مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

الكافي في فقه أهل المدينة

((الكافي في فقه أهل المدينة)) لحافظ المغرب الإمام المحدث الفقيه أبي عمر يوسف ابن عبد البر الأندلسي (ت463هـ)، من أنفع المختصرات المؤلفة في فقه مذهب مالك بن أنس، اقتصر فيه على ما بالمفتي الحاجة إليه، وقد ألّفه ـ رحمه الله ـ إجابة لطلب بعض أهل العناية والزيادة من التعلم، فجمع فيه كما قال: ((المسائل التي هي أصول وأمهات لما يبنى عليها من الفروع والبينات في فوائد الأحكام ومعرفة الحلال والحرام))؛ فخرج كتاباً جامعاً مهذباً، وكافياً مقرباً، ومختصراً مبوّباً، يغني عن المؤلفات الطوال، ويقوم مقام المذاكرة عند عدم المدارسة.

واشمل كتاب الكافي على مختلف أبواب الفقه، مرتبة في الكتب المعروفة، وهي الآتية أسماؤها: الصلاة، والجنائز، والزكاة، والصيام، والحج، والضحايا، والذبائح، والصيد، والأطعمة، والأشربة، والأيمان والنذور، والجهاد، والسبق والرمي، والنكاح، والطلاق، والبيوع، والعيوب، والأكرية والإجارات، والمساقاة، والقراض، والشركة، والوكالات، والحمالة والكفالة، والحوالة، والوديعة، والعارية، والرهون، واللقطة، والغصب، والشفعة، والقسمة، والصلح، والاستحقاق، والإقرار، والشهادات، والدعوى والبينات، وأدب القاضي، والعتق، والولاء، وأم الولد، والمدبر، والمكاتب، والهبات والصدقات، والأحباس، والوصايا، والمواريث، والفرائض، والحدود، والقصاص والديات في الأنفس والجرحات، ثم الكتاب الجامع.

وسلك ابن عبد البر في كتابه منهجا مرسوما، أوجزه في قوله رحمه الله: ((واعتمدت فيه على علم أهل المدينة، وسلكت فيه مسلك مذهب الإمام أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله؛ لما صح له من جمع مذاهب أسلافه من أهل بلده، مع حسن الاختيار، وضبط الآثار، فأتيت فيه بما لا يسع جهله لمن أحب أن يسم بالعلم نفسه)). هذا إلى ما عرف عن المصنّف ـ رحمه الله ـ من قوة الترجيح بين الآراء المتعارضة، وحضوره القوي من خلال إبداء اختياراته في كثير من المسائل المختلفة، مما يبرز قوة ملكته الأصولية، فضلا عن حسن العرض وجودة السبك والتنظيم.

وقد بناه ـ رحمه الله ـ على الكتب المعتمدة والموثوقة في المذهب، فجعل معوّله فيه على سبعة منها، هي:  الموطأ، والمدونة، ومختصر ابن عبد الحكم، والمبسوط لإسماعيل القاضي، والحاوي لأبي الفرج، ومختصر أبي مصعب الزهري، وموطأ عبد الله بن وهب المصري. كما رجع فيه إلى كتاب ابن المواز ومختصر الوَقَار، والعُتبية، والواضحة. وبهذا يكون كتاب الكافي من أهم الكتب التي احتفظت بكثير من مواد بعض كتب المذهب التي لم يُكتب لها إلى يوم الناس هذا أن تخرج إلى الوجود.

ويكفي لبيان مكانة كتاب ((الكافي)) في كتب المذهب ما قرّره إمام الظاهرية بالأندلس أبو محمد ابن حزم (ت456هـ)، وهو تلميذ ابن عبد البر ومعاصره، حين قال ـ رحمه الله ـ في رسالته في فضل الأندلس وذكر رجالها (ص179): ((ولصاحبنا أبي عمر ابن عبد البر المذكور كتب لا مثل لها، منها كتابه المسمى بالكافي في الفقه على مذهب مالك وأصحابه …)). كما اعتنى أصحاب الفهارس والبرامج بروايته بأسانيدهم إلى مؤلفه، وهكذا نجده ضمن المرويات الفقهية عند ابن أبي الربيع السبتي، والقاسم التّجيبي، وأبي عبد الله المنتوري، وتوافقت همم المؤلفين في المذهب على اعتماد ((الكافي)) وصرّحوا بالنقل عنه، ومن هؤلاء شراح الرسالة القيروانية، مثل القاسم بن عيسى بن ناجي التنوخي (ت837 هـ)، وأحمد بن محمد البرنسي الفاسي، الشهير  بزروق (ت899هـ)، ومنهم شراح مختصر الشيخ خليل، مثل أبي عبد الله المواق الغرناطي (ت897هـ) في ((التاج والإكليل لمختصر خليل))، وأبي عبد الله الحطاب الرُّعيني (ت954هـ) في ((مواهب الجليل في شرح مختصر خليل))، وأبي عبد الله الخرشي (ت1101هـ)، والشيخ الدسوقي (ت 1230هـ) في حاشيته على الشرح الكبير، والشيخ محمد عليش (ت1299هـ) في ((منح الجليل شرح مختصر خليل)).

ومع هذه الأهمية والمكانة التي حظي بها كتاب ((الكافي في فقه أهل المدينة))، فإنه لم يلق – على مستوى التحقيق العلمي الرصين والإخراج الفني المتقن – ما يستحقه من العناية اللازمة والكاملة، وتبقى بعض طبعاته المعروفة اليوم تجارية أكثر منها علمية.

صدر الكتاب، عن مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية  (1400هـ-1980م)، الطبعة الأولى (1398هـ- 1978م) بتحقيق محمّد محمد ولد ماديك، ثم صدر عن دار الكتب العلمية- بيروت الطبعة الثانية (1427هـ-2006م)، ونشر الأستاذ البحّاثة الدكتور عبد اللطيف الجيلاني نصًّا من كتاب الكافي لم يسبق نشره، في مجلة الواضحة التي تصدرها دار الحديث الحسنية (العدد 4/ 1429هـ -2008م) (ص285-313)، يتضمن أسانيد المؤلف التي يملك بها حقّ رواية المصادر التي اعتمدها في تأليفه، وهو نص مهمٌ يوضّح منهج توثيق النصوص عند علماء الإسلام كما أكد ذلك فضيلته.

الكتاب: الكافي في فقه أهل المدينة.

المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري الأندلسي ، الشهير بابن عبد البر (ت463هـ).

من مصادر ترجمته: جذوة المقتبس للحميدي (ص367)، الصلة لابن بشكوال (2/677)، بغية الملتمس

للضبي (ص489)، وفيات الأعيان لابن خلّكان(7/71).

دار النشر: دار الكتب العلمية- بيروت الطبعة الثانية 1427هـ- 2006م.

 إعداد: د.مصطفى عكلي

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. أسأل الله تبارك وتعالى أن يرحم علماءنا الأجلاء وأن يوفقنا للاقتداء بهم والسير على طريقهم

  2. طبع الكتاب مؤخرا بدار ابن كثير بتحقيق محفوظ بن محمد العيور الجزائري
    في مجلدين – سنة 1434هـ / 2013م

    عمل المحقق في خدمة الكتاب:
    – اعتمد في إخراج النص على مخطوطتين للكتاب: مكتبة القرويين بفاس – المكتبة الوطنية بالرباط.
    – جعل الفاسية هي الأصل لقدمها ووقلة سقطها وأخطائها مقارنة مع باقي النسخ.
    – خرج الأحاديث والآثار حسب الطاقة والجهد مع الاختصار.
    – عزى أقوال مالك إلى مصادرها.
    – ترجم لبعض الأعلام.
    – شرح بعض الكلمات التي تستحق ذلك.
    – ضبط نص الكتاب وقسمه إلى فقرات، مستفيدا من تقسيم د.القيسية في طبعته.
    – قارن بين النسخة الخطية والطبعات المتوفرة للكتاب، وأثبت الزيادات منها على المخطوط في الحواشي.
    – صنع فهارس علمية للكتاب.

    كما قدم للكتاب بمقدمة اشتملت على:
    – ترجمة موجزة للحافظ.
    – تحقيق اسم الكتاب وصحة نسبته للمؤلف.
    – طبعات الكتاب: مع الإشارة إلى ما وقع فيها من أخطاء (وما ذكرنته في التعليق السابق مستفاد منه).
    – وصف المخطوطتين.
    – بعض التحريفات والمواضع الساقطة من الطبعات.(23 صفحة!)

  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    من فضلك أريد الحصول على هذه الطبعة ولو جزء منها وشكراً مسبقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق