مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةأعلام

أبو عبد الله محمد شقرون (ت929هـ) صاحب كتاب: الجيش والكمين لقتال من كفر عوام المسلمين

 

الترجمة: تذكر جل المصادر التي ترجمت لأبي عبد الله المغراوي الوهراني الشهير بشقرون أن الرسالة المسماة بـ”الجيش والكمين لقتال من كفر عوام المسلمين” صحيحة النسبة إليه، وقد ألفها استجابة لاستغاثة بعض العوام به، لحل معضلة كلامية عظيمة في الحكم على (إيمان العوام).
والمغراوي هذا هو أبو عبد الله محمد شقرون بن محمد بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني الفاسي، محدث ومقرئ كما ذكر ذلك صاحب معجم المؤلفين[1].
ووالده هو العالم المقرئ الأديب، الشيخ أبو العباس أحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني (ت 920 هـ/1514م)، كان أحد أعلام وقته ومن أهل الفتوى، وهو صاحب الفتوى الشهيرة إلى الموريسكيين  حين بعثوا إليه بعد سطوة النصارى عليهم يستفتونه، والتي مطلعها: «الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما، إخواننا القابضين على دينهم، كالقابض على الجمر، ممن أجزل الله ثوابهم فيما لقوا في ذاته، وصبروا النفوس والأولاد في مرضاته.. نسأل الله أن يلطف بنا وأن يعيننا وإياكم على مراعاة حقه بحسن إيمان وصدق، وأن يجعل لنا ولكم من الأمور فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً..يصل إلى الغرباء إن شاء الله تعالى غرة رجب 910 هجرية، (18-11-1504م)»(*).
وهو كذلك مؤلف “جامع جوامع الاختصار والبيان فيما يعرض للمعلمين وآباء الصبيان” في تربية الأولاد وتعليمهم، وهو أول أساتذة ابنه المترجم له، حيث حفظ على يديه القرآن الكريم، وتعلم القراءات، وحفظ المتون، واللغة والبيان (**)، قبل أن ينتقل إلى فاس حاضرة العلم والقراءة، وقد اختلط على كثير من المترجمين لهذا العلم فنسب بعضهم لمترجمنا مؤلفات والده المذكورة قبل بسبب الخلط بين اسمه(محمد) واسم أبيه (أحمد). 
ونسبة “المغراوي” إلى مغراوة وهي قبيلة من زناته، إحدى القبائل الكبار من برابرة المغرب، ومنه يفهم نسبته إلى وهران المدينة المعروفة، فإنها تقع في مجالات مغراوة. 
ونسبة “الفاسي” إلى فاس لأنه توفي بها، ويغلب على الظن أن شقرون ولد بوهران وانتقل منها إلى فاس حيث استقر إلى أن وافته المنية، ويبدو أن انتقاله إليها كان مع أبيه. 
واختار آل شقرون مدينة فاس مكان هجرتهم دون سائر حواضر المغرب الإسلامي كتلمسان، لأن فاس على خلاف تلك المدن كانت تعرف استقراراً نسبياً، أما تلمسان فكان يتجاذبها في ذلك الوقت النصارى والعثمانيون، لذلك كان كثير من أهلها ومن أهل وهران يهاجرون إلى فاس.
وتذكر التراجم من شيوخه بعد حلوله بفاس قصد طلب العلم كلا من: 
– أبي عبد الله محمد بن غازي العثماني؛ أشهر مشاهير وقته في فاس حاضرة العلم بالمغرب الإسلامي آنئذ، قال فيه ابن القاضي: «الفقيه المشارك المتفنن ذو التآليف الحسنة والأحوال المستحسنة»[2]، أخذ عن أعلام منهم أبو زيد الكاواني، وأبو العباس المزدغي والإمام القوري وأبو العباس الحباك وأبو عبد الله السراج وابن مرزوق الكفيف، وعنه أحمد الدقون وعلي بن هارون، وعبد الواحد الونشريسي، وعبد الرحمن القصري الفاسي، والشيخ شقرون الفاسي وله تآليف منها: “المسائل الحسان المرفوعة إلى خبر فاس والجزائر وتلمسان” و”شفاء الغليل في حل مقفل خليل” توفي رحمه الله عام (919هـ)[3] .
يقول صاحب “البستان”: «سيدي شقرون بن محمد بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي: الأستاذ المتكلم المقرئ الحافظ الضابط أبو عبد الله محمد، أخذ عن الفقيه الإمام أبي عبد الله محمد بن غازي ورثاه بقصيدة..»[4]. 
– وأحمد بن محمد بن يوسف الصنهاجي الشهير بالدقون قال فيه ابن القاضي: «الخطيب الأستاذ المحدث الراوية»[5].
– آثاره: برع شقرون الوهراني في القراءات وعلم الكلام وله شعر، وألف في هذه العلوم مصنفات جلها موجودة في خزانات المخطوطات، وهي:
1ـ تقريب النافع في الطرق العشر لنافع؛ وهو عبارة عن نظم في القراءات بيّن فيه طرق نافع العشر.
2 ـ تقييد على مورد الظمآن؛ وهو عبارة عن فوائد قيّدها مما تلقّاه عن شيوخه بفاس، من تقاريرهم على مورد الظمآن.
3 ـ الجيش الكمين لقتال من كفر عامة المسلمين؛ وهو كتاب لطيف كتبه في الجواب عن سؤال في تقليد العوام في العقائد هل يصح ذلك منهم أم لا؟
4 ـ قصيدة طويلة في رثاء ابن غازي؛ وهي قصيدة وصفت بالمشهورة والعظيمة والطويلة، قالها في رثاء شيخه ابن غازي وممن نسبها إليه أحمد بابا، وابن القاضي[6].
وذكر عبد الحي الكتاني أن له سنداً يتصل بمرويات شقرون، قال في “فهرس الفهارس”: «له جزء لطيف جمع فيه مروياته.. نتصل به من طريق المقري عن عمه أبي عثمان سعيد عنه»[7] ، وذكر هذا الفهرست أيضاً محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني فقال: «وله رحمه الله جزء لطيف جمع فيه مروياته»[8].
– وفاته: توفي شقرون الوهراني عام (929 هـ)، جزم بهذا التاريخ ابن مريم، وابن مخلوف، وعبد الحي الكتاني[9]، وجاء في موسوعة أعلام المغرب قول المؤلف: «وفي حدودها توفي محمد شقرون بن أبي جمعة المغراوي»[10]؛ أي في حدود (929).
أما ابن القاضي، ومحمد بن جعفر الكتاني فقالا: توفي قرب الثلاثين. 
ومكان وفاته مدينة فاس ذكره عبد الحي الكتاني [11].
– آراء العلماء فيه:
إذا نظرنا إلى الألقاب التي أثنى بها العلماء على شقرون الوهراني، بدا لنا أنه كان جليل القدر، ذا قدم راسخ في فنون العلم عقليها ونقليها، مرجوعاً إليه في المسائل المشكلات. ويظهر من تتبع الألقاب التي أطلقها عليه المترجمون، ومن تقصي ما ترك من آثار أنه برز في علم القراءات وعلم الكلام ونظم الشعر؛
فنجدهم يصفونه بالمقرئ الحافظ الضابط المتكلم. 
قال فيه التنبكتي: «الأستاذ المتكلم المقرئ الحافظ الضابط»[12] 
وقال فيه ابن محمد مخلوف: «الأستاذ المتكلم القدوة المقرئ العالم العمدة»[13] 
وقال فيه محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني: «الشيخ الفقيه العالم العلامة الأستاذ المقرئ المتكلم الحافظ المطلع المحقق المشارك»[14]
وهي شهادات تدل على ضلوعه في علم الكلام الأشعري؛ وهذا ما يؤكده كتابه “الجيش الكمين لقتال من كفر عامة المسلمين”، كما سيظهر من خلال ما سأورده من نصوص هذا الكتاب.
– الرسالة المسماة بـ”الجيش والكمين لقتال من كفر عوام المسلمين”:
تعد هذه الرسالة أهم مؤلف لمترجمنا أبي عبد الله شقرون المغراوي، وقد جاء في مقدمة المؤلف عن الباعث لتأليفه قوله: «فقد سألني جماعة من إخواني المسلمين وجماعة كثيرة من عوام المسلمين على مسألة إيمان المقلد في العقائد ومن لا يعرف الدلائل والبراهين وينزه الله ورسوله وينطق بالشهادتين لا زائد، هل إيمانه صحيح أم هو كافر وإيمانه فاسد؟»[15]، وهي المسألة التي شهدها المغرب عبر تاريخه الفكري والعقدي، وعرفت نقاشا مستفيضا في قضية (إيمان أو تكفير العوام) أو(مسألة التقليد في العقائد) سواء عند الفقهاء المالكية أو علماء الكلام الأشاعرة، وقد انطبع هذا النقاش في مجموعة من المؤلفات منها ما جاء منفردا ومستقلا، ومنها ما جاء مضمنا في مباحث أو فصول، نتجت عنه بالتالي آراء متفاوتة، واتُّخذت في شأنه أحكام مختلفة.. 
وفي ذلك يقول المؤلف مستنيرا بما ذهب إليه علماء المذهب الأشعري وغيرهم في القول في مسألة تكفير العوام وإيمان المقلد: «مسألة إيمان المقلد في العقائد مشهورة الخلاف عند كل سوقة من الطلبة وقائل، فمن الأقوال المنصوصة في ذلك: (أن المقلد مؤمن غير عاص وإن كان تقليده عاريا عن الدليل)، وقد رجح هذا القول القاضي أبو الوليد ابن رشد، وزاد (أن النظر والاستدلال مستحب لا واجب)، ومال إليه حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، والشيخ الولي العارف سيدي أبي محمد عبد الله بن أبي جمرة، والإمام القشيري، ونقله المقترح، وعز الدين بن عبد السلام، وسيف الدين الآمدي.. واحتجوا له بحجج كثيرة مذكورة في كتب متقدمي أئمتنا ومتأخريهم.. »[16].
ولهذا ألف مترجمنا شقرون هذه الرسالة قاصدا بها كما قال هو بنفسه الجواب على سؤال المستفتين حول هذه المسائل: «ونص سؤالهم أرشدهم الله:  جوابكم فيمن يعرف الله ورسوله ويفرق بينهما ويعلم أن الله قديم باق، وأنه يحيي ويميت ويغني ويفقر ولا يعرف في ذلك دليلا ولا برهانا، هل إيمانه صحيح وليس هو كافر أم لا؟ وهل تصح إمامته وشهادته أم لا؟ وهل يطلب من عوام المسلمين الذين لا قابلية فيهم معرفة الدليل والبرهان وهم غير قادرين عليه ولا على التعبير عنه، أم لا يطلب منهم ذلك ويكتفى منهم باليسير في ذلك؟ بأن بعض الطلبة كفر عامة المسلمين بعدم معرفتهم لذلك وأراد استباحة أموالهم وفساد أنكحتهم وغير ذلك مما ينشأ عن التكفير بزعمه هل يصح قوله أم لا؟ جوابكم والسلام. وطلبوا مني وفقهم الله صريح الجواب وإظهار الصواب وبيان المسألة لأولي الألباب.. (فـ)بادرت إلى إسعافهم في الجواب عن هذا السؤال، موضحا له إن شاء الله بأحسن مقال بنقل نصوص الأئمة من محالها لدفع هذه الشبهة وزوالها، متبرئا من القوة والحول ومستعينا بذي العزة والطول وسميت هذا الجواب بالجيش والكمين لقتال من كفر عامة المسلمين..»[17].
وهكذا بيّن لنا المغراوي قصده من هذا التأليف للرد على المفتي الذي أحدث فتنة بين الناس جرَّت عليهم مشقة وتكلفا، كما قال: «فكيف يصح بعد تقرير هذا كله لمن لم يبلغ معشار عشر الأئمة المتقدمين المذكورين أن يتجاسر على المسارعة إلى التصريح بالتكفير في حق عباد الله المسلمين»[18].
وختم الكتاب بالقول: «هذا آخر ما قصدت جمعه وأردت وضعه في الجواب عن السؤال المذكور بحسب الاستطاعة والنقل المشهور، وإلا فالمسألة ذات كلام طويل، وبحث وتفصيل وتوجيه وتعليل، وفيما ذكرنا لمن قنع كفاية إذ لا يبلغ أمثالي في المسائل الغاية..»[19].
فكان قصده أولا وآخرا بيان ما أخطأ فيه هذا الفقيه المفتي الذي أحدث هذه الفتنة بمنهج حجاجي إفحاما للخصم وتبيانا للمستجير الطالب لرأي الشرع والدين في محل هذا الخلاف الذي ارتبطت فيه المسائل العقدية بالنازلة الفقهية.
إعداد الباحث: منتصر الخطيب
الهوامش:
[1] مصادر ترجمته: نيل الابتهاج للتنبكتي (مكتبة الثقافة الدينية):1/214- توشيح الديباج للقرافي (مكتبة الثقافة الدينية):89- البستان لابن مريم(مكتبة الثقافة الدينية):164- درة الحجال لابن القاضي ضمن موسوعة أعلام المغرب: 2-845- شجرة النور لمخلوف(مكتبة الثقافة الدينية): 2/143- فهرس الفهارس للكتاني: 2/394- معجم المؤلفين لكحالة: 4/303- معجم أعلام الجزائر لنويهض:79
[2] درة الحجال لابن القاضي: 2-845
[3] انظر: درة الحجال لابن القاضي: 2-845 وشجرة النور لمخلوف(مكتبة الثقافة الدينية): 2/143 ونيل الابتهاج للتنبكتي (مكتبة الثقافة الدينية):1/214
[4] البستان لابن مريم(مكتبة الثقافة الدينية):164
[5] درة الحجال لابن القاضي: 2/845
[6] نيل الابتهاج للتنبكتي:1/214 و درة الحجال لابن القاضي: 2/845
[7] فهرس الفهارس: 2/394
[8] سلوة الأنفاس: 3/280
[9] البستان لابن مريم:164 وشجرة النور لمخلوف: 2/143 و فهرس الفهارس 2/394
[10] درة الحجال لابن القاضي ضمن موسوعة أعلام المغرب: 2/845
[11] فهرس الفهارس 2/394 وسلوة الأنفاس 3/280
[12] نيل الابتهاج للتنبكتي:1/214
[13] شجرة النور لمخلوف:2/143
[14] سلوة الأنفاس: 3/280
[15] كتاب”الجيش والكمين لقتال من كفر عوام المسلمين” لأبي عبد الله بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني الشهير بشقرون(ت.927هـ)، تم التحقيق والمراجعة بقسم التحقيق بدار الصحابة للتراث بطنطا – الطبعة الأولى/1412-1992)، هذا بالإضافة إلى طبعة ثانية محققة من طرف هارون بن عبد الرحمن آل باشا الجزائري الصادرة عن دار ابن حزم-الطبعة الأولى/2004، ومنها صححت بعض ما جاء في النص من أخطاء، والمعتمد هنا طبعة دار ابن حزم-ص: 17-18.
[16] نفسه- ص: 26-27
[17] نفسه- ص: 26-27
[18] نفسه- ص: 35
[19] نفسه- ص: 44
(*)الأندلسيون المورسكيون في شبه الجزيرة الإيبيرية، حولوا قسرا إلى النصرانية، وعاشوا حياتهم بين الاعتناق الجبري للنصرانية وتمسكهم بالإسلام، فكانوا طيلة القرن السادس عشر نصارى في الظاهر مسلمين في الباطن.. وفتوى أبي جمعة الوهراني كتبت (سنة 1504م) بالعربية، وحُملت إلى الجزيرة الإيبيرية عبر بلنسية التي كان ميناؤها معبرا للقادمين من وإلى الأندلس. وقد أعاد كتابتها مدجن أراغوني في العشرية الثانية من القرن 16م وحملها إلى أراغون مع نصوص عربية أخرى. وحينما فُرض التنصير على مسلمي أراغون (سنة 1526م) وبدأ ضغط محاكم التفتيش عليهم، ترجم المورسكيون هذه الفتوى إلى اللغة الإسبانية بالحروف العربية “الألخميادو” (سنة 1563م)، وهي النسخة المحفوظة بمدريد. وفي(سنة 1609م) وقبيل الطرد النهائي من الأندلس، ترجم المورسكيون الأراغونيون هذه الفتوى مرة أخرى إلى الألخميادو، وهي النسخة المحفوظة اليوم بفرنسا. وعثر المؤرخون حتى الآن على ثلاث نسخ لهذه الفتوى المهمة للمورسكيين. (نص الفتوى وردت في كتاب “دولة الإسلام في الأندلس” لمحمد عبد الله عنان، ص 342-344، الجزء السابع).
(**) قام بتحقيقه والتعليق عليه: أحمد جلولي البدوي ورابح بونار، وصدر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع بالجزائر-رقم النشر:406/75- ويُعد الكتاب مُتمِّماً لكتاب ابن سُحنون “آداب المعلمين”وكتاب القابسي “الرسالة المفصلة” وشارحاً لكثير من مسائلهما، مع زيادات مهمة لكثير من المسائل والأبواب، ونقولات كثيرة عن أئمة المذهب المالكي.. وتتجلى أهمية الكتاب كما ذكر المؤلف – رحمه الله – في مطلعه أنّه ألّفه حول أحكام المعلمين والمتعلمين وآبائهم، وبين فيه الحقوق والواجبات التي تتصل بهم، ودراسة أساليب التعليم وطرقه، وخاصة في إعطائه صورة حية عن واقع تاريخي للتعليم الابتدائي بتلمسان والمغرب عامة، كما فصّل فيه أحكام “الحذقة” وغيرها، وهذا ما جعل الطابع الفقهي يغلب على هذا الكتاب.

الترجمة: تذكر جل المصادر التي ترجمت لأبي عبد الله المغراوي الوهراني الشهير بشقرون أن الرسالة المسماة بـ”الجيش والكمين لقتال من كفر عوام المسلمين” صحيحة النسبة إليه، وقد ألفها استجابة لاستغاثة بعض العوام به، لحل معضلة كلامية عظيمة في الحكم على (إيمان العوام).

والمغراوي هذا هو أبو عبد الله محمد شقرون بن محمد بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني الفاسي، محدث ومقرئ كما ذكر ذلك صاحب معجم المؤلفين[1].

ووالده هو العالم المقرئ الأديب، الشيخ أبو العباس أحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني (ت 920 هـ/1514م)، كان أحد أعلام وقته ومن أهل الفتوى، وهو صاحب الفتوى الشهيرة إلى الموريسكيين  حين بعثوا إليه بعد سطوة النصارى عليهم يستفتونه، والتي مطلعها: «الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما، إخواننا القابضين على دينهم، كالقابض على الجمر، ممن أجزل الله ثوابهم فيما لقوا في ذاته، وصبروا النفوس والأولاد في مرضاته.. نسأل الله أن يلطف بنا وأن يعيننا وإياكم على مراعاة حقه بحسن إيمان وصدق، وأن يجعل لنا ولكم من الأمور فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً..يصل إلى الغرباء إن شاء الله تعالى غرة رجب 910 هجرية، (18-11-1504م)»(*).

وهو كذلك مؤلف “جامع جوامع الاختصار والبيان فيما يعرض للمعلمين وآباء الصبيان” في تربية الأولاد وتعليمهم، وهو أول أساتذة ابنه المترجم له، حيث حفظ على يديه القرآن الكريم، وتعلم القراءات، وحفظ المتون، واللغة والبيان (**)، قبل أن ينتقل إلى فاس حاضرة العلم والقراءة، وقد اختلط على كثير من المترجمين لهذا العلم فنسب بعضهم لمترجمنا مؤلفات والده المذكورة قبل بسبب الخلط بين اسمه(محمد) واسم أبيه (أحمد). 

ونسبة “المغراوي” إلى مغراوة وهي قبيلة من زناته، إحدى القبائل الكبار من برابرة المغرب، ومنه يفهم نسبته إلى وهران المدينة المعروفة، فإنها تقع في مجالات مغراوة. 

ونسبة “الفاسي” إلى فاس لأنه توفي بها، ويغلب على الظن أن شقرون ولد بوهران وانتقل منها إلى فاس حيث استقر إلى أن وافته المنية، ويبدو أن انتقاله إليها كان مع أبيه. 

واختار آل شقرون مدينة فاس مكان هجرتهم دون سائر حواضر المغرب الإسلامي كتلمسان، لأن فاس على خلاف تلك المدن كانت تعرف استقراراً نسبياً، أما تلمسان فكان يتجاذبها في ذلك الوقت النصارى والعثمانيون، لذلك كان كثير من أهلها ومن أهل وهران يهاجرون إلى فاس.

وتذكر التراجم من شيوخه بعد حلوله بفاس قصد طلب العلم كلا من: 

– أبي عبد الله محمد بن غازي العثماني؛ أشهر مشاهير وقته في فاس حاضرة العلم بالمغرب الإسلامي آنئذ، قال فيه ابن القاضي: «الفقيه المشارك المتفنن ذو التآليف الحسنة والأحوال المستحسنة»[2]، أخذ عن أعلام منهم أبو زيد الكاواني، وأبو العباس المزدغي والإمام القوري وأبو العباس الحباك وأبو عبد الله السراج وابن مرزوق الكفيف، وعنه أحمد الدقون وعلي بن هارون، وعبد الواحد الونشريسي، وعبد الرحمن القصري الفاسي، والشيخ شقرون الفاسي وله تآليف منها: “المسائل الحسان المرفوعة إلى خبر فاس والجزائر وتلمسان” و”شفاء الغليل في حل مقفل خليل” توفي رحمه الله عام (919هـ)[3] .

يقول صاحب “البستان”: «سيدي شقرون بن محمد بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي: الأستاذ المتكلم المقرئ الحافظ الضابط أبو عبد الله محمد، أخذ عن الفقيه الإمام أبي عبد الله محمد بن غازي ورثاه بقصيدة..»[4]. 

– وأحمد بن محمد بن يوسف الصنهاجي الشهير بالدقون قال فيه ابن القاضي: «الخطيب الأستاذ المحدث الراوية»[5].

– آثاره: برع شقرون الوهراني في القراءات وعلم الكلام وله شعر، وألف في هذه العلوم مصنفات جلها موجودة في خزانات المخطوطات، وهي:

1ـ تقريب النافع في الطرق العشر لنافع؛ وهو عبارة عن نظم في القراءات بيّن فيه طرق نافع العشر.

2 ـ تقييد على مورد الظمآن؛ وهو عبارة عن فوائد قيّدها مما تلقّاه عن شيوخه بفاس، من تقاريرهم على مورد الظمآن.

3 ـ الجيش الكمين لقتال من كفر عامة المسلمين؛ وهو كتاب لطيف كتبه في الجواب عن سؤال في تقليد العوام في العقائد هل يصح ذلك منهم أم لا؟

4 ـ قصيدة طويلة في رثاء ابن غازي؛ وهي قصيدة وصفت بالمشهورة والعظيمة والطويلة، قالها في رثاء شيخه ابن غازي وممن نسبها إليه أحمد بابا، وابن القاضي[6].

وذكر عبد الحي الكتاني أن له سنداً يتصل بمرويات شقرون، قال في “فهرس الفهارس”: «له جزء لطيف جمع فيه مروياته.. نتصل به من طريق المقري عن عمه أبي عثمان سعيد عنه»[7] ، وذكر هذا الفهرست أيضاً محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني فقال: «وله رحمه الله جزء لطيف جمع فيه مروياته»[8].

– وفاته: توفي شقرون الوهراني عام (929 هـ)، جزم بهذا التاريخ ابن مريم، وابن مخلوف، وعبد الحي الكتاني[9]، وجاء في موسوعة أعلام المغرب قول المؤلف: «وفي حدودها توفي محمد شقرون بن أبي جمعة المغراوي»[10]؛ أي في حدود (929).

أما ابن القاضي، ومحمد بن جعفر الكتاني فقالا: توفي قرب الثلاثين. 

ومكان وفاته مدينة فاس ذكره عبد الحي الكتاني [11].

– آراء العلماء فيه:

إذا نظرنا إلى الألقاب التي أثنى بها العلماء على شقرون الوهراني، بدا لنا أنه كان جليل القدر، ذا قدم راسخ في فنون العلم عقليها ونقليها، مرجوعاً إليه في المسائل المشكلات. ويظهر من تتبع الألقاب التي أطلقها عليه المترجمون، ومن تقصي ما ترك من آثار أنه برز في علم القراءات وعلم الكلام ونظم الشعر؛

فنجدهم يصفونه بالمقرئ الحافظ الضابط المتكلم. 

قال فيه التنبكتي: «الأستاذ المتكلم المقرئ الحافظ الضابط»[12] 

وقال فيه ابن محمد مخلوف: «الأستاذ المتكلم القدوة المقرئ العالم العمدة»[13] 

وقال فيه محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني: «الشيخ الفقيه العالم العلامة الأستاذ المقرئ المتكلم الحافظ المطلع المحقق المشارك»[14]

وهي شهادات تدل على ضلوعه في علم الكلام الأشعري؛ وهذا ما يؤكده كتابه “الجيش الكمين لقتال من كفر عامة المسلمين”، كما سيظهر من خلال ما سأورده من نصوص هذا الكتاب.

– الرسالة المسماة بـ”الجيش والكمين لقتال من كفر عوام المسلمين”:

تعد هذه الرسالة أهم مؤلف لمترجمنا أبي عبد الله شقرون المغراوي، وقد جاء في مقدمة المؤلف عن الباعث لتأليفه قوله: «فقد سألني جماعة من إخواني المسلمين وجماعة كثيرة من عوام المسلمين على مسألة إيمان المقلد في العقائد ومن لا يعرف الدلائل والبراهين وينزه الله ورسوله وينطق بالشهادتين لا زائد، هل إيمانه صحيح أم هو كافر وإيمانه فاسد؟»[15]، وهي المسألة التي شهدها المغرب عبر تاريخه الفكري والعقدي، وعرفت نقاشا مستفيضا في قضية (إيمان أو تكفير العوام) أو(مسألة التقليد في العقائد) سواء عند الفقهاء المالكية أو علماء الكلام الأشاعرة، وقد انطبع هذا النقاش في مجموعة من المؤلفات منها ما جاء منفردا ومستقلا، ومنها ما جاء مضمنا في مباحث أو فصول، نتجت عنه بالتالي آراء متفاوتة، واتُّخذت في شأنه أحكام مختلفة.. 

وفي ذلك يقول المؤلف مستنيرا بما ذهب إليه علماء المذهب الأشعري وغيرهم في القول في مسألة تكفير العوام وإيمان المقلد: «مسألة إيمان المقلد في العقائد مشهورة الخلاف عند كل سوقة من الطلبة وقائل، فمن الأقوال المنصوصة في ذلك: (أن المقلد مؤمن غير عاص وإن كان تقليده عاريا عن الدليل)، وقد رجح هذا القول القاضي أبو الوليد ابن رشد، وزاد (أن النظر والاستدلال مستحب لا واجب)، ومال إليه حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، والشيخ الولي العارف سيدي أبي محمد عبد الله بن أبي جمرة، والإمام القشيري، ونقله المقترح، وعز الدين بن عبد السلام، وسيف الدين الآمدي.. واحتجوا له بحجج كثيرة مذكورة في كتب متقدمي أئمتنا ومتأخريهم.. »[16].

ولهذا ألف مترجمنا شقرون هذه الرسالة قاصدا بها كما قال هو بنفسه الجواب على سؤال المستفتين حول هذه المسائل: «ونص سؤالهم أرشدهم الله:  جوابكم فيمن يعرف الله ورسوله ويفرق بينهما ويعلم أن الله قديم باق، وأنه يحيي ويميت ويغني ويفقر ولا يعرف في ذلك دليلا ولا برهانا، هل إيمانه صحيح وليس هو كافر أم لا؟ وهل تصح إمامته وشهادته أم لا؟ وهل يطلب من عوام المسلمين الذين لا قابلية فيهم معرفة الدليل والبرهان وهم غير قادرين عليه ولا على التعبير عنه، أم لا يطلب منهم ذلك ويكتفى منهم باليسير في ذلك؟ بأن بعض الطلبة كفر عامة المسلمين بعدم معرفتهم لذلك وأراد استباحة أموالهم وفساد أنكحتهم وغير ذلك مما ينشأ عن التكفير بزعمه هل يصح قوله أم لا؟ جوابكم والسلام. وطلبوا مني وفقهم الله صريح الجواب وإظهار الصواب وبيان المسألة لأولي الألباب.. (فـ)بادرت إلى إسعافهم في الجواب عن هذا السؤال، موضحا له إن شاء الله بأحسن مقال بنقل نصوص الأئمة من محالها لدفع هذه الشبهة وزوالها، متبرئا من القوة والحول ومستعينا بذي العزة والطول وسميت هذا الجواب بالجيش والكمين لقتال من كفر عامة المسلمين..»[17].

وهكذا بيّن لنا المغراوي قصده من هذا التأليف للرد على المفتي الذي أحدث فتنة بين الناس جرَّت عليهم مشقة وتكلفا، كما قال: «فكيف يصح بعد تقرير هذا كله لمن لم يبلغ معشار عشر الأئمة المتقدمين المذكورين أن يتجاسر على المسارعة إلى التصريح بالتكفير في حق عباد الله المسلمين»[18].

وختم الكتاب بالقول: «هذا آخر ما قصدت جمعه وأردت وضعه في الجواب عن السؤال المذكور بحسب الاستطاعة والنقل المشهور، وإلا فالمسألة ذات كلام طويل، وبحث وتفصيل وتوجيه وتعليل، وفيما ذكرنا لمن قنع كفاية إذ لا يبلغ أمثالي في المسائل الغاية..»[19].

فكان قصده أولا وآخرا بيان ما أخطأ فيه هذا الفقيه المفتي الذي أحدث هذه الفتنة بمنهج حجاجي إفحاما للخصم وتبيانا للمستجير الطالب لرأي الشرع والدين في محل هذا الخلاف الذي ارتبطت فيه المسائل العقدية بالنازلة الفقهية.

 

إعداد الباحث: منتصر الخطيب

 

الهوامش:

[1] مصادر ترجمته: نيل الابتهاج للتنبكتي (مكتبة الثقافة الدينية):1/214- توشيح الديباج للقرافي (مكتبة الثقافة الدينية):89- البستان لابن مريم(مكتبة الثقافة الدينية):164- درة الحجال لابن القاضي ضمن موسوعة أعلام المغرب: 2-845- شجرة النور لمخلوف(مكتبة الثقافة الدينية): 2/143- فهرس الفهارس للكتاني: 2/394- معجم المؤلفين لكحالة: 4/303- معجم أعلام الجزائر لنويهض:79

[2] درة الحجال لابن القاضي: 2-845

[3] انظر: درة الحجال لابن القاضي: 2-845 وشجرة النور لمخلوف(مكتبة الثقافة الدينية): 2/143 ونيل الابتهاج للتنبكتي (مكتبة الثقافة الدينية):1/214

[4] البستان لابن مريم(مكتبة الثقافة الدينية):164

[5] درة الحجال لابن القاضي: 2/845

[6] نيل الابتهاج للتنبكتي:1/214 و درة الحجال لابن القاضي: 2/845

[7] فهرس الفهارس: 2/394

[8] سلوة الأنفاس: 3/280

[9] البستان لابن مريم:164 وشجرة النور لمخلوف: 2/143 و فهرس الفهارس 2/394

[10] درة الحجال لابن القاضي ضمن موسوعة أعلام المغرب: 2/845

[11] فهرس الفهارس 2/394 وسلوة الأنفاس 3/280

[12] نيل الابتهاج للتنبكتي:1/214

[13] شجرة النور لمخلوف:2/143

[14] سلوة الأنفاس: 3/280

[15] كتاب”الجيش والكمين لقتال من كفر عوام المسلمين” لأبي عبد الله بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني الشهير بشقرون(ت.927هـ)، تم التحقيق والمراجعة بقسم التحقيق بدار الصحابة للتراث بطنطا – الطبعة الأولى/1412-1992)، هذا بالإضافة إلى طبعة ثانية محققة من طرف هارون بن عبد الرحمن آل باشا الجزائري الصادرة عن دار ابن حزم-الطبعة الأولى/2004، ومنها صححت بعض ما جاء في النص من أخطاء، والمعتمد هنا طبعة دار ابن حزم-ص: 17-18.

[16] نفسه- ص: 26-27

[17] نفسه- ص: 26-27

[18] نفسه- ص: 35

[19] نفسه- ص: 44

(*)الأندلسيون المورسكيون في شبه الجزيرة الإيبيرية، حولوا قسرا إلى النصرانية، وعاشوا حياتهم بين الاعتناق الجبري للنصرانية وتمسكهم بالإسلام، فكانوا طيلة القرن السادس عشر نصارى في الظاهر مسلمين في الباطن.. وفتوى أبي جمعة الوهراني كتبت (سنة 1504م) بالعربية، وحُملت إلى الجزيرة الإيبيرية عبر بلنسية التي كان ميناؤها معبرا للقادمين من وإلى الأندلس. وقد أعاد كتابتها مدجن أراغوني في العشرية الثانية من القرن 16م وحملها إلى أراغون مع نصوص عربية أخرى. وحينما فُرض التنصير على مسلمي أراغون (سنة 1526م) وبدأ ضغط محاكم التفتيش عليهم، ترجم المورسكيون هذه الفتوى إلى اللغة الإسبانية بالحروف العربية “الألخميادو” (سنة 1563م)، وهي النسخة المحفوظة بمدريد. وفي(سنة 1609م) وقبيل الطرد النهائي من الأندلس، ترجم المورسكيون الأراغونيون هذه الفتوى مرة أخرى إلى الألخميادو، وهي النسخة المحفوظة اليوم بفرنسا. وعثر المؤرخون حتى الآن على ثلاث نسخ لهذه الفتوى المهمة للمورسكيين. (نص الفتوى وردت في كتاب “دولة الإسلام في الأندلس” لمحمد عبد الله عنان، ص 342-344، الجزء السابع).

(**) قام بتحقيقه والتعليق عليه: أحمد جلولي البدوي ورابح بونار، وصدر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع بالجزائر-رقم النشر:406/75- ويُعد الكتاب مُتمِّماً لكتاب ابن سُحنون “آداب المعلمين”وكتاب القابسي “الرسالة المفصلة” وشارحاً لكثير من مسائلهما، مع زيادات مهمة لكثير من المسائل والأبواب، ونقولات كثيرة عن أئمة المذهب المالكي.. وتتجلى أهمية الكتاب كما ذكر المؤلف – رحمه الله – في مطلعه أنّه ألّفه حول أحكام المعلمين والمتعلمين وآبائهم، وبين فيه الحقوق والواجبات التي تتصل بهم، ودراسة أساليب التعليم وطرقه، وخاصة في إعطائه صورة حية عن واقع تاريخي للتعليم الابتدائي بتلمسان والمغرب عامة، كما فصّل فيه أحكام “الحذقة” وغيرها، وهذا ما جعل الطابع الفقهي يغلب على هذا الكتاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق