مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةشذور

شروح دلائل الخيرات

من مظاهر الاهتمام بدلائل الخيرات ما وضع حوله من شروح وحواش وتعليقات…تختلف حجما ومنهجا وهدفا، فمنها ما قصد به إفادة المريدين والعامة، وتقريب النص إليهم. ومنها ما صنف لطلبة العلم، إلا أن كثيرا من الشروح لم يصلنا منها إلا الاسم أو وصلت منها نسخ كثيرة البتر والخروم تصعب الاستفادة منها.

11-استجلاب المسرات في شرح دلائل الخيرات.

لمحمد بن أحمد الشريف الجزائري[35]، أبان المؤلف عن الغرض من تأليفه، فقال في المقدمة بعد حمد الله والصلاة على رسوله، (…أما بعد، فغرضي بهذه الرقوم والإشارات تلخيص شرح على كتاب دلائل الخيرات الذي عم النفع به، وشرقت وغربت به المسرات، وذلك لما رأيت كثرة الاعتناء به من طرف العلماء الأعلام، والممارسين من الطلبة والعوام، وكثرة سؤال عن بعض ما تضمنه من الألفاظ وابتدائه للذاكرين، شمرت عن ساعد الجد لاتضاح مكنونه، وضبط ألفاظه وتكحيل عيونه، لينظر القارئ لع بعين اليقين)[36].

فغرضه إذا تلخيص شرح دلائل الخيرات. لما لهذا المؤلف من شهرة وشفوف، ولكثرة إقبال الطلبة والذاكرين عليه، وسؤالهم عن ألفاظه ومعانيه، وهو هدف علمي نفعي دنيوي، خلافا لما يذكره الشراح من رغبة في التواب، لأن الكتاب من أفضل ما ألف في كيفية الصلاة على النبي.

ويقول عن الشرح المعتمد في التلخيص (على اني لما تصفحت حاشية شيخ شيوخنا أبي عبد الله العربي الفاسي، وشرح شيخ شيوخنا أبي عبد الله محمد المهدي الفاسي، فوجدت الأول تكلم عن بعض مسائله وأطال، وترك الكثير لوضوحه عنده في المقال، والثاني، مزجه ومال إلى البسط فحققه تحقيقا، وعدل عن الإيجاز لتدقيقه تدقيقا. فأردت أن ألخص لب كل منهما على جهة الاختصار، منبها على بعض ما وجدته فيهما من مزالق الأنظار، وأضيف إليه بعض ما تلقيته من مشايخي وما سمحت به أفكاري. وسميته «باستجلاب المسرات بشرح دلائل الخيرات) [37].

فمنهج الكتاب:

-تلخيص شرحي محمد العربي الفاسي، ومحمد المهدي الفاسي.

-التنبيه على ما يحتويان عليه من أخطاء ومزالق.

-إضافة ما تلقاه من شيوخه، وما عن له خلال دراسته للكتابين.

ولم يلخص المؤلف لهذا المنهج الذي سطره في مقدمة كتابه، إذ كان ميالا في أغلبه إلى تلخيص شرح محمد المهدي الفاسي خاصة، وتجريده من الاستطرادات والنقاشات العلمية المطولة، فجاء التلخيص مختصرا لا يكاد يتجاوز الجوانب اللغوية والإعرابية للمتن.

وقليلا ما يهتم بتخريج الأحاديث فبعد ايراد الصلاة كاملة وشرح ألفاظها وموقعها الاعرابي، يلخص مدلولها كما جاء في الشرح المعتمد، مشيرا إلى ذلك بعبارة (والمعنى) ويعقد تنبيهات بعد شرح الصلاة يخصصها لمسألة معينة حتى لا يقطع حبل الكلام، ومنها: أزواج الرسول، لفظ السيادة، ومحبة الرسول، الأنبياء…

وفيما يلي نموذج من شرح الشريف الجزائري. تناول فيه الصلاة الخامسة عشرة. قال: (ذكرها النيسابوري في كتاب شرف المصطفى وابن سبع، وابن الفكهاني وابن وداعة، وأبو محمد جبر، وذكر لها فضلا وهي (اللهم صل على سيدنا محمد كما أمرتنا أن نصلي عليه. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما هو أهله) . أي صل عليه صلاة تشابه وتناسب منزلته عندك وأهليته. فالكاف للتشبيه وما مصدرية أو موصولة، وتحتمل التعليل، وما مصدرية أي لأجل أهليته لصلاتك عليه (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما تحب) بضم المثناة الفوقية بحاء المهملة. مضارع أحبه فاعله خطاب الجلالة.

(وترضاه) أي تقبله بالله (له) أي لمحمد (ص). وفي بعض النسخ وترضى بدون ضمير كما عند جبر وابن سبع وابن الفكهاني وابن وداعة، روي أن من أراد رؤيته (ص) في المنام فليقل هذه الكلمات الثلاث عددا وترا فإنه يراه في منامه.

قيل ويزيد معها: «اللهم صل على جسد محمد في الأجساد، اللهم صل على قبر محمد في القبور» كذا في الشرح [38].

ومن أطرف ما في هذا الكتاب محاولة المؤلف إحصاء مقدار صلوات إحدى تصليات التعداد، وهي (وأن تصلي عليه وعلى آله عدد كل سنة خلقتهم فيها، من يوم خلقت الدنيا إلى يوم القيامة في كل يوم (ألف مرة) فبعد سلسلة من الأرقام قدم النائج النهائي فقال: بأنه ألف ألف ألف وخمسمائة ألف ألف وخمسة وخمسون ألف ألف[39].

12- شرح دلائل الخيرات:

لمحمد بن محمد بن فراشة الجزائري[40]. أعجب بن فراشة بصلوات دلائل الخيرات وحسن تأليفه وفضل قراءته باعتباره من أحسن ما يتقرب به إلى الله، ويتوصل به إلى رضاه، فقد (جمع فيه من الصلوات الحسنة، والكيفيات المستحسنة بحسن عبارة، ووضوح إشارة، وجزالة لفظ، وسلاسة معنى مع طلاوة وحلاوة، تذوقها النفوس السليمة الكريمة، وتستعذبها القلوب غير السقيمة، لم يسبقه في مراد سبقه سابق، ولم يطرقه سما سهوه طارق..)[41].

وقال في موضوع إقدامه على شرحه (وكنت قديما وحديثا يحثني خاص الشوق نحوه حثيثا، مشغوفا بغرامه، ولوعا بمطالعته. وأرى ذلك منة من الله تعالى علي يجب شكرها، ويرجى في العقبى ان شاء الله أجرها. وطال ما خاطر في الخاطر إن اعلق عليه شرحا الحجاب عن أستار مبانيه، ويرفع عن أسرار معانيه).

وكعامة المؤلفين، يبدي ما كان يشعر به من خوف وهيبة قبل الإقدام على التأليف. وقد أصبحت هذه العبارات التي تساق في ديباجة الكتب من آداب التأليف. بعضها يترجم تقديرا حقيقيا للمسؤولية، وبعضها الآخر من باب تواضع المؤلفين واحترامهم لعملية التأليف.

فمما قاله ابن فراشة في هذا الباب (فأجدني اقصر عن سلوك هذا السري، فتارة أقدم رجلا، وتارة أأخر أخرى، لعلمي اني بمعزل عن هذا المنزل، إذ من المحال كوني من فرسان هذا المجال…

فشمرت ذيل القوم عن ساق الحزم…وتجردت لسبح هذا البحر الخضم، وتكلفت شرح  هذا الخطب المدلهم، وأتيت بهذا التعليق على سبيل الاختصار متوسطا بين التفريط والإفراط[42].

وقال عن الدوافع إلى التأليف (وخدمت به الجناب الرفيعة الأسمى والملاذ الرفيع الأحمى، صاحب الشفاعة العظمى، والمقام المحمود الأسنى…والرجاء من الله تعالى في حصول أمور في مناقبه (ص)، والأنس بذكره، لأن من أحب شيئا أكثر من ذكره. ولكي أحشر إن شاء الله في زمرته بفضل الله ورحمته، لأنه (ص) حكم بأن المرء مع من أحب[43].

ويمكن اعتبار شرح ابن فراشة بمثابة اختصار  للشرح الكبير لمحمد المهدي الفاسي، فقد كان المؤلف شديد الاتصال به، يذكره في الشروح اللغوية البسيطة، وفي المناقشات المطولة.

وقد أشار إلى ذلك فقال (واقتفيت…اثر الشيخ العالم العلامة أبي عبد الله محمد بن أحمد الفاسي رحمه الله تعالى، وسرت على منواله واقتديت بمقاله. وكلما قلت، قال الشيخ، إياه أعني رحمه الله تعالى[44].

وقد تم التلخيص في سفرين متوسطين:

-تناول في الأول خطبة الكتاب، والفصل الأول منه.

-واستهل الثاني بأسماء الرسول (ص)، دون أن يكمل شرح الكتاب[45].

وشرحه يميل إلى الاختصار، ويهتم فيه بالتوضيحات اللغوية والنحوية، والمقابلة بين النسخ، مع تفصيل بعض الموضوعات المهمة وتقلبيها على أوجهها، وايراد آراء العلماء فيها: كمفهوم الصلاة والحمد والفرق بين الحمد والشكر، ومعاني الإيمان والإسلام….ويتميز الكتاب باعتماد أسلوب المناظرة: قلت: فإن قلت، أجيب…

ومن نماذج شرحه (وروي عن بعض الصحابة) جمع صحابي بين النسب وهو مخصوص في العرف بصاحب النبي (ص).

(رضي الله عنهم) جملة خبرية اللفظ دعائية المعنى، ورضي يتعدى بعلى…

إذا رضيت على بنو قشير    لعمر الله أعجبني رضاها

أي عني. وقال ابن هشام ويحتمل أن رضى مضمر معنى العطف، وقال الكسائي: حمل على نقيضه وهو سخط، كما يحمل على نظيره. قال ابن جني: وكان أبو علي يستحسن قوله. وقد سلك سبويه هذا الطريق في المصادر كثيرا. وقال أبو عبيد وغيره: إنما ساغ هذا لأن معناه احببته وأقبلت عليه بوجه ودها، قال الشيخ أبو عبيد الله بالفاسي رحمه الله: إيراد «على» مع المصدر، سواء كان فعله يتعدى بنفسه كالرحمة أو اللغة أو بحرف غيره كالرضوان، وكأنهم راعوا وقوع المدعو له أو عليه.

(أجمعين) توكيد يؤكد به كل ما يؤكد بكل، فيعيد استغراق أفراد المؤكد[46].

وهكذا فإن المؤلفين الجزائريين لم يشرحوا الدلائل بمفهوم الشرح، إذ قام المعسكري بتخريج أحاديثه، ومحمد الشريف وابن فراشة بتلخيص الشرح الكبير لمحمد المهدي الفاسي الذي كان مهيمنا على التأليفين.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6الصفحة التالية
Science

د. طارق العلمي

  • أستاذ باحث في الرابطة المحمدية للعلماء، متخصص في المجال الصوفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق