مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

فتاوى نحوية ولغوية

  • هَلْ يولَدُ المَعْنى من اللفظ، أو يولَدُ اللفظُ من المَعْنى … ؟

        هَلْ يولَدُ المَعْنى من اللفظ، أو يولَدُ اللفظُ من المَعْنى، أو يولَدان مَعاً من المَفاهيم والتصورات الذّهنيّة، وهل لأحد هذه العناصر مركزية وفَضلٌ على الأخرى ؟

إذا فَحصنا كلَّ طرفٍ وجدْنا للفظِ عالَمَه وأجزاءَه التي هي الأصواتُ والحروفُ والمقاطعُ الصّرفيةُ والصيغُ والتراكيبُ والنصوص، ووجدْنا للمَعْنى عناصرَه التي من جنسه وهي: الأفكارُ والتصوراتُ الذّهنيةُ والمفاهيم النَّسقيّةُ الجاهزةُ للتسمية، والذي يَبدو منطقيا أنّ نظريةَ التوافُق في بناء الدلالَة أقربُ من نظرية التوالُد؛ أي ينشأ اللفظ والمعنى والصور الذّهنيّة داخل أطر الفكر نشأة واحدةً متكاملةً متفاعلةً، أمّا إذا قُلنا بنظرية التوالد فسَنَقَعُ في القول بأسبقية طرف من الأطرافِ على غيره في مراتبِ الوجود، وهو افتراضٌ ليسَت عليه أدلّة قويّة.

**************

  • ما الصحيح: بَسَطَت القُوَى سَيْطَرَتَها على كامِلِ الأراضي أو الأراضي كاملةً.

الغالبُ في “كامل” أنها تأتي صفةً بمعنى السابغ الوافي، تقولُ: رَجلٌ كاملٌ، والجمعُ “كَمَلَةٌ” و”كُمَّلٌ”، ويَجوزُ جَعلُ الكاملِ مُضافًا إلى ضَمير الاسمِ المتقدِّمِ، كقول الشاعر فيما أنشدَه الأزهريّ :

لَعَمْرُكَ إِنِّي يومَ واجَهْتُ عِيرَها *** مُعِينًا لَرَجْلٌ ثابتُ الحِلْمِ كاملُه

وأمّا الإضافةُ إلى الاسم الظّاهر فليسَت بقياسٍ لأنه لم يَردْ عليها فيما يبدو شاهدٌ، وعليه يُمكن أن نَقولَ: بَسَطَت القُوَى سَيطرتَها على الأراضي كامِلِها أو كُلِّها أو جَميعِها، ويجوزُ مع “كل” و”بعض” كما في قول تعالى: « كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ »، وقول طَرَفَةَ:

أَبا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فاسْتَبْقِ بَعْضَنا *** حَنانَيْكَ بعضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بعضِ

أمّا مع الصفة “كامل” فيحسُنُ إضافتُها إلى ضمير يَعود على موصوف متقدّم.

*************

  • عَلامَ تُحيلُ اللغةُ وهي تَدلُّ ؟

اللغة لا تُحيلُ على العالَم الخارجي أو الوجود العَينيّ، ولكنّها تُحيلُ على قَضايا وموضوعات يُرتبُها الذهنُ ويُنظّمُها ويُخضعُها لأطرٍ تصوريةٍ محدّدةٍ، فإذا تكلمنا أو سمعْنا مَن يتكلم فإنما نتداولُ مُنتجاتٍ ذهنيّةً صنعتها هياكلُ ذهنيةٌ وأطرٌ تصوّريّةٌ وبنياتٌ عقليّةٌ.

اللغة تدل على العالَم، بالوساطة الذّهنيّة، أو الوَكالَة العقليّة العرفانيّة، ونحن عندَما نتلقى رسالةً لغويةً فإننا إنما نتلقى طرُقاً خاصة في تنظيم العالَم وتأويله، والمتكلم يُلقي بنفسه في خضمّ التأويل الذّهني فيكون وسيطاً، ولا دلالَة للغة على موضوعاتها من غير وساطة العقل المنظِّم.

وقَبْلَ أن نرجعَ إلى ريتشارد وأوجدن [The meaning of meaning] في تَقسيم أبعادِ الكلمة إلى ثلاثة أبعاد هي المرجعية العَينية والمفهومية الذّهنيّة واللفظ اللغوي الدال، أفضّلُ البَدْءَ بعُلماء اللغة والمنطق العَرَب الذين قَسّموا الوجودَ إلى أربع مراتبَ: هي الأعيانُ والأذهان والأصوات والخطوطُ.

وترتيبُ الدّلالاتِ أنّ التصورَ الذّهنيَّ يَنطَوي على تدخّل الإنسان في الدلالة باللغة على الكون؛ فاللغة لا تدل على المرجع العيني أو النفسي دلالة موضوعية أو صورية ولكنها تدل على مدلولاتها من خلال بناء أطر تصورية أو بنيات ذهنية تتدخلُ مباشرة في بناء المفاهيم وتشكيلها؛ إن الأطر التصورية تضع أسوارا وسياقات للمدلولات لكي تصير مدلولات قابلةً للتداول، وهذا من بدائع الفَوائد التي جاء بها لايكوف.

الصفحة السابقة 1 2 3 4الصفحة التالية
Science
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق