الرابطة المحمدية للعلماء

الأزمة الروحية في عالم اليوم.. أي اختيار للغد؟

د. محمد أديوان: حضارة الغد لابد أن تنبني أسسها على تأكيد ميثاق المحبة الكبرى التي هي أصل الإيمان

استضاف موقع الرابطة المحمدية يوم الخميس الماضي 25 دجنبر 2008 الدكتور محمد أديوان، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بجامعة محمد الخامس بالرباط، في حوار حي مع رواد وزوار الشبكة العنكبوتية، وقد انصب النقاش على الأزمة الروحية التي يعيشها الإنسان المعاصر والحلول المطروحة لتجاوزها وتحقيق الأمن الروحي للناس.

وقام د. أديوان، مدير أكاديميّ لمركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث بالرباط (2000ـ 2005)، بداية بتحديد معنى الأزمة الروحية قائلا إن المقصود منها “غياب المعطى الروحي الذي يجعل الإنسان يعيش التوازن الحق بين ما يشكله العقل من قوة وما يشكله الجانب الروحي من مدد”.

هذا الغياب الروحي الذي يصاحب تطور حضارتنا اليوم يسير في اتجاه مادي يعكس الوجهة المطلوبة، ومن تم علينا ـ يضيف أديوان ـ أن نفترض أن “حضارة الغد لابد أن تنبني أسسها على الروح وتغذية حاجيات الروح من دين وإيمان وأخلاق، إذ تلك السبيل هي وحدها الكفيلة بتجاوز مفاهيم القلق والضنك وما يعيشه إنسان اليوم من ترد”.
هل يشكل الإسلام بديلا أخلاقيا وقيميا للواقع المادي المعاصر؟ يجيب د. أديوان على سؤال لأحد القراء قائلا: “الإسلام حقق البديل الأخلاقي عن واقع مادي معاصر، لأنه ربط الإنسان بمصدره الأول وهو الفطرة الإلهية التي فطره الله عليها، في حين أن سائر الاتجاهات الأخرى تجعل من الإنسان مجالا مشيئا تحدوه الرغبات من أجل مراكمة الثروة والتسلط على الغير”.

ويؤكد الدكتور محمد أديوان، وهو أيضا خبير دولي لدى الإسيسكو في تصميم المشاريع الثقافية والإصلاح التربوي، أن الإسلام يمكن أن  يقدم مجموعة من الحلول الواقعية لمواجهة الأزمة الروحية العالمية، وذلك من خلال المقترحات الآتية:

1ـ تأكيد ميثاق المحبة الكبرى، وهي تلك التي تصحح مسار القلوب وتربطها بخالقها أولا كما تربطها بالآخرين ثانيا، وذلك ما أوصى به نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، عندما قرن الإيمان بالمحبة في قوله: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، مع التأكيد على أن مبدأ المحبة هو أصل الإيمان.

2 ـ يفرض الإسلام أنواعا كثيرة من العلاقات البشرية التي ترمي إلى التقريب بين وجهة النظر والمواقف، وذلك لنبذ الخلاف والابتعاد عن مصادر الفتنة.

3 ـ  يقدم الإسلام الحل الصوفي الروحي باعتباره حالا واقعيا وديناميكيا يحرك قلب الإنسان وهواجسه من أجل البحث في أعماقه عن مصدر الكمالات البشرية والقوة الداعمة لحركة الحياة الإنسانية في تلاؤم عميق مع معاني الإنسانية في الإسلام بعيدا عن معاني المجافاة والأنانية.

وأوضح ضيف الحوار المقصود بالحل الصوفي حين أكد أن حقيقة التصوف تتجلى في تخلق الإنسان بأخلاق الصالحين، والسير على نهجهم في تقوى الله، وفي السير الحثيث إلى الله على هدى من الرسول صلى الله عليه وسلم.

وعن سؤال حول الخطوات العملية لتجاوز الأزمة الروحية المعاصرة، يرى د. أديوان، أن ذلك يحتاج إلى بعض المبادئ منها:
ـ العمل على تحقيق مبدأ التوازن في الحياة بين المادة والروح، وبين الأنانية التي تريد كل شيء للذات وبين نزعة المشاركة التي تشرك الآخرين فيما تملكه الذات.
ـ  العمل على تحقيق الصفاء القلبي بذكر الله أثناء الليل وأطراف النهار حتى يصبح القلب منشغلا بالله وبمحبة الآخرين في الله، فهذا الصفاء القلبي يحقق مبدأ الطمأنينة ويزيد الإنسان تعلقا بالأخلاقيات العليا التي تسمو عن المعاملات الدنيئة وغير المُرضية.
ـ أن يعرف الإنسان كيف يحدث لديه نوعا من الإحجام والانقطاع بصورة نهائية عن كل مصادر الارتباك أو القلق الروحي، وذلك باستمرار في العبادة وعدم الاهتمام بما يكون سببا للصراع أو الجدل أو النقد الغير البناء، إذ بهذه الصورة يمنح لنفسه قوة روحية تجعله يستمر في الحياة بدون أن يعاني من ضنكها اليومي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق