مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات وأبحاث

أحاديث فضائل ذي الحجة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

إنجاز: يوسف أزهار*

إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ومن هذه الأربعة: شهر الله الحرام ذي الحجة؛ الذي جاء فيه حديث عظيم، يوضح بعض الأحكام الشرعية، ويضع أسس التعايش الإنساني السليم فيما بينهم دون إذاية الآخر:

فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنه، عن أبيه قال: قعد النبي صلى الله عليه وسلم على بعيره وأمسك إنسان بخطامه – أو بزمامه – قال: (أي يوم هذا)؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال: (أليس يوم النحر)؟ قلنا: بلى، قال: (فأي شهر هذا)؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: (أليس بذي الحجة)؟ قلنا: بلى، قال: (فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا،  في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه).

كما جاء في شهر ذي الحجة حديث آخر يوضح بعض الأحكام الشرعية، ويرغب في فضائل الأعمال، فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (شهران لا ينقصان، شهرا عيد: رمضان، وذو الحجة).

تخريج الحديثين:

فأما الحديث الأول: فقد أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي بكرة رضي الله عنه: كتاب العلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رب مبلغ أوعى من سامع»[1].

وأخرجه أيضا مسلم في صحيحه عن أبي بكرة رضي الله عنه: كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال[2].

وأما الحديث الثاني: فقد أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي بكرة رضي الله عنه: كتاب الصوم، باب شهرا عيد لا ينقصان[3].

وأخرجه أيضا مسلم في صحيحه عن أبي بكرة رضي الله عنه: كتاب الصيام، باب بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم «شهرا عيد لا ينقصان»[4].

ما يستشف من الحديثين:

فأما الحديث الأول: سؤاله صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة، وسكوته بعد كل سؤال منها، كان لاستحضار فهومهم وليقبلوا عليه بكليتهم، وليستشعروا عظمة مرتبة هذا الشهر والبلد واليوم، ونسبة العلم لله ورسوله هذا من حسن أدبهم، وأنهم علموا أنه صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب، كما في الحديث بيان توكيد غلظ تحريم الأموال والدماء والأعراض والتحذير من ذلك[5]. 

وأما الحديث الثاني: اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، ومعناه: أنهما لا ينقصان في الأجر وتكفير الخطايا، سواء كانا من تسع وعشرين أو من ثلاثين، وأن ما وعد الله صائم رمضان على لسان نبيه عليه السلام من الأجر فهو منجزه له سواء كان شهره ثلاثين أو تسعا وعشرين[6]. 

صفوة ما يقال: إن الأحاديث التي جاءت في فضائل الشهور كثيرة، إذ منها المقبول والمردود، وانتقيت منها ما ذكرت آنفا مما اتفق عليه الشيخان: البخاري ومسلم، حديث: (فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم بينكم حرام)، وحديث: (شهران لا ينقصان، شهرا عيد: رمضان، وذو الحجة)، كما عرجت إلى ما يستفاد منهما مما ذكره العلماء في بطون كتبهم.

 ******************

جريدة المراجع

1- إكمال المعلم بفوائد مسلم لأبى الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، تحقيق: يحيى إسماعيل، دار الوفاء، مصر، الطبعة الأولى: 1419.

2- الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه (صحيح البخاري) لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت، ط1: 1422، مصورة عن الطبعة الأميرية، بولاق، 1311.

3- شرح صحيح البخارى لأبي الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي، تحقيق: ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثانية: 1423.

4- فتح الباري شرح صحيح البخاري لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي، دار المعرفة، بيروت، 1379.

5- المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (صحيح مسلم) لأبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ.

6- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج لأبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية: 1392

 هوامش المقال:

[1]) صحيح البخاري (1 /24)، رقم الحديث: 67.

[2]) صحيح مسلم (3 /1306)، رقم الحديث: 1679.

[3]) صحيح البخاري (3 /27)، رقم الحديث: 1912.

[4]) صحيح مسلم (2 /766)، رقم الحديث: 1089.

[5]) ينظر عن الموضوع في شرح صحيح البخاري لابن بطال (1 /150)، وإكمال المعلم بفوائد مسلم لعياض (5 /484)، والمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (11 /169)، وفتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني (1 /159).

[6]) ينظر عن الموضوع في شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/29_31)، وإكمال المعلم بفوائد مسلم لعياض (4 /24)، والمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (7 /199)، وفتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني (4 /125).

*راجع المقال الباحث محمد إليولو

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق