مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعيندراسات وأبحاث

أئمة يهدون بأمرنا

قال الحاكم الحسكاني: (وفيها ــ أي سورة السجدة ــ نزل أيضا قوله تعالى:

وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)

  • فرات بن إبراهيم الكوفي، قال: حدثني جعفر بن محمد الفزاري، قال: حدّثنا محمد بن الحسين الهاشمي، عن محمد بن حاتم، عن أبي حمزة الثُّمالي، عن أبي جعفر في قوله: (وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا)، قال: نزلت في ولد فاطمة عليها السلام.
  • فرات قال: حدّثني أحمد بن محمد بن طلحة الخُراساني، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضال، قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدّثنا يحيى بن أبان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر في قوله تعالى: (وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا)، قال: نزلت في ولد فاطمة خاصّة، وجعل الله منهم أئمة يهدون بأمره.
  • أخبرنا عقيل، قال: أخبرنا عليّ، قال: أخبرنا محمد بن عبدالله قال: حدّثنا ابن عبيدالله بن عبيد، أخبرنا أبو عمرو بن السّماك ببغداد، قال: حدّثنا عبدالله بن ثابت المقرئ، قال: حدّثني أبي، عن مقاتل، عن عطاء، عن ابن عباس في قول الله تعالى: (أفمن كان مؤمنا) قال: نزلت هذه الآية في علي عليه السلام يعني: الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط. وفي قوله: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا)، قال: جعل الله لبني إسرائيل بعد موت هارون وموسى، من ولد هارون سبعة من الأئمة، كذلك جعل من ولد عليّ سبعة من الأئمة، ثم اختار بعد السبعة من ولد هارون خمسة، فجعلهم تمام الاثنى عشر نقيبا، كما اختار بعد السبعة من ولد علي خمسة، فجعلهم تمام الاثني عشر)([1]).

الحسكاني أراد بهذه الآثار تدعيم نظرية الإمامة عند الشيعة استلهاما من آية قرآنية؛ وكي تُسلّم دليلا على ما يروم تثبيته، لا بد من عرضها على محك النقد الحديثي:

الأول: نقله الحسكاني من تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي الشيعي، وهذا الرجل معتمد عند الرافضة، وإن لم يُعْرف حاله، ولذلك يقول عنه المجلسي: (وتفسير فرات وإن لم يتعرّض الأصحاب لمؤلفه بمدح ولا قدح؛ لكن كون أخباره موافقا لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة وحسن الضبط في نقلها مما يعطى الوثوق بمؤلفه وحسن الظّن به)([2]).

وشيخ فرات، هو: جعفر بن محمد بن مالك الفَزَاري، قال عنه النّجاشي أحمد بن علي الأسدي(ت450هـ) في رجاله: (كان ضعيفا في الحديث. قال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث وضعا، ويروي عن المجاهيل. وسمعت من قال: كان أيضا فاسد المذهب والرواية. ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام، وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري رحمهما الله، وليس هذا موضع ذكره)([3]).

إذن هذا: موضوع.

الثاني: كذلك من تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي، فيه:

يحيى بن أبان، ذكره الخوئي في معجم رجال الحديث، وقال: (روى عن شهاب، وروى عنه أحمد بن عمر)([4]). إذن هذا مجهول لا يُعرف حاله.

وشيخه عمرو بن شِمْر، قال عنه النّجاشي: (ضعيف جدا، زيّد أحاديث في كتب جابر الجعفي، ينسب
بعضها إليه، والأمر مُلْتَبِس)([5]).

وجابر بن يزيد الجُعفي، قال عنه النجاشي: (روى عنه جماعة غُمز فيهم وضُعّفوا، منهم: عمرو بن شمر، ومفضّل بن صالح، ومُنَخّل بن جميل، ويوسف بن يعقوب. وكان في نفسه مختلطا، وكان شيخنا أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان رحمه الله ينشدنا أشعارا كثيرة في معناه تدلّ على الاختلاط)([6]).

إذن، هذا ضعيف جدا.

الثالث: هذا الإسناد ساقه الحسكاني من سياق سُنّي، ولعله من باب الإلزام وبيان الموافقة بين السُّنة والشيعة في إثبات الإمامة انطلاقا من هذه الآية، وبما أنه اعتمد على رواة يُحسبون على أهل السُّنة، فيلزم مدارسة السّند من المصادر الرجالية السُنّية.

ومن ثمّ، فهذا السّند فيه:

  • رجال لم أعرف أحوالهم رغم طول بحث وتنقيب، وهم: محمد بن عبدالله، وابن عبيدالله بن عبيد، وعبدالله بن ثابت المقرئ، وأبوه.
  • مقاتل بن سُليمان البلخي، وهو ضعيف، نصّ على ذلك النّقّاد، منهم:

(قال ابن المبارك: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة.

وقال وكيع: كان كذابا.

وقال البخاري: قال سفيان بن عيينة: سمعت مقاتلا يقول: إن لم يخرج الدجال في سنة خمسين ومائة فاعلموا أنى كذاب.

وقال العباس بن مصعب في تاريخ مرو: كان مقاتل لا يضبط الاسناد، وكان يقص في الجامع بمرو، فقدم جهم فجلس إلى مقاتل، فوقعت العصبية بينهما، فوضع كل واحد منهما على الآخر كتابا ينقض عليه.

وقال النسائي: كان مقاتل يكذب.

وقال البخاري: سكتوا عنه.

وروى عباس، عن يحيى، قال: ليس حديثه بشيء)([7]).

علاوة على أنّ السّند فيه اضطراب، فليقارن بالسند نفسه كما أورده الحسكاني عند تفسير سورة الجاثية، هكذا: (أخبرنا عقيل بن الحسين، أخبرنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن عبيد الله، قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق المعروف بابن السماك ببغداد، حدثنا عبد الله بن ثابت المقرئ قال: حدثنا أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، عن عطاء)([8]).

إذن هذا السند ضعيف جدا.

وليس مثل هذه الآثار نعتمد في إثبات نظرية الإمامة من القرآن الكريم.

  والله الموفق لإيضاح الحق.

—————————————————————-

([1]) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 1/584-585.

([2]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 4/299.

([3]) الرجال للنجاشي 122.

([4]) معجم رجال الحديث 21/19. رقم: 13455.

([5]) الرجال للنجاشي 287.

([6]) الرجال للنجاشي 128.

([7]) ميزان الاعتدال 4/172-173.

([8]) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 2/238. رقم: 872.

الوسوم

الدكتور بدر العمراني

• رئيس مركز عقبة بن نافع للدراسات والبحوث في الصحابة الكرام بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق