مظاهرها، لأن النفعية تقضي بعدم الحكم على الشيء إلا بعد وقوعه ومشاهدة ما نستخرجه منه من فوائد، وبذلك فهي ترفض التفكير أو التفلسف فيما لم يقع بعد..” الأمر الذي يجعلها عاجزة عن الاختيار. وبما أن أصحاب النفعية لا يحبون إلا النصر “فهم دائما يبدون متأخرين في المعركة، أما رجل الفكر فلا شيء يجذبه غير المثال[100].”

ومن جهة أخرى، فإن علال الفاسي يحمل بشدة على المفكرين الطوباويين الذين يستصعبون التطبيق “فيفرون من التجارب الاجتماعية والحياة العملية إلى الأبراج العاجية التي ينزوون فيها للبحث عن مثلهم العليا في عالم مجرد بعيد عن المجتمع وأحاسيسه.. فيبنون عالما وهميا من فراديس السماء، بينما هم يعيشون في دنيا السمع والبصر وأحاسيس الإنسانية وما فيها من تركيب وأمشاج[101].” وهو ما يقودنا للوقوف على النزعة الواقعية لديه.

2. الواقعية

 في سياق نقده للمنزع الطوباوي يؤكد الفاسي أن “علينا أن نعرف، قبل كل شيء، أن أمتنا تتركب من مجموعة بشرية تخضع لما تخضع إليه سائر الكائنات الحية من حاجة وشهوة، وإنها لم تخلق ملائكة ولا شياطين، ولذلك لا نريد منها أكثر من تطبيق ما هو ممكن في هذا العالم لكل مجموعة بشرية لم يفسد عقلها ولا أظلم قلبها، يجب أن نقدم لها المثل الأعلى على الصورة التي ترضي روحها ولا تحرمها من رغبات أجسامها[102]“؛ ففضلا عن إيمانه “بفن الممكن” في الاجتماع كما في السياسة، فإن الفاسي يصدر عن فلسفة للتغيير الاجتماعي تؤمن بالتدرج، والتراكم، والنسبية، والفاعلية التاريخية..

فكما أن الفاسي يصدر، في منظوره المنهجي والمعرفي، عن الوعي بالتفاعل الجدلي بين ما هو مادي وما هو روحي، فإنه يصدر كذلك عن الوعي بالتفاعل الجدلي بين المحددات الداخلية والخارجية في تشكيل الظواهر وتفسيرها؛ حيث يمكننا بمقتضى ذلك أن “نرد كثيرا من الحوادث الداخلية التي تقع في أمة ما إلى عواملها الخارجية؛ من احتلال، وهجرة أجنبية، وتطاحن بين السكان واختلاف بين الطبقات؛ أي أن التاريخ الخارجي للدولة يساعد على تفسير تاريخها الداخلي ولو تباعدت الأجيال.”[103] وبذلك يتأكد المنحى الواقعي في المنظور التفسيري للفاسي.

3. المقاصدية

 وهي مقاصدية تبحث، فيما وراء الجزئي والظاهري والعابر، عما هو كلي وغائي ومآلي وثابت.. بحيث أن الخطاب الفكري،لدى الفاسي، في هذا المستوى يرقى إلى مستوى فلسفة التاريخ.. حيث نجده يقول: “ألا إن كل نظام لا يقوم على العدل والحرية فهو فتنة، وكل إدارة لا تنبني على اعتبار المصلحة العامة فهي فوضى، وكل شعب لا يناضل من أجل الحرية ولا يكافح لتعلو سيطرة الصالح العام فهو الفناء[104].”

يستهل الفاسي كتابه “مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها” بقوله: “المراد بمقاصد الشريعة، الغاية منها، والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها[105].” أما المقصد العام للشريعة الإسلامية فيتمثل في “عمارة الأرض وحفظ نظام التعايش فيها واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة ومن صلاح في العقل وفي العمل وإصلاح في الأرض واستنباط لخيراتها وتدبير لمنافع الجميع[106].” وانسجاما مع ذلك فإن “المجتمع الإسلامي يقوم على أساس العقيدة الإسلامية والأخلاق الدينية ومقاصد الشريعة في حفظ المقومات الإنسانية التي تؤول إلى العقل والدين والمال وحفظ الأجسام[107].”

لدرجة أن ماهية الشريعة ذاتها تند عن التحديد ضمن المعمار الاجتهادي لعلال الفاسي دون ربطها بمفهوم المقاصد؛ فالشريعة بالنسبة له عبارة عن “أحكام تنطوي على مقاصد، ومقاصد تنطوي على أحكام، وهي ليست من قبيل القانون الطبيعي الموضوع في الخليقة، والذي يكتشفه الإنسان عن طريق الإلهام..ولكنه نظر بالفعل في إطار أصول عامة يهتدي به المكلف.. اكتناه أسرار الشريعة ومقاصدها عن طريق اللفظ والمدلول الخاص والعام، وما يدل عليه مجموع تلك الدلالات من مقاصد وأفهام[108].”

وتفسير ذلك؛ أن مقاصد الشريعة تختلف عن قانون الطبيعة “بقوة الإلزام الذي تستمده المقاصد من المشرع الأساسي الذي هو مصدر الخطاب الشرعي الأصلي”؛ فهي ليست مستمدة من سمو المبادئ التي تحتوي عليها وإنما الشارع هو الذي “جعل المقاصد علامات على الحكم الذي هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين[109].”

 ترتبط المقاصد التي وضعت الشريعة من أجلها ارتباطا لصيقا بالمصلحة، ولذلك نجد مفهوم “المصلحة” مفهوما محوريا في النظرية المقاصدية لدى الفاسي على غرار كبار الأصوليين؛ حيث يخلص إلى أن الشريعة الإسلامية “مبنية على مراعاة المصلحة العامة فيما يرجع إلى جميع المعاملات الإنسانية؛ لأن غايتها هي تحقيق السعادة الدنيوية والأخروية لسكان البسيطة”. والمصلحة عنده تنهض على معايير ومقاييس وضعها الإسلام لمعرفة المصلحة الحقيقية، وهي “الخلق المستمد من الفطرة والقائم على أساس العمل لمرضاة مثل أعلى، هو غاية الإنسان من الحياة والعمل.” وهو ما أسماه بـ”مكارم الأخلاق”.

بل إن مفهوم المصلحة المنضبطة بقيم الإسلام الكونية يرقى لدى الفاسي إلى مستوى المفهوم التفسيري للعلاقات الإنسانية على الصعيد العالمي؛ يقول الفاسي: “لاشك أن وضع الإسلام لمقياس تقاس به المصالح ضروري لعدم الوقوع في فوضى المدلولات التي تدل عليها كلمة المصلحة والتي يفهمها منها كل واحد بحسب ما يشتمله من أفكار أو مذاهب اجتماعية واقتصادية، وعدم اعتبار هذه المقاييس الإسلامية هو الذي أوقع العالم اليوم في الاصطدام الهائل في الميادين السياسية.. لأن مصالح أمة أو جماعة من الأمم أو الأفراد كثيرا ما تتعارض مع مصالح غيرهم، وهو ما يؤدي إلى النزاع وتهديد العالم بحرب دائمة..[110].”

وبوجه عام، تبقى المقاصد لدى الفاسي بمثابة “المرجع الأساسي لاستيفاء ما يتوقف عليه التشريع والقضاء في الفقه الإسلامي”، فرغم اهتمامه بالمقاصد الجزئية إلا أنه اعتنى عناية خاصة بالمقاصد الكلية أو العامة التي تخص الشريعة الإسلامية بكاملها من حيث الغايات التي وضعت من أجلها والتي أجملها في عمارة الأرض، وحفظ نظام التعايش فيها، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة ومن صلاح في العقل والعمل..

لقد وظف الفاسي نظرية المقاصد في صلتها القوية بمبدأ المصلحة سعيا “لبناء فلسفة شاملة في الإسلام والتشريع تحاول المزاوجة بين الموروث والحداثة لخدمة مشروعه الإصلاحي ومد الجسور بين الإسلام والمعطيات والقيم الكونية من قبيل؛ الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتسامح، والسلام، والعمل، والعقل..” التي اعتبرها جميعا بمثابة غايات ومقاصد عامة للشريعة، من منطلق أن الشريعة بمقاصدها وغاياتها الكلية وباعتمادها على مبدأ المصلحة لا يمكن إلا أن تكون منسجمة مع القيم الكونية والإنسانية..[111]” ما دمت هناك “أخلاق فطرية يعتبرها الإسلام معروفة لدى الجميع، ولذلك يعتبرها هي (العرف) المأمور به” مقابل (المنكر) المنهي عنه.

غير أن العرف في الإسلام، وفقا للفاسي، “ليس هو ما يتعارف عليه مجتمع ما، ولكنه ما تعارفت عليه الإنسانية منذ نشأتها ولم يخرج عنه دين من الديانات ولا مذهب من المذاهب السلمية..” وهو ما اصطلح عليه بـ”العرف الإنساني الفطري” الذي من شأن اتخاذه “مقياسا للقانون أساسا للخلق” أن “يقدم للإنسانية في مختلف عصورها الحل الواقعي للمشاكل الاجتماعية، ويضع النواة الأولى للوحدة الإنسانية الشاملة[112].”

4. الشمولية

ضدا على منزع التعضية والتجزيئية والتسطيح، وتأكيدا لمبدأ الكلية والتركيبية والتجريد.. وهي الشمولية التي تبرز من خلال مشروعه النظري الإصلاحي كما عرضه في كتاب “النقد الذاتي” الذي تضمن فصلا بعنوان “التفكير شموليا” ويقصد بذلك أن “نستحضر أثناء اهتمامنا بعمل ما جميع أجزاء البلاد، وعناصر الأمة.” وأن “ننظر إلى وطننا ككل لا يقبل التصور إلا كاملا، وإلى النفع كخير لا يمكن تحقيقه إلا شاملا[113].” كما يعتقد أن ” الحركة السلفية ستظل من غير فائدة إذا لم تتوج بحركة إصلاح شاملة[114].” وجدير بالملاحظة أن نسجل أن مبدأ الشمولية في فكر الفاسي يجد أصله في شمولية كل من الطبيعة والدين؛ إذ لا شيء “يماثل الطبيعة في شمولها وسريانها مثل الدين..[115].”

5. الخصوصية

بعد أن يقف الفاسي على دور النخبة العالمة في توجيه الفكر العام توجيها يستمد عناصره من رغبات الشعب الحقيقية التي تستمد انطلاقا من المعرفة بقرارة نفسه وأعماق ضميره.. يؤكد أن النخبة لن تستطيع النهوض بهذه المهمة إلا إذا تمكنت من معرفة نفسها و حقيقة أمتها وسائر خواصها العقلية والذهنية، وذلك حتى لا تعالج قومها بأدوية مهيأة لأمراض غير أمراضها، وقد تكون إفسادا لجوانب ما تزال صالحة فيها[116].”

وفي سياق نقده للفكرة العلمانية يسجل أنه “من البلادة أن ننغمر في نظرية من النظريات السياسية والاجتماعية الغربية دون تعمقها ودراسة العوامل الأساسية في تكوينها وعرض ذلك كله على تجاربنا القومية وذهنيتنا التي للإسلام الأثر الأكبر في تكوينها أحببنا أم كرهنا[117].”

6. الإنسانية

وهنا نصل إلى ملمح مميز للمنهج الإصلاحي والرؤية المعرفية للفاسي يتمثل في احتفائه الواضح بقيم التسامح والاختلاف والغيرية؛ حيث نجد الفاسي، في أكثر من مناسبة وأكثر من سياق، يدعو إلى الاتصال الدائم بالفكر الإنساني، والتعاون الصادق مع ذوي النية الحسنة في كل الدنيا، “من غير مراعاة لأصولهم ولا اتجاهاتهم ما داموا يحملون هذه العقيدة التي هي عقيدة الفطرة الصحيحة وعقيدة الفكر الحر والنظر المستقل، والتآخي البشري ونصر العدل والكفاح ضد الطغيان، ولم لم يدخلوا في الإسلام ولم يعترفوا به كدين سماوي منزل[118].”

أبعد من ذلكن فإن الفاسي يدعوا لمواطنة إنسانية يقول: “إن المواطنة الإنسانية في الدولة الكونية إنما تقوم على شعور كل واحد بالمسؤولية في إحقاق الحق وتطبيق القانون الإلهي، وضمان حرية الإنسان وكرامته.” ذلك أن “المكلف في هذه الدولة هو المواطن، وشعوره وسلوكه هما منهجه الأخلاقي، وواجباته هي عمارة الأرض والخلافة عن الله في استصلاحها، ومن هنا تتجلى، حسب الفلسي، عموم الدعوة الإسلامية[119].”

إن دوائر الانتماء الأساسية لدى الفاسي والمتمثلة بوجه خاص في الانتماء الوطني، القومي ثم الإسلامي، لم تمنعه لحظة من الانفتاح على الآفاق والقيم الإنسانية الكونية المشتركة “إن حركتنا، يقول الفاسي، حركة إنسانية تريد الخير لنا وللدين لا تربطنا معهم إلا روابط الإحساس الإنساني المجروح[120].” لا غرابة في ذلك ما دام “الإسلام جعل الصلة بين الناس قاطبة قائمة على المودة والرحمة، سواء كانت صلة أفراد أو صلة قرابة وأسرة، أو صلة جماعة أو دولة. وهذه المودة والرحمة هما أساس الأخوة الإنسانية التي هي الصلة الأولى للمؤمنين..”.

أكثر من ذلك، فإن الفاسي يذهب إلى حد اعتبار أن “إيماننا لا يكمل إلا إذا تفتحت قلوبنا لمحبة المخالفين لنا، وللرغبة في أن ينالوا من خير الدنيا والآخرة ما نلنا، وما نحب لأنفسنا أن تناله[121].” وهو في كل ذلك يعبر عن عميق إيمانه بوحدة المصير الإنساني مراهنا منذ 1973 على أن “حوار الحضارات من شأنه أن يقربنا جميعا إلى وحدة القيم والمصير[122].”

على سبيل الختم   

 إلى هذا المستوى من المقاربة بالإمكان أن نسجل مدى التميز و الأصالة والعمق النظري الذي تميزت به اجتهادات المرحوم علال الفاسي، التي تجاوزت في جدتها ورصانتها الكثير مما يتم إنتاجه في اللحظة الراهنة في دائرة الفكر الإسلامي المعاصر. ولا شك أن هذه الأهمية لفكر علال الفاسي ستزداد وتتأكد كلما ترسخ لدينا الوعي بتاريخية إنتاجه، وشروط هذا الإنتاج على امتداد أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، بينما كان المغرب لا زال خاضعا لنير الاستعمار الذي عطل مسيرة تطوره الحضاري الطبيعية..

الهوامش

[1]. سوف نستبدل مفهوم السلفية الجديدة على امتداد هذه الدراسة بـ«الإصلاحية الوطنية» أو «الإصلاحية الإسلامية الوطنية».

[2]. محمد عابد الجابري، تطور النخبة المثقفة المغربية: الأصالة والتحديث في المغرب، سلسلة كتب مواقف، عدد: 38، ط1، 2005، ص، 76-77.

[3]. المرجع نفسه، ص77-78.

[4]. محمد بن الحسن الوزاني، مذكرات حياة وجهاد، الجزء الأول، ص331.

[5]. عثمان أشقرا، في الفكر الوطني المغربي، سلسلة المعرفة للجميع، الرباط: منشورات رمسيس، العدد: 17، ط1، ص67.

[6]. المرجع نفسه، ص72.

[7]. المهدي بنبركة، نحو بناء مجتمع جديد، محاضرة ألقاها بمدينة تطوان سنة 1958، نقلا عن عثمان أشقرا، م، س، ص66-67.

[8]. محمد عابد الجابري، تطور النخبة المثقفة المغربية: الأصالة والتحديث في المغرب، م، س، ص78.

[9]. المرجع نفسه، ص51.

[10]. علال الفاسي، التيارات الإيديولوجية في العالم العربي، إعداد ومراجعة: عبد العلي الودغيري، مؤسسة علال الفاسي، الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، ط1، (1428ﻫ/2007م)، ص71.

[11]. المرجع نفسه، ص78.

[12]. محمد عابد الجابري، م، س، ص53.

[13]. المرجع نفسه، ص155.

[14]. علال الفاسي، النقد الذاتي، بيروت، القاهرة، بغداد: منشورات دار الكشاف للنشر والطباعة والتوثيق، 1966، ص95.

[15]. المرجع نفسه، ص126.

[16]. المرجع نفسه.

[17]. علال الفاسي، بديل البديل، ضمن كتاب: إشراقات علال الفاسي الفكرية (1)، إعداد عبد الرحمان بن العربي الحريشي، الرباط: مؤسسة علال الفاسي، 1996، ص64.

[18]. علال الفاسي، النقد الذاتي، م، س، ص 128-129.

[19]. علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س، ص155.

[20]. علال الفاسي، بديل البديل، م، س، ص58.

[21]. علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س، ص65.

[22]. المرجع نفسه، ص91.

[23]. المرجع نفسه، ص92.

[24]. علال الفاسي، التيارات الإيديولوجية في العالم العربي، ص77.

[25]. علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س، ص113.

[26]. المرجع نفسه، ص271.

[27]. المرجع نفسه، ص103.

[28]. علال الفاسي، النقد الذاتي، م، س، ص 98-99.

[29]. المرجع نفسه، ص81.

[30]. المرجع نفسه، ص113.

[31]. المرجع نفسه، ص114.

[32]. علال الفاسي، بديل البديل، ضمن كتاب: إشراقات علال الفاسي الفكرية(1)، م، س، ص48-49.

[33]. المرجع نفسه، ص124.

[34]. المرجع نفسه، ص150.

[35]. المرجع نفسه، ص33.

[36]. المرجع نفسه، ص128.

[37]. علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س، ص 255-256. أنظر كذلك النقد الذاتي، م، س، ص27-28.

[38]. علال الفاسي، النقد الذاتي، م، س، ص43.

[39]. المرجع نفسه، ص55.

[40]. المرجع نفسه، ص63.

[41]. المرجع نفسه، ص17.

[42]. المرجع نفسه، ص441.

[43]. المرجع نفسه، ص282.

[44]. المرجع نفسه، ص304.

[45]. المرجع نفسه، ص287-291.

[46]. المرجع نفسه، ص294.

[47]. علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، ط4، (1411ﻫ/1991م)، ص 248.

[48]. علال الفاسي، النقد الذاتي، م، س، ص59.

[49]. المرجع نفسه، ص73-74.

[50]. علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، م، س، ص248-249.

[51]. المرجع نفسه، ص251.

[52]. علال الفاسي، النقد الذاتي، م، س، ص59.

[53]. المرجع نفسه، ص74.

[54]. المرجع نفسه، ص59.

[55]. المرجع نفسه، ص104.

[56]. علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س، ص524.

[57]. المرجع نفسه، ص18.

[58]. المرجع نفسه، ص152.

[59]. علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، م، س، ص219.

[60]. المرجع نفسه، ص220.

[61]. المرجع نفسه، ص69.

[62]. المرجع نفسه، ص70.

[63]. علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س، ص290.

[64]. المرجع نفسه، ص382.

[65]. علال الفاسي، النقد الذاتي، م، س، ص87.

[66]. علال الفاسي، دفاعا عن الشريعة، الرباط: مطبعة الرسالة، ط4، 1999، ص35.

[67]. المرجع نفسه، ص36.

[68]. المرجع نفسه، ص55.

[69]. المرجع نفسه، ص45.

[70]. المرجع نفسه، ص58.

[71]. المرجع نفسه، ص167.

[72]. المرجع نفسه، ص382.

[73]. علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س، ص290.

[74]. المرجع نفسه، ص168.

[75]. علال الفاسي، مدخل في النظرية العامة لدراسة الفقه الإسلامي ومقارنته بالفقه الأجنبي، إعداد ومراجعة عبد الرحمان بن العربي الحريشي، الرباط: مؤسسة علال الفاسي، ط2، 2002، ص 114-115.

[76]. علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س،ص168.

[77]. المرجع نفسه، ص169.

[78]. المرجع نفسه، ص169.

[79]. المرجع نفسه، ص116.

[80]. علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س، ص474. «يجب أن نؤكد أن روح مولانا هي التي نفخت في كل المجهودات الشعبية، وأن حزب الاستقلال وغيره ليسوا سوى ملبين لدعوة الملك ومقتدين بعمله، وأن استجابة مولانا لرغبة (حزب) الاستقلال في رعاية حركة الإصلاح كانت فاتحة العهد السعيد الذي يتبلور اليوم وسيبدو بعد قليل عصر النهضة والتقدم والانعتاق».

[81]. علال الفاسي، النقد الذاتي، م، س، ص69-70.

[82]. علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س، ص382.

[83]. علال الفاسي، النقد الذاتي، م، س، ص173.

[84]. المرجع نفسه، ص157.

[85]. علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س، ص156.

[86]. المرجع نفسه، ص158.

[87]. المرجع نفسه، ص311.

[88]. المرجع نفسه، ص296.

[89]. المرجع نفسه، ص494.

[90]. علال الفاسي، النقد الذاتي، م، س، ص100.

[91]. علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س، ص493.

[92]. المرجع نفسه، ص240.

[93]. علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س، ص110.

[94]. المرجع نفسه، ص109.

[95]. المرجع نفسه، ص150.

[96]. المرجع نفسه، ص102.

[97]. علال الفاسي، النقد الذاتي، م، س، ص157.

[98]. المرجع نفسه، ص166.

[99]. المرجع نفسه، ص133-134.

[100]. المرجع نفسه، ص110.

[101]. المرجع نفسه، ص79.

[102]. المرجع نفسه.

[103]. المرجع نفسه، ص151.

[104]. المرجع نفسه، ص150.

[105]. علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، م، س، ص7.

[106]. المرجع نفسه، ص45-46.

[107]. المرجع نفسه، ص257-258.

[108]. المرجع نفسه، ص47.

[109]. المرجع نفسه، ص56.

[110]. المرجع نفسه، ص193.

[111]. إبراهيم اعراب، الإصلاح وتجديد الفكر الإسلامي: مقاصد الشريعة لعلال الفاسي كنموذج، ضمن كتاب سؤال الإصلاح والهوية: من السياق السلفي إلى مشروع الحداثة، الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، ط1، 2007، ص269-274.

[112]. علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، م، س، ص195-196.

[113]. علال الفاسي، النقد الذاتي، م، س، ص25.

[114]. المرجع نفسه، ص65.

[115]. المرجع نفسه، ص114.

[116]. المرجع نفسه، ص78-79.

[117]. المرجع نفسه، ص119.

[118]. المرجع نفسه، ص124.

[119]. علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، م، س، ص13.

[120]. علال الفاسي،الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، م، س، ص490.

[121]. علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، م، س، ص269.

[122]. علال الفاسي، بديل البديل، ضمن كتاب: إشراقات علال الفاسي الفكرية(1)، م، س، ص37.

الوسوم

د. عبد السلام طويل

  • رئيس وحدة بحثية بالرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، ورئيس تحرير مجلتها الإحياء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق