مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةتراث

قصيدة في مدح خير البرية عليه الصلاة والسلام لسيدي محمد بن الطيب الشريف العلمي رحمه الله(تـ: 1134هـ)

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

وعلى آله وصحابته أجمعين.

وبعد؛

فمنذ بزوغ الإسلام أقبل الأدباء والشعراء على مدح خير البرية عليه الصلاة والسلام بأبهى الأوصاف، وأحسن العبارات، وأجمل الأساليب، وأرقى الصور، فنظموا قصائد في غاية من الروعة والجمال، وهي كثيرة جدا،  فقلما تجد عالما أو أديبا أو شاعرا إلا وساهم  في مدحه صلى الله عليه وسلم، ومن بينهم العلامة الأديب الشاعر محمد  بن الطيب العلمي ناظم هذه القصيدة الجميلة الرائعة في مدح النبي عليه السلام، الذي برع فيها أدبيا وفنيا.

ولأهميتها أردت ضبطها والتعريف بها وبصاحبها باختصار، فأقول وبالله التوفيق والسداد:

أولا: التعريف بالناظم[1]:

هو أبو عبد الله محمد بن الطيب العلمي الوزاني العالم اللوذعي الماهر الفقيه الألمعي الأديب الشاعر، أخذ عن والده، والشيخ أحمد المسناوي، وابنه محمد، ومحمد بن عبد القادر الفاسي، والعربي بردلة، وابن رحال، وابن زكري وجماعة.له مؤلفات منها: “الأنيس المطرب فيمن لقيه مؤلفه من أدباء المغرب” و “رسالة في معرفة النغمات الثمان”، و”القصائد المعشرة في التشوق إلى البقاع المطهرة” . وكانت وفاته  بالقاهرة سنة (1134هـ).

 ثانيا: التعريف بالقصيدة:

هي قصيد ة في مدح النبي صلى الله وسلم للأديب الشاعر، والفقية الجليل، والعالم الكبير محمد بن الطيب  الشريف العلمي، عبارتها واضحة سهلة المبنى والمعنى، استهلها رحمه الله بالتحية  إلى خير البشرية والصلاة عليه، ثم بدأ يشكو نفسه إلى خالقها  من سوء خداعها والتلاعب به.

وأن ارتكابها للفواحش لا يفيدها فيه القرب من رسول الله صلى الله عليه من جهة النسب، وإنما القرب المعتبر النافع الذي يكون من جهة الدين والعمل.

كما نادى ربه يطلب منه المغفرة والتوبة على ما ارتكبه من سوء الأدب والأخلاق، والكذب والخداع والفواحش، وتأخيره للصلاة بلا سبب، مما جعل نفسه تخسر في تجارتها ببيعها يوم الذهاب بالذهب أي: بيع الآخرة بالدنيا.

ثم عدد فضل محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- على البشرية أنه من ترجى شفاعته يوم المنقلب، وأنه من جاءنا بالكتاب المعجز الناسخ لسائر الكتب.

ثم عدد ما لاقاه سيد البرية صلى الله عليه وسلم من إيذاء من القوم المبعوث فيهم، حيث ساوموه بالسحر والكذب، فلاطفهم وصبر عليهم، حتى دخلت أفواجا إلى دينه، وآمنت بما جاء به، فآووه واتبعوه وانتصروا له، ورقَّوه إلى أرفع الرتب.

وقد وظف محمد بن الطيب العلمي مجموعة من الأساليب البلاغية في قصيدته كأسلوب التشبيه في قوله:

“خـسرت نفـسي في تجارتها فبعث يوم الذهاب بالذهب”

شبه الخسارة في الدين بالخسارة في التجارة.

وأيضا عند قوله:

“وأسلمت للإله طائفة فكان فيهم كالبدر في الشهب”

شبه النبي صلى الله عليه وسلم بين مَن آمن به مِن قومه بالبدر في الشهب.

وأسلوب الاقتباس عند قوله:

“لو ينفع النسب القريب لما سمعتِ ثبت يدا أبي لهب”

وأسلوب النداء في قوله:

“يا رب أشكوك ما علمت  به من الخلاف وسيء الأدب”

وأيضا في قوله:

“ويا رسول الإله مسألة أصبحت من أجلها أخا كرب”

*واعتمدت في ضبطها،  على نسخة بالمكتبة الوطنية، وهي ضمن مجموع من الورقة 64ب إلى 65أ تحت رقم: 774د . 

والقصيدة ثابتة النسبة لناظمها محمد بن الطيب الشريف العلمي؛ إذ جاء في أول النسخة المعتمدة ما نصه:”ولسيدي محمد بن الطيب الشريف العلمي رحمه الله “

نص القصيدة:

تحيةُ الله والصلاةُ على خير البريّة راكبَ النُّجب[2]
أشْكو إلى الله سامع الطلَب نفسًا تُخَادعني وتلعب بي
يا نفسِ قُومِي بما خُلقتِ له خُلِقتِ للجدِّ ليس لِلَعِب
لا تحسِبي إن أتَيْتِ فاحِشةً أن تَفتدِي بقرَابَة لنَبِيٍّ
فالقُرب للأنبياء مُعْتَبر بالدين لا بقرَابة النَّسبِ
لو ينفع النسبُ القريبَ لما سمعت تبت يدا أبي لهب
يا رب أشكوكَ ما علمت به من الخِلاف وسَيِّء الأدَب
ومن أحاديث قد وشيتُ[3] بها طرَّرْتها بالِخداع والكذِب
ومن فواحش جئتُها فرَحًا بين الغصُون وآلة الطربِ
ومن صلاةٍ أضَعتها زمننًا أخَّرتها عامِدا بلا سبب
وطاعةٍ جئتها على كسَلٍ لا قيتهَا بالنُّكُور والغضب
ومن قبائحَ ما لها عدَدٌ أصَبت فيها الردى ولم أصب
أستغفِرُ الله من مخالفتي وعَن ذهولي والموت في الطلب/64ب/
خـسِرت نفـسي في تجارتَها فبعث يومَ الذَّهاب بالذَّهب
قَلَّبْتُ طَرْفي فلا أرى أحدًا إليه أرجعُ يوم مُنْقلبِي
إلا الرسول الذي يُلاذُ به خير الأنام ابنُ عبد مطلب
إني استجَرت من العِقاب غدًى بسيد العجمِ سيدي العرب
من جَاءَنَا بِالكتاب مُعْجِزة فقام َيَنْسَخُ سائرَ الكُتُبِ
اختارَه ربه فأرْسَلَه مُطَهّر القلب طَاهِر النسب
دعا إلى الله فالسعيد به أجابَهُ والشقِيُّ  لم يجب
آذوه في الله حين لا طَفهم وسَاوَمُوه بالسحر والكذب
وأسلمتْ للإلهِ طائفةٌ فكان فيهم كالبدر في الشّهُب
آووه واتبعوه وانتـصروا  له ورقَّوه أرفع الرتب
سَرَّ الإله نبيه بهم ففكّكَ الناسَ من يد النّوَب
حتى أتته الوفود خاضعة والركب يجثُوا له على الركب
تحية الله والصلاة على خير البرية راكبِ النجب
وأهل بيت الرسول كلهم وآله والصحابة النخب
ويا رسول الإله مسألة أصبحت من أجلها أخا كرب
رفعتها لك لا طبيب لها وأنت تجبرها من العطب
65/أ والله غيرك لا رجوت لها ومن يرجى النبي لم يخب

 ************

هوامش المقال:

[1] من مصادر ترجمته في شجرة النور(1 /485)، والأعلام(6 /176)، معجم المطبوعات العربية والمعربة(2 /1349).

[2] جمع: النجيب من الإبل. المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث(3 /112)

[3] من: وشيت الثوب، إذا نقشته ودبرت نقشه. كتاب الألفاظ لابن السكيت (3 /112)

*****************

جريدة المصادر والمراجع:  

-الأعلام لخير الدين الزركلي دار القلم للملايين ط15، 2002م.          

-كتاب الألفاظ لابن السكيت، أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، تحقيق:  فخر الدين قباوة. مكتبة لبنان ط1 1998م.

-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث لأبي موسى محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، عبد الكريم العزباوي، دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع، جدة ـ المملكة العربية السعودية، ط1، جـ 1 (1406 هـ ـ 1986 م)، وجـ 2، 3 (1408 هـ ـ1988 م)

-معجم المطبوعات العربية والمعربة، ليوسف بن إليان بن موسى سركيس، مطبعة سركيس بمصر 1346هـ ـ 1928م.

-شجرة النور الذكية في طبقات المالكية لمحمد بن محمد مخلوف، دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، 1424هـ ـ 2003م.

راجعة المقال الباحثة: خديجة أبوري

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق