مركز الدراسات القرآنيةدراسات عامة

العلاقة مع الآخر في ضوء الأخلاق القرآنية

تناول العديد من المفكرين والخبراء موضوع العلاقة مع الآخر كل من زاوية تخصصه المعرفي، فألفت المؤلفات ونظمت الندوات وألقيت المحاضرات ونشرت المقالات والدوريات العلمية… حتى أضحى العنوان موضوعا من موضوعات العصر الرقمي، إلا أن قليلا منهم من قارب الموضوع مقاربة قرآنية، وحاول التأصيل للموضوع تأصيلا قرآنيا.

من هنا تأتي أهمية بحث موضوع “العلاقة مع الآخر في ضوء الأخلاق القرآنية” وما يرتبط به من إشكالات وقضايا قصد اكتشاف منهج القرآن، وإبراز مبادئه وتوجيهاته في المسألة. والموضوع في أصله رسالة تقدم بها الباحث لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في الدراسات الإسلامية، وحدة الفكر الإسلامي وحوار الأديان والحضارات، من كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض، بني ملال(2006م).

في طرح الإشكالية:

تتصاعد الدعوة إلى توحيد الأديان التي يتدين الناس بها في العصر الحاضر، لأن هناك من يعتبر الاختلافات في الأديان من أهم أسباب الاختلاف بين البشر، وتزيد من أسباب النزاع والصراع حتى قيل ” لا سلم بين الأمم بدون سلم بين الأديان “.كيف نظر القرآن الكريم إلى هذه القضية؟ وهل دعا إلى الدين الواحد والمجتمع الواحد أم أنه أكد على مبدأ التعدد والاختلاف؟ ما هي المبادئ التأسيسية العامة للنظرية الأخلاقية القرآنية في مجال العلاقة مع الآخر؟ ما هي حدود العلاقة مع الآخر قرآنيا؟ ما هو الأصل في علاقة المسلمين بالآخر: السلم أم الحرب ؟ هل تسهم النظرية القرآنية في مجال العلاقات الدولية في إنقاذ الأسرة الدولية ؟
إجمالا نعلم أن للقرآن سنن وبصائر وهدى ورحمة للكون والإنسان فما من شيء يرتبط بالكون أو الإنسان إلا وجاء القرآن بسنة أو بصيرة تؤسس الكيفية المثلى للتعاطي السليم والتعامل الحسن معه. فما منهج وسنن وبصائر القرآن في موضوع العلاقة مع الآخر؟.

في أهمية الموضوع:

يكتسي موضوع العلاقة مع الآخر أهمية خاصة في الفكر العربي الإسلامي والغربي على السواء، فكل طرف له تصوره الخاص به اتجاه هذا الآخر. هذا التصور ساهم في تأجيج الصراع بين الطرفين إلى حد الانفصال والقطيعة. وبالتالي اختلال الواقع الراهن للعلاقات فيما بين العالم الإسلامي وغيره من دول العالم.

إن للإسلام قدرات هائلة في مجال العلاقات الدولية، فقيم الإسلام العليا، والرؤية القرآنية الكلية للكون والإنسان والحياة كفيلة بتقديم الحل العملي لأزمات العالم الراهنة في مجال العلاقات الدولية، إذ بفضل قدرات الإسلام الاستيعابية، وبفضل قيمه المطلقة: قيم التوحيد وقيم الحق والعدل والمساواة والحرية … يمكن الإنسانية من تحديد القواعد الأساسية والقواسم المشتركة التي يمكن أن تجتمع عليها في جو من السلم والأمن. ومن ثم فإن إعادة طرح سؤال: ما هي حدود العلاقة مع الآخر؟ أصبح مدخلا من أهم مداخل بناء نظام عالمي للعلاقات الدولية، وفقا لرؤية مستقبلية مبنية على معايير النظرية الأخلاقية القرآنية في هذا المجال.

والموضوع على قدر كبير من الخطورة، إذ كيف يستقيم القول بسلمية العلاقة مع الآخر من منظور القرآن. والعالم الإسلامي يتعرض إلى ابتزاز تام وهجوم شرس يستهدف استئصال ثقافته والقضاء على هويته… أليس المطلوب إشاعة خطاب الصراع والحرب بدل إشاعة خطاب سلمية العلاقة ؟

 كما يجد هذا الموضوع راهينيته في كونه من أهم مواضيع علم السياسة التي نوقشت خارج دائرته، حيث غلبت الدراسات الدينية على وجهة نظر علم السياسة وعلم الاجتماع السياسي، الشيء الذي دفعنا إلى مناقشة الموضوع دينيا؛ لأن الكثير من الممارسات السياسية المرتبطة بالآخر – من كلا الطرفين – تجد تبريراتها في الدين أكثر من السياسة.

أهداف الموضوع:

هدفي من هذا البحث – أولا – هو بيان الأسس والمبادئ التأسيسية للنظرية الأخلاقية القرآنية في مجال العلاقات مع الآخر. والمقصود بالمبادئ التأسيسية هنا: مجموعة القيم والأخلاق العملية المستمدة من القرآن الكريم، والتي تمثل الإطار المرجعي الواجب على الأمة الإسلامية تبنيه والالتزام به في علاقاتها مع الآخر. ولهذا لن يكون من مهمتي في البحث تتبع النظريات والرؤى الاجتهادية التي قام بها علماء الإسلام، ومفكروه كجهد تنظري منهم لتنظيم العلاقات الدولية للمسلمين مع غيرهم في سياق المراحل المختلفة لتاريخ الأمة الإسلامية.

كما تروم الدراسة – ثانيا –  تأكيد إمكانية تطبيق النظرية الأخلاقية الإسلامية في مجال العلاقات الدولية، عن طريق تقديم الأدلة الواقعية وذلك بإبراز الممارسة العملية لأسس وضوابط العلاقة مع الآخر في المجتمع الإسلامي وخاصة في العهدين النبوي والراشد.

وتهدف الدراسة – ثالثا – إلى تأكيد صفة العالمية  والمبادئ التأسيسية للنظرية الأخلاقية القرآنية في التعامل مع الآخر ونفي عنها صفة المحلية أو القطرية.
كما تهدف الدراسة – رابعا – إلى تأكيد أحقية النظرية الأخلاقية القرآنية لتكون حلا ناجعا وفعالا لمختلف ظواهر الأزمة العالمية، من خلال إبراز مواطن القوة في هذه النظرية، والتي يمكن للعالم والبشرية الاستفادة منها وتقديمها كاستراتيجية عمل للحد من خطورة الأزمة التي تواجه الإنسانية.

المنهج المتبع في طرح الإشكالية:

أما المنهج الذي سأتبعه في تناول الموضوع والتعامل مع إشكاليته، فهو المنهج التحليلي النقدي؛ الذي يعتمد التفسير المنطقي القائم على الاستقراء والاستنتاج. وهذا يتطلب القيام بوصف للقيم الأخلاقية في القرآن المرتبطة بمجال التعامل مع الآخر، وتحليل لأسسها وأصولها التي منها تنطلق، واستشراف آفاقها وتحديد المدى الذي في وسعها بلوغه في تحريك الإنسان.

وغالبا ما سأضطر إلى المقارنة؛ لأن الأمر يتعلق بأنساق للقيم تنتمي إلى مرجعيات دينية مختلفة. وسيكون من مقتضيات هذا المنهج فحص وتحليل عينات القيم التي سأعالجها كلا في سياق البنية الكلية التي تنتمي إليها وهذا يتطلب بدوره التحلي بالقدر اللائق من الموضوعية بما يؤدي إلى كشف الحقيقة بعيدا عن كل تعصب مما يخدم أهداف هذا البحث خاصة ومطامح البحث العلمي عامة.

كما سأستخدم المنهج التاريخي في رصد طبيعة العلاقة مع المخالف دينيا، دون الوقوع في أسر التفاصيل التاريخية أو السرد التاريخي للأحداث؛ فالتاريخ هو مادة بناء بعض النماذج التاريخية الواقعية للعلاقة بين المسلم وغيره من أهل الأديان الأخرى، ومن ثم ضرورة المنهج التاريخي لاستخلاص دلالات تلك النماذج.

تصميم البحث:

وقد جاءت الدراسة في شكلها العام في مقدمة وخمسة فصول :
المقدمة، ضمنتها الحديث عن أهمية البحث وعرض إشكاليته، وإبراز المنهج المتبع لتناول ذلك، وتحديد مفاهيم البحث…ومدخلا، خصصته للإجابة عن أسئلة من قبيل :
ما هي دواعي وأسباب الاهتمام بموضوع العلاقة مع الآخر في بعدها الديني والثقافي والحضاري؟ ما موقف الفكر الإسلامي المعاصر إزاء هذه العلاقة ؟ أو بتعبير آخر ما هي مقاربات الفكر الإسلامي المعاصر لإشكالية العلاقة بين الحضارات؟ هل من منظور إسلامي في تحليل العلاقات الدولية؟.

أما فصول البحث الخمسة فقد جاءت على الشكل الآتي:

الفصل الأول: أصول الرؤية الإسلامية للعالم والعلاقة مع الآخر: مستويات التأصيل القرآني لضوابط العلاقة مع الآخر نظريا.

الفصل الثاني: منظومة القيم القرآنية في العلاقة مع الآخر.

الفصل الثالث: الممارسة العملية لأسس وضوابط العلاقة مع الآخر في المجتمع الإسلامي رؤية تاريخية.

التركيز على فترة صدر الإسلام وإيراد شواهد تاريخية من خلال رصد بعض مواقف النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين مع المخالف عقديا.

الفصل الرابع: الأخلاق القرآنية والشهادة الكونية.

الفصل الخامس:  من أجل بناء قوي للذات للشهود على غير الذات ( الآخر).

أما الخاتمة فقد ضمنتها نتائج البحث، وخلاصاته الأساسية.

د. محمد الناصري

باحث في الفكر الإسلامي وحوار الأديان والحضارات

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق