مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

مسائل ابن خميس – عرض وتقديم –

مقدمة:

عُني علماؤُنا بالعربيّة، واهتمُّوا ببيان مسائلها المستعصيَة، وجابُوا من أجلها الفَيافيَ والقِفار، وألَّفُوا في ذلك بدائع الرسائل ونفائس الأسفار. وكانتْ من المسائل التي شغلت بال أهل العلم، وشدَّ لها المئزر أهل الدرايةِ والفهم، وحرصوا على توضيح مجملها، وشرحها وتفصيل مشكلها «مسائلُ ابن خميس»؛ وهي أسئلة عشرةٌ في فنّ التصريف، متعلقة بالفعل المضارع المعتلّ الآخر، ألقاها طلبةٌ من أهل سبتة على الشيخ أبي عبد الله بن خميسٍ التلمساني المتوفى سنة 708هـ ـ رحمه الله ـ.

وفي هذه السطور سنكشف القناع عن مسائل الشيخ ابن خميس، وعمَّن عنُوا بها وبشرحها، لينتفع بها الشادي، وينهل من معينها الحاضر والبادي، والله المستعَان، وعليه التُّكلان.

ترجمة ابن خميس:

 هو أبو عبد الله محمّد بن عمر بن محمّد بن محمّد بن عمر بن محمّد الحَجْريّ، الرعيني، نسبةً إلى حَجْرِ ذي رُعَيْن، المعروف بابن خميس. ولد سنة 650هـ، وتوفي سنة 708هـ، كان من أهل تلمسان، ومن العلماء الفضلاء، ومن البارعين في العربية.

قال عنه ابنُ الخطيب –رحمه الله -:” كانَ -رحمه الله تعالى – نسيجَ وحدهِ زهداً وانقباضاً وأَدَباً وهمّةً، حَسَنَ الشَّيبةِ، جميلَ الهيئةِ، سَليمَ الصَّدْر، قليلَ التَّصَنُّع، بَعيداً عن الرِّيَاء والهوادةِ، عَاملاً على السِّياحة والعُزلةِ، عارفاً بالمعارف القديمة، مُضطلعاً بتفاريق النِّحَل، قائماً على صناعةِ العربيّة والأصْلَين، طبقةَ الوقت في الشِّعر، وفحلَ الأوان في النَّظْمِ المطوَّل، أقدرَ النَّاس عَلى اجتلابِ الغَريبِ، ومزجِ الجزالة والسلاسَةِ ووضعِ الألفاظِ البيانيّة مواضعَها، شديدَ الانتقاءِ وَالإرجاءِ، خامدَ نَار الرَّويةِ، مُنافسًا فِي الطَّريقةِ مُنافسةً كَبيرةً”(1).

وكان من الشعراء النابهين والبلغاء النابغين، وكتب بـ«تلمسان» عن ملوكها من بني زيان، ثم بعد مدةٍ شد الرحال إلى غرناطة، وألقى عصا الترحال بحضرة الوزير ابن الحكيم(2)  الذي هشَّ وبشَّ للقائه، وَأقعده للإقراء بجواره، كما مدحه ونظم فيه “القصائد التي حليت بها لبَّاتُ الآفاق وتنفسَّت عنها صدور الرفاق”(3)، وقد قتلا يوم الفطر سنة 708هـ.(4)

   اهتمام العلماء بمسائل ابن خميس:

لقيت مسائل ابن خميس شهرة ورواجاً، وأولاها العلماء عناية واهتماماً، إما شرحاً وإمَّا نظماً، ومنهم:

1- الإمام أبو إسحاق الشاطبي – رحمه الله – [ت:790هـ] في شرحه لألفية ابن مالك الموسوم بـ:«المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية (1/217)»، وفي كتابهِ «الإفادات والإنشادات (ص:121)»، وقد أجاب عنها وشرحها في هذا الأخير، كما ذكر المسائل نقلاً عنه العلامةُ أبو العباس أحمد بن محمد المقري – رحمه الله – [ت:1041هـ] في كتابَيْه: «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (5/355)» و«أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض (2/297)».

2- العلامة أبو العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي – رحمه الله –[ت:1175هـ]، وقد أجاب عنها وشرحها في رسالةٍ.

3- العلامة محمد بن التهامي الوزاني- رحمه الله –[ت:1311هـ]، وقد شرحها في رسالة سمّاها: «التقرير النفيس في المسائل التي سئل عنها ابن خميس».

وقد طَبعَ هاتين الرسالتين مركزُ ابن أبي الربيع السبتي التابعُ للرابطة المحمدية للعلماء في كتاب اسمه:«ثلاثُ رسائل في علم الصرف»، بتحقيق: الأستاذ محمد صغيري السجلماسي(5).

4- الأديب المفلق أبو العباس أحمد بن محمد بن الونان الملوكي التواتي الفاسي – رحمه الله –[ت:1187هـ] الشهير بابن الونَّان صاحب «الشَّمَقْمَقِيَّةِ»، فقد نظَمَ المسائل واستهلَّ المنظومةَ بذكر ما جرى بين ابن خميس وبين طلبة أهل سبتة.

مناسبة مسائل ابن خميس ونصها:

قال الشاطبي في إفاداته: «حدثنا الأستاذ الكبير الشهير أبو عبد الله بن الفخار شيخنا رحمه الله قال: حدثني بسبتة بعض المذاكرين أن ابن خميس لما ورد عليها بقصد الإقراء بها اجتمع إليه عيون طلبتها، فألقوا عليه مسائل من غوامض الاشتغال، فحاد عن الجواب بأن قال لهم: أنتم عندي كرجل واحد، يعني: أن ما ألقوا عليه من المسائل إنما تلقوها من رجل واحد، وهو ابن أبي الربيع(6) فكأنه إنما يخاطب رجلاً واحداً ازدراء بهم، فاستقبله أصغر القوم سنًّا وعلما فقال له: إن كنت بالمكان الذي تزعم فأجبني عن هذه المسائل من باب معرفة علامات الإعراب التي أذكرها لك، فإن أجبت فيها بالصواب لم تحظ بذلك في نفوسنا لصغرها بالنظر إلى تعاطيلها من الإدراك والتحصيل، وإن أخطأت فيها لم نسكنك هذا البلد، وهي عشرة:

الأولى: أنتم يا زيدون تغزون.

والثانية: أنتن يا هندات تغزون.

والثالثة: أنتم يا زيدون ويا هندات تغزون.

والرابعة: أنتن يا هندات تخشَيْنَ.

والخامسة: أنتِ يا هند تَخْشين.

السادسة: أنت يا هند ترمين.

السابعة: أنتن يا هندات ترمين.

الثامنة: أنتن يا هندات تمحين أو تمحون كيف تقول؟

التاسعة: أنتِ يا هند تمحين أو تمحون، كيف تقول؟

العاشرة: أنتما تمحوان أو تمحيان، كيف تقول؟

 فهل هذه الأفعال كلها مبنية أو معربة أو بعضها مبني وبعضها معرب؟ وهل هي كلها على وزن واحد أو على أوزان مختلفة؟ علينا السؤال وعليك التمييز. هلم الجواب؟

 فبهت الشيخ، وشغل المجلس بأن قال إنما يُسأَل عن هذا صغار الولدان! فقال له الفتى: فأنت دونهم إن لم تجب. فانزعج الشيخ، وقال هذا سوء أدب، ونهض منصرفاً ولم يصبح إلا بمالقة متوجهاً إلى هذه الحضرة – حرسها الله – ولم يزل بها مع الوزير ابن الحكيم إلى أن مات جميعهم رحمة الله عليهم»(7).

والحق أن ابن خميس –رحمه الله -، وهو من هُو علماً وبعد نظر، لم يكن يجهل هذه المسائل، ولم يَؤُدْهُ فكُّهَا وحلُّها، ورحم الله العلّامة الوزّانيّ حين قال في خاتمة شرحه:«التقرير النفيس (ص:72)»: «وبهذا التقرير النفيس تتبين المسائل التي سُئل عنها العالم الرئيس أبو عبد الله بنُ خميس، وهي من البديهيات، وإنما مُلقيها استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم. وظن أنها من عويصات المسائل عند المسؤول، كما هي كذلك عند السائل، مع أنها لا يتوقف فيها من شم رائحة القواعد من المبتدئين.

ولو أنصفوا لاقتبسوا من مشكاة أنواره فوائد جمة لا تخطر لهم ببال، ولكن هذه عادة الله في أن من أراد حرمانه سلبه الإنصاف وحسن الأدب، فحُرموا فوائدَ الفقيه ابن خميس، حين سلكوا معه قلة الأدب، المفضي إلى كل عطب».

جواب أبي العباس الهلالي(8):

نُورد هُنا تكميلا للفائدة وتتميما للعائدة شرحَ مسائل ابن خميس، لأبي العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي، ونصُّه: «

أما الأولى وهي: «أنتم يا زيدون تغْزُونَ» فالفعل فيها معرب، والنون علامة رفعه، والواو فاعله، ولام الفعل محذوفة، ووزنه الآن: «تفْعُونَ» وأصله: «تغْزُوُونَ» بواوين، الأولى وهي لام الفعل مضمومة.

والثانية وهي الفاعل ساكنة، حذفت الضمة استثقالا، فالتقا واوان ساكنان، فحذفت الأولى لالتقاء الساكنين، وخصت بالحذف لأنها جزء كلمة، وسلمت الثانية لأنها كلمة، وحذْفُ جُزْءِ كلمة أسْهل من حذْفِ كلمة، فصار الفعل كما ترى.

وأما الثانية وهي: «أنتُنَّ يا هندات تغْزُونَ» فالفعل فيها مبني لاتصاله بنون الإناث، والنون فاعل، والواو لامه، ولا حذف فيه، ووزنه: «تفْعَلْنَ» بوزن «تقْعَدْن».

وأما الثالثة وهي: «أنتم يا زيدون ويا هندات تغْزُونَ» فهي كالأولى في جميع ما ذكر، لوجود تغليب المذكر على المؤنث كما في التسهيل، ولو كان المذكر واحدا والمؤنث ألفا، سواء تقدم المذكر في الذكر أو تأخر، فوزنه «تفْعُونَ» محذوف اللام، ووزنه الأصلي: «تفْعُلُونَ» ثابتتها بوزن «تقْعُدُونَ».

وأما الرابعة وهي: «أنتُنَّ يا هندات تَخْشَيْنَ» فالفعل فيها مبني، والنون فاعله، والياء لامه، ولا حذف فيه، ووزنه: «تفْعَلْنَ» بوزن «تفْهَمْنَ».

وأما الخامسة وهي: «أنتِ يا هندُ تَخْشَيْنَ» فالفعل فيها معرب، والنون علامة رفعه، والياء فاعله، ولا مه محذوفة، ووزنه: «تفْعَيْن» بفتح العين، وأصله: «تَخْشَيِـينَ» بوزن «تفْهَمِين» فانقلبت الياء الأولى ألفا لتحركها إثر فتحة ، فالتقى ساكنان: الألف المبدلة لام الكلمة، والياء التي هي الفاعل، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فبقي ما ترى.

وأما السادسة  وهي: «أنتُنَّ يا هندات ترْمِينَ» فالفعل فيها مبني، والنون فاعله، والياء لامه، ولا حذف فيه، ووزنه «تفْعَلْنَ».

وأما السابعة وهي: «أنتِ يا هند ترْمِينَ» فالفعل فيها معرب، والنون علامة رفعه، والياء فاعله، ولامه ياء محذوفة، ووزنه «تفْعِينَ».

وأما الثامنة وهي: «أنتُنَّ يا هندات تَمْحُونَ أو تَمْحِينَ»؛

فاعلم أولا أنه يقال: «مَحاه يَمْحُوه» كـ«دعاه يدعوه» و«مَحَاه يَمْحِيه» كـ«رماه يرميه» و«مَحَاه يَمْحاه» كـ«رعاه يرعاه».

فمن جعله من باب «دعا» يقول: «أنتُنَّ  يا هندات تَمْحُونَ» كـ«تغْزُونَ « في هيئته وجميع أحكامه المتقدمة في المسألة الثانية.

ومن جعله من باب «رمى» يقول: «تَمْحِينَ» بكسر الحاء، والفعل كالفعل في السابعة في جميع أحكامه.

ومن جعله من باب «رعى» يقول: «أنتُنَّ يا هندات تَمْحَيْنَ » بفتح الحاء، وهي كالرابعة  في جميع ما ذكر فيها.

وأما التاسعة وهي: «أنتِ يا هند تَمْحِينَ أو تَمْحَيْنَ».

فمن جعله من باب «دعا» يقول: «أنتِ يا هند تَمْحِينَ» بكسر الحاء، والفعل معرب، والنون علامة رفعه، والياء فاعله، ولامه واو محذوفة، ووزنه «تفْعِينَ» وأصله «تَمْحُوِينَ» بوزن «تغْدُوِينَ» فحذفت كسرة الواو للاستثقال، ثم حذفت الواو للاتقاء الساكنين، وكسرت الحاء لمجانسة الياء.

ومن جعله من باب «رمى» فيقول: «أنت يا هند تَمْحِينَ» بكسر الحاء أيضا، وهو كالفعل في السابعة في جميع أحكامه.

ومن جعله من باب «رعى»  فيقول: «أنتِ يا هند تَمْحَيْنَ» بفتح الحاء، وهو كالخامسة بلا فرق.

وأما العاشرة  فمن جعله من باب «دعا»  يقول: «تَمْحُوان»  بضم الحاء.

ومن جعله من باب «رمى» يقول: «تَمْحِيانِ» بكسر الحاء.

ومن جعله من باب «رعى» يقول: «تَمْحَيانِ»  بفتح الحاء.

والأفعال الثلاثة في العاشرة معربة، والنون علامة رفعها، والألف فاعلها، والياء والواو قبل الألف لامها، ولا حذف.

ووزن الأولى كـ«تقْعُدَان» والثاني كـ«تَجْلِسَان» والثالث كـ«تفْهَمَان».

وقد ظهر من هذا جواب قوله : هل هذه الأفعال كلها مبنية…إلخ ؟.

وجوابه أن بعضها  وهو ما كانت النون فيه للإناث فهو مبني،  وما كان مسندا لضمير جمع الذكورة أو الواحدة أو الاثنين  فهو معرب.

وظهر جواب قوله: وهل هي كلها على وزن واحد… إلخ ؟.

وجوابه أن أوزانها مختلفة؛ فما رفع الجمع [أي واو الجماعة] أو ياءً [أي ياء المخاطبة] فهو محذوف اللام ، وما رفع نون الإناث، أو ألف الاثنين  فهو ثابتها.

وظهر أن السائل قصر في العاشرة لاقتصاره على احتمالين، وهما احتمالات كما رأيت.

***

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وسلم

الهوامش:

(1)  أصل الكلام في عائد الصلة لابن الخطيب، وورد أيضا في كتابه: الإحاطة (2/377)، وفي: نفح الطيب (5/359-360)

(2)  هو: ذو الوزارتين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى اللخمي الرندي، توفي يوم الفطر بغرناطة قتيلا سنة 708هـ، [انظر ترجمته في: نفح الطيب (5/498)، والدرر الكامنة (5/244)

(3)  نفح الطيب (5/359)

(4)  الإحاطة (2/377)، والدرر الكامنة (5/371)، ونفح الطيب (5/359)، وبغية الوعاة (1/201)، ثلاث رسائل في علم الصرف (ص:31 وما بعده)

(5) والرسالة الثالثة الصرفية التي يحتويها الكتاب هي: «شرح نظم أبي العباس الهلالي في حكم آخر الفعل المعتل اللام»، للعلامة أحمد بن المعطي الشرقي القادري التادلي (ت:1204هـ).

(6) ابن أبي الربيع الإشبيلي السبتي (ت:688هـ).

(7) الإفادات والإنشادات (ص:121)

(8) هذا الجواب منشور ضمن: ثلاث رسائل في علم الصرف(ص:51)»، بتحقيق: الأستاذ محمد صغيري السجلماسي.

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق