مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

أبو العباس السبتي ومذهبه في الإحسان

من أشهر تلامذته

    – أبو يعقوب يوسف بن الحسن الأنصاري المعروف بابن الحكيم (ت606هـ)، قيل إنه كان كثير التأسف والتلهف على شيخه حتى مات بحبه[1].

    – أبو بكر بن مساعد بن محمد اللمطي، لازم أبا العباس مدة طويلة، وقد لقيه ابن الزيات وأخذ عنه كثيرا من أخبار السبتي وكراماته[2].

صفاتـه

    حدثنا الزموري بتفصيل عن صفاته الخلقية  (بفتح الخاء) في خبر اتصاله بأبي يعقوب بن أمغار: “… جميل الصورة، بديع الجمال، أبيض اللون…)[3].

وتطنب المصادر في الحديث عن صفاته الخلقية (بضم الخاء) أهمها:

    بسطة اللسان والقدرة على المجادلة والكلام، لا يناظره أحد إلا غلبه. وكان سريع الجواب، كان القرآن ومواقع الحجج على طرف لسانه…

    يأتيه من يأتيه للإنكار عليه، فما ينصرف إلا وقد سلم له وانقاد لقوله. وهي صفة يحتاج إليها صاحب مذهب كأبي العباس.

مذهبه

   يرتفع سند أبي العباس في الطريقة إلى الأقطاب الثلاثة: الغزالي، وأبي يعزى، والجيلاني، وذلك حسب الأسانيد التالية:

  1. عن أبي عبد الله الفخار شيخه بسبتة، عن القاضي عياض، عن أبي بكر بن العربي.
  2. عن أبي عبد الله الفخار، عن القاضي عياض، عن أبي بكر بن العربي، عن أبي يعزى[4].
  3. السند الثالث: عن أبي عبد الله الفخار، عن القاضي عياض، عن أبي علي الصدفي، عن عبد القادر الجيلاني[5].

    ومع أخذه عن هؤلاء الشيوخ يبقى مذهبه القائم على الصدقة متميزا: فأبو يعزى وأن اشتهر بتوزيع تسعة أعشار من زرعه والاكتفاء بالعشر[6]. فإن الأمر لم يصبح عنده مذهبا ينظر له، وينذر حياته لتطبيقه.

    وترجع الروايات جذور هذا المذهب إلى طفولة أبي العباس عندما سأل شيخه الفخار عن معنى قوله تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾، واكتملت معالمه أثناء خلوته الطويلة في جبل جليز حيث كان كثير التدبر في القرآن الكريم والعبادات، وهكذا فإنه يرد أصول الشرع إلى الصدقة:

– فالتكبير للصلاة معناه التخلي عن كل شيء، وعدم الضن على الله بشيء، والركوع معناه المشاطرة.

– والمعنى الحقيقي للصوم الشعور بالجوع للتصدق والعطاء.

– والزكاة فرضت كل سنة لتعويد الناس على البذل والعطاء في كافة أيام السنة.

– والحج معناه التجرد من كل شيء، والبذل لله وإظهار العبودية.

– وسر الجهاد بذل النفس في مرضاة الله، وترك التعلق بأسباب الدنيا[7].

    ولاحظ أن كثيرا من الآيات والأحاديث[8] تحض على الصدقة وتدعو إليها، ومن أكثرها ورودا على لسانه وقلبه – كما قال- والتي يفسر بها مذهبه، هي قوله تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾:

    – فالعدل عنده المشاطرة، وقد علم الرسول المسلمين مفهومها عندما آخى بين المهاجرين والأنصار، وشاطر الأنصار المهاجرين. فعقد السبتي مع الله ألا يأتيه شيء إلا شاطره إخوانه المؤمنين من الفقراء، فسار على ذلك عشرين سنة، يتصدق بنصف ما يملك (من سنة أربعين إلى ستين وخمسمائة).

    – بعد ذلك عاد للتدبر في الآية. فوجد أن العدل هو الشطر، وأن الإحسان ما زاد عليه، إذن فالإحسان هو المشاطرة والإيثار، أي إعطاء النصف، مع إيثار المحتاج ومساعدته من النصف الثاني.

    فعقد مع الله عقدا آخر يمسك بمقتضاه الثلث، ويتصدق بالثلثين، فعمل بذلك مدة عشرين سنة أخرى، (من ستين إلى ثمانين وخمسمائة).

    وقد أدرك أبو العباس مكانة بسبب ذلك، وإليها أشار أبو بكر بن العربي عندما قال في الفتوحات المكية: “دخلت مراكش، فوجدت أبا العباس السبتي يولي ويعزل، ويخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، فتمنيت هذا المقام”[9].

    ولم يقف أبو العباس عند هذا القدر، فأراد تجاوز مقام الإحسان بشكر النعمة، فقسم ما يأتيه إلى سبعة أقسام: قسم هو حق النفس، وقسم حق الزوجة والأولاد ومن تجب نفقته، (كان عددهم 32 شخصا)، ويصرف الباقي لمستحقيه فأقام على ذلك أربع عشرة سنة، فصار بمقتضاه مجاب الدعاء[10].

    وبلغت درجة الاستجابة حدا جعل القدماء يقولون لا يمكن لأي مخلوق أن يساوي عبادة الحسن البصري، وزهد داوود الطائي، ومعارف أبي مدين، وهمة أبي العباس السبتي، أي أنه كانت له همة عالية تنفعل لها الأشياء على مقتضى مراده بقدرة الله تعالى[11]، كما أخبر بذلك عن نفسه في مثل قوله: “احكم بالخاطر، وكل ما أردته كان”[12]، وفي حديث مروي عن أبي الحسن علي بن زكرياء أنه قال: “سمعت أبا العباس يقول: أنا هو القطب”[13].

    وقد سمع ابن رشد بمذهب أبي العباس فأرسل أبا القاسم عبد الرحمان بن إبراهيم الخزرجي من قرطبة ليأتيه بخبره، ولما أعلمه بما رآه وسمعه أثناء مقامه مع السبتي، قال ابن رشد: “هذا رجل مذهبه أن الوجود ينفعل بالجود”[14]، أي أن الصدقة تعاقد بين الخالق والمخلوق نتائجه مضمونة[15].

الهـوامـش

[1] التشوف، ص: 417. السعادة الأبدية، 1/ 118-119.

[2] الإعلام، 1/ 406.

[3] بهجة الناظرين للزموري، 119.

[4] تعطير الأنفاس، ص: 13. إظهار الكمال، ص ص: 157-173.

[5] تعطير الأنفاس، ص: 13. إظهار الكمال، ص ص: 157-173.

[6] إظهار الكمال، ص ص: 172-173.

[7] أخبار أبي العباس، ص: 2. تعطير الأنفاس، 12-13-18.

[8] منها: ﴿فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى﴾.

[9] الفتوحات المكية، 3/ 386.

[10] أخبار أبي العباس، 2-7-17. إظهار الكمال، ص: 125.

[11] تعطير الأنفاس، ص: 23.

[12] إظهار الكمال، ص: 166.

[13] تعطير الأنفاس، ص: 22.

[14] أخبار أبي العباس، ص: 2. تعطير الأنفاس، ص: 18.

[15] بحوث في التصوف المغربي، حسن جلاب، ص ص: 42 -45.

الصفحة السابقة 1 2
Science

د. طارق العلمي

  • أستاذ باحث في الرابطة المحمدية للعلماء، متخصص في المجال الصوفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق