مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

إخلال أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه بقوانين الشرع، وتدبير أمور الرّعية

 

 

 

بقلم: يونس السباح

من الشّبه المزعومة، والمطاعن الموجّهة للصّحابة الكرام، زعم بعض الخراصين، أنّ أبا بكر الصّديق لم يولَّ عملاً يقيم فيه قوانين الشرع والسياسة، فدل ذلك على أنّه لا يحسنهما، وإذا لم يحسنهما لم تصحّ إمامته، لأنَّ من شروط الإمام أن يكون شجاعًا، وأنّ المتّصف بالشجاعة هو علي بن أبي طالب. 

والجواب عن ذلك بطلان ما زعموه من أنه لم يُولَّ عملاً يثبت شجاعته، ويظهر قوّته، ما أخرجه الإمام البخاري عن يزيد بن أبي عبيد، قال: سمعت سلمة بن الأكوع، يقول: “غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات مرة علينا أبو بكر، ومرة علينا أسامة”[1].

 وأما ما زعموه من أنّ أشجع النّاس عليّ بن أبي طالب، فهذا باطل، بشهادة واعتراف علي رضي الله عنه  بأنّ أبا بكر أشجع الصحابة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصّدد: (والجواب: أنه لا ريب أن عليا رضي الله عنه، كان من شجعان الصحابة، وممن نصر الله الإسلام بجهاده، ومن كبار السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ومن سادات من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله، وممن قتل بسيفه عدداً من الكفار، لكن لم يكن هذا من خصائصه، بل غير واحد من الصحابة شاركه في ذلك، فلا يثبت بهذا فضله في الجهاد على كثير من الصحابة، فضلا عن أفضليته على الخلفاء، فضلاً عن تعيين  للإمامة[2].

وأما قوله: ” إنه كان أشجع الناس “.فهذا كذب[3]، بل كان أشجع  الناس رسول الله  صلى الله عليه وسلم. كما في الصحيحين عن أنس قال: «كان النبي  صلى الله عليه وسلم  أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم  راجعا وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري، في عنقه السيف، وهو يقول: ” لن تراعوا “. قال البخاري: استقبلهم وقد استبرأ الخبر»[4].

وأما اعتراف سيّدنا علي رضي الله عنه، بشجاعة أبي بكر الصدّيق، وشهادته له، فدليله ما أخرجه الإمام البزّار في مسنده، عن محمد بن عقيل، قال: “خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: أيها الناس أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا: – أو قال – قلنا: أنت يا أمير المؤمنين. قال: أما إني ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر رضي الله عنه، إنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً، فقلنا: من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا؟ يهوي إليه أحد من المشركين، فو الله ما دنا منه إلاّ أبو بكر شاهراً بالسَّيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يهوي إليه أحد إلا أهوى عليه، فهذا أشجع الناس. فقال علي: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذته قريش، فهذا يجؤه وهذا يتلتله، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحداً؟ قال: فوالله ما دنا منه أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا ويجأ هذا ويتلتل هذا وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، ثم رفع علي بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلَّت لحيته ثم قال: أنشدكم بالله أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم، فقال: ألا تجيبوني؟ فو الله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون ذاك رجل كتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه”[5].

وأخرج البخاري عن عروة بن الزبير:  سألت عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول الله فقال: “رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم”[6].

ومن شجاعته العظمى قتاله لمانعي الزكاة، ومفاوضته لكثير من الصحابة في ذلك، وإمضائه العزم على ذلك. ومن ذلك أيضًاً:  قتاله مسيلمة الكذّاب، المتنبّئ، الذي ملأ الدنيا وشغل النّاس بأكاذيبه وترّهاته، كما هو مفصّل في كتب السيرة.

فهذه كلّها أدلّة واضحة، على أنّه رضي الله عنه، كان على جانب عظيم من العقل، والشجاعة، والصبر، عند المواقف الصعبة، ومن ثم قال العلماء: إنه صحب النبي من حين أسلم إلى أن توفي، لم يفارقه سفراً ولا حضراً إلا فيما أذن له في الخروج فيه من حج أو غزو، وشهد معه المشاهد كلّها وهاجر معه، وترك عياله وأولاده رغبة في الله ورسوله وقام بنصرته في غير موضع وله الآثار الحميدة في المشاهد وثبت يوم أحد ويوم حنين وقد فر الناس فكيف مع ذلك كلّه ينسب إليه عدم شجاعة أو عدم ثبات في الأمر كلاّ بل له فيهما الغاية القصوى والآثار الحميدة التي لا تستقصى فرضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه[7].

 

 


[1]  أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المغازي، باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة. 5/144. ح 4270.

[2]  انظر: منهاج السنة 8/76.

[3]  نفسه.

[4]  أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد والسير، باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق. 4/39. ح: 2908.ومسلم في صحيحه: كتاب الفضائل، باب في شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتقدّمه للحرب. 4/1802. ح 2307.

[5]  أخرجه البزار في مسنده، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، 3/14 .ح 761. وقال: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي، إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد.

[6] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب: فضائل الصحابة. باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متّخذا خليلاً. 5/10. ح:

[7]  الصواعق المحرقة: 1/82.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق