مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةتراث

قصيدة في شأن المدينة المنورة للأديب الأريب ابن جابر الأندلسي(تـ: 780هـ)-تقديم وضبط

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد؛

فالمدينة المنورة المباركة عظُم شرفها بهجرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليها، وازداد  عندما أسسها عاصمة له، وهي أول عاصمة في تاريخ الإسلام، وثاني أقدس الأماكن لدى المسلمين بعد مكة،  ويلقبها المسلمون بطيبة الطيبة، وكثرت أسماؤها لشرفها؛ إذ تعدد الاسم يدل على شرف المسمى،  ولا توجد بلدة في الدنيا لها من الأسماء مثل ما للمدينة المنورة، و قد بلغ العلماء بأسمائها إلى عدد كبير، وهذه المكانة الرفيعة  التي حازتها جعلت الشعراء والأدباء ينظمون في شرفها قصائد،  فبرعوا في ذلك، ومن بينها قصيدة الأديب الأريب اللوذعي اللبيب ابن جابر الأندلسي في شأن المدينة المنورة، ولأهميتها أردت ضبطها والتعريف بصاحبها، فأقول وبالله التوفيق والسداد:

 أولا: التعريف بالناظم[1]

هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن جابر الاندلسي الهواري المالكي (الضرير) النحوي، من أهل المرية، ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، قرأ القرآن والنحو على محمد بن يعيش ، والفقه على محمد بن سعيد الرندي ، والحديث على أبي عبد الله الزواوي، ثم رحل إلى الديار المصرية صحبة أحمد بن يوسف الرعيني ، وهذان هما المشهوران بالأعمى والبصير؛ فكان ابن جابر يؤلف وينظم ، والرعيني يكتب، ولم يزالا هكذا على طول عمرهما، وسمعا بمصر من أبي حيان،  ثم دخلا الشام، فأقاما بدمشق قليلا. وتحولا إلى حلب سنة 743 هـ، وسكنا ” البيرة ” قرب سميساط، ثم تزوج ابن جابر، فافترقا، ومات الرعيني فرثاه ابن جابر، ومات بعد بنحو سنة في ” البيرة “.

من تصانيف ابن جبير ” شرح ألفية ابن مالك”، و ” شرح ألفية ابن معطي ” ثمانية أجزاء، و ” العين في مدح سيد الكونين “، ونظم فصيح ثعلب ” و ” نظم كفاية المتحفظ “، وبديعة على طريقة الصفي الحلى، سماها ” الحلة السيرا في مدح خير الورى ” وتسمى ” بديعية العميان ” و ” شرحها ” و ” مقصورة “، و ” غاية المرام في تثليث الكلام ” و ” المنحة في اختصار الملحة ” و ” المقصد الصالح في مدح الملك الصالح ” و ” قصيدة ميممية ” في ” الظاء والضاد “.

مات في سنة ثمانين وسبعمائة (780هـ).

ثانيا: التعريف بالقصيدة.

هي قصيدة في مدح  المدينة المنورة  وأهلها للأديب الأريب ابن جابر الأندلسي، وعبارته سهلة واضحة المبنى والمعنى، استهلها رحمه الله بالتهنئة لأهل طيبة الطيبة الذين شرفهم الله بالقرب من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنهم بمجاورته عليه السلام بالمدينة المنورة، ورؤيته في كل ساعة، تجعلهم في غاية السعادة والهناء، والغرق في بحر النعمة، والفوز بالدارين.   

وأن من يطلب الرحيل عن هذه البقعة الطاهرة المباركة، وعن حَوْز وحِرز سيد البشرية لدنيا يريدها، فهو يطلب ما هو فانٍ، ويترك ما هو باقٍ.

واعتمدت في ضبطها،  على نسخة بالمكتبة الوطنية، وهي ضمن مجموع من الورقة 118ب إلى 119أ تحت رقم:978د . 

والقصيدة ثابتة النسبة لناظمها ابن جابر الأندلسي؛ إذ جاء في أول النسخة المعتمدة ما نصه:”وللأديب الأريب اللوذعي اللبيب ابن جابر الأندلسي قصيدة في شأن المدينة المنورة …”

وقد ضمنها غير واحد  من العلماء في كتبهم مع زيادة ونقص، منها: المواهب اللدنية للقسطلاني، ونفح الطيب للمقري يشار إلى ذلك

نص القصيدة:

هناؤُكم يا أهل طيبة قد حُقَّا  فَبِالقُرب من خير الورى حُزْتم السَّبْقَا
 فلم يتَحرَّكْ ساكنٌ منكم إلى سواها وإن جَارَ الزمانُ ولَو شَقا
 وَكَم مَلِكٍ رام الوصولَ لمثل ما وصلتُم فلم يقدر ولو مَلَكَ الخَلَقا
فبـشراكم نلتم عنايةَ ربكم  فها أنتم فى بَحْرِ نعمتِه غَرْقَا
 ترون رسول الله فى كُلِّ ساعة   ومن يَرَهُ فهو السعيدُ به حَقَّا
 متى جِئتُم لا يَغلِقُ البابَ دونكُم   وبابُ ذوى الإحسان لا يَقْبَلُ الغَلَقَا
فيَسْمَعُ شَكْواكم ويَكشف ضُرَّكَم  ولا يَمنع الإحسانَ حُرّا ولا رِقَّا
بِطِيبةَ مثواكم وأكرمُ مرسل   يُلاحظكم فالدَّهر يَجْرِي لكم وَفْقَا
 فلا تنظرُوا إلاَّ لوجه حبيبكُم  وإن جاءتِ الدنيا ومرَّت فَلا فرقا
 حياةً وموتًا تحتَ رُحْمَاهُ أنتُم   وحَـشرا فستر الجَاهِ فوقكم مُلقا
 فيَا راحِلًا عنْهَا لدُنيا يُريدها   أتَطلُب ما يَفْنَى وتَترك ما يبقَى
 أتخرج عن حَوْز ِالنبى وحِرْزِه  إلى غيرِه تسفيهُ مثلِكَ قَد حَقَّا
لئن سرتَ تبغِي من كريمٍ إعانةً  فأكرَم من خَير البَريّة ما تلقا
هو الرِّزْقُ مقْسُومٌ وليس بِزائد  ولو سرْتُ حتى كِدتَّ تختَرِق الأُفْقَا
 فكم قاعد قَدْ وسَّع الله رزقَهُ   ومُرْتَحِلٌ قَد ضَاقَ بينَ الوَرَى رِزْقَا
 فعِشْ فى حِمَى خير الأنام ومُتْ به   إذا كنت فى الدارين تَطلب أن تَرقا
 إذا قُمت فيما بين قبرٍ ومنبرٍ   بطيبةَ فاعرِف أن منزلُكَ الأرْقَى
لقد أسعد الرحمنُ جار محمد   ومن جَارَ فى تِرحَالِه فهو الأشقا

 ***************

هوامش المقال:

[1] الدرر الكامنة(5 /70)، بغية الوعاة(1 /34)،نفح الطيب(2 /664)، الأعلام(5 /328)، تُنظر مصادر ترجمته في مقدمة تحقيق: رسالتان في السيرة النبوية والمولد الشرف للرعيني ورفيقه ابن جابر.

*****************

جريدة المصادر والمراجع:

-بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم المكتبة العصرية لبنان ـ صيدا.

-الأعلام للزركلي لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين ط5، 1980.

-الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق مراقبة ـ محمد عبد المعيد ضان، مجلس دائرة، المعارف العثمانية، حيدرآباد ـ الهند 1392هـ ـ 1972م.

-نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب لأحمد بن محمد المقري التلمساني، تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر بيروت، 1388هـ.

راجعت المقال الباحث: يوسف أزهار

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق