وحدة المملكة المغربية علم وعمرانفهارس

أبو العلاء إدريس العراقي

 

 

د. جمال بامي
مدير وحدة العلم والعمران

استمرارا في التعريف بالفهارس المغربية ومؤلفيها، وعلاقة ذلك بالحركة العلمية والفكرية والعمرانية نتعرف في هذا المقال على علم من أعلام المغرب الكبار خلال العصر العلوي، يتعلق الأمر بالحافظ الكبير أبي العلاء إدريس العراقي الفاسي..

قال ابن الطيب القادري في “الدر السني فيمن بفاس من أهل النسب الحسني“(1 2 3 4 5 6) عن العراقيين الواردين إلى محروسة فاس: “وهم من مشاهير الشرفاء، وجماهير الفضلاء، ممن لحظهم الخاص والعام، بالإجلال والإعظام، ممن عدهم من المشاهير الذين لا يرتاب في شرفهم اثنان، الشيخ الإمام المحقق الراوية النسابة، شيخ الإسلام، وقدوة الأنام، أبو عبد الله سيدي محمد بن قاسم القصار رحمه الله، وناهيك به، وذكرهم الشيخ العلامة المتقن أبو عبد الله محمد العربي الفاسي رحمه الله، وقفت على نسبه مقيدا بخطه.. “.

قال إدريس العراقي عن نفسه في أول كتابه فتح البصير “كان -يقصد والده- يذكر لي أن ولادتي كانت سنة عشرين ومائة وألف تقريبا.. وقال في مقدمة فتح البصير، فدخلت المكتب لقراءة القرآن فقرأته وختمته مرارا، ثم خرجت بعد أن قرأت هناك مقدمة ابن آجروم، وبعض ألفية ابن مالك ونظم ابن عاشر من الفقه، وجعلت أسمع الكتب على الشيوخ[1].

ولما شرع في الانتقال بالعلم، وذلك في سنة 1134هـ، أولع صاحبنا العراقي بعلم الحديث النبوي، وطلب كتبه فوقف على كثير منها ومن أجمعها كتاب جلال الدين السيوطي: جمع الجوامع..

يقول إدريس العراقي  في فهرسته: “وإن مما أحسن الله إلي، وأجزل نعمه المتوالية علي، أن ألهمني قراءة هذا الفن الشريف، وألزمني العكوف على هذا العلم المنيف، فوقفت على كثير من كتبه، ولازمت البحث عمن بقي ممن تعلق بسببه، فحصلت ما يشفي الغليل، ويزيد في شكر الملك الجليل، تصانيف غزيرة، وتآليف خطيرة، وقد سطرتها صدر كتابي المسمى بـ: الدرر اللوامع”.

درس إدريس العراقي على ثلة من أشياخ وأساتذة فاس منهم: أبو الحسن علي الحريشي، والكبير السرغيني، وأحمد بن سليمان الأندلسي، وأحمد بن مبارك اللمطي السجلماسي، ومحمد بن زكري، ومحمد بن عبد السلام بناني، ومحمد بن قاسم جسوس، وقد أطنب العراقي في فهرسته في  ذكر هؤلاء الفضلاء وذكر مقروآتهم وإجازاتهم..

وقد وصف لنا ابن الطيب القادري بعضا من جوانب التحصيل في حياة إدريس العراقي بقوله: “وكان مقبلا على مطالعة كتب السير وعلوم الحديث واصطلاحهم، واستغرق في ذلك مدة من عمره، فحصل من ذلك ما اشتمل عليه الصحيحان وكل الكتب الستة، وطالع شراحهم، مثل شرح ابن حجر على البخاري، والأبي والنووي، وباقي التقاييد والتعليقات التي على الكتب الستة، وعلى بعض غيرها من كتب التخريج، (..) فحصل له من ذلك فوائد كثيرة لم تحصل لغيره، وانتهى إليه السؤال عن ذلك، فكان يستحضر ما يسأل عنه ويجيب عنه عقب فراغ السائل من غير تأمل ولا مطالعة كتب اصطلاح ذلك، كان ذلك عن حديث أو عن مرتبة أو عن أحوال الرجال أو عن رتبهم، فكان هو المشار إليه في ذلك.

وكان العراقي لا يخالط الطلبة إلا بمقدار ما يستفيد أو ما يستفاد منه على قدر ما يرتضي الكلام فيه، وإن اختلفوا معه في شيء اقتصر على رأيه لا يبالي بمن يخالقه على أي حال كان، وكان مقبلا على شأنه مجتنبا لما يخل بمروءته، له سمت حسن وهيبة ووقار، قويا في دينه ملازما لأوقاته قائما بها[2].

عين إدريس العراقي إماما بمسجد السمارين من فاس القرويين، وولي الوراقة يسرد كتب الحديث والوعظ بمسجد الأندلس زمانا، ثم انتقل منه لمسجد القرويين، فكان يسرد بكرسي محرابه صباحا ومساء، وبكرسي حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني قبل صلاة العصر، وبعدها بكرسي الترغيب والترهيب للمنذري.. وكان أولا قد انتصب لتلقي الشهادة بسماط عدول الأندلس، ثم انقطع عن ذلك، وتركه تركا كليا. (بدر العمراني الطنجي، مقدمة تحقيق فهرسة إدريس العراقي).

انتفع بالعراقي أقوام كثيرون من أهل فاس وغيرها وجلهم ظهر عليه أثر الخير والعلم والصلاح منهم: ابن عمه العلامة النحوي علي بن زين العابدين المدعو زيانا، وولداه أبو زيد عبد الرحمن، وأبو محمد عبد الله، والشيخ أبو عبد الله محمد بن الولي الشهير أبي العباس أحمد بن محمد الصقلي الحسيني، لازمه كثيرا وكان صاحبنا العراقي يحبه وصاهره بابنته، والعلامة محمد بن الصادق الريسوني، والعلامة المؤقت عبد العزيز الوزجاني، والعلامة الفقيه محمد بن أحمد الحضيكي السوسي، والعلامة الفقيه محمد بن عبد السلام الناصري..

نستفيد من الفاضل بدر العمراني الطنجي محقق فهرسة إدريس العراقي أن تآليف الحافظ إدريس العراقي كثيرة منها: شرح الشمائل للترمذي، وشرح إحياء الميت في فضائل آل البيت، صرح به في فهرسته، وشرح الثلث الأخير من مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية في الجمع بين الصحيحين للفقيه اللغوي رضي الدين حسن بن محمد الصغاني، تـ 605هـ: شرحه بأمر مولوي من السلطان محمد بن عبد الله، وشاركه فيه كل من  العلامة أبو عبد الله محمد التاودي بن سودة حيث شرح الثلث الأول، والقاضي عبد القادر بن العربي بو خريص حيث شرح الثلث الثاني لكن صاحبنا العراقي لم يكمل ثلثه، فأكمله من بعده ولده أبو زيد عبد الرحمن..

وله كشف  اللبس عن بيان أحاديث إحياء الليالي الخمس (محفوظ بالخزانة الملكية بالرباط تحت رقم: 10990): يقصد ليلتي العيدين، وليلة التروية، وليلة عرفة، وليلة النصف من شعبان، أجاب فيها بأن الأحاديث الواردة بذلك ضعيفة بل شديدة الضعف واهية، واختصار اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي، (منه نسخة بخزانة علال الفاسي رقم: 654ع)، وجزء من الكلام على حديث: من جمع صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر، وهو حديث؛ والإيضاح والتبيين فيما فات الحافظ ابن حجر من الأعلام في تأليفه في المدلسين، وهو عبارة عن ورقة واحدة.

أما فهرسة شيوخه، فهي المسماة: فتح البصير، في التعريف بالرجال المخرج لهم في الجامع الكبير (محفوظ ضمن مجموع بالخزانة العامة بالرباط، تحت رقم: (1399)، وهو مبثور من وسطه وآخره، لم يتم كما صرح بذلك الوليد العراقي في الدر النفيس..

قال الوليد العراقي في ذيل الدر النفيس: وكان معتنيا بتصحيح ما دخل بيده من كتب العلم ومقابلتها، وجلها مملوءة بطرر له كثيرة، مشتملة على فوائد غزيرة، من علم الحديث، ولو استخرجت من محالها وجعلت في أجزاء مستقلة لاجتمع من ذلك حواشي كثيرة مفيدة..

واشتهر إدريس العراقي بأجوبته الحديثية مثل رسالة تضمنت مجموعة من الأجوبة في بيان مراتب بعض الأحاديث  وهي: حديثا الابتداء بالبسملة والحمدلةكل أمر ذي بال.. “، وحديث “الذبيح هو إسماعيل“، وحديث رؤية النبي محمد صلى الله عليه وسلم للمولى جل جلاله.

وله تأليف في حكم الأحاديث الموضوعة الواردة في كتب التفسير، وقد أورده الوليد العراقي ضمن ترجمة أبي العلاء من ذيله على الدر النفيس فيمن بفاس من بني محمد بن نفيس. وقد صحح سؤاله، وأكد استنكاره علماء عصره، منهم: العلامة التاودي بن سودة، وأبو حفص عمر الفاسي، وعبد القادر بوخريص، وله تكميل المباني، وتوضيح المعاني، لما أغفله شارح مشارق الأنوار للصغاني.

وله رسالة طريفة في الفصل في نزاع وقع بين طلبة عصره حول: هل يقال: رضي الله تعالى عن سادتنا أصحاب رسل الله بالجمع أو رسول الله بالإفراد، قال الوليد العراقي: “فصحح أنه بالجمع وأنه يدعى للأنبياء ومن تبعهم بإحسان، وألف في ذلك تأليفا أشبع فيه من الأحاديث النبوية، وكلام الأئمة المقتدى بهم من السلف والخلف، ولما وقف عليه قاضي وقته الفقيه عبد القادر بن العربي بوخريص، وقد مكث قاضيا بفاس أكثر من ثلاثين سنة، استحسنه وكتب عليه ما هذا لفظه: الحمد لله تأمل وطالع العبد الفقير لرحمة ربه الغني، الواضع اسمه عقبه، ما كتبه الحافظ الحجة أعلاه وبما حوله من نصوص الأئمة والأحاديث النبوية، فوجد ذلك مشتملا على عقيدة أئمتنا السلف الصالح أماتنا الله تعالى عليها: قاله وكتبه عبد القادر بن العربي بوخريص كان الله له[3].

 وله مؤلف سماه رفع الالتباس عما ورد في القيام للناس، وقد أفادنا محقق فهرسة إدريس العراقي بدر العمراني الطنجي أن من هذا المؤلف نسخة تامة بخط الفقيه محمد بن أبي بكر التطواني السلوي لدي صورة عنها، ومنه قطعة محفوظة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم: 1388ك.

وله أيضا اختصار الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي، صرح به في فهرسته. وله تخريج كتاب الرقائق للحضرمي، صرح به في فهرسته. وقد ذكره الدكتور محمد الأخضر في الحركة الأدبية، 297، ووصفه بأنه حاشية، لكن بدر العمراني الطنجي ذكر أن هناك فرق بين الحاشية والتخريج، فالحاشية تشمل على تخريج الأحاديث وشرح غريبها وتبين مشكلها، بينما التخريج يقتصر على عزو الأحاديث وبيان مراتبها فقط.

شرع إدريس العراقي في تأليف الدرر اللوامع في الكلام على أحاديث جمع الجوامع للسيوطي، لكنه لم يتمه، ومنه نسخة بالخزانة الحسنية 12647.

وله استدراك على الجامع الكبير للسيوطي، ذكره الطالب ابن الحاج في الإشراف (2/141). قال الوليد العراقي في ذيل الدر النفيسوقد استدرك علي السيوطي أحاديث كثيرة، بقيت عليه لم يذكرها في جامعه الكبير، وقد نبه في هوامش نسخته من هذا الكتاب..

وذكر بدر العمراني الطنجي في مقدمة تحقيق فهرسة إدريس العراقي أن منه نسخة بخطه. قسم منها بالخزانة الملكية بالرباط، والقسم الآخر بخزانة القرويين بفاس.

ولصاحبنا العراقي موارد أهل السداد والوفاء في تكميل مناهل الصفا، ذكره محمد بن جعفر الكتاني في الرسالة المستطرفة، واستفاد منه عبد الحفيظ الفاسي في كتابه استنزال السكينة الرحمانية بالتحديث الأربعين البلدانية الذي اعتنى به نفس محقق فهرسة إدريس العراقي.  

يقول بدر العمراني الطنجي في مقدمة تحقيق فهرسة العراقي: “والكتاب عبارة عن طرر بهامش نسخة ملوكية من كتاب الشفا للقاضي عياض، اطلعت عليها بخزانة القرويين بفاس، ومنها نسخة مفردة بمؤسسة الملك عبد العزيز بالدار البيضاء (1/531) لكن مبتورة..

وللعراقي تخريج أحاديث الشهاب للقضاعي.. وقد قام بهذا العمل على هامش شرح أبي مدين الفاسي، وجزء منه كان في ملك الكتبي محمد أحنانا الغماري ثم التطواني، فباعه للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، يفيدنا بدر العمراني الطنجي أن الشيخ العلامة محمد بوخبزة أخبره بذلك. وقد ذكر الدكتور حمزة الكتاني في هامش سلوة الأنفاس بأن أبا العلاء العراقي جمع تلك التخريجات في جزء مفرد مع مزيد من التوسع..

وله تآليف في نسبه الشريف ذكر فيه حرفة كل واحد من آبائه وبلده، ومن كان فيهم من أهل العلم والصلاح، وكذا قال الوليد العراقي في ذيل الدر النفيس، وذكره أيضا ابن سودة في دليل مؤرخ المغرب51 نقلا عن الوليد العراقي، ثم قال: “لعله غير فهرسته الآتية في قسم الفهارس. قال بدر العمراني الطنجي: هما تأليفان مختلفان متغايران جزما حتما؛ لأن الفهرسة لم يتعرض فيها لسلسلة نسبه وأحوال ومراتب رجالها وأعلامها حسب ما ذكره الوليد العراقي في وصفه للتأليف المذكور والله أعلم، ولا تخفى أهمية مثل هذا المؤلف في الدراسات المهتمة بالتاريخ الاجتماعي والاقتصادي والعمراني، فالحديث عن الحرف والمجال والمسالك والعمائر حديث شيق، ويربطنا بالأرض حتى لا نحلق في “السماء” على عادة كثير من كتاب هذا الزمان والأمر لله..  

وللعراقي شرح مائة حديث من الجامع الصغير: قال المرتضى الزبيدي: شرع في شرح الجامع الصغير فوصل على مائة حديث، وتكلم على كل حديث على طريقة الحفاظ، ولم يكمل، وقد ذكره محمد عبد الحي الكتاني في فهرس الفهارس 2/821.

وعرف إدريس العراقي أيضا مراجعاته العلمية  للحفاظ؛ قال مرتضى الزبيدي: “وتكلم مع الحافظ ابن حجر في أربعة عشر موضعا، ومع الحاكم في المستدرك، كما في فهرس الفهارس للكتاني“. وله حاشية على التفسير الثعلبي: “قال مرتضى الزبيدي: كتب على التفسير الثعلبي من أوله إلى آخره مناقشات عجيبة، ذكره الكتاني في فهرس الفهارس..

وأما “شرح ربع مجمع البحرين[4] للصاغاني: فقد ذكره الحافظ  مرتضى الزبيدي في معجمه قائلا: “وشرح ربع مجمع البحرين الذي للصغاني ونصيبه الذي أمره به السلطان في الغاية”[5]، ونقله عنه الشيخ عبد الحي الكتاني في فهرس الفهارس، ثم تعقبه بقوله في الهامش، شرح المترجم مشارق الأنوار لا مجمع البحرين. يعلق بدر العمراني الطنجي على ذلك بقوله: والكتاني حجة في هذا على الزبيدي، وهذا لا يعني أننا نضرب صفحا عن كل ما ذكره الزبيدي عن العراقي، بل نعرضه على المحك فما وافقه عليه المغاربة وسلموه فهو مقبول، وما انفرد به مع المخالفة فهو مردود؛  لأن المغربي أعلم برجال بلده وأحوالهم من المشرقي، خصوصا وأن الزبيدي لم يجالسه ولم يلتق به، ومعرفته به لا تتعدى الأخبار الواردة عليه، والدليل على ذلك ما قاله الزبيدي في معجمه: “أرسلت إليه الاستدعاء في سنة 1182 صحبة الركب الشريف، وعاد إلي الخبر من حامل الاستدعاء ثاني عام أن المترجم قد أجاز لفظا ولم يمكنه أن يكتب خطه لأعذار شغله”[6].

قال بدر العمراني الطنجي: “ومما يؤكد الوهم والخلط في هذا الكتاب تصريحه بأن الشرح تم بأمر من السلطان، في حين أن الذي شرح بأمر مولوي هو مشارق الأنوار كما تقدم..

بعد هذا السيل من المؤلفات والمراجعات والتدقيقات لم يبق هناك شك بأن صاحبنا العراقي من الأرقام الكبرى في تاريخ فاس العلمي، وتاريخ المغرب بشكل عام، ولا شك أنه ساهم بحظ وافر في تنشيط الحركة العلمية بالقرويين وملحقاتها عبر المجال الفاسي المبارك، وهو بذلك كان من منوري حياة الناس، ومن الذين يبثون روح العلم والاجتهاد والمثابرة وشغل الوقت بالتعاطي للعلم، ولطالما صرحت بأنه “أينما كان العلم فتم شرع الله.. “. لنرى الآن بعض آراء معاصريه فيه: فقد وصفه ابن الطيب القادري بالحافظ المحدث، وخاطبه السلطان محمد بن عبد الله العلوي في ظهير[7] له بـ: الفقيه المحدث النبيل، وحلاه الحافظ مرتضى الزبيدي شارح القاموس بـ: حافظ العصر، ثم قال عنه: اعتني بالعلم الحديث حفظا وضبطا، رواية ودراية حتى مهر فيه، ودرس للطالبين وأفاد، وانتفع به كثيرون، وأقرأ الكتب الغريبة مع تحقيق وإتقان ومراعاة للفن، فلم يكن في وقته من يدانيه في هذا الفن حتى أشير عليه بالحفظ[8].

قال الشيخ الطالب بن الحاج في كتابه الإشراف: العلامة خاتمة حفاظ الحديث بالديار المغربية، أبو العلاء إدريس.. فاق أهل عصره في الصناعة الحديثية، حفظا ورواية وضبطا وإتقانا، إلى القدم الراسخ في معرفة طرق التعديل والتجريح[9].

ووصفه بالحافظ أيضا العلامة محمد بن جعفر الكتاني في كتابه الأقاويل المفصلة في بيان حديث الابتداء بالبسملة، ووصفه الشيخ عبد الحي الكتاني في رسالته الرحمة المرسلة بالشيخ الإمام محدث المغرب، وفي فهرس الفهارس بـ: فخر فاس بل المغرب، وأشاد به الفقيه المؤرخ العباس بن إبراهيم فقال: الشيخ الإمام، الفقيه العلامة المحدث الرواية الهمام، حامل لواء الحديث في زمانه، وسيد سلطان المحدثين في وقته في الآثار النبوية، ورئيسهم وأعلمهم بالصنعة الحديثية، قل نظيره في وقته، بل عدم أو كاد في الحديث والرواية والإسناد والضبط والتخريج والأسانيد وما يتبع ذلك عند ذوي الألباب[10].

وحلاه الشيخ أحمد بن الصديق الغماري في الائتناس في تراجم فضلاء فاس بـ: المحدث الحافظ خاتمة المحدثين بالمغرب في زمانه حفظا واطلاعا ورواية، وبحيث لم يأت في المغرب بعد ابن القطان مثله في علم الحديث اقر له بالتقدم فيه أهل عصره وأكابر شيوخه، وكانوا يسألونه عنه ويرجعون إليه في مسائله وهو بين يديهم في دروسهم[11]. وقال أيضا في التنويه به: كان سيدي إدريس العراقي المتأخر على اطلاع واسع، ومعرفة كبيرة بالحديث، إلا أن علمه ضاع بضياع مؤلفاته، وهو من شيوخ[12]، سيدي أحمد مبارك صاحب “الإبريز” وتوفي فيما أظن سنة 1178هـ[13].

ويعلق الفضل بدر العمراني الطنجي بقول جميل: “لكن مؤلفاته لم تضع وإنما قل الاعتناء بها لطغيان الفقه والفقهاء بالمغرب، فأدى ذلك إلى طمسها، والاكتفاء بها محبوسة في الرفوف والخزائن“.  

وقال سيدي محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي في الفكر السامي مشيدا برسوخه وتبحره: الحافظ أحد أركان الدين المتبحرين، وأعلم أهل وقته بصنعة الحديث..

وحلاه الشيخ الأستاذ المؤرخ عبد السلام ابن سودة في إتحاف المطالع بقوله: “الحافظ الحجة الإمام، المحدث المشارك الشهير، آخر من خدم علم الحديث على طريقة حفاظه[14]،. وقال عنه الشيخ محمد مخلوف في شجرة النور الزكية (1/512) بـ: الفقيه الإمام، العمدة الهمام، المحدث الورع، المتفنن الطلع..

توفي الفقيه أبو العلاء إدريس العراقي في شعبان عام أربعة وثمانين ومائة وألف، ودفن بروضة باب النقبة من عدوة فاس القرويين وقبره الآن عن يمين محراب الزاوية الصقلية التي بالسبع لويات تحت الخزانتين الصغيرتين هناك، قبالة ضريح الشيخ أبي العباس أحمد الصقلي كما في فهرس الفهارس للعلامة الكتاني..

وقيل: سنة 1183هـ، حكاها عبد الحي الكتاني في فهرس الفهارس، وعبد السلام بن سودة في دليل مؤرخ المغرب الأقصى ، وإتحاف المطالع، ومخلوف في شجرة النور الزكية.

يقول بدر العمراني الطنجي “ولعل الصواب مع ابن الطيب القادري؛ لأنه معاصر له، وقد اعتنى بوفيات أهل عصره وخصوصا المغاربة، وعلى الأخص أهل فاس، وقد تابعه على ذلك ابن عم المترجم العلامة المؤرخ الوليد بن العربي العراقي في ذيل الدر النفيس، ومحمد الطالب بن الحاج السلمي في الإشراف[15]، وكفى بهؤلاء في تحقيق هذا الأمر والله أعلم.

رحم الله سيدي أبي الوليد العراقي وجازاه عن فاس والمغرب خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه..

 

——————————–

1. فهرسة الحافظ أبي العلاء إدريس العراقي الفاسي، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2009.

2. عبد الوهاب بن منصور، موسوعة أعلام المغرب، 6/2248.

3. وقد أورد هذا الخبر محمد بن جعفر الكتاني في السلوة، 1/150.

 4. قال حاجي خليفة في كشف الظنون 2/1099 معرفا بالكتاب: مجمع البحرين في اللغة في اثني عشر مجلدا للإمام حسن بن محمد الصغاني المتوفى سنة خمسين وستمائة، أوله: الحمد لله حمد الشاكرين الخ، ذكر فيه أنه جمع بين: كتاب تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، وبين كتاب التكملة والذيل والصلة من تأليفه، فرد ما ذكره على أولا ما سوده وعلامته: من، وأردف ما ذكره بالتكملة وعلامته: تـ، ثم أردفها بحاشيته التكملة وعلامتها: ح، وسماه: كتاب مجمع البحرين.

5. معجم مشايخ أبي الفيض محمد الحسيني الملقب بمرتضى الزبيدي، لوحة 25 بـ.

6. معجم الزبيدي لـ 25/ بـ، ونقله الكتاني في فهرس الفهارس 2/823.

7. أورده العباس بن إبراهيم في كتابه: الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام 3/16.

8. معجم الزبيدي لـ 25/ بـ، ونقله الكتاني في فهرس الهارس 2/818.

9. الإشراف على بعض من بفاس من مشاهير الأشراف 2/141.

10. الإعلام 3/12.

11. الائتناس لـ 114 نقلا عن تزيين الألفاظ 93.

12. بل هو من تلامذته كما سترى في الفهرسة.

13. در الغمام الرقيق 180.

14. موسوعة أعلام المغرب 8/2395.

15. الإشراف 2/141.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق