مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

أبو العباس أحمد بن قاسم جسوس (1331ھ-1912م):

من أبرز كبار شيوخ الطريقة التجانية علما وعملا، علامة الزمان، الصوفي الكبير: (أبو العباس أحمد بن قاسم جسوس)، وهو واحد من أعلام التصوف الأفذاذ، اتصف بالأخلاق والشمائل الحميدة، وبالاعتقاد والسلوك الصادق، وبالتدين المتين،… وهو شاعر رقيق، إذا نظم أبدع، وإذا نثر حلّق وأقنع…

ولادته:  

ولد أحمد بن قاسم جسوس بالرباط في حدود سنة 1270ھ/1862-1863م، في أسرة ميسورة، نشط أبناءها في ميادين العلم والتجارة والخدمة العسكرية، وقد سهر أبوه- الذي كان يعمل أمينا في الجهاز المخزني- على تربيته وتكوينه تكوينا أصيلا، ارتكز بالأساس على الدراسات القرآنية والفقهية واللغوية والأدبية، وخلال المرحلة الأولى من تعلمه بمسقط رأسه رباط الفتح، تمكن مترجمنا من حفظ القرآن الكريم، وحفظ منظومات النحو وما شابهها من المتون التي كان يتسلح بها كل مقبل على الدراسة في عصره …[1]

شيوخه: 

 درس مترجمنا على شيوخ الرباط في وقته، بيّنهم في إجازته العامة للفقيه النبيه الأديب الشريف سيدي محمد المدني ابن الفقيه النزيه الزكي سيدي محمد الغازي ابن الحسني العلمي، قال فيها: “أما المشايخ الذين أخذنا عنهم وسمعنا منهم فهم كثيرون، منهم: الإمام الكبير والعارف الشهير سيدي محمد العربي ابن السايح الشرقي أخذنا عنه صحيح الإمام الأعظم أبي عبد الله البخاري- رضي الله عنه- برواية ابن سعادة، وهو عن سيدي عبد القادر الكوهن، وأسانيده كثيرة في فهرسته، ومنهم الإمام سيدي أحمد بن أحمد بناني حضرت عليه في جمع الجوامع، وفي شفا القاضي عياض، ومنهم العلامة سيدي الحاج محمد كنون حضرت عليه في مختصر خليل وغيره، ومنهم العلامة سيدي الحاج إبراهيم التادلي حضرت عليه في كثير من المتون والعلوم المتداولة وخصوصا في صحيح البخاري جميعه، وأجازني أيضا فيه وفي غيره، وأسانيده معلومة عن المشارقة والمغاربة، ومنهم العلامة سيدي الحاج محمد بن عبد الواحد ابن سودة حضرت عليه في الألفية الخلاصة، ومنهم العلامة سيدي محمد بن التهامي الوزاني حضرت عليه في مختصر خليل والتحفة ومختصر السنوسي في المنطق، ومنهم العلامة سيدي محمد بن قاسم القادري حضرت عليه في توحيد المرشد وفي مختصر خليل، ومنهم العلامة سيدي الحاج الطيب بن أبي بكر ابن كيران حضرت عليه في خليل والسلم والتصريح، ومنهم الفقيه الموثق العلامة سيدي عبد السلام بن حمو الوزاني حضرت عليه في فرائض خليل، ومنهم الفقيه العلامة القاضي سيدي أبو بكر بن العربي بناني حضرت عليه في الخلاصة ومختصر السعد، وغيرهم من علماء فاس والرباط وطنجة ومراكش ومصر وشنقيط، كما حصلت الإجازة في فهرسة الإمام الشهير المحدث الكبير سيدي صالح بن محمد العمري الشهير بالفلاني، فأجازني بها العلامة الصوفي سيدي محمد الحاج محمد ابن بابا الشنقيطي العلوي، وأجازني بها أيضا الحاج الأديب سيدي محمد الأمين بن سيدي أحمد…”.[2]

تصوفه وتلامذته:

كان المترجم في حقل التدريس يلقي دروسه بالزاوية التجانية، لأنه كان تجاني الطريقة، وله اعتقاد كبير في شيخها، وكذلك بالمسجد الأعظم بمسقط رأسه، وكان موضوع درسه: “شرح ألفية ابن مالك”، و”المختصر الخليلي بشرح الدردير”، و”شمائل الترمذي”، و”الأربعين النووية”، و”همزية البوصيري”، و”رسالة ابن أبي زيد القيرواني”، و”الموطأ”…، ويبدو من شهادة تلميذه المؤرخ بوجندار أن الفقيه جسوس كان بارعا في طريقة تبليغ معلوماته، موفقا فيها، حيث يقول في هذا الصدد: “… كان عذب الإلقاء، أنيق التعبير، حسن الإدراك والفهم…”.[3]

وقد كانت لمترجمنا همة سامية، فلم يقف عند هذا الحد القصير، بل نظر بعيدا وتوجه إلى مختلف المدن المغربية ومصر والحرمين الشريفين، واجتمع بالعلماء فأخذ وسمع واستجاز واستفاد، وكتب في ذلك كناشا خاصا أتى فيه على تراجم كل من أخذ عنه وسمع منه، وذلك من جملة كتاباته العلمية، وإنشاءاته النثرية، وله تعليق على “الموطأ” وتقييد سماه “الإغراء بمسائل الاستبراء”، وافتتح البخاري وختمه، ثم ختم الشمائل الموسوم “بزهر الخمائل من دوحة الشمائل”، ومناسك حررها عند إرادته الحج سنة 1304ھ.[4] وله أيضا نظم كثير، جمع بعضه في “ديوان صغير” وما تزال كتبه مخطوطة عند أسرته.[5]

شعره:

من نظمه- رحمه الله تعالى- على لسان سيدي محمد بن المدني الفاسي أصلا المراكشي دارا ووطنا ما يلي:[6]

نحن الكرام إذا ما حل ســاحتنا     ضيف أقمنا له الأفــراح في الحين

وليس يقنعنا شيء نــــقدمه     مع الأتاي سوى بيـــن الطواجين

أو الكباب به يجاء في القـضب      منظما ذا بذا من غيــــر تدخين

دع المخلل مغدورا لمن عـجزت     أضراسه فهو سلــوى كل محزون

أو الفراريج في عز يجاء بــها     مكتوفة الأيدي في طوس وفي صين

أو سفة سبك اللجين بــــها      فرخ الحمام دفينا فـــي دراصين

أو الشواء نضيجا وهو أطيـبها        والحمد لله في كــــل الأحايين

ومن شعره أيضا- رحمه الله-:[7]

لطيبة فاركب ناقة الشوق أو طرفا    وغض عن الأحباب كلهــم الطرفا

وخل الهوى واربأ بنفسك جاهـدا    فما بالوني نال الألى سبقــوا الألفا

أما تدعي الشوق المبرح بالـحشا    وإن قد سقيت الحب في حانه صرفا

وشب بأنحاء الضـــلوع لهيبه    وليته لا يخبـو وليته لا يطفــــا

إلى أن قال:

أليس بها الدين الحنيفي أشرقت     شموسه حتى قد أمنا لها كسفا

أليس بها خير الخلائق أحمــد    ثوى يقظا من غير نوم ولا إغفا

يرد سلام القوم من كل مسلــم    ويوسعهم نعمى ويوسعهم لطفا

ألا يا رسول الله يا ابــن أئمة     غطارفة يكفون من بهم استكفا

إلى آخر القصيدة، وله نبوية أخرى طائية يقول في مطلعها:[8]

خليلي هذا البين في الخد قد خطا    خطوط دموع تشبه الخد والشرطا

جفاني به نومي وعيل تصبـري    وساورني هم كما الحــية الرقطا

وهي قصيدة طويلة رائعة تجلت فيها شاعرية حرة نمت عن خيال خصب وفكر ريان.

هذا بالإضافة إلى ما كتبه من القضايا والمسائل وفرائد الفوائد أيام كان بطنجة وفاس، ومع اشتغاله بالتقييد كانت له دروس علمية بالجامع الأعظم بالرباط والزاوية التجانية يحضرها نخبة من الطلبة، يؤديها بتعابير أنيقة وألفاظ متناسقة، كما له مساجلات ومطارحات أدبية مع عدة شخصيات علمية كأبي حامد البطاوري، وأبي العباس البلغيثي، والأديب عبد القادر لبريس، وأبي العباس الزعيمي، وهي مجاريات حلوة ما تزال غرة لامعة في جبين الأدب العربي بالمغرب تذكرنا بأسواق الأدب الحي…[9]

وفاته:

هكذا كان الشيخ أحمد بن قاسم جسوس فقيها معلما، وأديبا شاعرا، بل فنانا، جامعا للكتب والمؤلفات، حتى تكونت لديه خزانة كانت تعد من أغنى الخزانات الخاصة في وقته، وقد وافاه الأجل وفاضت أنفاسه الزكية في ثالث عشر من ذي القعدة عام واحد وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بالزاوية الناصرية، وكان لالتحاقه بربه رنة أسف عميق رددت صداه أجواء الأسى والأنين.[10]

الفهارس:

[1]  معلمة المغرب، من إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 3024/9.

[2]  الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، عباس بن إبراهيم السملالي المراكشي، تحقيق: عبد الوهاب ابن منصور، المطبعة الملكية، الرباط، ط2، 1414ھ-1993م، 466-465/2، الترجمة رقم: 322.

[3]  معلمة المغرب، 3024/9.

[4]  من أعلام الفكر المعاصر، عبد الله الجراري، د.ط، 40/2.

[5]  الأعلام، الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط17، 2007م، 199/1.

[6]  الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، العباس بن إبراهيم السملالي المراكشي، 467/2.

[7]  المصدر السابق، 468/2.

[8]  من أعلام الفكر المعاصر، عبد الله الجراري ، 45/2.

[9]  المصدر السابق، 41/2.

[10]  نفسه، 41/2.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق