مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات وأبحاث

قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم للحجاج الحريري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

وعلى آله وصحابته أجمعين،

وبعد؛

فالمديح النبوي هو الشعر الذي يُمدح فيه النبي  صلى الله عليه وسلم، وذلك بتعداد صفاته الخِلقية والخُلقية، وإظهار الشوق لرؤيته، وزيارة قبره والأماكن المقدسة التي ترتبط بحياة الرسول  صلى الله عليه وسلم مع ذكر معجزاته المادية والمعنوية، ونظم سيرته شعرا، والإشادة بغزواته وصفاته المثلى والصلاة عليه تقديرا وتعظيما، كما يظهر المادح تقصيره في أداء واجباته الدينية والدنوية، ويذكر عيوب نفسه اللوامة، طالبا من الله عز وجل الله المغفرة والثواب طامعا في شفاعة نبيه على السلام، وقصيدة  الحجاج الحريري تندرج  ضمن هذا النوع من الشعر الخاص بمدح أفضل خلق الله صلى الله عليه وسلم،  وهو متسم بالصدق والمحبة والوفاء والإخلاص والتضحية والانغماس في التجربة العرفانية والعشق الروحاني.

وهذه القصيدة من أجمل ما نُظِم في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا ارتأيت ضبطها والتعريف بها وبصاحبها باختصار.

أولا: التعريف بالناطم[1]

هو حجاج بن عبد الله بن عبد الرحمن الفارسكوري الحريري، ولد بعد سنة خمس عشرة وثمانمائة تقريبا بفارسكور وقرأ بها القرآن واشتغل في النحو على يوسف البلان، ولقيه البقاعي وابن فهد فكتبا عنه في شعبان سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة، من نظمه:

هب النسيم سرى في غيهب الغسق ** على الأزاهر ماس الغصن بالورق

وأيقظ الورق مثل الغصن في سحر *** هبت به نسمة تحيي لمنتشق.

  وهو حلو النظم بلا تكلف، وتأخر ت وفاته إلى بعد سنة أربع وتسعين.

ثانيا: التعريف بالقصيدة:

هي قصيدة في مدح  النبي صلى الله عليه وسلم، وعبارته سهلة واضحة المبنى والمعنى، استهل رحمه الله  قصيدته بمقدمة غزلية  غاية في الروعة والجمال، ثم دعا إلى الوقوف على البقعة ذات التربة الطاهرة لطلب الشفا من الوجع والسقم. ثم عدد قصة معراج النبي صلى عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا، ذاكرا أن قريشا كذبت  بهذا المعراج،  الذي شهد القرآن والسنة بصحته.

ثم ذكر أن الله نصر نبيه يوم غزوة بدر وأعزه بملائكة مسومين على خيل، فحل بالكفار والمشركين شر هزيمة، حتى أصبحوا لا ترى إلا مساكنهم.

ثم ختم قصيدته يطلب من الله التوبة والمغفرة  من الذنوب والمعاصي بجاه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

واعتمدت في ضبطها  على نسخة بالمكتبة الوطنية، وهي ضمن مجموع من الورقة 37ب إلى 38ب تحت رقم:1209د، مكتوبة بخط مشرقي جميل، وهي كافية عدد أبياتها 26بيتا.

والقصيدة ثابتة النسبة لناظمها الحجاج الحريري؛ إذ جاء في آخر النسخة المعتمدة ما نصه:” اغفر لعبدك حجاج الحريري “، وأيضا نسبها له الناسخ في أولها:”قصيدة للحجاج الحريري”.

نص القصيدة

دع الهوى يا فؤاد الصب[2]  مذ ودعك   وجْدا فأنت به في حرقة ووعك[3]
وما افتتحت الهوى إلا على طَلَلٍ نيل الهوى فاكتسبت الذل وأطعك
وقد شربت الهوى صرْفا وهنت به وأنت في سعة الأكوان لن تسَعَك
مه يا خلي وصِل وارحم وصُد ونب واعدِل ورِقّ ورُقْ واقصِر ودعك وَرعك ورعك
لو ذقت من خمر حبّ القوم أنْمُلَةً وكنت كالجبل الراسي لا قْتَلَعَك/38أ
 يا خلي الهوى طب بالمنام فلو رميتَ بالوجد من طيب الورى منعك
ويا نسيم الصبا إن حزت كاظمةً سر يا نسيم وخذ قلب الكئيب معك
وسله يا ويح[4] في مَسْـراك مختبرا وقل له في الهوى يا قلب من خلعك
وقف على تربة المختار معتمدًا أزكى البريَّة واستبري به وجَعَك
وقل له يا أجل المرسلين ومِن ربِّ السماء على المعراج  قد رفعك
سريت والليل محفوف الجناب عَلَى سدرة المنتهى كان الأمين مَعَك
ودلي الرفرف الأعلى رقيت به والحجب تُرفع حَتَّى آن مجتمعك
لحَضـرة  القدس منها نِلت منزلةً مِن قاب قوسين شاهدت الذي صنعك
وكذبتك قريش جَاءهم نَبَأه في سُورة النجم آيات شهدن مَعَك
الله أكبر يوم النصـر إذ خفقت رايات عزك فيها والآل مَعَك
وجاك النصـر في بدر ملائكة مسومين[5] على خيل غزون مَعَك
والبيض ترجع حمرًا من دمائهم والرعب أوقع في أحشائهم جزعك
يخربون بأيدهم بيوتهم ولم يَرَوا مَانعًا من كيدهم مَنَعك
فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم وفيهم ظهرت يا مصطفى شيعك
وجاءك الجمل العاصي الشرود على مكيدة من أبي جهل ليبتلعك/38ب/
وظل  يرعد من خوف فقلت له ارجع فإن عدت [دما عاد منصـرعك][6]
مسحت عيني على فاق من رمد ومذ دعوت له لم يعتريه وعك
يا رب بالمصطفى المبعوث من مضر أزكى النبيين من ألبسته خلعك
اغفر لعبدك حجاج الحريري وقد أبدي إليه ومن عظم الذنوب وعك
والآل والصحب والأملاك قاطبة سحائب الفضل يغشاهم وترجعك

*******************

هوامش المقال:

[1]  ترجمته في الضوء اللامع(2 /89)

[2]  الصب: رجل صب إذا غلبه الهوى. شمس العلوم(6/ 3623)

[3]   الوعك: الحمى. شمس العلوم(11 /7215)

[4]  ويح: كلمة زجر، تقول: ويحك، اتق الله. شمس العلوم(11/ 7317)

[5]  مسومين: معلمين. تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب(ص: 174)

[6]   كذا في الأصل.

*************

جريدة المصادر والمراجع:

– الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لشمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن بكر بن عثمان بن محمد السخاوي، دار مكتبة الحياة ـ بيروت.

– تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي، تحقيق: سمير المجذوب، المكتب الإسلامي، ط1، 1403هـ – 1983م.

– شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم لنشوان بن سعيد الحميرى اليمني تحقيق: د حسين بن عبد الله العمري – مطهر بن علي الإرياني ـ د يوسف محمد عبد الله، دار الفكر المعاصر ـ بيروت، دار الفكر ـ دمشق ط1، 1420 هـ ـ 1999 م.

راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق