الرابطة المحمدية للعلماء

جلالة الملك يعبر عن تضامنه وتعاطفه مع ضحايا آفات الانطواء على الذات ورفض الآخر والتعصب عبر العالم

عبر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في الرسالة السامية التي وجهها للمشاركين في الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان، التي افتتحت أشغالها أمس الخميس، بمراكش، عن تضامن وتعاطف جلالته مع ضحايا آفات الانطواء على الذات ورفض الآخر والتعصب بسبب مبررات عرقية، أو قراءة منحرفة لنبل رسالات الأديان، في مناطق عديدة من العالم.

أوضح جلالة الملك، في هذه الرسالة السامية، التي تلاها وزير العدل والحريات، المصطفى الرميد، أن حقوق الإنسان ازدادت أهميتها منذ مؤتمر فيينا، وأضحت من المحددات الجوهرية التي لا محيد عنها في حياة الأمم، وفي العلاقات الدولية، “غير أن هذا الطابع الكوني، الذي ما فتئ يعرف اتساعا، قد أصبح يواجه بعض الانحرافات، وتحديات غير مسبوقة يجب رفعها”.

وأبرز جلالة الملك في هذا السياق، أنه “في مناطق عديدة من العالم، يؤدي الانطواء على الذات، ورفض الآخر، والتعصب، بسبب مبررات عرقية، أو قراءة منحرفة لنبل رسالات الأديان، إلى انتهاكات صارخة للحقوق الأساسية، بما فيها أقدس هذه الحقوق، ألا وهو الحق في الحياة”.

وقال جلالة الملك في هذه الرسالة “وإذ نعبر عن تضامننا وتعاطفنا تجاه كل ضحايا هذه الآفات، ندعو المجتمع الدولي لتعبئة أقوى، من أجل هؤلاء الضحايا”.

من جهة أخرى، أبرزت الرسالة الملكية السامية أنه إذا كانت كونية حقوق الإنسان أمرا لا يمكن التشكيك فيه، فإن الكونية “لا تعني أبدا التعبير عن فكر أو نمط وحيد، بل يجب أن تشكل في جوهرها، نتاجا لدينامية انخراط تدريجي، عبر مراحل، تصل بها إلى درجة من التملك الفردي والجماعي، تجد فيه التقاليد الوطنية والثقافية مكانها الطبيعي، حول قاعدة قيم غير قابلة للتقييد، دون تعارض أو تناقض معها”.

ومن هنا، يضيف جلالة الملك “فإن الكونية تكتسب مشروعية أكبر، حينما تمثل التنوع الإنساني وتحميه، وعندما تتبناها كل شعوب وثقافات العالم، وتساهم في صنعها وبلورتها”.

وأعرب جلالة الملك، من جهة أخرى، عن “عميق اعتزاز المملكة المغربية باستضافة الدورة الثانية لهذا المنتدى العالمي، في مدينة مراكش، أرض الحوار والتنوع، والتفاعل المثمر بين الثقافات والحضارات”، معتبرا جلالته ذلك “تكريما لبلدنا ولقارتنا”.

كما أعرب جلالة الملك للمشاركين في هذا المنتدى العالمي، الذي يلتئم فيه آلاف المدافعين عن هذه القضية، من مختلف القارات، عن تقدير واحترام جلالته لنضالهم النبيل من أجل حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وأشاد جلالة الملك بجمهورية البرازيل، التي بادرت، في دجنبر 2013، إلى إطلاق هذه الدينامية الجديدة، التي تتكامل مع المنتديات الاجتماعية الإقليمية والعالمية، متوجها جلالته بالشكر، أيضا، لجمهورية الأرجنتين، التي كان من المقرر أن تحتضن هذه الدورة الثانية، ثم ساندت، إلى جانب البرازيل، طلب المغرب لاستضافتها.

وأكدت الرسالة الملكية السامية أن “اجتماع المدافعين عن حقوق الإنسان اليوم، يكتسي أهمية خاصة، لاسيما أنه يأتي في سياق التحولات والتحديات التي يشهدها العالم، والتي تتطلب إجابات شاملة ومدروسة وجماعية”.

وأبرزت أن النظام الدولي لحقوق الإنسان “يشهد تحولات عميقة. كما أن إشعاع القيم العالمية لحقوق الإنسان وتملكها، يمر اليوم عبر انخراط أوسع لبلدان الجنوب، ولهيئات المجتمع المدني وللمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، في مسار تطوير الآليات الدولية والإقليمية لحماية هذه الحقوق والنهوض بها”.

وأضافت أن الأنظمة القانونية الداخلية تعززت بنصوص دستورية تدعم الضمانات الخاصة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، مشيرة إلى أنه “بموازاة مع هذا التطور، فإن هناك العديد من التحديات التي تسائلنا بإلحاح. ويشكل منتداكم فرصة متميزة للتداول حولها، ولمناقشة الرهانات الطارئة في مجال حقوق الإنسان”.

وأبرز جلالة الملك في هذا السياق أنه “هنا تتجلى دقة ووجاهة المواضيع التي اخترتموها لهذا المنتدى، والتي تعكس فعلا، التطور الذي عرفه القانون الدولي لحقوق الإنسان، منذ المصادقة على إعلان وخطة عمل فيينا سنة 1993”.

وذكر جلالة الملك في هذا الإطار أن الأجندة العالمية لحقوق الإنسان عرفت تحولات عميقة. “فإذا كان الجيلان الأول والثاني من حقوق الإنسان مازالا يتبوآن مكانة الصدارة، فقد برزت مواضيع جديدة، من قبيل حماية حقوق الأشخاص المسنين، وحقوق الإنسان في العصر الرقمي، والمقاولة وحقوق الإنسان، والتأهيل القانوني للفقراء، وقابلية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للتقاضي”.

كما أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن إفريقيا مطالبة بإغناء القانون الدولي لحقوق الإنسان ليسهل عليها تبنيه، وأن الدول النامية، وإفريقيا بصفة خاصة، تطمح إلى لعب دور فاعل في عملية إنتاج القوانين في مجال حقوق الإنسان، ولا ترضى بأن تظل مجرد مواضيع للنقاش والتقييم، أو حقل للتجارب.

وقال جلالة الملك إنه “من المعروف تاريخيا أن إقرار الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، قد تم في فترة كانت فيها إفريقيا غائبة عن الساحة الدولية. فإبان إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، لم تكن هناك سوى أربع دول إفريقية مستقلة، بينما لم يتجاوز عدد بلدان القارة التي تحررت من الاستعمار الثلاثين، خلال فترة إعداد العهدين الدوليين سنة 1966″، مؤكدا جلالته أنه “بما أن إفريقيا لم تساهم في وضع القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنها مطالبة بإغنائه، بثقافتها وتاريخها وعبقريتها، ليسهل عليها تبنيه”.

وأضاف جلالة الملك أن إفريقيا لا يمكنها أن تظل مجرد مستهلك لقوانين دولية، تمت صياغتها في غياب تام للقارة. كما أنها لا ينبغي أن تظل، دائما، موضوع تقارير دولية وتقييمات خارجية، فـ”إفريقيا بلغت درجة من النضج، تؤهلها لاحتلال المكانة التي تستحقها ضمن الهندسة الدولية لحقوق الإنسان، والنهوض بدورها كاملا في هذا المجال”.

وأشار إلى أن “الكونية منظومة مشتركة بين الجميع. أما المسار الذي يؤدي إليها فيتسم بالخصوصية. ذلكم هو الشعار الذي ترفعه إفريقيا المسؤولة والمتشبعة والملتزمة بحقوق الإنسان. فإفريقيا لا ينبغي أن تظل إلى الأبد محط سجالات ونقاشات بشأن حقوق الإنسان. كما أنها تطمح إلى إسماع كلمتها، وتقديم مساهمتها في بلورة قواعد وقيم ذات طابع كوني حقيقي. كما أن إفريقيا لا تريد ولن ترضى بأن تكون على هامش قضية هي أيضا قضيتها”.

وأكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في الرسالة نفسها، أن المغرب اختار بمحض إرادته السيادية الخالصة، الشروع في إصلاحات عميقة وإرادية، تستجيب لتطلعات وانتظارات المواطنين.

وقال جلالته “لقد اختارت بلادنا، بمحض إرادتها السيادية الخالصة، الشروع في إصلاحات عميقة وإرادية، تستجيب لتطلعات وانتظارات مواطنينا. وقد مكن هذا المسار المتجدد والشامل، الذي توج باعتماد دستور جديد، من تعزيز دولة الحق والقانون والديمقراطية، كخيار لا رجعة فيه”.

وأوضح جلالته أن المغرب وهو يتقدم بخطى حثيثة على درب الديمقراطية، الذي لا حد لكماله، لجدير بأن يفتخر، بعد خمس عشرة سنة من الجهود المشتركة، بحصيلة مشرفة من الإنجازات، تشمل ميادين حيوية، من قبيل العدالة الانتقالية، وحقوق المرأة، والتنمية البشرية، ورد الاعتبار للثقافة الأمازيغية كمكون أساسي للهوية المغربية، وتوطيد المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وتدبير الحقل الديني، على أساس المبادئ والتعاليم والمقاصد السمحة للإسلام.

وأضاف جلالة الملك أن “أوراشا ذات تأثير كبير على حماية حقوق الإنسان، توجد قيد الإنجاز في مجال العدالة والصحافة، والمجتمع المدني، والحكامة الترابية، وحماية الفئات الهشة”، مشيرا إلى أنه تماشيا مع هذا التوجه، ووفاء منها بتعهداتها المدرجة في ميثاقها الأساسي، فإن المملكة المغربية ما فتئت تعمل على تعزيز ممارساتها المعيارية. فبعد انخراطها في الآليات الأساسية لحقوق الإنسان، أقدمت المملكة على الرفع التدريجي للتحفظات التي كانت قد قدمتها خلال التصديق على هذه الآليات”.

واليوم، يقول جلالة الملك، فإن المغرب يوطد هذا الاختيار، الذي لا رجعة فيه، لفائدة حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. وفي هذا الصدد، فإننا قمنا في بداية هذا الأسبوع، بتقديم أدوات تصديق المملكة المغربية على البروتوكول الاختياري للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بهدف إحداث آلية وطنية للوقاية، في غضون الأشهر المقبلة. وهكذا سيصبح المغرب ضمن الثلاثين بلدا التي تتوفر على آلية من هذا القبيل.

وأشاد جلالة الملك “بالنقاش الدائر حول عقوبة الإعدام، بمبادرة من المجتمع المدني، والعديد من البرلمانيين ورجال القانون. وسيمكن هذا النقاش من إنضاج وتعميق النظر في هذه الإشكالية”.

وأكد جلالته أن مسألة توفير الحماية من كل أشكال انتهاك حقوق الأطفال، تشكل “انشغالا دائما لدينا. وهو ما يجسده الدعم المستمر الذي نقدمه لعمل المرصد الوطني لحقوق الطفل”، مذكرا في هذا الصدد، بأن المملكة صادقت على الاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل، وبالبروتوكولين الاختياريين لهذه الاتفاقية، الخاصين بإقحام الأطفال في النزاعات المسلحة وبيع الأطفال، ودعارة الأطفال، وأفلام الخلاعة المستغلة للأطفال. كما شكلت الحماية الدستورية للأطفال، يضيف جلالته، منعطفا حاسما في مسلسل تعزيز المنظومة الوطنية للحماية القانونية للطفل.

وأكد جلالته على أنه مواصلة لهذا التوجه، “فإننا نعتزم المصادقة على البروتوكول الاختياري الثالث للاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل، الذي يحدد المسطرة اللازمة لتقديم العروض”.

وجدد جلالة الملك الترحيب بالمشاركين في المنتدى، معبرا عن يقين جلالته بأن تبادل الرأي والنقاش بينهم، وعملهم اليومي لصالح حقوق الإنسان، في شموليتها، حقوق الجميع وفي كل مكان، ليشكل “مساهمة أساسية في انبثاق عالم أكثر أمنا للبشرية جمعاء، وأكثر إنصافا تجاه أشد الناس هشاشة وعوزا، عالم أكثر أريحية وإخاء نحو الجميع”.

وأكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أن اعتماد مقاربة شمولية وغير انتقائية لحقوق الإنسان سيتيح تقديم إضافة نوعية لها.

وقال جلالة الملك إن المنتدى يلتئم في سياق عدد من الاستحقاقات الدولية المهمة، مشيرا إلى أن المغرب، نظرا لكثرة هذه الاستحقاقات، يريد أن يتقاسم، في هذا المنتدى، مع الفاعلين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان أفكاره وتصوراته بشأن ثلاث من هذه الإشكاليات.

وأوضح جلالة الملك أن الرهان الأول يتعلق بمسألتي المساواة والمناصفة، المدرجتين في دستور المملكة، باعتبارهما أهدافا ذات طبيعة دستورية، منذ المراجعة الدستورية ليوليوز 2011.

وبعدما ذكر جلالة الملك بإعلان بكين وأرضية العمل الخاصة به التي أقرتها 189 دولة عضوا في الأمم المتحدة سنة 1995 لتأطير إدماج مقاربة النوع الاجتماعي ضمن السياسات والاستراتيجيات والبرامج المتبعة في كافة الدول، أكد جلالته أنه وبعد مرور عشرين سنة على هذا المؤتمر، فإن المعطيات المتوفرة والواقع اليومي للنساء والفتيات في العديد من مناطق العالم، يعكسان حجم العراقيل التي تحول دون تحقيق الأهداف المسطرة في إعلان بكين، وبرنامج العمل الخاص به.

فرغم ما تحقق من تقدم في هذا المجال، يضيف جلالة الملك، فإن الإنجازات ماتزال بعيدة كل البعد عن الطموحات التي تم تحديدها، مشيرا إلى أنه تتم حاليا، وفق مقاربة تشاركية، على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، عملية تقييم النتائج المحققة، والتحديات التي ظلت قائمة منذ مؤتمر بكين، في أفق انعقاد قمة قادة ورؤساء الدول المقررة من لدن الأمم المتحدة، خلال شهر شتنبر 2015.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق