وحدة الإحياءنصوص مترجمة

الجيل الثالث من حقوق التآزر.. ما الذي يمكن أن تستفيده الحركة العالمية لحقوق الإنسان من الشريعة الإسلامية؟

د. جاسون مورغان فوستر[1] 

ترجمة الدكتور تاج الدين المصطفى

أستاذ التعليم العالي/الإمارات العربية المتحدة 

انصب الجدل الدائر حول عالمية حقوق الإنسان على مدى الاختلاف الموجود بين القانون الدولي لحقوق الإنسان والممارسات الثقافية المحلية. وحاول حل هذا الإشكال لحساب النموذج المعرفي الدولي. إلا أن القليل من الاهتمام قد وجه للآراء التي تعتبر أن ثمة ما يمكن للقانون الدولي حول حقوق الإنسان أن يتعلمه من النظم القانونية غير الغربية.

يركز هذا البحث على مبحث محدد وهو: تصور الجماعة للواجبات الفردية. ففي القانون التقليدي لحقوق الإنسان فإن الحقوق ظاهرة، أما الواجبات فتبقى عادة ضمنية ومحط جدال وفقيرة من حيث التنظير. وفي المقابل، فإن النظام القانوني الإسلامي يقدم نموذجا معرفيا متطورا حول المبادئ الجمعية المؤسسة على الواجبات الفردية. ويدافع هذا البحث عن فكرة أن تحقيق المصالحة بين النموذج المعرفي القائم على الحقوق وذلك القائم على الواجبات أمر ممكن بل ضروري من أجل تقنين الجيل الثالث من الحقوق المرتبطة بالتآزر مثل الحق في التنمية والحق في البيئة الصحية والحق في السلم.

مثلت إشكالية عالمية معايير حقوق الإنسان تحديا للعلماء لعقود[2]. وهي إشكالية على قدر كبير من الأهمية من وجهة نظر عملية؛ فإن حقوق الإنسان يتم تجاهلها، قطعا، إن لم يكن لها معنى داخل ثقافة ما[3]. ولأن الشرعية الثقافية أمر حاسم للخضوع [لإلزامات تلك الحقوق]، فإن الجهود الرامية إلى حشر القانون المحلي والدولي في البحث عن القيم الكونية ينبغي تشجيعها. والنتيجة النهائية [لهذا المسعى] لن تدعم الشرعية الثقافية فحسب، بل إنها ستكون أكمل؛ نظرا لاستفادتها من الحكمة الجامعة لكل النظم القانونية جاعلة القانون الدولي لحقوق الإنسان أكثر تطبيقا و[إلزاماته] أكثر جاذبية لكل المجتمعات.

يقدم هذا البحث تحليلا لموضوع محدد، حيث تنطلق الجهود لإيجاد قيم كونية لحقوق الإنسان من تعاليم النظم غير الغربية، وهو: أهمية الواجبات الفردية للجماعة. في القوانين الدولية لحقوق الإنسان نجد الحقوق صريحة وبارزة، في حين أن الواجبات فيها ضمنية ومثيرة للجدل وفقيرة من حيث التنظير. وفي العديد من النظم القانونية والأخلاقية والدينية مثل الشريعة الإسلامية واليهودية والمسيحية والهندوسية والكونفوشيسوسية فإن العكس هو الصحيح[4].

ولأن النموذج المعرفي المؤسس على الحقوق وذلك المؤسس على الواجبات مبنيان على افتراضات تجد أصولها في الثقافات التشريعية، فإنه من الصعب تحقيق مصالحة بين النموذجين ضمن نظرية كونية مقبولة [لدى الجميع]. ويفترض هذا البحث أن هذا المسعى ممكن في المجال الذي يطلق عليه “الجيل الثالث” لحقوق الإنسان مثل: الحق في التنمية والحق في البيئة الصحية والحق في السلم؛ لأن هذه الحقوق تتضمن الحقوق والواجبات الفردية معا.

 ولحد الآن، فإن جانب الواجبات الفردية مهمل لدى شراح [القوانين] الدولية لحقوق الإنسان. ولقد وجد الباحث، حين فحص المفاهيم الإسلامية حول الجيل الثالث من حقوق التآزر والتضامن، أن ثمة تفسيرا مختلفا لطبيعة هذه الحقوق نظرا لتركيز [التشريع الإسلامي] على جانب الواجبات الفردية. ولن يزيد هذا التصور لفهمنا لهذه الحقوق فحسب، بل إن حضورها في التشريع الإسلامي سيسهم إيجابيا في الجدال الدائر حول عالمية حقوق الإنسان.

ومع أن لفيفا من العلماء قد ناقشوا أهمية الواجبات الفردية في التشريعات المحلية والإقليمية[5]، ومن ضمنها دراسات حول دور الواجبات في الشريعة الإسلامية[6]، فإن أيا منهم لم يقم بفحص قدرة المفاهيم الإسلامية على التأثير في فهمنا للقانون الدولي لحقوق الإنسان في سياق الجدال الدائر حول عالمية الحقوق الإنسانية. وفي الواقع، فإن الأغلبية الساحقة من الدراسات المقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي لم تتخلص من النموذج المعرفي الدفاعي حيث اكتفت بالدفاع عن الشريعة الإسلامية حين مقابلتها بالمعايير الدولية عوضا عن [الاهتمام بكيفية] تبني القانون الدولي للمبادئ الإسلامية.

في كتابها المرجعي عن الإسلام وحقوق الإنسان، كتبت الأستاذة Ann Mayer أن “الأسئلة التي طرحها التشريع الإسلامي لم يُشَر لها في الدراسات الأكاديمية حول حقوق الإنسان الدولية إلا عرضا ومن أجل مقارنتها مع المعايير الدولية أو توضيح المشاكل التي تعتور عملية إدخال المعايير الدولية إلى العالم النامي[7].”

ويتساءل [الباحث] في هذه الورقة عما يمكن للشريعة الإسلامية أن تضيفه للحركة العالمية لحقوق الإنسان وخصوصا في مجال الواجبات الفردية. ويفيدنا هذا المسعى] في التدليل على أن الحركة الدولية لحقوق الإنسان، في اعترافها المتنامي بأهمية الواجبات الإنسانية سوف تسهم في بلورة نواة مشتركة من القيم العالمية تكون النظم المحلية غير الغربية أساسا لها.

في الجزء الثاني [من هذا البحث] سنقوم بفحص للأسس النظرية للجدال الدائر حول عالمية حقوق الإنسان، مركزين على الاختلافات بين النزعة العالمية والنزعة الثقافية النسبية المعتدلة ونظريتي [المبنية] على النزعة النسبية العكسية.

وفي الجزء الثالث سنعمد إلى دراسة دور الواجبات الفردية؛ منطلقين من مناقشة العلاقة بين الحقوق والواجبات. وبعد تلمس آثار الحضور التاريخي للواجبات في النظرية السياسية الغربية، والتي سادت منذ اليونان إلى القرن الثامن عشر على الأقل، فإننا سندلل على أن الواجبات قد غابت وبشكل جوهري من النموذج المعرفي الحديث حول حقوق الإنسان. وسنختم هذا الجزء بإجراء مقارنة بين الشريعة الإسلامية حيث التركيز الراسخ على الواجبات و[النظرية الغربية] تاريخيا وأيضا في التطبيقات المعاصرة للشريعة الإسلامية.

وفي الجزء الرابع سنقوم بفحص للولادة الجديدة للواجبات في النموذج الدولي للحقوق الإنسانية بوصفها عنصرا من عناصر الجيل الثالث من حقوق التآزر مثل الحق في التنمية والحق في البيئة الصحية والحق في السلم.

وبعكس مفهوم الواجبات التلازمية، الذي يوجد خارج الحقوق ويكملها، فإن الجيل الثالث من حقوق التآزر يجعل من الواجب الفردي عنصرا من عناصر الحق في ذاته. وعلى الرغم من هذا التقدم الذي تحققه الواجبات فإن عنصر الواجب الفردي ظل بعيدا عن دائرة التركيز. ومن خلال فحصنا لمفهوم الجيل الثالث لحقوق التآزر في الشريعة الإسلامية  فإننا سنطبق وبشكل معمق [نظريتنا] النسبية المعتدلة العكسية موضحين أنه في الوقت الذي كان فيه الواجب جزءًا هشا وجديدا للجيل الثالث من حقوق التآزر في الفهم الدولي للحقوق، فإن الرؤية الإسلامية لهذه الحقوق ذاتها ما فتئت مؤسسة على الواجبات. وبعد ذلك سنرد على بعض الانتقادات الموجهة إلى الجيل الثالث من حقوق التآزر.

في الجزء الخامس سنحاول استنادا إلى منهجية النسبية المعتدلة العكسية نقل عناصر النموذج الإسلامي في الواجبات إلى قانون حقوق الإنسان. وبعد تقديم خلاصة جامعة عن التشريع الإسلامي المركب للواجبات فإننا سنقترح بعض المجالات الممكنة حيث يمكن للنموذج الإسلامي إنارة النظرية العالمية لحقوق الإنسان. ومع أن هذا النقل يناسب الجيل الثالث لحقوق التآزر على وجه الخصوص، فإنه سيكون مفيدا لحقوق الإنسان كلها.

أولا: الجدال حول العالمية والنظرية النسبية المعتدلة العكسية

مثل سؤال عالمية حقوق الإنسان تحديا للعلماء منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948. ولقد كانت الجهود المبذولة لبناء فقه قانوني للحقوق مناسب للإنسانية جميعها محط ثناء لدى البعض وتجريح لدى آخرين. واتخذت هذه الجهود أشكالا ثلاثة:

 في الجهة القصوى نجد الكونيين الذين يرون أن حقوق الإنسان جميعها يمكن تطبيقها في كل الثقافات[8]، وهو موقف لا يمكن الدفاع عنه لأنه يقصي التوترات الموجودة بين مختلف الثقافات عن طريق تجاهلها بكل بساطة. وفي الجهة القصوى الأخرى هناك [أصحاب الرؤية] النسبية الصارمة الذين يعتقدون أن التنوع الثقافي كبير إلى درجة [يستحيل معها] وجود أي نوع من المعايير العالمية المشتركة[9]. وهناك مقاربة ثالثة يقدمها [أصحاب النزعة] النسبية المعتدلة الذين يقبلون بالاختلافات الثقافية إلا أنهم يحاولون جاهدين إيجاد جوهر جامع للمعايير العالمية[10].

ولعل أحسن مثال لذوي النزعة النسبية المعتدلة في الشريعة الإسلامية العمل المميز للأستاذ أحمد عبد الله النعيم حول تأويل النصوص الإسلامية (القرآن والسنة) التي تنسجم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان[11]. أصحاب النزعة النسبية المعتدلة من أمثال النعيم قبلوا المساواة بوصفها حقا جوهريا مشتركا بين كل الثقافات. وكتاباتهم حول المساواة بين الجنسين[12] والمساواة بين المجموعات الدينية[13] والمساواة في مجالات أخرى[14] في الإسلام كانت ثرة وغزيرة، إلا أنها، ومن دون شك، مثيرة للجدل[15] وفي تصوري فإنها [تبقى] قيمة. كما أن النتائج العلمية للنزعة النسبية المعتدلة كانت واضحة و[تجلت] في زخم الجهود السياسية والقانونية لإعادة تأويل الشريعة الإسلامية بما يتناسب مع حقوق الإنسان. [حدث هذا] أولا في تونس منذ نصف قرن مضى ويحدث الآن في المغرب[16].

ويتلاقى مع هذه الجهود الحميدة خطاب آخر [نراه] مبررا. فحيث يستمر العلماء في تحليلهم ودفاعهم عن تحرك قانوني نحو المعايير الدولية في مجالات بعينها مثل حقوق المرأة، ينبغي أن يوازي ذلك حوار فاحص لمدى إمكانية تحرك القانون الدولي لحقوق الإنسان نحو المعايير الإسلامية في مجالات أخرى. وهذا الرأي قدمه النعيم في دراسة متأخرة حيث أشار إلى أن حركة حقوق الإنسان لا يمكن أن تثمر “ما دام هناك تصور إقصائي في الكتابات الغربية حول مفهوم حقوق الإنسان ونتائجه المعيارية[17].”

في دراسة سابقة، اقترحت نظرية جديدة وهي النسبية المعتدلة العكسية. وسيرا على منوال النظرية النسبية المعتدلة، فإن [نظيرتها] العكسية تسعى هي أيضا إلى تطوير مجموعة من المفاهيم الحقوقية المشتركة بين الثقافات إلا أنها تقوم بذلك بشكل عكسي. فبينما تجعل النسبية المعتدلة من القانون الدولي لحقوق الإنسان معيارا محايدا [للحقوق الإنسانية] ينبغي أن تنجذب إليه النظم التشريعية الأخرى لصياغة المعايير العالمية المشتركة، فإن النسبية العكسية تستكشف النظم التشريعية غير السائدة بوصفها المعيار المحايد الذي ينبغي أن يصل إليه القانون الدولي في مجالات محددة[18].

 وحيث أن من غير الضروري أن تدعي أي ارتباط سببي سابق بين النظم التشريعية غير السائدة والتطور الحاصل في القانون الدولي[19]، فإن مجال اهتمام النسبية العكسية المعتدلة، من باب أولى، هو التصور المستقبلي للمعايير العالمية. وتدافع [هذه النظرية] عن إعادة بناء الجدال الدائر حول العالمية [بنقله] من [المعايير] المحايدة المركزية والسائدة إلى معايير محايدة متنوعة وغير سائدة إلا أنها [تتضمن بالقوة] معايير محايدة أكثر عالمية[20]. وهذا أمر ممكن على مستويين:

أولا موضوع النظرية النسبية العكسية المعتدلة، وهو ما ركزت عليه في بحث سابق، والذي ركز على السعي إلى الوصول إلى حيث تتعولم الحقوق الدولية في اتجاهها نحو معيار موجود سلفا في النظم التشريعية غير السائدة والإقرار بذلك. ثانيا منهجية النظرية النسبية المعتدلة التي سينصب عليها اهتمامنا في آخر هذا البحث والهادفة إلى نقل أوجه من النموذج غير السائد [في الحقوق] إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان من أجل التسريع في نمو معيار دولي وليد وتيسير ذلك.

إن الجمع بين النسبية الثقافية المعتدلة في بعض المجالات مثل المساواة والنسبية المعتدلة العكسية في مجالات أخرى مثل الرعاية الاجتماعية هو الطريق الأوحد لتأسيس أشد المعايير العالمية في حقوق الإنسان ملاءمة: مجموعة من الحقوق المتسامحة مع الثقافة المحلية وفي الوقت ذاته لا تقبل تلك الثقافة بشكل كلي. ويقوم هذا البحث بفحص لمجال [محدد] يمكن أن نطبق فيه النظرية النسبية العكسية من أجل الوصول إلى معايير عالمية في حقوق الإنسان. وهذا المجال هو وجود الواجبات ضمن النموذج المعرفي للحقوق من خلال مدارسة [لمفهوم] الواجب في الشريعة الإسلامية.

ثانيا: تمهيد حول الواجبات

ثمة علاقة بنيوية وترابط تاريخي بين الحقوق والواجبات. إلا أنه حدث نوع من التقديس للغة الحقوق في النموذج الدولي لحقوق الإنسان وبقي [الخطاب] حول الواجبات متخلفا. والتركيز الأحادي على الحقوق أمر مدمر. ومع أن [هذا التوجه الأحادي] ليس من طبيعة الفكر الغربي، إلا أن الاعتراف بالواجبات مثل منطلقا للرؤى المعاصرة التي استندت إلى [الجهود] الماضية في إقرارها [بدور] الواجبات في المجتمع.

وبعد مناقشة للتكامل بين نموذجي الحقوق والواجبات فإن هذا الجزء من البحث سيقوم بتتبع ظهور النموذج المعرفي للواجبات وأفوله في الفكر الغربي. وسندلل على أن الواجبات وإن اضطلعت بدور مهم في الفكر السياسي الغربي إلا أنها ضاعت في النموذج المعرفي الحديث ذي الحساسية ضد الواجبات على حساب [التصور] الكلي لحقوق الإنسان. وبعد ذلك سنقارن [النموذج الغربي] بالفقه الإسلامي المؤسس على الواجبات.

1. الحقوق والواجبات: نموذجان أفضل من نموذج واحد 

إن بنية معيارية مؤسسة على الحقوق قادرة على التعامل الفعال مع مشكلات اجتماعية مختلفة أكثر من تلك المؤسسة على الواجبات؛ فمثلا في دراسته لترتيب الواجبات في التشريع اليهودي يرى الأستاذ روبرت كوفر أنه بينما “[نجد] امتيازا نسبيا للواجب في مجال الحقوق الجماعية، فإننا [نجد]… امتيازا للحقوق مقابلا له في مجال المشاركة السياسية[21]“. ويشرح كوفر الأسباب التي تجعل نموذج الواجبات أفضل من نموذج الحقوق في مجال الحقوق الجماعية قائلا: “لقد تبين بالدليل ضعف فقه الحقوق في إعطاء الضمانات الملموسة للحياة والكرامة من الجماعة إلى الفرد.

 وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن الحق في الرعاية الصحية والحق في الرزق والحق في التعليم، فإننا نصطدم وبشكل دائم بحقيقة أن هذه المجازات البلاغية فارغة من أي معنى لأن الحق في الحرية والحق في عدالة التقاضي ليسا كذلك؛ [أي ليسا من الحقوق].

 وحينما يكون الموضوع مقيدا بالقوة فإن الحديث عن مبدإ القيد يبقى بسيطا… إن وضوح المبدأ راجع إلى أن المخاطب به يبقى واضحا على الدوام مهما كان ممن يمكنهم تهديد الحق موضوع الحديث. غير أن الحق في التعليم ليس مبدأ واضحا إلا إذا عرفنا المخاطب به. وحينما نتعامل معه لوحده فإنه يعد احتياجا [وليس حقا]. هنا نفقد المقدمة المنطقية الثانية والتي لا يمكن إيجادها إلا من خلال مبدأ الواجب[22].”

وفي الوقت الذي ثبت فيه ضعف نموذج الحقوق في ضمان الحقوق الجماعية، فإن هذه الحقوق تنسجم طبيعيا مع نموذج الواجبات والذي يحققها عن طريق ما يكون واجبا على أفراد الأسرة والمعلمين والأقارب وأفراد المجتمع وغيرهم[23]. وفي المقابل فإن كوفر يدلل على أن نموذج الحقوق أفضل حين التعامل مع [الحق] في المساواة لأن ما يمكن إدراجه في نموذج الحقوق بشكل واضح من قبيل الحق في المساواة يمكن إعادة بنائه بتوازن معقد مع الواجبات المقابلة حينما تنقل [تلك الحقوق] إلى نموذج الواجبات[24].

وبينما تندرج المساواة بين الجنسين بشكل صريح ضمن فقه الحقوق[25]، فإن نموذج الواجبات يمكنه تحقيق المساواة الجوهرية عن طريق: “أولا: الاستدلال لصالح المساواة في الواجب بوصفه المعبر الوحيد إلى المساواة في المشاركة. وحيث إن ثمة أسبابا تبرر الحديث عن التفاوت في الواجبات مثل القدرة على الإنجاب فإنه، مع ذلك، لا يمنع من أي طريق صريح من المساواة الكاملة في المشاركة. وتذهب أدبيات الحقوق إلى جوهر هذه القضية لأنها تمنع من إسقاط الشخصية على من يناوئ أو يتجاهل [الحق]. إن حقيقة هذا التجاهل أو العداء أو الإكراه هو ما [تسهم] أدبيات المسؤولية في إخفائه عن طريق التخفيف من أسبابه في أحسن الأحوال وفي أسوئها عن طريق القناع الإيديولوجي للإكراه العادي[26].”

إن الاعتراف بنقاط القوة والضعف التي ذكرناها في النموذج المؤسس على الحقوق وذلك المؤسس على الواجبات وهو حل يستفيد من الطرفين، فكرة إيجابية بشكل واضح. وكما سندلل فيما بعد، فإن هذا بالضبط هو النظام الذي يقترحه الجيل الثالث من حقوق التآزر. لماذا، إذن، تأخر هذا النوع من الحقوق في الوصول [إلى محطته] ولماذا بقي غفلا عن التطوير حتى بعد وصوله؟ إن الجواب يجد جذوره في التصور التعميمي الخاطئ لجوهر الحقوق والواجبات. وهو التصور الذي يركز على الاختلاف الشكلي لوسائلهما عوضا عن التركيز على مقاصدهما الوظيفية المتساوية. إنه لمن الخطأ التمييز بين الحقوق والواجبات بناء على الناحية الشكلية؛ والسبب أن أنواعا من الحقوق وأنواعا من الواجبات في ذاتها تتباين فيما بينها تباين الحقوق والواجبات. ولقد أشار ستاينر وألستون، على سبيل المثال، إلى “أن الحقوق ليست أكثر تحديدا من جهة المعنى ولا أقل في خضوعها لتأويلات ونزاعات متنوعة بين الولايات والدول من أي مفهوم أخلاقي أو سياسي أو قانوني آخر مثل الملكية أو السيادة أو الاتفاق أو الأمن القومي[27].”

وعلى المهيع نفسه فإن كوفر يحذر من أنه “لن يقصد ولو للحظة أن الانطلاق من الحقوق ومن العقد الاجتماعي قد يؤدي إلى مقصد ما[28].”

وعوضا عن شيء محدد قاطع وذي بعد واحد، فمن الأفضل تصور مفهوم الحقوق تصورا وظيفيا وهو ما يطلق عليه كوفر: المصطلح الجوهري والذي تخلق حوله الثقافة نماذجها المعيارية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية[29]. وكما أن الحقوق مصطلح جوهري في الثقافة الغربية الليبرالية، فإن الواجب هو المصطلح الجوهري المكون للنموذج المعرفي في الثقافات الإسلامية واليهودية والهندوسية والمسيحية والكونفوشيوسية وغيرها[30].

وحين النظر إليهما وظيفيا وليس شكليا، فإن الحقوق والواجبات لن يعدوا أن يكونا سعيين نحو هدف واحد وهو بناء نظام معياري واجتماعي وسياسي وأخلاقي[31].

وعلى سبيل المثال، فإن “مشود بدرين” يرى أن موضوع الشريعة ومقاصدها [رعاية] مصالح الناس ودفع الضرر [عنهم][32] وهو هدف لا شك ينسجم مع الهدف من حقوق الإنسان العالمية. “فبينما تهدف حقوق الإنسان تحديدا إلى حماية حقوق الأفراد فإن الهدف الأسمى هو كذلك ضمان مصالح الناس ككل حيثما كانوا. إن حماية مصالح الأفراد يضمن في النهاية مصالح المجتمع والعكس صحيح. وهذا ما يجعل مبدأ المصلحة مناسبا جدا في مناقشة حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية[33].”

إن مبدأ المصلحة مهم لسببين:

أولا؛ لأن موضوع الشريعة الإسلامية ومقاصدها يمثل تحديا للرؤية التي تعتقد أن النموذج المؤسس على الواجبات لا مقصد له بالكلية. وكما أشار “جاك دونيللي” فإن “العرف قد جرى على التمييز بين نظريات الواجب… والنظريات الغائية. في الأولى فإننا ملزمون فقط بالعمل الصالح (أو القيام بالواجب) بغض النظر عن آثاره الحسنة أو السيئة[34]“، وفي المقابل فإن ربط النموذج المؤسس على الواجبات في الشريعة الإسلامية بمقصد رعاية المصلحة ودرء المفسدة يستبق نظرية [جديدة] مؤسسة على الواجبات وفي الوقت ذاته على المآلات.

ثانيا؛ وهو أمر أكثر أهمية، فإن جوهر موضوع الشريعة الإسلامية ومقصدها؛ وهو مبدأ المصلحة يمكن أن يكون، كما ذهب إلى ذلك محقا ب”درين”، آكد في انسجامه مع أهداف الحركة العالمية لحقوق الإنسان. وإذا قبلنا هذا الاستدلال المبني على المقاصد المشتركة واعترفنا بالتحديات والنجاحات والاستراتيجيات والبنيات الناتجة عن اختيارنا لأحد النموذجين المؤسسين إما على الواجبات أو الحقوق، فإن النتيجة هي أن مقاربة تسعى إلى الوصول إلى تلك الغايات المبتغاة ستصهر نقاط القوة في النموذجين [في بوثقة واحدة]. وبهذا يمكن للتصور المنطلق من الواجبات أن يمثل مكملا ضروريا للتصور المنطلق من الحقوق والذي لن يكتمل بدونه؛ إذ يتفوق الأخير في بعض المجالات مثل المساواة في حين يتفوق الأول في مجالات أخرى مثل الرعاية الاجتماعية.

في الجزء الموالي سنبين أن الفكر السياسي الغربي، وإن ركز في بداياته على الواجبات، فإن هذه لم يعد صحيحا في التطبيقات الحديث عكس الشريعة الإسلامية التي [تمثل] فقها مؤسسا على الواجبات. ومن أجل إعادة الحياة لدور الواجب ضمن حقوق الإنسان العالمية، فإن ما تبقى من البحث [سيخصص] لفحص عميق لنموذج الواجب الإسلامي وسنختمه بمحاولة لنقل أوجه من هذا النموذج إلى النظرية القانونية لحقوق الإنسان العالمية.

2. الحضور القوي للواجبات في الفكر السياسي الغربي

لمفهوم الواجب جذور قوية في الفكر السياسي الغربي. يقول الأستاذ هودسون: “احتل مبدأ الواجب موقعا مهما في الفلسفة السياسية والاجتماعية وكذا في التفكير [الغربي] إلى أن تفوق عليه حديثا مبدأ الحقوق الفردية بشكل نسبي[35]“. ويجد التركيز على الواجب نحو المجتمع في الفكر الغربي جذوره في الفلسفة اليونانية؛ لقد عد أرسطو (384-322 ق. م) الفرد جزأ من كل وليس ذرة منفصلة مع كل ما يلزم عن ذلك من واجبات[36]. واعتقد أنه “ليس حقا… أن يعتقد الفرد أنه ينتمي لنفسه فقط[37]“، وأكد في كتابه المعتمد: السياسة على الأهمية الراسخة للجماعة[38] حيث تكون مجموعة من الجماعات المدينة/الدولة والتي هي “سابقة من حيث الطبيعة على الفرد[39]“.

 وبالإضافة إلى كتابه المؤسس هذا حول مفهوم الجماعة، فقد طور أرسطو أيضا مفهوم القانون الطبيعي وهو “[جملة] قواعد القانون الطبيعي أو العدالة الطبيعية الصالحة عالميا والتي تسمو على القوانين المحلية والعادات [المتبعة]… وهي [قواعد] تنبع من المشترك في الطبيعة الإنسانية… وقادرة على أن تكون مفهومة بواسطة العقل البشري[40]“.

 هكذا فإننا لا نجد في كتابات أرسطو سابقة تاريخية للجيل الثالث لحقوق التآزر فقط، بل نجد عنده سابقة لأصول النسبية الثقافية المعتدلة حيث الإنسان العاقل مزود بالقدرة على الفرز الصحيح للحقوق الكونية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أهمية الواجب الفردي للجماعة جلي في اشتقاقات الكلمات اليونانية واللاتينية، وهما الثقافتان اللتان تمثلان أساس المجتمع الغربي. مثلا كلمة المواطن في اليونانية polites أو “العضو في النظام المدني[41]” [وهي كلمة ترد في] مقابل كلمة idios أو الفرد وتعني: شخصي أو خاص كما أنها تعني: منعزل أو جزئي أو حتى متمايز أو غريب[42].

 كما أن الأستاذ “سيلبورن” حلل اشتقاق كلمة: civic المشتقة من الفعل اللاتيني ciere؛ أي حشد. وعليه فإن كلمة citizen تعني: “الذي يحتشد بمقتضى مبدإ الواجب للاجتماع والتشاور مع أقرانه حول أمن وسعادة النظام المجتمعي الذي ينتمي إليه[43]“، ويحدد المواطن في الثقافتين اليونانية واللاتينية “بمسؤوليته المشتركة الفاعلة عن أمن وسعادة النظام المدني والذي هو في الآن ذاته مصدر امتيازاته وحقوقه: فالواجب هو المواطنة أولا ثم يأتي الحق في المرتبة الثانية[44].”

وبعد أرسطو بنحو من خمسة عشر قرنا أعلن الإيطالي “توما الأكويني” (1225-74م) “انسجام العقيدة المسيحية مع الفلسفة الأرسطية[45]“. وعلى غرار أرسطو، فإن مفهوم الجماعة كان مركزيا لدى الأكويني في رؤيته للسلوك الصالح[46]، كما تابعه حينما اعتقد أن قدرة البشر العقلانية تسمح لهم بمعرفة مبادئ القانون الطبيعي[47] إلا أن الأكويني ركز على مكانة البشر بوصفهم مخلوقات الله ذات المصير الإلهي أكثر مما ركز عليه أرسطو في مدينته العلمانية. وبالنسبة للأكويني فإن القانون الطبيعي هو: “المشاركة العقلانية في القانون الإلهي الأزلي[48]“، وبربطه بين القدرة الإنسانية على معرفة مبادئ القانون الطبيعي ومكانة الإنسان بوصفه مخلوقا إلهيا، فإن فلسفة الأكويني توازي عن قرب مفهوم الاستخلاف الإسلامي الذي سيتم فحصه لاحقا في هذا البحث[49].

وفي القرن السادس عشر في إيطاليا فإن “نيكولاس ميكيافيلي” (1469-1527م) قد ساهم وبشكل مميز في [توضيح] مكانة الواجب الفردي والاهتمام بالمجتمع في الفكر الغربي. لقد آمن بأنه “لا يمكن لأي جمهورية أن تبقى مستقلة عن [نفوذ] جيرانها وحرة داخل حدودها إلا إذا قبل أفرادها بالواجبات المدنية بوصفها جزأ صميما من حريتهم الفردية[50]“. إن ربط الواجبات المدنية للأفراد بالعلاقات الدولية للجمهورية في كتاب ميكيافيلي توقع سابق للحق في السلم بوصفه حقا من حقوق الجيل الثالث لحقوق التآزر، كما أنه يوضح جانب الواجب الفردي فيه. وفي كلا الكتابين لميكيافيلي فإن لمفهوم الفضيلة أو بالأحرى الروح الجماعية مكانا مركزيا [في تفكيره][51] حيث ويرى أن الروح الجماعية “هي ما يضمن الاستقلال ويمنع من الفساد ويبقي على حرية الأفراد[52].”

ولقد أثر أصحاب العقد الاجتماعي من القرن السادس عشر مرورا بالقرن الثامن عشر التأثير العميق في الفهم الغربي للعلاقة بين الفرد والدولة. ولئن ركز من سبقهم على أهمية الجماعة والوعي المدني فإن كتابات “توماس هوبز” و”جون لوك” و”جون جاك روسو” هي التي حركت البعد الاجتماعي للوجود الإنساني لتجعله مفهوما خاصا بالفرد المستقل[53]. وخدمة لأغراض هذا البحث، فإن المميز في هذه النقلة هو جهود هؤلاء المفكرين في استمرار تركيزهم على أهمية الجماعة مع احتفائهم بالفرد ليؤسسوا بذلك لمبدأ واجب الفرد ضمن استقلاله.

ومع أن هوبز (1588- 1679م) قد ركز على الحرية الفردية الموجودة طبيعة بمعزل عن الواجبات المدنية[54]، فقد أعلن أن من بين أهداف القانون في حد ذاته “تشجيع خدمة الناس لمصالح الجماعة”[55]. وعلى غرار هوبز، فقد أكد جون لوك (1632-1704م) أيضا على الحرية الفردية لكنه آمن أن بعض الحقوق تمارس بشكل أفضل جماعيا وينبغي تفويضها للحكومة عن طريق القبول الفردي[56]. أما جون جاك روسو (1712-78م) وهو أحد المفكرين الأكثر تأثيرا في القرن الثامن عشر، فقد دعا إلى إعادة بناء العقد الاجتماعي لتحقيق الانسجام بين النزعة الجماعية القديمة مع مجتمع القرن الثامن عشر ولهذا فقد جمع بين الحرية الفردية والمصلحة العامة[57].

 ولقد أشار “هودسون” إلى أن “الحقوق المدنية الفردية، وكذا الحريات أمران مهمان بالنسبة لروسو إلا أنه ينبغي تأويلهما وتنفيذهما في سياق الإرادة والمصلحة الجماعيتين بل وفي بعض الأحيان [ينبغي] عدهما تابعين لتلكما المصلحة والإرادة[58]“. وبالفعل فقد أعلن روسو أن “الناس ما يلبثون أن يتوقفوا عن اعتبار الخدمة الجامعية بما هي الواجب الأساس  للمواطن… حتى نعلن، تقريبا، أن الدولة على شفا البوار[59]“. وعليه فلئن دعمت اليونان الأرسطية أهمية الجماعة في الفكر الغربي، فإن العقد الاجتماعي لروسو جمع بين الاهتمام بالجماعة والحرية الفردية والاستقلال الفردي في مزيج منتج.

وعلى الرغم من عده المؤسس لليبرالية البريطانية الحديثة من خلال تركيزه على الحرية والاستقلالية والكرامة الفردية، فإن “جون ستيوارت مل” (1806-1873م) “يبدو معترفا بأن مبدأ الواجب الفردي ليس نقيضا أو حتى متنافرا مع المثل الليبرالية[60]“. في كتابه: “عن الحرية” جعل “مل” من القيام بالواجب نحو الآخرين مرادفا للأخلاق الاجتماعية[61]. لقد آمن بأنه “من المعقول إلزام المواطن بتحمل نصيب عادل من “العمل المشترك والضروري لخدمة مصلحة المجتمع حيث ينعم بالحماية”، كما آمن بأن “الأشياء التي تظهر بداهة بأنها واجبة الأداء على الفرد تجعل منه، حقا، مسؤولا أمام المجتمع إن لم يقم بها[62].”

يقول: “إن الإنسان القانع أو الأسرة القانعة ممن لا طموح لهم…لتعزيز مصالح بلدهم أو محيطهم… لا يثيرون فينا إكبارا ولا قبولا[63].”

وأخيرا فإن “مزيني” قابل بين “الفتنة العمياء للأنانية” و”صراط الواجب[64]” قائلا: “تبا لك ولمستقبلك إن كان احترامك الذي تدين به لما يمثل حياتك الفردية سيرتكس في أنانية مهلكة”، أو كانت حريتك مختزلة في “فردانية دنيئة لا أخلاقية” حيث “الأنا هي كل شيء[65]“.

ومع كون هذه العينات من أفكار الممثلين للفكر السياسي الغربي مختصرة، [فيمكن أن نستنتج منها] إلى جانب أصول مصطلحات هذا الفكر، أن أهمية الواجب الفردي مسألة لا جدال حولها. ولكن وللأسف وكما أشار إلى ذلك هودسون فإن هذا التاريخ الغني للواجبات الفردية تم محوه تدريجيا من خلال إعادة تعريف الحرية تعريفا ركز على الاستقلال الفردي عوض تقاسم السلطة الاجتماعية[66]، تعريفا للحقوق بوصفها ورقة للكسب عوضا عن عدها حرية مقيدة[67]، وكذا من خلال ظهور [الشعار القاهر]: “سياسة الحق بدون واجب[68]“.

ومع ذلك، فإن هذا الرسوخ [للواجبات] في الخطاب الاجتماعي والسياسي الغربي، فإننا نعتقد أن الواجبات قد تظهر من جديد في الخطاب التشريعي العالمي. وما تبقى من هذا الجزء [سنخصصه] للمقابلة بين ضمور الواجبات في القانون الدولي لحقوق الإنسان وحضورها القوي في الشريعة الإسلامية قبل أن نحاول لاحقا إعادة دمج الحقوق والواجبات مستندين في ذلك على الشريعة الإسلامية.

3. تدهور الواجبات في القانون الدولي لحقوق الإنسان  

إن القيمة التاريخية للواجبات لم تستصحب داخل الحركة العالمية لحقوق الإنسان نظرية وتطبيقا[69] من حيث النظرية، فإن مفكري الغرب اختزلوا أغلب الواجبات في القيام بدور المساعد للحقوق التلازمية المؤسسة على الحقوق. وعلى سبيل المثال، فإن “جوزف راز” يرى أن “القول بأن شخصا له حق مرادف لقولنا إن مصلحته مبرر كاف لإخضاع شخص آخر للواجب [الملازم لذلك الحق][70]“، ومع أن هذا يعطي دورا مهما للواجبات، وبالفعل فإن تعريف “راز” للحقوق مرتبط بالواجبات الملازمة، فإن هذا [الرأي] متمركز حول الحقوق المنفصلة كليا عن مفهوم منفصل لنموذج الواجبات ربما حيث تكون الواجبات أساسا للحقوق أو حيث تكون مستقلة عن الحقوق الملازمة. ومع أن “ويلمان” يدلل على أنه “ليست كل الواجبات مؤسسة على الحقوق[71]“، ويؤكد على أن ” نظرية الحقوق جزء فقط من النظرية التشريعية والأخلاقية[72]“، فإن مدارسته لهذا التلازم يفترض، وبشكل واسع، نموذجا مؤسسا على الحقوق[73].

لقد درس مفكرو الغرب النموذج المستقل للواجبات في سياق القانون الجنائي[74]. وإلى عهد قريب جدا في سياق القانون الجنائي الدولي[75]. إلا أن الواقع يقول إن المفهوم المستقل للواجبات ضمن حركة حقوق الإنسان في ذاتها بقي غريبا.

إن التحفظ من إعطاء الواجبات دورا أكبر ضمن النموذج المعرفي لحقوق الإنسان كان واضحا خلال صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ولقد وضحت “إريكا إرين” بوصفها المقرر الخاص في دراستها الشاملة والتي استغرقت ثمان سنوات حول الواجب الفردي نحو المجتمع تحت المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (وهو البند الوحيد في المستند المتعلق بالواجبات)[76]، أن الجدال حول الواجبات ضمن لجنة حقوق الإنسان خلال عملية الصياغة التي أنتجت الإعلان العالمي كان طويلا و[عسيرا].

ومع أنه “جرى التأكيد على أنه من المستحيل صياغة إعلان للحقوق دون إعلان الواجبات الضمنية في مفهوم الحرية والذي يمكن من إقامة مجتمع سلمي وديمقراطي[77]“، فإن محاولات [حصر] وعد تلك الواجبات لم تستطع الوصول إلى اتفاق[78] وكل ما ظهر هو بند ضعيف وعام وغير محدد للواجب الفردي تحت المادة 29[79]. أما الإحالات الخاصة بالواجبات في فقرات الديباجة للمعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية ICCPR  والمعاهدة الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ICESCR فقد مثلت النتيجة المميزة لجدالات مطولة مماثلة[80].

لقد عاد الإشعاع للجدالات المتعلقة بالواجبات الفردية استجابة لحركة المسؤوليات الإنسانية أواخر التسعينيات وخصوصا الصياغة المقترحة للإعلان العالمي للمسؤوليات الإنسانية[81] والتي كتبت من قبل مجلس التفاعل البيني في محاولة لتتبناه الجمعية العامة للأمم المتحدة في الاحتفال الخمسيني للإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1998. وبسبب النقد اللاذع لمسودة هذا الإعلان من قبل مفكرين بارزين مثل “ثيودور فان بوفن[82]” والمنظمات غير الحكومية مثل منظمة العفو الدولية[83] واللجنة الدولية لفقهاء القانون وهيئات أخرى[84]، فإن خطط تقديم المسودة للأمم المتحدة من أجل تبنيها تم تأجيلها[85].

 وفي نقده للحركة العالمية للواجبات يقول “بن سول”: “لقد نشأت حركة حقوق الإنسان من النضال ضد الأشكال التقليدية للواجب نحو الكنيسة وأرباب الأراضي والنظام الملكي. وقي الوقت الذي تم كسب هذه النضالات تدريجيا، فإن أشكالا جديدة من الواجبات ظهرت فاستمر نضال حركة حقوق الإنسان ضدها. مثل: الإقصاء، وأنواع النفاق، والإهمال في بدايات حركة حقوق الإنسان، وظهور النزعة الوطنية/العرقية، ونمو التبعية الاقتصادية والصناعية والهيمنة الاستعمارية والأبوية. وبينما خانت حركة حقوق الإنسان مبادئها مرارا أو صاغت مثلها الأساس بشكل إقصائي فإنه ومع مرور الزمن فقد استطاعت الحركة تكييف تكتيكاتها وأعادت تركيز مقاومتها ضد الأشكال الجديدة للواجب القهري. وبهذا العمل فإن المدافعين عن حقوق الإنسان قد تعلموا بحرص أن يتعاملوا مع لغة الواجب بارتياب عميق ومبرر[86].”

لقد كانت النقطة التي شغلت بال المدافعين عن حقوق الإنسان هي التضخيم من قوة الواجبات عوض عدها مكملا للحقوق وكذا جعلها طريقا بديلا لفعل الشر عوض كونها قوة مساعدة لفعل الخير. إلا أن هذا الخوف يقع في اختزال مشط لأدوار الحق والواجب، وخصوصا عن طريق الحد من التفاعل الاجتماعي للنموذجين بإقصاء كل النماذج المؤسسة على الواجبات. وعلى العكس من الانتقادات السابقة، فإن الأستاذ “سلبورن” يرى أن مبدأ الواجب “لا يمثل أي خطر جدي على العقائد الأخلاقية المؤسسة لسياسات الحقوق… بل على النقيض من ذلك فإن الاهتمام بمبدأ الواجب عن طريق تقوية الروابط الاجتماعية يدعم أصول الحق ذاته ومصادره[87].”

ويهدف هذا البحث إلى الدفع بنظرية الواجبات العالمية لتتجاوز القانون الجنائي الدولي والواجبات التلازمية نحو نظرية أكثر تعميما حول واجبات الأفراد فيما بينهم عن طرق إعادة فحص النموذج المعرفي للجيل الثالث من حقوق الإنسان.

4. أهمية الواجبات في الشريعة الإسلامية  

للواجبات في الشريعة الإسلامية أهمية جوهرية. يقول “مارسيل بويسرد”: “يقدم الإسلام رؤية موحدة ومندمجة للإنسانية والمجتمع والعالم. في هذه الرؤية تتفوق الواجبات على الحقوق الفردية. والفضيلة الاجتماعية هي أساسا جماعية أكثر من كونها [أمرا] بين الأفراد. وعليه فإن المفهوم الغربي للمصلحة الفردية بوصفها مقابلا للمصلحة العامة غائب في الفكر الاجتماعي الإسلامي[88].”

إن تركيز الشريعة الإسلامية على الواجبات على حساب الحقوق أمر جلي إلى درجة أن أحد المفكرين وصف الشريعة الإسلامية بأنها “نقاش دائم حول واجبات المسلم[89]“. إن الفهم الإسلامي للتطور الاجتماعي جهد مركب حيث “الأفراد والجماعة والدولة تعمل بوصفها أدوات ترجمة هذا الفهم إلى [واقع] عملي[90].”

ولقد ركزت ثلاثة إعلانات مهمة حول الإسلام وحقوق الإنسان على أهمية الواجبات في التصور الإسلامي لحقوق الإنسان:

أولا؛ إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام الذي شدد على المسؤولية الفردية والجماعية في ديباجته وذكر الواجبات الإنسانية في المادة 1 (عن رفض التمييز) والمادة 2 (عن الحق في الحياة) والمادة 6 (عن المساواة بين الجنسين) والمادة 8 عن (الأهلية الشرعية) والمادة 9 (عن التعليم)[91].

ثانيا؛ إعلان روما عن حقوق الإنسان في الإسلام والذي يتكون من خمسة مبادئ تعلق واحد منها بأهمية الواجبات الفردية[92].

وثالثا؛ الإعلان العالمي الإسلامي لحقوق الإنسان الذي نص في ديباجته على أن “الأولوية للواجبات على الحقوق[93]” وختم بنقطة تفسيرية مفادها أن “أي حق من حقوق الإنسان منصوص عليه في هذا الإعلان يتضمن واجبا مقابلا له[94].”

ثالثا: الجيل الثالث من حقوق التآزر والشريعة الإسلامية: النسبية المعتدلة العكسية

في الجزء الثالث [من هذا البحث] دللت على أن حكامة اجتماعية أفضل ممكنة بوضوح عن طريق الجمع بين الحقوق والواجبات. إلا أن منظري حقوق الإنسان الغربيين والمدافعين عنها قاوموا فكرة السماح للواجبات بأن تتربع مكانا [يليق بها].

كيف الخروج، إذن، من هذا المشكل المحير؟ أعتقد أن هذا سيتم من خلال إدخال الواجبات إلى نموذج الحقوق في سياق تحديد بعض الحقوق بعينها. وعلى سبيل المثال فإن “سول” وعلى الرغم من نقده العنيف للواجبات الفردية[95] فإنه يعترف بعنصر الواجب الحاضر في الجيل الثالث من حقوق التآزر [وخصوصا] الحق في البيئة الصحية[96] وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح لأنها تجد للواجبات مكانا مقبولا ليس بوصفها تكميلية للحق أو زائدة عليه، بل بوصفها جزأ من معنى قسم من أقسام الحقوق. إن التضييق الشديد لمكان الواجبات سيخفف من التخوفات حول الواجبات والتي عبر عنها البعض[97] وفي الوقت ذاته السماح لمنافع نموذج الواجبات أن تكون جزأ لا يتجزأ من حقوق الإنسان العالمية.

وإذا استطاع الجيل الثالث من حقوق التآزر خدمة هدف توحيد النموذجين المؤسسين إما على الحقوق أو الواجبات في نظرية واحدة، فإن حقوق [التآزر] ستنتقل من كونها مجرد تجريدات [ذهنية] إلى أن تصبح أدوات نظرية قيمة. وسنحاول في هذا الجزء إعادة فتح النقاش حول حقوق التآزر والمساهمة إيجابيا في الجدال حول عالمية حقوق الإنسان عن طريق النظرية النسبية المعتدلة العكسية في السياق الإسلامي.

أولا؛ سنقوم بفحص تعريف حقوق التآزر كما تم تأسيسها من قبل الحركة العالمية لحقوق الإنسان في بدايات الثمانينيات.

ثانيا؛ سندلل على أن عنصر الواجب الفردي الموجود في تعريفها الأصلي قد تم إهماله.

ثالثا؛ سأطبق النظرية النسبية العكسية المعتدلة من خلال التأكيد على أن هذا الجيل من الحقوق وإن كان جديدا في القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنه ظل موجودا في الشريعة الإسلامية وكذا التأكيد على أن درجة تحول القانون الدولي لحقوق الإنسان نحو هذا الجيل من الحقوق يمكن اعتبارها تحولا نحو معيار أكثر إسلامية. وسنختم هذا الجزء بعرض أهم الانتقادات التي وجهت للجيل الثالث من حقوق التآزر.

وعلى الرغم من أننا سنوضح أن الجيل الثالث من حقوق التآزر أكثر تطورا في الشريعة الإسلامية مقارنة بالقانون الدولي، فإنها ليست مكتملة التطور في الشريعة الإسلامية. هكذا فإن محاولة تطبيق النظرية العكسية المعتدلة من حيث الموضوع لا يمكن أن يصل إلى مستوى تطبيقها من حيث المنهج أي نقل الأدوات من نموذج إلى آخر. والسبب هو أنه في الوقت الذي يركز فيه القانون الدولي على الحقوق على حساب الواجبات فإن الشريعة الإسلامية تركز على الواجبات مع اهتمام يسير بالحقوق.

وعليه، فإن كلا التصورين لا يحقق توازنا بين النموذجين في مجال حقوق التآزر. وفي الجزء اللاحق سنفحص وبدقة أكبر طريقة إعمال الواجبات في الشريعة الإسلامية في أفق نقل بعض أدواتها إلى النموذج الدولي لحقوق الإنسان [وهو ما تسعى منهجية النظرية العكسية إلى القيام به].

1. تعريف الجيل الثالث من حقوق التآزر  

لقد ركز القانون الدولي لحقوق الإنسان كثيرا على الفرد، وهو ما حذا بالأستاذين “هنري ستاينر” و”فيليب ألستون” في كتابيهما المرجعي حول حقوق الإنسان إلى الاستنتاج بأن: “الملاحظين من مختلف المناطق والثقافات يعتبرون أن حركة حقوق الإنسان… تنبع أساسا من التقاليد الليبرالية للفكر الغربي… وأنه ليس ثمة ميزة في الليبرالية أكثر بروزا من التركيز على الفرد[98].” وينتقد الأستاذ “سلبورن” هذا الفهم بوصفه انتقالا من التصور النظري الأصلي الموازن بين الحقوق والواجبات. يقول: “إن الفكرة التعاقدية المتعلقة بالتبادلية أو التوازن بين الحقوق والواجبات قد كتب لها البقاء في النظام الليبرالي الفاسد على الرغم من إضعاف مبدإ الواجب في التطبيق ولكن في قالب متحول وغير حضاري: فعلى أساس قاعدة الحق من دون واجب وإشباع الحاجات فإن المواطن الذي أصبح غريبا أضحى من جهة يركز على الحقوق المنفصلة عن الواجبات أو الحقوق المطلقة بوصفه مواطنا [أو بالأحرى] مواطنا ظاهريا، ومن جهة أخرى، على الواجبات تجاهه والمنفصلة عن حقوق النظام المدني أو أداته وهي الدولة[99].”

ولقد تم أخيرا تصحيح هذا الاختلال بقدوم الجيل الثالث[100] من حقوق التآزر والمعروفة بحقوق التآزر [اختصارا]. ولقد جاءت هذه الحقوق ضمن إرث تاريخي اعترف بالجيل الأول من حقوق الأفراد المدنية والسياسية، والجيل الثاني من حقوق الأفراد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[101]. ولقد طور [الجيل الثالث] لغة خاصة بالتآزر الاجتماعي المتضمن للواجبات إلى جانب الحقوق، وهي لغة عالمية تجمع بين الحقوق والواجبات انسجاما مع سلفها في النظرية السياسية والفلسفية الغربية.

وعلى الرغم أن التركيز على الواجبات الفردية والتآزر الاجتماعي المؤسسة للجيل الثالث من الحقوق كان حاضرا في التقاليد التشريعية [غير الغربية][102]، فإن مصطلح الجيل الثالث دخل إلى الخطاب الحقوقي الغربي عن طريق الأستاذ “كاريل فاساك” في محاضرته الافتتاحية في المعهد العالمي لحقوق الإنسان عام 1979 بستراسبورغ[103]. يقول “فاساك”: “الجيل الثالث من الحقوق حقوق جديدة في طموحاتها وهي جديدة من منظور حقوق الإنسان لأنها تسعى إلى نفخ روح إنسانية في مجالات غابت فيها باستمرار حيث تركت للدولة أو الدول… إنها جديدة لأنها قد تستدعى ضد الدولة وقد تطلب من قبلها. ولكن، وهذا هو الأهم، فإن ميزتها الجوهرية، لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الجهد المشترك من كل الفاعلين على الصعيد الاجتماعي: الفرد والدولة والمجتمع والمؤسسات الخاصة والمجتمع الدولي[104].”

وباعتبار هذا التعاون بين الأفراد والجماعات فإن مصطلح حقوق التآزر يصبح، بالفعل، مصطلحا مناسبا. وعلى الرغم من أن مفهوم التآزر حاضر في حقوق الإنسان كلها؛ “بمعنى الهدف المشترك والاتفاق حول طرق التعامل بين مختلف عناصر المجتمع”، فإنه “الميزة المفتاح للحقوق في الجيل الثالث[105].”

لقد انحشر الأستاذ “كارل ويلمان” في مدارسة عميقة لنموذج “فاساك” في الجيل الثالث لحقوق الإنسان[106]. ومع أن خلق حقوق جديدة أضحى موضة؛ حيث تم الآن اقتراح حقوق كثيرة من الجيل الثالث[107]، فإن “ويلمان” وصاحب هذا البحث يحصران مجال التحليل للجيل الثالث من حقوق التآزر في ثلاثة من أصل خمسة اقترحها “فاساك” وهي: الحق في التنمية والحق في البيئة الصحية، والحق في السلم[108].

أولا؛ الحق في التنمية هو ” كل الشعوب لها الحق في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أخذا بعين الاعتبار حريتها وهويتها كما لها الحق في الاستمتاع بالإرث الإنساني المشترك[109]“. ولئن كان المفكر السنغالي “كيبا مبيي” أول من عبر عن هذا الحق بوضوح عام 1972[110]، فإن الحق في التنمية قد قنن عام 1986 في الإعلان غير الملزم للأمم المتحدة حول الحق في التنمية[111]. ومنذ هذا الإعلان فقد أضحى بالتدريج شائعا إدراج معايير التنمية في المستندات القانونية الدولية[112]. ولقد أتى الأمين العام للأمم المتحدة بلائحة تضم واحدا وثمانين مستندا قانونيا لتقنين الالتزام بالتنمية الاجتماعية[113].

ثانيا؛ إن مفهوم الحق في البيئة الصحية هو حق الناس في أن “يعيشوا في بيئة ذات جودة تسمح بحياة كريمة وسعيدة، وأنهم يتحملون المسؤولية العظمى في حماية البيئة ونموها لصالح الأجيال الحالية والمقبلة[114].”

واستنادا إلى ويلمان[115]، فإن عددا متزايدا من المعاهدات الدولية حاول تقنين الحق في البيئة الصحية. خذ، على سبيل المثال، معاهدة استوكهولم الدولية حول البيئة الإنسانية عام 1972[116] والميثاق الإفريقي حول حقوق الإنسان والشعوب عام 1981[117]، والميثاق العالمي للأمم المتحدة حول الطبيعة عام 1982[118]، والبروتوكول الإضافي للمعاهدة الأمريكية حول حقوق الإنسان في مجالات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1988[119].

ثالثا؛ مفهوم الحق في السلم ويقصد به أن “لكل الحق في أن يعيش في شروط من السلم والأمن العالميين، وأن يتمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية بشكل كامل[120].”

ومن بين هذه الحقوق الثلاثة نجد أن الحق في السلم هو الأقل تطورا وتحديدا في القانون الدولي لحقوق الإنسان[121]؛ لأن الدول والشخصيات المهمة في الأمم المتحدة وكذا المجتمع الدولي لم تبدأ في بلورة الحق في السلم إلا في العقود المتأخرة[122]. في البداية فإن لجنة الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان أقرته حقا من الحقوق في قرار مثير للجدل عام 1976[123]. وفي عام 1978 تم تقنينه حقا من الحقوق الفردية والجماعية في إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة حول إعداد المجتمعات للعيش السلمي[124] ودعم إعلان 1984 حول حق الشعوب في السلم هذا التقنين[125]. وعلى الرغم من اعتراف القانون الدولي بهذا الحق، فإن معالمه ما زالت فضفاضة[126]، كما أن هذه الجهود [التقنينية] لاقت معارضة شديدة من القوى العظمى التي ارتأت أن يترك موضوع السلم ونشره بين الشعوب إلى هيئات أممية أخرى وخصوصا مجلس الأمن، وأن لا يضاف إلى اللائحة الرسمية للحقوق التقليدية[127].

2. الواجب الفردي في الجيل الثالث من حقوق التآزر  

يرى “ويلمان” أن الجيل الثالث من الحقوق يعطي إضافة إلى النموذج الدولي لحقوق الإنسان. أولا: لأن هذه الحقوق تفرض واجبات مشتركة ضمن الدول في مقابل ما يفرضه الجيل الأول والثاني من واجبات محصورة[128]؛ بمعنى أن هذه الحقوق لا يتم تحقيقها إلا بالمشاركة بين الدولة والهيئات الأخرى. ثانيا؛ لأن حقوق التآزر تتضمن حقوقا فريدة وإضافية لنموذج الحقوق الفردية الكلاسيكية[129]. ثالثا؛ لأنه بالإضافة إلى الواجب الجماعي الموجود في الحقوق التقليدية، فإن حقوق التآزر تعترف [بدور] الواجب الفردي في تحقيقها. وفي الوقت الذي يفرض فيه الجيل الأول والثاني الواجبات على الدول فقط، فإن حقوق التآزر “لا يمكن تحقيقها إلا بالجهد المشترك والمتناغم من كل الفاعلين في الحقل الاجتماعي… ومن ضمنهم الفرد…[130]“. إن هذه الميزة الأخيرة لحقوق التآزر أي الواجب الفردي هي مناط اهتمامنا في هذا البحث.

كل حق من حقوق الإنسان مرتبط بواجب ملازم له. وإن البعد الفردي في الواجب ضمن حقوق التآزر يختلف [طبيعة] على أصعدة ثلاثة:

أولا؛ النموذج التقليدي لحقوق الإنسان يحصر الواجب في المجتمع أو الدولة بينما توسع حقوق التآزر هذا النموذج ليشمل الواجب الفردي.

ثانيا؛ إن المفكرين الغربيين قد عدوا الواجب الفردي جزأ لا يتجزأ من مفهوم الحق. وعلى الرغم من أن بعض العلماء قد اعترفوا بأن الحق في الجيل الثاني أو حتى الجيل الأول لا يمكن تحقيقه بشكل أمثل إلا إذا ارتبط بعنصر الواجب الفردي، فإن التعريف العام لحقوق الجيل الثاني لا يتضمن عنصر الواجب الفردي بعكس التعريفات المنبثقة عن الجيل الثالث من حقوق التآزر.

ثالثا؛ إن الجيل الثالث يجعل من الواجب أمرا ملزما على صاحب الحق أيضا وليس فقط على أولئك الذين يملكون السلطة لمساعدة صاحب الحق على الظفر بحقه. فمثلا الحق في التعليم في الجيل الثاني مرتبط بالواجب الذي على عاتق الآخرين في المجتمع من المعلمين. وكذلك الواجب الفردي في الحق في البيئة الصحية ضمن الجيل الثالث؛ حيث يرتبط الحق الفردي فيه بواجب الدولة وواجب الآخرين وواجب الفرد ذاته صاحب الحق في حماية البيئة.

وعلى الرغم من هذه المكانة الجديدة للواجب الفردي في النموذج العالمي لحقوق الإنسان، فإن الرؤية الغربية السائدة لهذه الحقوق تركز على الجانب الجماعي للحقوق حصرا، ونادرا ما تشير إلى جانب الواجب الفردي منها[131]. وحتى الأستاذ ويلمان الذي أدخل أخيرا جانب الواجب الفردي إلى حيز التحليل اختار أن يرفضه قائلا: “أيكون من المستحب توسيع مجال أصحاب الواجب تحت القانون الدولي ليشمل الأفراد والمؤسسات الخاصة والعامة كما اقترح فاساك؟ لعله من الصحيح الآن أن على كل الفاعلين على الصعيد الاجتماعي الدولي واجبات أخلاقية متضمنة في حقوق الإنسان بوصفها الحقوق الأخلاقية الجوهرية لكل الناس، إلا أن هذا لا يجب أن يؤدي إلى تنفيذ هذه الواجبات الأخلاقية بوصفها إلزامات في القانون الدولي لحقوق الإنسان[132].”

ومع أن هذا الرفض لعنصر الواجب الفردي في الجيل الثالث من حقوق التآزر منسجم مع النزوع التاريخي السائد على المستوى الدولي لتفضيل نموذج الحقوق على حساب نموذج الواجبات، فلن يغفل فرصة تاريخية لبداية إعادة الواجبات إلى دائرة الخطاب الحقوقي. وتوفر النظرية النسبية المعتدلة العكسية أدوات لتصحيح هذا الإهمال للواجبات الفردية عن طريق النظر في الشريعة الإسلامية حيث التركيز على الواجب الفردي تجاه المجتمع. ويرمي هذا البحث إلى توسيع الفهم العالمي للواجب الفردي بوصفه مكونا من مكونات الجيل الثالث من حقوق التآزر. وبقيامنا بهذا فإننا لن نعيد الجيل الثالث من الحقوق لينسجم مع التعريف الأصلي لفاساك فحسب، بل لإيجاد مكان للواجبات في النموذج الغربي لحقوق الإنسان.

أولا؛ إنه بفحص الفكرة الإسلامية حول الجيل الثالث من حقوق التآزر في هذا الجزء من البحث ستطبق النظرية النسبية العكسية في جانبها الموضوعي ببيان أنه وعلى الرغم من أن الواجب مفهوم جديد وهش في التصور الدولي لحقوق التآزر، فإن التصور الإسلامي لهذه الحقوق تحديدا مؤسس على الواجب. وبعد ذلك سنعمد في الجزء الموالي إلى الجانب المنهجي من النظرية العكسية بفحص لدور الواجبات في الشريعة الإسلامية محاولين نقل بعض أوجه النموذج [الإسلامي] إلى النموذج الدولي لحقوق الإنسان [خدمة] لمصلحة هذا الأخير.

إن هذا البحث لا يهدف إلى أن يكون دور الواجب محصورا في الجيل الثالث من حقوق التآزر، بل على العكس من ذلك فإن بعض حقوق الجيل الأول والثاني يمكن تقويتها بالتركيز على الواجب الفردي.

إن هذا البحث، من باب أولى، يعترف بالفرصة التاريخية التي تتيحها [لنا] حقوق الجيل الثالث. وكما أشار إلى ذلك المفكرون الغربيون في الثمانينيات، فإن هذه الحقوق تعوض خسارة الإهمال الذي لحق الواجب بوصفها عنصرا جوهريا في تعريف الحق. ويمكن لهذا أن يكون منطلقا جيدا للاعتراف المتزايد بدور الواجب في حقوق الإنسان كلها. وجلي أن كل الحقوق هي حقوق تآزر، غير أن الجيل الثالث يمثل المنطلق الأول للاعتراف بأهمية الواجبات الفردية من قبل مفكري حقوق الإنسان بحسبان تلك الواجبات جزء لا يتجزأ من حق معين. وبينما تمت مناقشة مفهوم الحق سابقا في سياق الواجب الملازم؛ (أي خارج الحق ولكنه مكمل له)، فإن الواجب في الجيل الثالث عنصر جوهري في الحق ذاته.

إن الجيل الثالث من حقوق التآزر لا يكتفي بإدخال الواجب الفردي في النموذج المعرفي لحقوق الإنسان، بل إنه يقوم بذلك بشكل مقبول لمنتقدي الواجب الفردي. فعوضا عن تعويض شمولي للحقوق بالواجبات، أو حتى بحركة المسؤوليات التي تركز على الحاجة إلى الواجبات الفردية منفصلة ومكملة لحقوق الإنسان، فإن كنه النموذج المعرفي لحقوق الجيل الثالث سيبقى مؤسسا على الحقوق. إن إهمال دور الواجب الفردي في حقوق التآزر أمر مضر ليس فقط في تشويه الطبيعة الحقيقية لتلك الحقوق ولكن أيضا في حرمان الواجبات من مكان داخل حقوق الإنسان؛ مكان لا تضعف فيه الواجبات سلطة الحقوق كلها، كما يتخوف منتقدو الواجب، بل تكون عنصرا جوهريا في تحديد بعض الحقوق.

3. الدعم القوي لحقوق التآزر في الشريعة الإسلامية  

بنحو من عقد على الأقل توصل “فاساك” إلى اكتشافه الشهير للجيل الثالث من حقوق الإنسان. ولقد قدم مجموعة من الفقهاء السعوديين البارزين توصيفا يكاد يتطابق [مع فاساك] في جهدهم لشرح المفاهيم الإسلامية لحقوق الإنسان في ندوة الفاتيكان حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الإسلام[133]. وأشاروا في ملاحظاتهم الختامية إلى أن: “الحقوق الثقافية كما هي مقننة في المعاهدات الدولية حقوق فردية وذاتية وليست واجبات عامة أو إلزامية. كما أن هذه الحقوق قد صيغت بطريق النفي… وعلى العكس من ذلك فإن الحقوق الثقافية في الإسلام لها طابع إلزامي، ولا يمكن التخلي عنها في مقابل المفهوم الدولي لها والذي يعدها شخصية واختيارية بحيث يمكن للمستفيد منها التخلي عنها. إن هذه الحقوق [في الإسلام] فردية وجماعية معا وتطبيقها فرض واجب على الفرد والجماعة[134].”

وعلى الرغم من أن هذه الملاحظات قد وردت في سياق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أي الجيل الثاني من الحقوق، فإنها اقتربت جدا من توصيف الاندماج بين الحقوق والواجبات الفردية والجماعية الثاوي في تعريف فاساك للجيل الثالث من حقوق التآزر. وفي الوقت الذي نجد فيه حقوق الجيل الثالث ضعيفة وعلى شكل أماني في الخطاب التشريعي الدولي، فإن هؤلاء الفقهاء السعوديين يسوقونها باعتبارها مبادئ أساس لحقوق الإنسان في الإسلام، ويناقشونها قبل اكتشافها من الحركة العالمية لحقوق الإنسان. وكما فعل ويلمان بعد ثلاثة عقود، فإن هؤلاء الفقهاء ركزوا على أهمية تساكن الواجبات الفردية والجماعية وهي الميزة التي تمتاز بها حقوق التآزر. وبسبب هذا التوازي بين الرؤية الإسلامية وأسس حقوق التآزر فليس من المفاجئ أن نجد في الإسلام دعما كبيرا لحقوق التآزر الثلاثة: الحق في البيئة الصحية، والحق في التنمية، والحق في السلم.

ويشرح هذا الجزء من البحث الرؤية الإسلامية لهذه الحقوق بالترتيب. وكما أكدنا في هذا الجزء بأن حقوق التآزر في القانون الدولي ضعيفة ونظرية، فإننا ألفيناها متجذرة وذات إرث تاريخي أصيل في الإسلام. إن جماع الفقرات الثلاثة الأولى من هذا الجزء سيمثل الاستنتاج الختامي لموضوع النظرية النسبية العكسية المنطلق بداية من فصل للحقوق الجديدة والمتخلفة [نظريا] في القانون الدولي وبيان تطورها في الشريعة الإسلامية مبينين أن قبول الجيل الثالث من الحقوق في القانون الدولي لحقوق الإنسان يعني أن القانون الدولي يتحرك نحو معيار أكثر إسلامية.

أ. الحق في البيئة الصحية في الشريعة الإسلامية  

كما أسلفنا، فإن الحق في البيئة الصحية يعد تطورا جديدا في حقوق الإنسان الدولية. لقد نوقش أولا في السبعينيات وتم تقنينه في العشرين سنة الأخيرة. وفي مقابل هذا، فإن واجب حماية البيئة والحق فيها كانا موجودين في الإسلام منذ عصر النبي محمد، صلى الله عليه وسلم[135]، في النصوص الإسلامية المؤسسة؛ أي القرآن والسنة. وفي هذا الجزء [من البحث] سنقوم بتحليل بعض قواعد حماية البيئة في الإسلام.

ذكرت البيئة في آيات كثيرة في القرآن[136] وتنتظمها خاصية مشتركة وهي أن “مفهوم البيئة عام واستعمل استعمالات متنوعة[137]” بما في ذلك البيئة الطبيعية[138]، والاجتماعية[139]، والاقتصادية[140]. ويتجلى هذا التصور العام لحماية البيئة في مجالات محددة: أولا؛ في مجال التلوث. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يبول أحدكم في الماء الدائم… [و] اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل[141].”

ويشير الخياط إلى أن “المثير في هذه الأوامر استعمال كلمة “لعن” أو أحد اشتقاقاتها. واللعن يقتضي الإقصاء والبراءة والنفي من الجماعة. والنتيجة واضحة: من لوث البيئة عامدا متعمدا فجزاؤه النفي[142]” إن استعمال هذه اللغة القوية يؤكد على أهمية الوعي البيئي في التراث الإسلامي[143].

ثانيا؛ يقف الإسلام موقفا حاسما في موضوع صيانة المياه. لقد حرم النبي، صلى الله عليه وسلم، الإسراف في استعمال الماء حتى في الغسل والوضوء جاعلا من نفسه قدوة حين اغتسل بصاع (لتران) من ماء وتوضأ بمد (نصف لتر)[144].

واستنادا إلى أبي عبيد في كتاب الطهور فإن النبي رد ما فضل من الماء الطاهر إلى النهر بعد الوضوء قائلا: “يبلغه الله إنسانا أو دابة وأشباهه ينفعهم الله به[145]“. ويقول القرآن: ﴿ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين[146].

ثالثا؛ يدعو الإسلام إلى المحافظة على الموارد الطبيعية الأخرى حيث أشار ابن حزم في المحلى إلى أن “الإحسان إلى الحيوان بر وتقوى، فمن لم يعن على إصلاحه فقد أعان على الإثم والعدوان، وعصى الله تعالى، بل يجبر على سقي النخل إن كان في ترك سقيه هلاك النخل، وكذلك في الزرع، برهان ذلك قول الله عز وجل ﴿وإذا تولى سعى في الاَرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد﴾ (البقرة: 205)، فمنع الحيوان مالا معاش له إلا به من علف أو رعي، وترك سقي شجر الثمر والزرع حتى يهلك، هو بنص كلام الله تعالى فساد في الأرض، وإهلاك للحرث والنسل والله تعالى لا يحب هذا العمل[147].”

إن أي فشل في حمايتها يضاهي كبيرة من الكبائر[148] قال النبي: “من قطع شجرة فى فلاة يستظل بها العابر وابن السبيل صوب الله رأسه في النار[149]“. كما أنه أقام محمية بيئية تمتد على اثني عشر ميلا حول المدينة فحد من صيد الأسماك وقطع الأشجار في بعض المناطق على بعد 12 ميلا والقنص على بعد 4 أميال[150].

ويرى الخياط أن “التعاليم التعزيزية لضمان صحة البيئة فهي على ضربين؛ تنظيف البيئة من جهة، وزيادة رصيدها من العناصر التي تحافظ على موازينها من جهة أخرى[151]” لقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم يحض، على تنظيف البيئة فيقول: “عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق[152]“.

 رابعا؛ خصص الإسلام جزاء لجهود إحياء البيئة الطبيعية. قال النبي: “مَا مِن مُسلم يَغرِسُ غَرْسًا أو يَزرَعُ زَرْعًا فيأكُلُ مِنه طَيرٌ أو إنسَانٌ أو بهيْمَةٌ إلا كان لهُ بهِ صَدقَة[153].

إن الوعي البيئي في الإسلام “يقوم على أسس الإيمان… وأي فساد سواء في المجتمع أو الطبيعة فهو خرق لشريعة الله[154].”

ولأن حماية البيئة لها جذورها في الأوامر الإلهية، فإنها تزيد على الواجبات في الجيل الثالث من حقوق الإنسان والتي هي غير واضحة في أحسن الأحوال، وغير معروفة لدى العامة في أسوئها. إن الوعي البيئي الإسلامي يجد جذوره العميقة في دور الإنسان بوصفه خليفة، وفي مسؤولية الأمانة التي تقلدها[155].

في ورقته التي قدمها لمؤتمر الأمم المتحدة حول المنظور الإسلامي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أشار الدكتور نانجي إلى أن “دور الاستخلاف الذي تقلده الإنسان يقتضي أيضا موقفا أخلاقيا تجاه تطوير الموارد الطبيعية والمجال العام الذي يشغله الناس[156]“. وهكذا فإن الاستخلاف بهذا المعنى حق وواجب لإدامة هذه النعم الإلهية[157].

وعليه، فإن الاستخلاف يؤثر في عملية استغلال الموارد الطبيعية وحيث يتم هذا الاستغلال في إطار النموذج الرأسمالي المبني على مصالح الأفراد الخاصة فإنه سيحمل معنى قدحيا.

أما في النموذج الإسلامي فإن هذه الاستغلال المؤسس على الاستخلاف يحمل معنى إيجابيا لأنه لصالح الجماعة. هكذا فقد أشار الدكتور نصير إلى أن “الملكية [في الشريعة الإسلامية] مسؤولية اجتماعية وهو أمر يؤكد العلاقة بين الجماعة والأرض ومدى اهتمام الإسلام بتقنينها[158].”

وكذلك أشار جوزي أبراهام إلى أنه وعلى الرغم من أن بعض العلماء يترجمون كلمة “سخر” العربية الواردة في الآيات القرآنية المتعلقة بالبيئة لتعني: التطويع والتحكم أو الاستغلال فإن “العلاقة بين الإنسان وغير الإنسان ليست علاقة هيمنة أو استغلال ولكنها علاقة أمانة جعلها الله في عنق الإنسان” مما يجعل من أي محاولة للهيمنة “سخرية من الله[159]“، وعليه يتحول الاستغلال إلى واجب يحركه الوازع الإلهي لتطوير الجماعة وليس واجبا يحركه النزوع الفردي الهدام.

ب. الحق في التنمية في الشريعة الإسلامية  

لم يتم تقنين الحق في التنمية في القانون الدولي لحقوق الإنسان إلا مؤخرا شأنه في ذلك شان الحق في البيئة الصحية. وتشير الأدلة الدامغة إلى وجوده في الشريعة الإسلامية منذ فترة الوحي. إن التأكيد على العدالة الاجتماعية والاقتصادية والمساواة الإنسانية قوي جدا في الإسلام إلى درجة أن فضل الرحمن يعرفه بأنه “روح القرآن الجوهرية[160]“. ويرى عظيم نانجي أن “القرآن واضح في الإشارة إلى أن السلوك والطموح الإنسانيين فعل إيماني ضمن السياق الإنساني والاجتماعي والثقافي الأوسع[161]“. وعلى سبيل المثال يقول القرآن الكريم: ﴿ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من ـامن بالله واليوم الاَخر والملائكة والكتاب والنبيئين وءاتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وءاتى الزكاة، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا، وأولئك هم المتقون﴾ (البقرة: 176)[162].

وانسجاما مع المفهوم الدولي لحقوق التآزر يرى بلخوجة أن الحق في التنمية في الشريعة الإسلامية مبني على المسؤولية الفردية والجماعية معا [يقول]: “عندما يقوم الإنسان الذي هو دعامة التنمية بواجبه تجعلنا نتساءل على من نلقي بالمسؤولية، مسؤولية التنمية؟ تقع مسؤولية التنمية على الأفراد، ذلك أن الفرد مطالب برعاية هذه الأمانة التي حملها الله إليه ودعاه إلى القيام بها، وذلك بالإعداد، إعداد نفسه إعدادا كاملا، أو إعداد المجتمع له إعدادا مناسبا ليقوم بوظيفته. ولا يكون الأمر بالنسبة للأفراد مقصورا على الإعداد، بل هناك الجهد والبذل والعمل الدؤوب، ثم إتقان العمل، ليس المقصود هو القيام بأعمال ولكن أن تكون هذه الأعمال حسنة كما ورد في أحاديث كثيرة: إذا عمل أحدكم شيئا فليحسن هذا العمل”.

وأما المجتمع فإن المسؤولية تقع عليه لأنه مطالب بتحقيق التعاون والتكافل، يشير إلى ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له”.

وأما الدولة فشأنها أوسع ودورها أكبر، ذلك أن الدولة لابد لها أن تتدخل بسياستها لرفع مستوى الأفراد والجماعات في البلاد، وأن تتحمل للناس مالا يستطيعون، أو تنوء به قواهم وطاقاتهم، وتكون الدولة مطالبة بالتشجيع على هذه الأعمال والمضي فيها، وتقديم التعويضات وإيجاد فرص العمل ونشر العدل بين الناس وتحقيق التقدم الروحي والمادي لكل مواطن[163]“.

يكاد بلخوجة بهذه الكلمات أن ينقل حرفيا المفهوم الدولي حيث يقول الإعلان العالمي للحق في التنمية: “تقع مسؤولية الحق في التنمية على عاتق الناس جميعا فرادى وجماعات”، إلا أن “المسؤولية الأولى في توفير الشروط الوطنية والعالمية  لتحقيق الحق في التنمية تقع على عاتق الدول[164].”

ومع أن الأمر هنا يبدو وكأن توازن الواجبات في الحق في التنمية في الشريعة يشبهه في القانون الدولي إلا أن الواجب الفردي أكثر وضوحا في الشريعة الإسلامية التي تبنت الواجب الفردي أساسا لنموذجها المعرفي.

ففي الإعلان العالمي للحق في التنمية نجد أن الصياغة تمت كلها تقريبا على أساس واجبات الدولة مع إحالة واحدة فقط على الواجبات الفردية[165]، وبالمقارنة فإن دور الواجب الفردي في الشريعة بارز بجلاء كما هو مطبق في أداء الزكاة مثلا[166].

وكذلك فإن الحديث القائل: “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم[167].”

يتضمن الواجب الفردي بأشد العبارات قوة إلى درجة أن فشل الفرد في المساهمة في حق الجماعة في التنمية يؤدي إلى خروجه من الجماعة ذاتها.

ومرة أخرى فإن علماء الإسلام يرجعون هذا الحق إلى مسؤولية الاستخلاف. يقول عمارة:

إن أي إنسان بوصفه خليفة الله عليه مسؤولية تنمية الآخرين كما هو واضح في الآية السابعة من سورة الحديد حيث الربط بين الاستخلاف وأداء الزكاة: ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه[168]. وإن أراد القانون الدولي أن يصل إلى هذا النموذج فعليه إعادة اكتشاف الواجب الفردي في فكرة روسو عن العقد الاجتماعي بوصفه أساسا للحقوق. وبالاعتراف بالعقد الاجتماعي مفهوما مشابها للاستخلاف الإسلامي فإن لغة ومنطق الواجبات الفردية يمكن أن يجدا لهما طريقا مرة أخرى إلى النموذج الدولي لحقوق الإنسان بوصف الواجب الفردي عنصرا من عناصر الحق في التنمية.

ج. الحق في السلم في الشريعة الإسلامية  

على الرغم من أن الحق في السلم هو أكثر حقوق الجيل الثالث إثارة للجدال على المستوى الدولي، فإن فكرة السلم فكرة مركزية في الشريعة الإسلامية. إنها حاضرة في التحية التي يتبادلها المسلمون فيما بينهم كلما التقوا وتختتم الصلوات الخمس بتسليمتين[169]. وبالفعل فإن كلمة إسلام ذاتها تلتقي في الجذر اللغوي مع السلم في اللغة العربية[170]. والسلام اسم من أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين[171] كما أن أكثر من مائة آية في القرآن تحدثت عن أهمية السلم[172]. وهذا الحضور الدائم للسلم في الإسلام قاد الأستاذ يسف إلى القول إن أبجدية الإسلام هي السلم[173]. لقد وجد يسف في الحديث[174] الذي رواه مسلم في صحيحه وهو من أهم كتب الشريعة الإسلامية حيث قال النبي: “لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم”[175]. هذا الحديث يرفع من قيمة إفشاء السلام إلى مستوى الإيمان بالله وهو من أركان الدين الخمسة والتي تمثل: “الجوهر المشترك في الدين الذي يتفق عليه كل المسلمين ويتبعونه[176].”

ولقد كان من المستحيل على الإمام مسلم خلق عبارة قوية تتعلق بإفشاء السلام لو لم يجعل أحد أركان الإسلام مبنية عليه. كما أن السلم موضوع للحديث الذي رواه البخاري ومسلم وابن حنبل حيث يقول النبي: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه[177].”

ويتجلى هذا السلم بطرق مختلفة وعلى مستويات عدة من أبسط الأعمال؛ كالتحية إلى الإطعام إلى الإحسان المادي والصدقة إلى السلم على المستوى الدولي[178].

ولتفصيل القول في رؤية الشريعة الإسلامية للسلم والأمن يتبع الأستاذ يسف منهجا شبيها بتصور كارل ويلمان لحقوق الجيل الثالث حيث “كل قسم من المجتمع وكل فئة من الناس وكذلك كل فرد له طريقته في نشر السلم[179]“. وكما أن “فاساك” يرى أن الخاصية الجوهرية لحقوق الجيل الثالث من حقوق التآزر تقتضي تظافر الجهود من كل الفاعلين في المسرح الاجتماعي[180]، فإن يسف يرى أن “مسؤولية الكفاح من أجل تحقيق السلم الاجتماعي لا ينبغي أن تتحملها الدولة لوحدها، بل إن القطاع الخاص يجب عليه تقديم يد العون للسلطات العمومية في ذلك[181].”

ومن القضايا المثارة عادة في سياق الحديث عن التسامح قضية الجهاد، وهو مفهوم عادة ما يساء فهمه من غير المسلمين ويساء تطبيقه من بعض المجموعات الراديكالية من المسلمين حيث [ينظر إليه] من خارج سياق الشريعة الإسلامية[182].

بالنسبة للجراري فإن “الإسلام يعتبر أن الطبيعة الإنسانية تميل إلى السلم، وأن الجنوح إلى الحرب يكون فقط تحت ظروف تمليها الضرورة”، ويدعم الجراري هذا الرأي بحديث نبوي رواه البخاري ومسلم يقول النبي فيه: “لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموه فاثبتوا واذكروا الله كثيرا[183].”

كما يقول القرآن: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون﴾ (الممتحنة: 8-9)[184].”

إن تأويل الجهاد ليعني الدفاع عن النفس فقط ينسجم مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة[185] وهو العنصر الأساس في الفهم العالمي للأمن والسلم.

ولقد ناقش كثير من العلماء تصور الإسلام للحق في السلم. فمثلا طور الأستاذ إدريس العلوي العبدلاوي في الدرس الحسني عام 1990[186] حق الجوار الدولي استنادا إلى المصادر الإسلامية ابتداء من الحديث القائل: “مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه[187].”

وكذلك الجراري الذي درس الحق في السلم تحت مفهوم التساكن في الإسلام[188]. وجماع هذه الدراسات يشير إلى أن الحق في السلم في الشريعة له خصائص ثلاث: أولا؛ كلا الأستاذين العلوي والجراري ناقشا التفاهم بوصفه عنصرا لا يمكن التقليل من قيمته. يقول العبدلاوي: “يعلل الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان برغبته في أن تتعارف الأمم من أجل التعاون والأخوة”.

وهناك طرق عدة للتعارف بين الناس ولهذا يدعو الأستاذان إلى التعاون الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي بصفة عامة[189]. وهذا نموذج لقوة الواجب في التصور الإسلامي للحق في السلم لأن التفاهم واجب أكثر من كونه حقا.

وفي علاقته بالتعارف، فإن العنصر الثاني للحق في السلم في الإسلام هو التسامح، وهو مبني على إيمان المسلمين بأن وجود الاختلاف الثقافي [ترجمة] لإرادة الله، وهي فكرة يدعمها القرآن حين قال: ﴿ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة[190] وفي قوله: ﴿ومن ءاياته خلق السماوات والاَرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم[191].

وبناء على هذه الآيات يخلص الجراري إلى أن “الإسلام يدعو إلى التواصل والتعارف وتبادل المصالح والمنافع حتى يتم تجاوز هذا الاختلاف وهو ما جمعه القرآن الكريم في “التعارف”[192]“. وعلى غرار التعارف فإن التسامح يركز أيضا على الواجبات أكثر من تركيزه على الحقوق مقارنة بالحقوق المقابلة في القانون الدولي لحقوق الإنسان مثل المساواة في الحماية.

وأخيرا، فإن العنصر الثالث في التصور الإسلامي للحق في السلم قد بينه العبدلاوي وهو أهمية طاعة [القانون] بغض النظر عن ضعف آليات التنفيذ (واجب الدولة أو الجماعة). يقول العبدلاوي: “فاتباع الطاعة في الأعمال الإنسانية يجعلها أعمالا شرعية والخروج عنها يجعل العمل الإنساني في إطار خارج عن الشرعية، ومن ثم فهو خارج عن الفطرة[193]“. كما يرى أن: “السلام الدولي لا يمكن أن يتسبب في عالم تتفاوت فيه مستويات الشعوب تفاوتا بالغ الخطورة حيث لا يمكن أن تستقر أوضاع المجتمع الدولي على حافة الهوة العميقة بين الدول المتقدمة والدول الفقيرة[194].”

إن تركيز العبدلاي على الانصياع للقانون يثير في القانون الدولي إشكاليته الصعبة والدائمة (كعب أخيل) وهي التنفيذ فمنذ عصبة الأمم والنظام الدولي يعاني من أنانية الدول التي تستفيد من خرق القانون الدولي بدلا من الانصياع له.

ولقد استمر هذا التوجه في النظام الدولي الجديد حيث إن الدول العظمى هي التي لم تصادق على معاهدات متعلقة بحقوق الإنسان[195]، بل لم تسمح حتى للمقرر الأممي الخاص [بالاطلاع على الخروقات الحقوقية][196].

في النموذج الديني مثل الشريعة الإسلامية نجد أن نقطة الجذب للانصياع للواجبات الأخلاقية غير القابلة للحكم القضائي هي الله[197]. ولأن الحركة العالمية لحقوق الإنسان تفتقد لهذا العنصر الموحد [الله] فإن التنفيذ بقي أمرا إشكاليا[198].

ولهذا، فثمة حجة دامغة على أن لحقوق الجيل الثالث الثلاثة المذكورة حضورا قويا في الشريعة الإسلامية، وهذا لوحده انتصار لفكرة عالمية الحقوق الإنسانية لأنها تقدم أساسا للنظرية النسبية العكسية من حيث الموضوع؛ حيث أن حقوقا غير متطورة في الوعي الدولي نجدها متقدمة في النموذج الإسلامي غير المهيمن.

إن هدف النظرية العكسية من حيث الموضوع هو البحث عن حقوق عالمية لها جذور تاريخية خارج النموذج الدولي المهيمن. وبعد فحص التصور الإسلامي لهذه الحقوق نجد أن حقوق الجيل الثالث من حقوق التآزر تمثل المثال الأول لذلك.

وبالإضافة إلى ذلك فإن الحضور القوي لحقوق الجيل الثالث في الشريعة الإسلامية يساعدنا في فهم أحسن لهذه الحقوق ذاتها. فمقارنة التصورات الإسلامية القوية لهذه الحقوق مع مثيلاتها الدولية الضعيفة توضح أن هذه الحقوق تنسجم أكثر مع النموذج المؤسس على الواجبات أكثر من ذلك المؤسس على الحقوق، وعليه فإن عدم التركيز على الواجب الفردي في التصور الدولي في هذه الحقوق يمنع من تطورها الكامل.

والقضية هنا، هي كيف يمكن للقانون الدولي إدخال الواجب إلى جانب الحق في دمج كامل. ولأن التصور الإسلامي يركز على الواجبات على حساب الحقوق، ولأن القانون الدولي يقوم بالعكس، فإن تطبيق منهجية النظرية العكسية أي نقل أجزاء من التصور الإسلامي إلى القانون الدولي ينبغي أن نؤخره إلى الجزء اللاحق حيث سنقوم بفحص أكثر شمولية للنظام الإسلامي المتعلق بالواجبات.

4. الدفاع عن الجيل الثالث من حقوق التآزر  

تعرض التقسيم الجيلي لحقوق الإنسان عامة، وحقوق الجيل الثالث خاصة، للنقد من قبل كثير من المفكرين وخاصة من مفكري الغرب[199]، وعلى مستويات عدة[200]. ويمكن تقسيم هذه الانتقادات إلى أربعة مجالات: إن مثل هذا الاصطلاح الجيلي يتضمن تفضيلا لبعض الحقوق، وأن حقوق الجيل الثالث ليست ضرورية؛ إذ يمكن حمايتها من خلال الحقوق الموجودة سلفا، وأن حقوق الجيل الثالث غير نافعة لأنها غير قابلة للحكم القضائي، وأن هذه الحقوق تهدد شرعية الحقوق الموجودة. وسنعمد إلى الرد على هذه الانتقادات كل على حدة.

أولا؛ يرى البعض أن الاصطلاح الجيلي يتضمن تفضيلا لبعض الحقوق على بعض. ومع ذلك في الوقت الذي يرى البعض من النقاد أن مثل هذا التقسيم يفضل الأجيال السابقة من الحقوق، حيث “توضع أوروبا في قمة التقدم العالمي[201]“، فإن البعض الآخر يرى العكس؛ حيث إن هذا التحقيب الجيلي يعني أن الأجيال اللاحقة تقوم مقام السالفة[202].

ولأنهم لم يتفقوا على أي من الحقوق أفضل من الأخرى حين التحقيب فإن هذا أكبر دليل على غياب التفضيل. وعوضا عن التفضيل [المزعوم] فإن التحقيب الجيلي يقيم توازنا تنويعيا بين الحقوق والواجبات الفردية من جهة، والحقوق والواجبات الجماعية من جهة أخرى. والحق أن هذا التنويع جوهري للغاية؛ لأنه موضوع مركزي في قضية عالمية حقوق الإنسان. وهذه الإضافة لن تؤثر على أهمية الحقوق المؤسسة سلفا.

ثانيا؛ بخصوص القول إنه “بسبب كون التنسيق بين جهود الدول واجبا حيث التداخل [العولمي] المعاصر على الصعيد الدولي فإن حماية حقوق الجيل الأول والثاني… [تقتضي] أن حماية الواجبات اللازمة الجديدة امتداد مباشر لحماية الحقوق الموجودة من دون الحاجة إلى ظهور حقوق إضافية للتآزر[203]“، إلا أن هذا النقد يتجاهل كليا قضية الشرعية التي يتأسس عليها هذا البحث. فبما أن جهود عولمة الحقوق انسجاما مع التصورات الغربية حول الإرادة الفردية تفتقر إلى الشرعية داخل ثقافات كثيرة مما يفقدها فعاليتها، فإنه يتوجب خلق حوار فاحص لنماذج معرفية أخرى مثل حقوق التآزر[204].

يقول النعيم: “إن الحقوق الجماعية مفهوم في غاية الأهمية إلى درجة أن ضعف الحركة العالمية لحقوق الإنسان راجع إلى إقصائه الكلي أكثر من عزوه إلى إدخال بعض تلك الحقوق في الاهتمام[205]“، كما أن هذا النقد يتجاهل قضية جوهرية أخرى في هذا البحث، وهي أن حقوق الجيل الثالث مختلفة لأن مستوى الواجبات الفردية التي تستلزمه أكبر من الأجيال الأخرى.

ثالثا؛ إن القول إن حقوق الجيل الثالث غير قابلة للحكم القضائي[206] قول ضعيف، وهو نقد قد وجه أيضا إلى حقوق الجيل الثاني. ويظهر ضعفه من ثلاث جهات:

 1. إنه يتجاهل الحوار الجاري حول هذه الحقوق لجعلها قابلة للتقاضي عن طريق التركيز على الإنكار التمييزي والاعتباطي لهذه الحقوق[207].

يرى، “كنيث روث” المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، محقا، كما تجلى ذلك في الممارسات الحديثة لهذه المنظمة، أن الهيئات غير الحكومية يمكن أن تستعمل المقاربة التي تستعملها لحماية حقوق الجيل الأول في حماية حقوق الأجيال اللاحقة[208].

 2. إن مدى إعطاء الأولوية للواجبات الفردية على الحقوق الفردية في حقوق الأجيال اللاحقة، كما سنبين ذلك في التصورات الإسلامية والتي ينبغي أن تسود في التصورات الدولية، يجعل قضية القابلية للحكم القضائي أمرا أكثر واقعية[209].

 3. ثمة ما يمكن أن نستفيد منه حين إدماج مفاهيم قد لا تكون قابلة للحكم القضائي ضمن حقوق الإنسان كما بين ذلك مفكرون قانونيون، حيث إن “الخطاب التشريعي يقدم في أحسن الأحوال أدوات ناقصة وخطيرة للتحول الاجتماعي[210]“. وللوصول إلى عالمية حقيقية ترى الأستاذة “دايان أوتو” أنه: “يجب علينا أن نكون حذرين أن لا يسكت خطاب الحقوق لغات أخرى [تتأسس] على الحاجات والواجبات والجماعة والدعم والأخلاق والعدالة الاجتماعية[211].”

وأخيرا، يرى البعض أنه نظرا لأن حقوق الجيل الثالث “لا يمكن الوفاء بها في الوقت الحاضر، وأنها غير قابلة للتقنين… فإنها تنقل فكرة حقوق الإنسان كلها إلى مستوى مثالي؛ حيث لا ترى الحكومات فيها إلا القليل من الإلزام[212].”

ومن منظور قانوني وضعي، فإن ثمة قليل من المعقولية في القول بأن الحقوق الجديدة ستقف عائقا أمام تنفيذ الحقوق القديمة؛ لأن الواجبات تم تجزيئها في القانون الدولي بحيث أن كل دولة تقوم بتقنينها في المعاهدات الدولية الحالية.

وعليه، فإن التقنين غير الملزم لحقوق الجيل الثالث لا يؤثر في التزامات الدولة تحت آليات المعاهدات الملزمة في حقوق الإنسان الحالية، والتي تكون فيها الواجبات مخصصة ومتجذرة في المعاهدات الخاصة، والتي بدورها تم تطويرها في بنية المعاهدة نفسها.

ومن منظور التاريخ التشريعي، فإن هذا النقد قابل للمساءلة. فالقانون الدولي لحقوق الإنسان خاصة والقانون الدولي ظلا يتميزان بإجراءات تقنينية متطورة تبدأ بإعلانات غير ملزمة وتتطور إلى واجبات ملزمة كلما كان هناك دعم من المجتمع الدولي. يقول الأستاذ سوهن: “على غرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن الحقوق الجديدة يمكن تحقيقها تدريجيا خطوة خطوة[213].”

فعوضا عن عدها مجرد طموح مثالي فإن حقوق الجيل الثالث “هي المرتكز الذي تدور حوله حقوق الإنسان وحقوق الدولة معا[214]“. وفي هذا الصدد يشير “فلنترمان” إلى أن الحق في التنمية يقوم بدور المصحح لمسار التنمية… ويهتم بجودة التنمية… ويجعل من التنمية الفردية هدفه الأسمى[215].”

كما يرى فلنترمان أن الحماية العامة للبيئة لا فائدة منها “إذا لم ننطلق من الحق الأساس للفرد في بيئة نقية ومتوازنة[216]“. إن حقوق الجيل الثالث في نظر “فاساك” “تدخل البعد الإنساني إلى مجالات فقد منها هذا البعد حيث ترك [الأمر] للدولة أو الدول[217]“. كما أن قبول [هذه الحقوق] يفيد وبشكل بعيد الأثر في حل مشكل عالمية الحقوق في الحركة العالمية لحقوق الإنسان.

إن الانتقادات التي تعرضنا لها هنا يمكن اختزالها في الخوف من أن قبول حقوق التآزر يمكن أن يهدد الحقوق الفردية الموجودة، وهو الخوف الذي ينبغي أخذه على ما هو عليه؛ أي الجهد لإبقاء حركة الحقوق متمركزة في الغرب وعليه ينبغي عدم إعارته أي اهتمام.

4. نقل النموذج الإسلامي إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان (منهجية النظرية النسبية العكسية) نظرا لكون النموذج المؤسس على الحقوق وذلك المؤسس على الواجبات نموذجين متجذرين ويستمدان افتراضاتهما من ثقافتين تشريعيتين [مختلفتين] فإنه من الممكن دمجهما في نظرية عالمية مقبولة.

ولقد أكد هذا البحث على أن نقطة الالتقاء الحاسمة بين النموذجين هي حقوق التآزر حيث يخلق القانون الدولي مكانا للواجبات ضمن الحقوق. وبعد فحص لمنظور علماء الإسلام لهذه الحقوق فقد خلصنا إلى أن لهذه الحقوق أساسا قويا في الشريعة الإسلامية.

أ. المنهجية الفقهية في الشريعة الإسلامية  

تعد الشريعة الإسلامية، كما يرى عبد الحق، نظاما شاملا يضم العقيدة والأخلاق والمعاملات ومعايير السلوك والواجبات[218]. ويستعمل مصطلح الشريعة الإسلامية عموما ليعني جماع النظام الفقهي المرتبط بالإسلام بما في ذلك المصادر الأساس للشريعة والمصادر الثانوية، وكذا منهجية الاستدلال التطبيقي أو الفقه[219]. وتقوم المصادر الرئيسة والثانوية بتحديد الواجبات التي تعد الأسمى في تراتبية [التشريع][220].

والمصادر الرئيسة هي: 1. القرآن.  2. وسنن النبي وأقواله أو ما يطلق عليه: الحديث[221]. يؤمن المسلمون بأن القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بما هو حرفيا كلام الله الموحى به إلى النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، على مدى 22 سنة (من 610 إلى 632 م) والمحفوظ  منذ نزوله[222].

والقرآن ليس كتابا في التشريع في حد ذاته؛ حيث إن آيات الأحكام لا تتجاوز 500 آية ومع ذلك فهو الأساس الذي تنبني عليه المصادر التشريعية الأخرى[223]. وعلم التفسير علم شامل حيث تدرس كل كلمة وجملة [قرآنية] بدقة كبيرة[224].

أما السنن والأحاديث النبوية فتكون الشق الثاني من المصادر التشريعية الرئيسة. والحديث مضمن في كتب متعددة جمعه علماء مختلفون وليس محصورا في كتاب واحد[225]. ولأن الأحاديث لم تدون تحت إشراف مباشر من النبي كما القرآن، بل دونت على مدى 300 عام وبمنهجيات متعددة، فإن سؤال البداية هو مدى صحة كل حديث [مروي][226].

وفي الفترة ما بين 850 و915م، فإن مجموعة من العلماء المعروفين بعلماء الصحاح حاولوا التأكد من صحة ما يزيد على مليون حديث، وكان خلاصة هذه الجهود ست مدونات ألفها كل من البخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي وابن ماجه محمد بن يزيد[227].

أما فقه [الاجتهاد] فيشمل القضايا التي لم تحسمها المصادر الرئيسة للشريعة. وهذا ما يستلزم مستوى من الاجتهاد الفردي المعروف في الشريعة بالاجتهاد. ولقد تطور على الأقل 18 مذهبا فقهيا رويدا رويدا، ومعها تطورت ممارسات مختلفة قليلا كما هو الشأن في الاجتهاد المؤسس على الإجماع والقياس والاستحسان والعرف[228].

ومن هذه المذاهب بقيت خمسة مذاهب إلى الآن: فالمذهب الحنفي موجود في أفغانستان والهند والعراق وباكستان وسورينام وسوريا وترينيداد وتركيا ومناطق في مصر. والمذهب المالكي مطبق في الجزائر والبحرين وتشاد ومناطق في مصر والكويت ومالي والمغرب ونيجيريا وقطر وتونس. والمذهب الشافعي موجود في مصر وإندونيسيا وكينيا وماليزيا والفلبين وسيريلانكا وسورينام وتنزانيا واليمن. والمذهب الحنبلي موجود في السعودية وأخيرا المذهب الجعفري الموجود في إيران والعراق ولبنان[229].

والأربعة الأولى مذاهب سنية وتمثل 90% من المسلمين في حين أن المذهب الأخير مذهب شيعي. والسنة لا يرون انحدار الإمام من أسرة النبي أمرا واجبا كما يرى ذلك الشيعة الذين يكتفون في غيابه بالإمام المؤقت أو آيات الله إلى حين نزول الإمام [الشرعي].

وعلى الرغم من اختلاف هذه المذاهب في قضايا تأويلية معينة فإنها تؤدي أحيانا إلى نتائج مختلفة كثيرا[230]. ومع أن هذا البحث قد كتب في المغرب المالكي فإنه يهدف إلى مقارنة المبادئ العامة للشريعة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. إلا أننا نؤمن بأن تلك الاختلافات لا تؤثر على جوهر هذه المقارنة لأن الأهمية الكبيرة للواجبات في الشريعة الإسلامية تتجاوز الاختلاف المذهبي.

غير أن ثمة مجالا مهما ينبغي الاهتمام به هنا؛ وهو أن الشيعة يسمحون بالاجتهاد لأئمتهم[231] أما أهل السنة فيحرمونه. وإغلاق باب الاجتهاد سيء السمعة هذا بدأ حوالي 1258م وأدى إلى جدال حول شرعية الاجتهاد دام 700 سنة[232] ولا يزال حامي الوطيس بين العلماء إلى الآن[233]. إلا أنه وضمن واقع عملي حيث الإحالة على أمثال النعيم فإن الاجتهاد لابد منه. وهذا البحث بحث في النظرية التشريعية بما في ذلك الآراء والمقارنات التي ليس من الضروري أن تكون مقبولة ومتجذرة [في الوسط الإسلامي]. ومن افتراضات هذا البحث الأساسية أن باب الاجتهاد لم يغلق وأن آراء مثل آراء النعيم [تتمتع] بالشرعية.

ب. الأسس الإسلامية للواجبات الفردية  

إن الواجبات الفردية في الإسلام مهمة وثابتة بسبب أصولها الدينية. يقول عبد العزيز عثمان التويجري: “حقوق الإنسان في الإسلام هي حقوق الله وينبغي تطبيقها على أحسن الوجوه من أجل بلوغ مرتبة الإحسان والخضوع الكامل لله تعالى ولشريعته. ولهذا فإن مفهوم حقوق الإنسان في الإسلام [يجعلها] تسمو إلى مصاف العبادات بوصفها واجبات دينية. والتكليف الشرعي يضع على عاتق الفرد مسؤولية ثقيلة أمام الله والمجتمع والإنسانية جمعاء[234]“. وهذا الوزن الديني يجعل المسؤولية الفردية “أساسا يقوم عليه المجتمع المسلم[235]“.

وفي مقابل الحقوق الدستورية والسياسية المجردة، فإن الواجبات الفردية” ليست الخلاصة النظرية لمرحلة ما من مراحل تطور الوعي البشري… بل هي في الواقع واجبات من واجبات الإيمان على عاتق الفرد والمجتمع كل ضمن مجاله طبقا لدرجة المسؤولية[236]“. كما يرى الأستاذ فضل الرحمن أنه “وعلى غرار الاصطلاح الكانطي بأن لا معرفة مثالية ممكنة بدون الحاجة لأفكار العقل… فإن الاصطلاح القرآني يرى أنه لا أخلاق ممكنة من دون الحاجة لله واليوم الآخر. وبالإضافة إلى ذلك فإن الوظيفة الأخلاقية [لهما] تستلزم وجودهما لأجل التجربة الدينية الأخلاقية وليس لكونهما مجرد مسلمات إيمانية[237].”

والواقع أن هذا الحس بالواجب قوي إلى درجة أن كثيرا من علماء المسلمين يفضلون مصطلح الضرورات الإنسانية على مصطلح حقوق الإنسان[238]. السيادة في الشريعة الإسلامية لله وهو الحكم النهائي في القيم[239]. أما “سيادة الناس إن جاز هذا الإطلاق أصلا فهي سيادة مفوضة أو تنفيذية فقط[240].”

ومع أن الفحص الدقيق لمفهوم الواجب في الشريعة الإسلامية يقع خارج مجال هذا البحث، فإن ثمة تجليين له ينبغي الإشارة إليهما وهما: الاستخلاف والأمانة. إن عقيدة الاستخلاف متجذرة في القرآن[241] وتقدم أساسا قويا للواجبات الإنسانية في الشريعة.

فبوصفها مستخلفة لله، “فإن الجماعة المسلمة عليها أمانة تطبيق الشريعة وإقامة العدل واتخاذ كل الإجراءات الضرورية للحكامة الجيدة[242]“. ويشير “نانجي” إلى “أن مفهوم الأمانة في القرآن، والمتحقق عبر دور الإنسان بوصفه خليفة ومسؤوليته عن كيفية القيام بهذا الدور لصالح المجتمع والأجيال المقبلة، يبين الأهمية التي يوليها القرآن لواجب الفرد نحو الجماعة[243].”

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الواجبات الفردية نحو الله والأمة متجذرة في الأمانة التي وضعها الله على عاتق كل فرد كما هو بين في القرآن ﴿إنا عرضنا الاَمانة على السماوات والاَرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الاِنسان إنه كان ظلومًا جهولًا[244] وبقبول الناس لهذه الأمانة فقد قبلوا المسؤولية الفردية نحو بعضهم البعض ونحو المجتمع ككل[245].

ج. فقه الواجبات في الإسلام  

لأن الواجبات أمر مركزي في الإسلام عقيدة وتطبيقا، فقد تطورت في الفقه الإسلامي المصطلحات والتصنيفات المتعلقة بالواجبات بشكل أكثر تعقيدا من مجرد ذكرها في مدونات القانون الدولي لحقوق الإنسان. فالشريعة الإسلامية خطة حياة اجتماعية شاملة لكل أفعال المسلم والتي صيغ أغلبها باعتبارها واجبات[246]. وتنقسم أوامر الشارع بخصوص الواجبات إلى “خمسة أقسام مشهورة: [وهي] الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح[247].”

إن أهمية الواجبات في هذا النظام [التشريعي] أمر لا جدال فيه حيث تحدد الشريعة واجبات الفرد في أي حالة ممكنة باستعمال هذه الأحكام الخمسة[248]. وهذا التصنيف معقد جدا وهو موضوع مجلدات في الشريعة الإسلامية والتي لم يترجم أغلبها من اللغة العربية[249]. إن تحليلا مستوفيا لهذا الموضوع يقع خارج إطار هذا البحث ويقع على عاتق العالم المتخصص. وما نتغياه، هنا، هو فقط بيان أن الواجبات تمثل النموذج المعرفي للشريعة وأساسها الاصطلاحي.

1. الواجب والفرض  

إن التعقيد الاصطلاحي للغة الواجبات في الإسلام تتجلى بداهة في التمييز بين الواجب والفرض، واللذان يمكن ترجمتهما للإنجليزية في مصطلح واحد هو: [250]duty وعلى الرغم من أن كثيرا من الفقهاء يرون أن الواجب مرادف للفرض، فإن الأحناف يميزون بينهما[251]: فالفرض هو ما نص عليه القرآن والسنة بشكل حاسم وواضح وقطعي أما ما نصا عليه ظنيا فهو عند الأحناف واجب[252].

هذا التمييز مهم عند الفقهاء؛ لأن عصيان الفرض كفر أما عصيان الواجب فهو مجرد فسق[253]. وفي نظر البعض، فإن هذا التمييز مهم أيضا لأن إهمال الفرض يلغي العمل أما إهمال الواجب فيضعفه فقط. وعلى سبيل المثال، فإن الصلاة من غير فرضي الركوع والسجود غير جائزة إلا أنها تعد ناقصة فحسب إن لم تقرأ فيها الفاتحة[254].

2. العين والكفاية  

يسعف التمييز بين فرض العين أو الواجب الفردي والكفاية، أو الواجب الجماعي بنقطة مهمة للمقارنة بين [الشريعة] والجيل الثالث لحقوق الإنسان في القانون الدولي. الواجب الفردي أو العيني واجب على كل مسلم لأهميته الاجتماعية والدينية؛ مثل إقامة الصلاة والصوم[255]، والوفاء بشروط العقود وطاعة الوالدين[256]، وكذا واجب معرفة ما يكون من الدين بالضرورة. أما الواجب الكفائي فهو الواجب الذي إذا قام به البعض سقط عن الكل[257] مما يعني أن المجتمع مسؤول عن أداء هذا النوع من الواجبات ومنه: صلاة الجنازة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الحسبة والشهادة والقضاء وبناء المستشفيات وإطفاء الحرائق[258] والتبحر في العلوم الشرعية، فكل هذه واجبات كفائية؛ فمثلا ليس كل واحد مؤهلا للتبحر في علوم الشريعة، ولا كل واحد قادر على بناء المستشفيات غير أن من له الإمكانيات لفعل ذلك صار الفرض الكفائي بالنسبة له فرض عين[259].

3. المؤقت والمطلق  

يقر الإسلام بوجود واجبات مؤقتة وأخرى مطلقة أي غير مرتبطة بوقت ما[260]. ومن أمثلة المؤقتة الصوم والصلوات لأنها تؤتى في ميقات محدد. أما الحج فهو من أمثلة الواجبات المطلقة لأنه قد يقام به في أي وقت خلال حياة الإنسان، وكذا أداء الكفارات فهو من الواجبات المطلقة، وهناك واجبات أخرى مطلقة بمعنى أنها متى ما سنحت الفرصة لأدائها فيجب أن تؤدى في حينها مثل طاعة الوالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[261].

4. المحدد وغير المحدد 

وأخيرا، ثمة تمييز في الفقه الإسلامي بين الواجب المحدد في المقدار وغير المحدد فيه[262]؛ فالأول مثل الزكاة والصلاة وأداء سعر المبيع، أو كلفة الإيجار، أو الحدود وكلها محددة بمقدار[263].

أما الواجبات غير المحددة، فتتضمن الصدقة للمحتاجين في غير وقت إخراج الزكاة، وإطعام المساكين في غير وقت الكفارة، والعدل والإحسان والاقتصاد في الإنفاق ومساعدة المحزونين وغير ذلك من الواجبات التي لم يحدد الشارع لها مقدارا معينا؛ لأن المقصود منها قضاء حاجات الناس[264].

ولأن الواجبات المحددة ليست مقيدة بكمية معينة بحيث تفي بالحاجات الاجتماعية، فإنها نموذج حي للتكافل الاجتماعي الثاوي في الواجبات الإسلامية، بل حتى المحددة فإنها ذات بعد تكافلي لأنها إلى جانب المحددة متصلة بقدرة الفرد، فمثلا “المعلم والأستاذ الجامعي بعد أن يؤديا واجبهما مقابل الأجر… فينبغي أن يقدما المساعدة العلمية والفكرية لكل من يحتاج إليها في حدود مسؤوليتهما[265].”

وكذلك الفرد الغني بعد أن يؤدي واجب الزكاة (المحدد) عليه أن يقدر ما يحتاجه المجتمع حسب الاستطاعة ليقدم المساعدة المالية (غير المحدد)[266]؛ وهكذا فإن نتاج الجمع بين الواجب والمحدد وغير المحدد هو الاستجابة القصوى لحاجات المجتمع.

5. معالم إضافية للواجبات في الإسلام

إن الخطاب الإسلامي حول الواجبات [ثري] ومعقد. أولا؛ ميز الإسلام بين واجبات الإيجاب وواجبات النفي[267] مثلما فعلت الحركة العالمية لحقوق الإنسان[268]. ثانيا؛ كما فعل مفكرو حقوق الإنسان حينما درسوا التعارض بين حقين وأشاروا إلى أن الحق يمتد في حدود عدم المس بحقوق الآخرين[269]، فإن الإسلام قد قام بالشيء ذاته في سياق الواجبات.

فمثلا لو افترضنا أن جماعة ما في حاجة إلى 10000 طبيب غير أن هناك 30000 طبيب فإن دونمز يرى أن العدد الزائد يفي بالواجب الجماعي (فرض الكفاية) ولهذا فإن هذه الجماعة قد قصرت تقصير الجماعة التي لا توفر العدد الكافي من الأطباء؛ لأن القضية حسب استنتاج دونمز أن “الواجب الجماعي لم يتم الوفاء به لأن القدر المطلوب تم تجاوزه على حساب واجب جماعي آخر[270]“.

 ومعنى ذلك، أنه حصل اعتداء على واجب آخر هو توفير القدر الكافي من المعلمين مثلا، أو من علماء الدين. والفرق هنا بين الشريعة الإسلامية ونظريات حقوق الإنسان؛ أن الأخيرة حلت مشكل تعارض الحقوق على المستوى الفردي، أما الإسلام فقد حل تعارض الواجبات على المستوى الجماعي[271].

د. ليس من الضروري أن يكون نموذج الواجبات في الحقوق دينيا

قبل أن نقوم بعملية نقل لنموذج الواجبات الإسلامي إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان في الفقرة اللاحقة، فإن الهدف من هذا الجزء [من البحث] بيان أن نموذج الواجبات ليس دينيا سلفا. والآراء العلمية في هذا الصدد متضاربة بين القبول والرفض. من جهة، فقد ذهب فضل الرحمن إلى أن الرؤية الإسلامية والعلمانية للواجب متعارضتان؛ “فالتقوى عادة ما تترجم إلى الصلاح piety أو خشية الله God-fearingness والتي يمكن فهمها في سياقات قرآنية مختلفة بأنها حالة فكرية من المسؤولية ينبع منها الفعل، ويعي فيها الفاعل أن الحكم على الفعل يقع خارج ذاته. أما فكرة القانون العلماني فبقدر ما يجعل الحالة الفكرية تلك غير مهتمة بالطاعة التي تحددها المسؤولية مما يجعل الفعل مجرد عمل ميكانيكي، فإن هذا يعتبر إنكارا للتقوى[272].”

إن خلاصة فضل الرحمن والتي تجعل من القانون العلماني فارغا من معنى الواجب الفردي مقارنة بالتقوى الإسلامية ينبغي إعادة النظر فيها. وكما أشار إلى ذلك محقا “سيلبورن” حيث قال: “حتى من دون الوعد الأخروي والأمر الإلهي، فإن الحياة الأخلاقية للفرد تسمو وتتمدد من خلال الاعتراف بالمسؤوليات نحو الذات والآخرين وقبولها[273].”

 إن أي افتراض مسبق لعدم قدرة القانون الدولي لحقوق الإنسان على تطبيق الواجبات لا تعود إلى غياب سلطة زجرية تعادل التقوى في الإسلام. إن غياب إجراء تنفيذي ملزم مشكل كبير مثل مشكل تنفيذ الحقوق الفردية. وغياب لغة الواجبات يعود إلى أن القانون الدولي اختار كلمة الحق بدل كلمة الواجب بوصفها الاصطلاح المؤسس لنموذجه الحقوقي.

ومن جهة أخرى، وعلى النقيض، فإن الأستاذ “سيلبورن” يرى أن الواجب الحقيقي أمر فطري لا يستلزم أي سلطة زجرية من الخارج أو يفترض أي ميثاق حاكم. ويعترف “سيلبورن” بأهمية السياق التاريخي للعقد الاجتماعي إلا أنه يرى أنه “من غير الملزم حين التطبيق إعطاء الشرعية لمفهوم الواجب في ذاته…[274]“، بل يعتقد أن “الذين يمتلكون هذا الحس المتحضر لا يستلزمون وجود ميثاق ليبرروا لأنفسهم تطلعهم الأخلاقي بأن يتم تطبيق مبدإ الواجب سواسية على كل أفراد النظام المدني، في حين أن الذين لا يمتلكون هذا الحس لن يقتنعوا بذلك؛ إذ يفترضون وجود مثل ذلك الميثاق المفروض عليهم[275].”

إلا أن مذهب سيلبورن في فطرية الواجبات يبدو هو كذلك مشكلا. فبإنكار وجود الميثاق الاجتماعي فإن الاستناد سيكون إلى فهم صوري لذلك الميثاق بوصفه ميثاقا سابقا ملزما للفعل الحالي. وهكذا فإن هذا التصور في توصيفه للحس الفردي للواجب لن يكون سوى الميثاق الاجتماعي [في نهاية المطاف] وإلا فما هو الحس الأخلاقي المتحضر لدى سيلبورن إن لم يكن هو العقد الاجتماعي باسم آخر؟

وضدا على هذين التصورين؛ أي استدلال فضل الرحمن على أن سلطة التقوى الأخروية سيكون أساسا كافيا للواجبات الفردية واستدلال سيلبورن بأن معنى الواجب الفردي أمر فطري، فإن الحقيقة ربما تكون كامنة في فهم وسط بين الرأيين: فكما أن الشريعة الإسلامية ترى أن الناس عليهم واجبات نحو الآخرين من خلال مفهوم الاستخلاف، فإن النظرية السياسية الغربية التي يستند إليها القانون الدولي لحقوق الإنسان تتضمن تصورا شبيها له في  مقولة العقد الاجتماعي[276].

مثلا، نجد “كانط” يعلن أن “الناس هم حراس الأرض ولا يمكنهم مغادرة أماكنهم إلا برخصة من يد رحيمة أخرى[277]” وكذلك “سيلبورن” نفسه الذي يرى أن “العلاقة الأخلاقية بين الفرد ومحيطه متعلقة أخلاقيا بتلك العلاقة التي تراها التقاليد الدينية بين الإنسان وربه[278]“. ولاعتبارات نظرية فإن العقد الاجتماعي مشابه بما فيه الكفاية للاستخلاف الإسلامي، وهو ما يسمح لنا بالاستنتاج بأن نموذج الواجبات لا يحتاج لأن يكون دينيا سلفا.

ﻫ. تطبيق منهجية النظرية النسبية العكسية

على الرغم من أن موضوع النظرية النسبية العكسية توفر أداة مهمة في تصور الجدال حول عالمية بطريقة تعطي فيها الحق للقوى غير السائدة، فإنها لا تفي إلا بالقليل لتحقيق ذلك. وهذا الجزء يسعى لتحقيق هذا الهدف الأسمى عن طريق الاستعانة بمنهجية النظرية العكسية حيث ننقل الأدوات من الشريعة الإسلامية إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان في مجال الجيل الثالث لحقوق التآزر.

كما ناقشنا سابقا، فإن من المشكلات المتعلقة بالجيل الثاني والثالث من الحقوق مشكل قابليتهما للحكم القضائي، ويضاف إلى هذا المشكل بالنسبة للجيل الثالث الحاجة لتمييز قابلية الحكم القضائي في الواجب الفردي والجماعي وضمانهما. إن منهجية النظرية العكسية بإمكانها حل هذا المشكل عن طريق فحص للشريعة الإسلامية.

لقد شغل موضوع قابلية الحكم القضائي فقهاء الإسلام كثيرا يقول الغزالي: “قال القاضي؛ [أي الباقلاني] لو أوجب الله علينا شيئا ولم يتوعد بعقابه على تركه  لوجب، فالوجوب إنما هو بإيجابه لا بالعقاب. وهذا فيه نظر لأن ما استوى فعله وتركه في حقنا فلا معنى في وصفه بالوجوب إذ لا نعقل وجوبا إلا بأن يترجح فعله على تركه بالإضافة إلى أغراضنا فإذا انتفى الترجيح فلا معنى للوجوب أصلا” (المستصفى، 1/213)[279].

هكذا ومع أن [الباقلاني] عد كل الواجبات ملزمة على التساوي فإن الغزالي حاول حل مشكل قابلية التقاضي متسائلا: كيف يمكن لواجب غير قابل للحكم القضائي؛ [أي العقوبة] أن يكون في مرتبة واحدة من الإلزام مع واجب آخر قابل للحكم؟

ومع ذلك، فإن بنية الشريعة الإسلامية تخفف من حدة هذا الإشكال عن طريق أبرز مثال وهو التمييز بين الفرض الكفائي والعيني. قال الغزالي: “فإن قيل… لم قلتم بأن فرض الكفاية على الجميع مع أن الوجوب يسقط بفعل واحد قلنا لأن الوجوب يتحقق بالعقاب ولا يمكن عقاب أحد الشخصين لا بعينه ويجوز أن يقال أنه يعاقب على أحد الفعلين[280].”

هكذا، وعوضا عن الواجب الذي تقوم به الجماعة نفسها؛ أي الحكومة لصالح الشعب، فإن الواجبات الجماعية في الشريعة الإسلامية تكون بين الأفراد ويقومون بها لصالح الجماعة، وهو ما يكاد ينطبق على الجيل الثالث من حقوق التآزر حيث يرتبط الواجب الفردي بالتآزر الجماعي.

ويمكن أن نستنتج أن مثل هذه الواجبات غير قابلة للحكم القضائي نظرا لصعوبة إلزام أي فرد معين بها. إلا أن الشريعة الإسلامية نظمت هذه الواجبات عن طريق اختبار الفرد حتى ولو كانت جماعية.

وعليه، فعوض تحديد عدد الموظفين الحكوميين؛ كالقضاة والإطفائيين بواسطة الاعتبارات الإدارية غير القابلة للحكم القضائي على أي من هؤلاء الأفراد، فإن الشريعة الإسلامية اتخذت مسارا آخر وهو جعل تلبية الواجب منوطا بقدرة الأفراد، وبهذا فإن الشريعة تقلب الواجب النظري إلى واجب عملي محسوس وقابل للحكم؛ إذ يتحمل مسؤوليته الفرد. وهذا نموذج جيد لتحتذي به حقوق الجيل الثالث إنْ أرادت الحركة العالمية لحقوق الإنسان أن تتجاوز بالحقوق دائرة النظرية إلى حيز التطبيق.

وعلى هذا المنوال صيغت بنية الواجب المحدد وغير المحدد. فمثلا مقدار الزكاة محدد في الشريعة لارتباطه بمقدار الثروة والدخل، ولهذا فهو سهل الخضوع للحكم القضائي. أما الواجب غير المحدد فيشبه الجيل الثالث من الحقوق؛ لأن المقصود منه تلبية حاجة المجتمع التي لم يلبها الواجب المحدد. إلا أن الشريعة تجعل غير المحدد من الواجبات قابلا للحكم من خلال اختبار الفرد ليس في المقصد، بل في الوسيلة؛ فبينما يكون الخروج من الفقر حقا مقصديا يصعب إخضاعه للحكم نظرا لقلة الموارد فإن واجب الفرد في إخراج ماله وهو الوسيلة لبلوغ الحق المقصدي يكون طريقا سهلا للتقييم.

ويمكن للقانون الدولي لحقوق الإنسان اعتماد نموذج الوسيلة هذا، كما تفعل كثير من الدول في قوانينها المحلية؛ فمثلا خطة الأداء الضريبي موضوعة بشكل تراتبي لكي يؤدي صاحب الدخل أو الوسيلة الأكبر نسبة أكثر. ويمكن كذلك للحق في البيئة الصحية أن يرتب أداء الواجب فيه على أساس المقدار النسبي للثروة.

إن التطور الكامل لحقوق الجيل الثالث في القانون الدولي قد يستلزم مثل هذا المعيار الوسيلي ليتحول إلى عنصر مكون لمعاهدات القانون الدولي لحقوق الإنسان.

هكذا، فإن أي صياغة فعالة لمعاهدة حول حقوق الجيل الثالث يمكن أن تتضمن، بالإضافة إلى المواد التقليدية المتعلقة بواجبات الدولة وحقوق الأفراد، موادا ملزمة للأفراد. وبينما أصبح الأفراد أصحاب حقوق في القانون الدولي وأصبح الفرد المعين صاحب واجبات مع تطور القانون الجنائي الدولي، فإن الجيل الثالث من حقوق الإنسان ستجعل من كل فرد صاحب واجب في القانون الدولي.

وعليه، فإن فحص الشريعة الإسلامية سيوفر أداة لتطوير وظيفة الجيل الثالث في القانون الدولي لحقوق الإنسان: أولا؛ لأن الشريعة قد طورت تمايزات تشريعية؛ كالواجب الفردي والجماعي والمحدد وغير المحدد، بين الواجبات الفردية البينية الملزمة للجماعة والجمع المقبول عرفا للواجب الجماعي الموجود في جميع أجيال الحقوق.  ولربما بدأ القانون الدولي بفعل هذا عن طريق لائحة متنامية من حقوق الجيل الثالث إلا أن ما ينبغي توضيحه أكثر هو أوجه الإلزام الفردي فيها.

ثانيا؛ بالنسبة لهذا الواجب الفريد بين الأفراد، فإن الشريعة الإسلامية تجعله قابلا للحكم القضائي عن طريق اختبار وتقييم للفرد. واستنادا إلى هذين الطريقين فإن القانون الدولي يمكنه تحديد الواجبات الفردية الثاوية في الجيل الثالث من حقوق التآزر ودعم قابليتها للحكم القضائي.

إلا أن هاتين الطريقتين لوحدهما لا تستطيعان إمداد نظرية حقوق الجيل الثالث في القانون الدولي لحقوق الإنسان بعناصر الاكتمال؛ لأن ذلك يعد سوء فهم لجوهر النظرية العكسية لأننا إذا تصورنا أن حلول مشاكل القانون الدولي لحقوق الإنسان ينبغي أن تأتي من الشريعة الإسلامية فإن هذا لن يعبر عن النظرية النسبية العكسية، بل سيكون محض النظرية النسبية المعتدلة التقليدية حيث يكون النموذج الإسلامي هو المهيمن. إن النظرية العكسية غير منسجمة وتحتاج إلى وقت كبير [لتطبيقها].

إنها تحتاج إلى تظافر الجهود من العلماء من كل النظم التشريعية لإيجاد نموذج عام للقانون الدولي لحقوق الإنسان وهو ما سينتج نظاما أفضل من العناصر المتظافرة. وتناغم الجهود هذا سيكون بطيئا ولكن نتائجه ستكون أكثر نجاعة وأصالة وعالمية مقارنة بأي محاولة سالفة لإيجاد قانون عالمي.

ولئن استطاع هذا البحث أن يسهم من خلال الشريعة الإسلامية في هذا المسعى فإنه سيكون قد أدى مهمته.

خاتمة

إن جهود أصحاب النظرية الثقافية النسبية المعتدلة لإيجاد قانون عالمي لحقوق الإنسان مبني أساسا على التصورات الغربية جهود غير كاملة. وإذا وجدت معايير دولية لحقوق الإنسان حقا فإن اكتشافها ينبغي أن يبدأ من مختلف النظم التشريعية؛ لأن أي ثقافة على حدة لا يمكنها أن تتضمن كل الأجوبة العالمية التي تسعى إليها كل ثقافة. وهو ما سعينا إليه هنا؛ أي إلى أي مدى يمكن أن نعد الجيل الثالث للحقوق تطورا نحو عالمية المعيار من خلال النظم غير الغربية؟ هكذا فقد وجد هذا البحث أسسا متينة للجيل الثالث من الحقوق، وتصورا نظريا لكيفية تطبيقها في الشريعة الإسلامية. وخلص البحث إلى أنه بينما أشار بعض العلماء إلى تعقيدات الجيل الثالث من الحقوق التآزرية بوصفها مجموعة حقوق، فإن التعقيد الحقيقي الذي يمنع من قبولها في الغرب ثاو في عنصر الواجب الفردي فيها.

إن الصعوبات التي يجدها الغرب في قبول لغة الواجب ومنطقه داخل الحركة العالمية لحقوق الإنسان ليس راجعا لجهل ثقافي بمفهوم الواجب في حد ذاته. فعلى غرار مفهوم الاستخلاف الإسلامي بوصف الفرد مسؤولا عن حماية مصالح الجماعة، فإن حقوق الإنسان في الغرب مؤسسة على العقد الاجتماعي يخدم [بمقتضاه] الفرد مصالح المجتمع. إن التحرك نحو حقوق التآزر أمر عظيم ليس لأن الغرب خالي الوفاض نظريا في مجال الواجبات الفردية، بل لأن استعمال كلمة الحق لسنوات طويلة بوصفها المصطلح المؤسس للنموذج المعرفي.

 إن الغرب بدأ يهتم بالواجب، المصطلح المؤسس للنموذج المعرفي في الشريعة الإسلامية واليهودية وفي المسيحية والهندوسية الكونفوشيوسية، ويدخله في خطابه ومنطقه. وبهذا فإن الغرب قد بدأ بعملية إحيائية لرصيده النظري القديم، وهذا يخدم كثيرا مستقبل حقوق الإنسان؛ لأن لغة الواجب ولغة الحق من شأنهما أن يتعاملا مع مختلف المشاكل الاجتماعية. ولهذا فإن انصهارهما المنتج أمر مطلوب في حقوق الجيل الثالث. وعليه، فعوض توجيه النقد لحقوق الجيل الثالث، على العلماء أن يسعوا لتطويرها.

إن المفاهيم الإسلامية للجيل الثالث من حقوق التآزر التي ناقشناها في هذا البحث أمثلة رائعة للنظرية النسبية العكسية من حيث الموضوع. وابتداء من مجال نظري جديد لحقوق الإنسان العالمية، فإن المفاهيم الإسلامية تظهر تطورا نظريا قويا لحقوق الجيل الثالث وهو ما يدعم فكرة تبنيها في القانون الدولي في أفق عولمتها والتحرك نحو معيار أكثر إسلامية.

إلا أن فحص هذه الحقوق لوحدها لن يقدم سوى القليل لتطويرها عالميا؛ فكما أن تصورها الدولي يرتكز على عنصر الحق على حساب الواجب فإن صيغتها الإسلامية مؤسسة على الواجب بشكل كامل ومن تم فإنها خالية من مفهوم الحقوق. ومع أن التصور الإسلامي القوي لهذه الحقوق يؤكد أن الواجب وليس الحق هو عنصرها الأساس، فإن هذا لن يسهم إلا بالقليل في خلق توازن بين الحقوق والواجبات ولهذا فإن هذه الدراسة اتجهت تلقاء فحص كامل للواجبات في الشريعة الإسلامية.

وبعد رسم معالم النموذج الإسلامي المبني على الواجبات والتأكيد على أن أي نموذج مؤسس على الواجبات لن يكون فعالا إلا إذا اعتقدنا أن لا حاجة لأن يكون دينيا، فإن هذا البحث قام بفحص المجالات التي يمكن نقلها من الشريعة إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان وخصوصا إلى الفهم العالمي لحقوق الجيل الثالث. أولا؛ خلص البحث إلى أن الشريعة الإسلامية طورت جهازا اصطلاحيا للتمييز بين أنواع الواجبات لتحديد الواجبات المغفلة في حقوق الجيل الثالث. ثانيا؛ انبرى الفقه الإسلامي لمشكل قابلية الواجبات للحكم القضائي عن طريق تأكيد تلك القابلية بواسطة الاختبار الفردي للإمكانيات. وكلا هاتين الأداتين يمكن نقلهما إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان لدعم حقوق التآزر.

وبفحص المفاهيم الإسلامية للحقوق المنسجمة مع الثقافة [المحلية] مثل حقوق التآزر، فإننا نكون قد قدمنا أفكارا إضافية لفكرة عالمية حقوق الإنسان عن طريق تناول قضية العالمية من خلال هذه الحقوق عوض الحقوق التقليدية والمدنية والسياسية وخلقنا بذلك صورة جديدة كليا. وكالعادة فإن ثمة ثقافات تحتاج إلى وقت أطول لقبول حقوق يراها أغلب العالم حقوقا أساسية. إلا أنه وعلى النقيض من القصة البالية بأن الثقافة الإسلامية متخلفة فإنها هذه المرة تجلت بوصفها ثقافة ذات جهاز تشريعي مؤسس على اصطلاحات رائعة وقابلة للتقليد. إن ما نتمناه هو أن تكون النظرية النسبية العكسية سواء من حيث الموضوع أو المنهج ليس فقط مرشدة وموحية لمساعي تطوير الفهم العالمي لحقوق الإنسان، بل أيضا معينا لتصور جديد حول عالمية الحقوق الإنسانية.

الهوامش


[1] . دكتوراه في القانون، كلية القانون بجامعة متشيكن. مستفيد من منحة فولبرايت للبحث في المغرب 2003-2004. ولقد استفدت من تعليقات المشاركين في الملتقى السنوي الحادي عشر للدراسات المغربية المنعقد بالرباط عام 2004. وأشكر الشكر الجزيل لجنة منحة فولبرايت في المغرب والحكومة المغربية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وأتوجه بالعرفان الخاص للأستاذ أحمد عبادي من جامعة القاضي عياض بمراكش لتوجيهاته في الشريعة الإسلامية. وكل نقص في هذا البحث فمرده لي وحدي.

[2]. انظر بصفة عامة:

Kimberly YounceSchooley, Comment, Cultural Sovereignty, Islam, and Human Rights, Toward a Communitarian Revision, 25 CUMB. L. REV. 651 (1994); Abdullahi Ahmad An-Na’im, Human Rights in the Muslim World: Socio-Political Conditions and Scriptural Imperatives, 3 HARV. HUM. RTS. J. 13 (1990); Fernando R. Tesón, International Human Rights and Cultural Relativism, 25 VA. J. INT’L L. 869 (1984-1985); Reza Afshari,  An Essay on Islamic Cultural Relativism in the Discourse of Human Rights, 16 HUM. RTS. Q. 235 (1994).

[3] عبد الله النعيم، م، س، ص15.

[4].DOUGLAS HODGSON, INDIVIDUAL DUTY WITHIN A HUMAN RIGHTS DISCOURSE 41-60 (2003).

[5] راجع على سبيل المثال: 

HUMAN RIGHTS AND HUMAN RESPONSIBILITIES, REPORT OF MR. MIGUEL ALFONSO MARTÍNEZ, SPECIAL RAPPORTUER APPOINTED BY THE SUB-COMMISSION ON THE PROMOTION AND PROTECTION OF HUMAN RIGHTS TO UNDERTAKE THE STUDY REQUESTED BY THE COMMISSION IN ITS RESOLUTION 2000/63, 66-86, U.N. Doc. E/CN.4/2002/107 (2002)[hereinafter MARTÍNEZ REPORT]; HENRY J STEINER & PHILIP ALSTON, INTERNATIONAL HUMAN RIGHTS IN CONTEXT: LAW, POLITICS, MORALS 324-66 (2000) (selections by various authors on“The Notion of ‘Rights’: Origins and Relation to Duties”); Makauwa Mutua, The Banjul Charter and the African Cultural Fingerprint: An Evaluation of the Language of Duties, 35 VA. J. INT’L L. 339 (1995).

[6] راجع على سبيل المثال:

Ahmad Farrag, Human Rights and Liberties in Islam, in HUMAN RIGHTS IN A PLURALIST WORLD: INDIVIDUALS AND COLLECTIVITIES 133, 134-46 (Berting et al. eds., 1990)[hereinafter INDIVIDUALS & COLLECTIVITIES]; Ebrahim Moosa, The Dilemma Of Islamic Rights Schemes, 15 J. L. & RELIGION 185 (2000); Muhammad Tal’at Al-Ghunaimi, Justice and Human Rights in Islam, in JUSTICE AND HUMAN RIGHTS IN ISLAMIC LAW 1, 6 (Gerald E. Lampe ed.,1997).

[7].ANN ELIZABETH MAYER, ISLAM AND HUMAN RIGHTS: TRADITION AND POLITICS 46 (1991).

 ..مع كامل الأسف فهذا صحيح أيضا بالنسبة للذين كتبوا مسودة حقوق الإنسان في الإسلام مثل المذكورين في الإحالة 90-93. وتشير الأستاذة ماير محقة إلى أن هذه الوثائق “وحتى وإن ظهر أنها تروج للمنظور الإسلامي لحقوق الإنسان إلا أنها وكما يبدو تعد الحقوق الدولية المعيار النهائي الذي تقاس على أساسه كل حقوق الإنسان الأخرى وهو المعيار الذي يخافون من أن يقال عنهم إنهم حادوا عنه” ماير، نفسه، ص53.

[8]. سكولي، م، س، ص98-691.

[9]. المرجع نفسه، ص82-679.

[10]. المرجع نفسه، ص90-682.

[11]. راجع على سبيل المثال. 

ABDULLAHI AHMAD AN-NA’IM, TOWARD AN ISLAMIC REFORMATION: CIVIL LIBERTIES, HUMAN RIGHTS AND INTERNATIONAL LAW (1990); Abdullahi Ahmed An-Na’Im, The Rights of Women and International Law in the Muslim Context, 9 WHITTIER L. REV. 491 (1987) [hereinafter Rights of Women];

النعيم، م، س، إحالة 1، ص46-521.

[12] راجع على سبيل المثال: 

See, e.g., An-Na’Im, Rights of Women, supra note 10; ANN ELIZABETH MAYER, ISLAM AND HUMAN RIGHTS: TRADITION AND POLITICS 97-130 (1999).

[13] راجع على سبيل المثال: النعيم، م، س، إحالة1، ص24-25.

 [14] راجع على سبيل المثال: 

Donna E. Arzt, The Application of International Human Rights Law in Islamic States, 12 HUM. RTS. Q. 202, 208 (1990).

في مناقشته للحقوق الجنائية حالة الدفاع عن النفس والنعيم، م، س، إحالة 1، ص22-23. عن العبودية والمرجع، ص23 عن حرية التعبير والمرجع نفسه، ص24-25 عن عدم التمييز.

[15]. إن مقاربة النعيم مثيرة للجدل وخصوصا؛ لأنه يدعو إلى توسيع مجال الاجتهاد “لتمكين الفقهاء المسلمين المعاصرين… من استبدال النصوص التي تم إعمالها سابقا بنصوص أكثر عمومية من القرآن والسنة على الرغم من الطبيعة الصريحة تلك النصوص المستبدلة” النعيم، م، س، إحالة 1، ص49. وراجع أيضا الإحالتين اللاحقتين رقم 229 و231 ويدافع النعيم عن هذه المنهجية على أساس أن “القاعدة المستنبطة والجديدة ستكون مؤسسة أيضا على القرآن أو السنة وإن كان الأمر مبنيا على تأويل جديد للنص” نفس المرجع. إلا أنه سلم بأن هذا الرأي سيلقى لا محالة مقاومة. نفسه، ص51.

[16].Tewfik Hakem, Les Députés Marocain sont Adopté à l’unanimité l’égalité juridique entre hommes et femmes, LE MONDE, Jan. 19, 2004, at 4.

[17].Abdullahi A. An-Na’im, Human Rights and the Challenge of Relevance: The Case of Collective Rights, in THE ROLE OF THE NATION-STATE IN THE 21ST CENTURY: HUMAN RIGHTS,INTERNATIONAL ORGANIZATIONS, AND FOREIGN POLICY 7 (Monique Castermans-Holleman et al. eds, 1998).

[18].Jason Morgan-Foster, A New Perspective on the Universality Debate: Reverse Moderate Relativism in the Islamic Perspective, 10 ILSA J. INT’L & COMP. L. 35 (2003). Cf. Dianne Otto, Rethinking the “Universality” of Human Rights Law, 29 COLUM. HUM. RTS. L. REV. 1 (1997)

[hereinafter Rethinking Universality] (advocating a post-structural, transformative approach to the human rights paradigm); Dianne Otto, Everything Is Dangerous: Some Post structural Tools for Rethinking the Universal Knowledge Claims of Human Rights Law, 5 AUSTL. J. HUM. RTS. 17. (1999); Dianne Otto, Rethinking Universals: Opening Transformative Possibilities in International Human Rights Law, 18 AUSTL. Y.B. INT’L L. 1 (1997).

[19].Marcel A Boisard, On the Probable influence of Islam on Western Public and International Law, 2 INT’L J. MIDDLE E. STUD. 429 (1980).

[20]. هذا الاستدلال جديد في الشريعة الإسلامية لأن فكرة استفادة القانون الدولي من الشريعة الإسلامية فكرة غائبة كليا في الدراسات الغربية. تقول ماير “لقد تم التعامل مع الشريعة الإسلامية والفكر الإسلامي بوصفهما مجالين غير مهمين من قبل الدارسين للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإن دراسة المنتوج الغربي حول حقوق الإنسان الذي كتبه علماء متخصصون لن تظهر أي إشادة لإمكانية استفادة القانون الدولي من الشريعة، كما لن تظهر أي اهتمام بالسياق التاريخي السابق على الأفكار الغربية” ماير، م، س، إحالة 6، ص46.

[21].Robert Cover, Obligation: A Jewish Jurisprudence of the Social Order, 5 J.L. & RELIGION 65, 73 (1987).

[22] المرجع نفسه، ص71.

[23] المرجع نفسه.

[24] المرجع نفسه، ص73.

[25] المرجع نفسه.

[26] المرجع  نفسه.

[27].STEINER & ALSTON, supra note 4, at 365.

[28].Cover, supra note 20, at 66.

[29] المرجع نفسه، ص65.

[30].HODGSON, supra note 3, at 41-60.

[31]. حتى الوسائل فهي أكثر تشابها مما هو سائد. والواجبات في تعريفها الجوهري هي التسليم؛ أي تنازل الفرد عن استقلاليته لصالح منفعة أعم. والتنازل عن “جزء من… الاستقلالية لصالح الأمن الجماعي” والعقد الاجتماعي هو أساس النموذج المؤسس على الحقوق. كوفر، م، س، إحالة 20، ص66.

[32].MASHOOD A. BADERIN, INTERNATIONAL HUMAN RIGHTS AND ISLAMIC LAW 40 (2003).

[33] المرجع نفسه، ص43.

[34].Jack Donnelly, Ethics and International Human Rights, in ETHICS & INTERNATIONAL AFFAIRS: EXTENT AND LIMITS 128, 134 (Jean-Marc Coicaud & Daniel Warner eds., 2001).

[35].HODGSON, supra note 3, at 7.

[36].DAVID SELBOURNE, THE PRINCIPLE OF DUTY 100 (2001) (citing ARISTOTLE, VIII(i) THE POLITICS 1337a (T.A. Sinclair trans, 1962)).

. المرجع نفسه، ص162.[37]

[38].HODGSON, supra note 3, at 8.

[39] المرجع نفسه والعبارة لأرسطو من كتاب السياسة، ص1253.

[40] المرجع نفسه، ص9.

[41].SELBOURNE, supra note 35, at 94.

[42] المرجع نفسه، ص110.

[43] المرجع نفسه.

[44] المرجع نفسه.

[45].HODGSON, supra note 3, at 10.

[46] المرجع نفسه، ص11.

[47] المرجع نفسه، ص10.

[48] المرجع نفسه، ص11 والنص مأخوذ من موسوعة الفلسفة، ص112، 1967.

[49] راجع الإحالتين اللاحقتين رقم: 239 و 243 والنصوص المرفقة.

[50].HODGSON, supra note 3, at 12.

[51] المرجع نفسه، ص12.

[52] المرجع نفسه.

[53].HODGSON, supra note 3, at 13.

[54] المرجع نفسه، ص14-15.

[55].SELBOURNE, supra note 35, at 162 (citing T. HOBBES, LEVIATHAN, Ch. XVIII (1651).

أو كما أشار توماس مور من قرن مضى إلى أن “كل القوانين قد دونت لمقصد واحد هو أن يتذكر كل إنسان واجبه” نفسه، ص162 نقلا عن:

MORE, II UTOPIA Ch. 7 (1516) (R. Robinson trans., n.d.).

[56].HODGSON, supra note 3, at 15-16.

[57] المرجع نفسه، ص17-19.

[58] المرجع نفسه، ص19.

[59].SELBOURNE, supra note 35, at 260 (citing J.J. ROUSSEAU, THE SOCIAL CONTRACT (C. Frankel trans., 1947); at Bk. III, Ch. 15)).

[60].HODGSON, supra note 3, at 22-23.

[61].SELBOURNE, supra note 35, at 178 (citing J.S. MILL, ON LIBERTY 150 (1859)).

[62] المرجع نفسه، ص252 نقلا عن:  

J.S. MILL, CONSIDERATIONS ON REPRESENTATIVE GOVERNMENT 50 (Harper 1962) (1862)).

[63]Ben Saul, In the Shadow of Human Rights: Human Duties, Obligations, and Responsibilities, 32 COLUM. HUM. RTS. L. REV. 565, 584 (2001) (citing MILL, supra note 60, at 50).

[64]JOSEPH MAZZINI, THE DUTIES OF MAN AND OTHER ESSAYS 74 (Ella Noyes trans., 1907), cited in SELBOURNE, supra note 35, at 53.

[65] المرجع نفسه، ص81.

[66]HODGSON, supra note 3, at 24-25.

[67]. إن اعتبار الحقوق الفردية نوعا من الأوراق الرابحة بواسطتها يستطيع الأفراد وضع حدود على الفعل الاجتماعي جعل الفيلسوف القانوني المريكي “رونالد دووركن” يغير معنى الحقوق في ذاتها وبعبارة اميتاي إتزيوني، فإن القول “أنني أستطيع أن أفعل ما أريد ما دمت لا أعتدي على الآخرين” تحول إلى “أستطيع أن أفعل ما أريد لأنه من حقي أفعل ذلك”.

HODGSON, supra note 3, at 209-211 (citing AMITAI ETZIONI, THE SPIRIT OF COMMUNITY 8 (1995)).

[68] العبارة من وضع دافيد سيلبورن.

SELBOURNE, supra note 35 passim.

[69]MARTINEZ REPORT, supra note 4, 20-29.See also STEINER & ALSTON, supra note 4, at323. But see Saul, supra note 62, at 565, 588-91.

حيث يرى أن الاعتراف بمفهوم الواجبات في النظرية القانونية الغربية بقي اعترافا واضحا في القانون الدولي للحقوق، وهذا الرأي مبني فقط على المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى بعض الإحالات في ديباجة المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية، وكذا المعاهدة الدولية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

[70]Joseph Raz, Legal Rights, 4 OXFORD J. LEG. STUD. 1, 5 (1984).See also Joseph Raz, On the Nature of Rights, 93 MIND 194, 195 (1984).

[71]CARL WELLMAN, REAL RIGHTS 263 (1995).

[72] المرجع نفسه.

[73] المرجع نفسه، ص86-183.

 [74] راجع على سبيل المثال:

H.L.A. HART, ESSAYS ON BENTHAM 182-86 (1982).

[75]HODGSON, supra note 3, at 61-84.

[76]THE INDIVIDUAL’S DUTIES TO THE COMMUNITY AND THE LIMITATIONS ON HUMAN RIGHTS AND FREEDOMS UNDER ARTICLE 29 OF THE UNIVERSAL DECLARATION OF HUMAN RIGHTS:A CONTRIBUTION TO THE FREEDOM OF THE INDIVIDUAL UNDER LAW, STUDY PREPARED BY ERICAIRENE DAES, SPECIAL RAPPORTEUR OF THE SUB-COMMISSION ON PREVENTION OF DISCRIMINATION AND PROTECTION OF MINORITIES, U.N. Doc. E/CN.4/Sub.2/432/Rev.2 (1983).

[77] المرجع نفسه، ص29.

[78] لمراجعة الصياغات المختلفة التي دار حولها النقاش في لجنة الصياغة، راجع:

DAES STUDY, supra note 73, 11-25.

[79].MARTÍNEZ REPORT, supra note 4, 48. Article 29 of the U.D.H.R

جاء فيه: على كل واحد واجبات نحو الجماعة حيث يكون تطوير شخصيته فيها بحرية ممكنا.

Universal Declaration of Human Rights, G.A. Res. 217 (III), U.N. GAOR, 3d Sess., at 76, U.N. Doc A/810 (1948). “

[80].Id. at 12, 49-52.

[81].INTER-ACTION COUNCIL, A UNIVERSAL DECLARATION OF HUMAN RESPONSIBILITIES (Sept. 1, 1997), http://www.interactioncouncil.org/udhr/declaration/udhr.pdf. For an alternative conception of what a list of international human duties might look like, see INTERNATIONAL COUNCIL OF HUMAN DUTIES, THE CARTA OF HUMAN DUTIES: A CODE OF ETHICS AND OF SHARED RESPONSIBILITIES, http://www.units.it/~ichd/(last visited Mar. 25,2005).

[81] راجع بصفة عامة:

Theodore Van Boven, A Universal Declaration of Human Responsibilities? In REFLECTIONS ON THE UNIVERSAL DECLARATION OF HUMAN RIGHTS, A FIFTIETH ANNIVERSARY ANTHOLOGY 73 (1998).

[83].Amnesty International, Muddying the Waters: The Draft “Universal Declaration of Human Responsibilities”: No Complement to Human Rights (1998), http://web.amnesty.org/library/%20Index/engIOR400021998.

[84].MARTÍNEZ REPORT, supra note 4, at n. 52 (listing specifically Amnesty International, the Carter Center, the International Commission of Jurists, and the International Federation of Human Rights).

[85].Saul, supra note 62, at 578.

[86]. المرجع نفسه، ص616.

[87].SELBOURNE, supra note 35, at 33-34.

حيث يرى أن نموذج الحقوق أكثر عرضة لسوء الاستعمال للحقوق ذاتها من أي تنفيذ لمبدإ الواجب.

[88].Marcel A. Boisard, Existe-t-il une conception islamique spécifique des droits de l’homme?, in ISLAM & DROITS DE L’HOMME 131, 132-33 (Emmanuel Hirsch ed., 1984) (translation by the author).

[89].FAZLUR RAHMAN, ISLAM & MODERNITY 32 (1982).

حيث يشيد بالأستاذ سنتيانا ونقل عنه بالحرف لكنه لم يورد مصدر الاقتباس.

[90].Azim Nanji, The Right to Development: Social and Cultural Rights and Duties to the Community, in PROCEEDINGS OF THE SEMINAR ON ISLAMIC PERSPECTIVES ON THE UNIVERSALDECLARATION OF HUMAN RIGHTS, 345, 346, UN Doc. HR/IP/SEM/1999/1 (PART II Sec. 2), (1999).

[91].Cairo Declaration on Human Rights in Islam, Nineteenth Islamic Conference of Foreign Ministers, UN Doc. ST/HR/1/Rev.5 (Vol. II) (Aug. 5, 1990).

[92].Rome Declaration on Human Rights in Islam, World Symposium on Human Rights in Islam (Feb. 27, 2000), reprinted in ABDULAZIZ OTHMAN ALTWAIJRI, HUMAN RIGHTS IN ISLAMIC TEACHINGS, http://www.isesco.org.ma/pub/Eng/humanrights/page8.htm (website of the Islamic Educational, Scientific, and Cultural Organization, last visited Mar. 25, 2005). The second principle reads: “Necessity to link rights with obligations through a concept based on a balance between man’s functions and his needs to construct a family and society and populate the earth in a way that would not run counter to Allah’s Will.”

[93].Universal Islamic Declaration on Human Rights, Preamble (Sept. 19, 1981), http://www.alhewar.com/ISLAMDECL.html (last visited 25 Mar. 2005).

[94]. المرجع نفسه في الإحالات الشارحة: أهمية الواجبات الفردية للجماعة في الشريعة الإسلامية قد تم التركيز عليها من قبل الكثير من الشراح. راجع على سبي المثال:

MAYER, supra note 6, at 59-65.

[95].Saul, supra note 62, at 602-616.

[96] المرجع نفسه، ص599.

[97] راجع الإحالتين: 81 و85.

[98].STEINER & ALSTON, supra note 4, at 361-62.

[99].Selbourne, supra note 35, at 188-89

[100] راجع على سبيل المثال:

Louis B. Sohn, The New International Law: Protection of the Rights of Individuals Rather Than States, 32 AM. U.L. REV. 1, 48-62 (1982).

[101].DAVID J. BEDERMAN, INTERNATIONAL LAW FRAMEWORKS 95-96 (2001).

الجيل الأول من الحقوق هي الحقوق المدنية والسياسية مثل: “التحرر من العبودية والتعذيب والحق في الاعتراف والمساواة أمام القانون، والتحرر من الاعتقال التعسفي، وضمان السير العادل للمحاكمة، واحترام حقوق العبادة والتعبير”، المرجع نفسه، ص95-96. والجيل الثاني من الحقوق هي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومن ضمنها: “الحق في العمل، والحق في الراحة، والمشاركة في الحياة الثقافية”، المرجع نفسه، ص96.

[102]. راجع المصادر في الإحالة رقم 4. وبالفعل فإنه ولهذا السبب بالضبط تكون حقوق التآزر الموضوع الأمثل للنظرية النسبية العكسية.

[103].Flinterman, Three Generations of Human Rights, in INDIVIDUALS & COLLECTIVITIES, supra note 5, at 77.

[104].KarelVasak, Pour une troisième génération des droits de l’homme, in STUDIES AND ESSAYS ON INTERNATIONAL HUMANITARIAN LAW AND RED CROSS PRINCIPLES 837, 839 (Christophe Swinarski ed., 1984).

[105].Stephen P. Marks, Emerging Human Rights: A New Generation for the 1990s? 33 RUTGERS L. REV. 435, 441 (1981).

[106].Carl Wellman, Solidarity, the Individual, and Human Rights, 22 HUM. RTS. Q. 639 (2000). For additional treatments of third generation solidarity rights, see generally INDIVIDUALS & COLLECTIVITIES, supra note 5. See also Marks, supra note 104; Jack Donnelly, Third GenerationRights, in PEOPLES AND MINORITIES IN INTERNATIONAL LAW 119 (Catherine Brölmann et al. eds., 1993); Douglas Sanders, Collective Rights, 13 HUM. RTS. Q. 368 (1991).

[107].Marks, supra note 104

حيث يقترح حقوقا أخرى للجيل الثالث مثل الحق في الغذاء والحق في المساعدة الإنسانية والحق في إشباع الحاجيات الأساسية والحق في نزع السلاح.

[108]. اقترح فاساك أيضا الحق في التواصل والحق في ملكية التراث الإنساني المشترك.

Vasak, supra note 103, at 842.

[109].African Charter on Human and Peoples’ Rights, art. 22(1), opened for signature 27 June 1981, entered into force 21 Oct. 1986, O.A.U. Doc. CAB/LEG/67/3 Rev. 5, reprinted in 21 I.L.M.58 (1982) [hereinafter Africain Charter].

[110].KebaM’Baye, Le droit au développement comme un droit de l’homme, 5 REVUE DES DROITS DE L’HOMME 503 (1972).

[111].G.A. Resolution 41/128 (Dec. 4, 1986).

[112].James C.N. Paul, The United Nations and the Création of an International Law of Développent, 36 HARV. INT’L L.J. 309-10, 312 (1995).

[113]. خلاصات القمة الدولية للنمو الاجتماعي. مسودة الإعلان ومسودة برنامج العمل ومراجعة الالتزامات الدولية الحالية حول الفقر والتشغيل والاندماج الاجتماعي.

 U.N. Doc. A/Conf.166/PC/16 at  259 (1994).

[114].Stockholm Déclaration of the United Nations Conférence on the Human Environnement, Principle 1, adopted June 16, 1972, U.N. Doc. A/CONF. 48/14/Rev.1, reprinted at 11 I.L.M. 1416 (1972) [hereinafter Stockholm Déclaration].

[115].Wellman, supra note 105, at 646-48.

[116].Stockholm Déclaration, supra note 113.

[117].African Charter, supra note 108, art. 24:

“لكل الشعوب الحق في بيئة مناسبة للتنمية”.

[118].World Charter for Nature, adopted 28 Oct. 1982, G.A. Res. 37/7 (Annex) U.N. GAOR, 37th Sess., Supp. No. 51, at 17, U.N. Doc. A/37/51 (1982), reprinted in 22 I.L.M. 455 (1983).

[119].Additional Protocol to the American Convention on Human Rights in the Area of  Economic, Social and Cultural Rights “Protocol of San Salvador,” art. 11, opened for signature 17 Nov. 1988, O.A.S.T.S. No. 69, reprinted in 28 I.L.M. 161 (1989) (“[E] veryone shall have the right to live in a healthy environnement.”).

[120].Sohn, supra note 99, at 57 (citing U.N. Commission on Human Rights Res. 5(XXXII), 60 U.N. ESCOR Supp. (No. 3) at 62, U.N. Doc. E/5768 [E/CN.4/1213] (1976)).

[121].Wellman, supra note 105, at 648-49.

[122] المرجع نفسه، ص684.

[123].Further promotion and encouragement of human rights and fundamental freedoms, including the question of a long-term programme of work of the Commission, ESCOR Res. 5 (XXXII), at ¶1, Report of the Thirty-Second Session of the Economic and Social Council, 60 U.N. ESCOR Supp. No. 3, at 60-62, U.N. Doc. E/CN.4/1213 (1976) (“[E]veryone has the right to live in conditions of international peace and security and fully to enjoy economic, social and cultural rights and civil and political rights.”).

[124].Déclaration on the Preparation of Societies for Life in Peace, adopted 15 Dec. 1978, G.A. Res. 33/73, U.N. GAOR, 33rd Sess., 85th plen. mtg, U.N. Doc. A/Res/33/73 (1978) (“Every nation and every human being… has the inherent right to life in peace.”).

[125].Declaration on the Right of Peoples to Peace, adopted 12 Nov. 1984, G.A. Res. 39/11, U.N. GAOR, 39th Sess., 57th plen. mtg., U.N. Doc.A/Res/39/11 (1984).

[126].Wellman, supra note 105, at 649.

[127].Sohn, supra note 99, at 57-58.

[128].Wellman, supra note 105, at 643.

. المرجع نفسه.[129]

[130] المرجع نفسه، ص642-643.

[131].Koo VanderWal, Collective Human Rights: A Western View, in INDIVIDUALS & COLLECTIVITES, supra note 5, at 83; Jack Donnelly, Human Rights, Individual Rights and CollectiveRights, in INDIVIDUALS & COLLECTIVITES, supra, at 39, 43-54; Peter R. Baehr, Human Rights andPeoples’ Rights, in INDIVIDUALS & COLLECTIVITES, supra, at 99; Theo van Boven, Human Rightsand Rights of Peoples, 6 EUR. J. INT’L. L. 461, 470-72 (1995).

حتى وإن كان النعيم يتبع المنهجية النسبية العكسية ويناقش إمكانية العالمية للحقوق الجمعية فإنه يتناول هذه الحقوق تقريبا من داخل الحقوق وليس من داخل الواجبات الفردية.

Abdullahi A. An-Na’im, Human Rights and the Challenge of Relevance: The Case of Collective Rights, supra note 16.

[132].Wellman, supra note 105, at 652.

[133].COLLOQUES DE RIYAD, DE PARIS, DU VATICAN, DE GENEVE, ET DE STRASBOURG SUR LE DOGME MUSULMAN ET LES DROITS DE L’HOMME EN ISLAM: ENTRE JURISTES DE L’ARABIE SAOUDITE ET EMMINENTS JURISTES ET INTELLECTUELS EUROPEENS 109, 132-34 (Beyrouth, Dar Al- KitabAllubnani, n.d.) [hereinafter COLLOQUES] (translation by the author).

[134] المرجع نفسه.

[135] في كل إشارة للنبي محمد فإنني أصلي وأسلم عليه (المؤلف).

[136].Many of these are reproduced in Dr. Amina Muhammad Nasir, Islam and the Protection of the Environment, 13 ISLAM TODAY 67 (1995).

[137] المرجع نفسه، ص68.

[138] المرجع نفسه، ص87-96.

 [139] المرجع نفسه، ص84-85.

Nanji, supra note 89, at 355.

[140].Nasir, supra note 135, at 83-84.

[141]. محمد هيثم الخياط، صحة البيئة من منظور إسلامي، 1998، سلسلة الدروس الحسنية، ص165-152.

[142] المرجع نفسه.

[143]. تجدر الإشارة أيضا إلى أهمية النظافة الفردية. في حديث رواه أبو مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الطهارة شطر الإيمان”.

Nasir, supra note 135, at 100

ويركز ناصر على أن الإسلام “يربط الإيمان بالنظافة. وبعض أركان الإسلام مثل الصلاة والحج لا يمكن القيام بها إلا في حالة من الطهارة حيث الاغتسال بالماء الطاهر الخالي من أي ملوثات وهذا الركن من أركان الإيمان وأخرى مثله تعلمنا حماية الموارد المائية من التلوث”، المرجع نفسه، ص99-100.

[144]. الخياط، م، س، إحالة رقم: 140، ص165-166.

[145] المرجع نفسه، ص66.

[146].Nanji, supra note 158, at 356 (citing Qur ‘anicayah 6:141).

[147]. المحلى بالآثار، 9/264.

[148]. الخياط، م، س، إحالة رقم: 140، ص166.

[149]. المرجع نفسه، وراجع أيضا: محمد طه صابونجي، الإسلام والبيئة، 1991، سلسلة الدروس الحسنية، 68، 73؛ حيث أشار إلى أن النبي “حرم قطع الأشجار بدون سبب، وحرم حرق أشجار العدو” وقال صابونجي إن “الإسلام حرم تشويه الطبيعة ودعا إلى نظافتها”.

[150]. الخياط، م، س، إحالة 140، ص166.

[151] المرجع نفسه.

[152]. صحيح مسلم 1/390، عن أبي ذر.

[153]. الحديث من رواية أنس بن مالك، نقلا عن قتيبة عن أبو عوانة عن قتادة.

Nasir, supra note 135, at 96.

[154].Nasir, supra note 135, at 73

 المرجع نفسه، ص82، والجدير بالذكر أن حق الملكية في الشريعة الإسلامية ليس حقا مطلقا، ولكنه “نوع من الاستخلاف من المالك الحقيقي وهو الله ولهذا ينبغي للإنسان وهو يستخدم هذا الحق أن يحترم الهدف والحكمة اللذين جعله الله مستخلفا لأجلهما” ص[155]. ولمناقشة مفهوم الاستخلاف راجع الإحالات اللاحقة رقم: 239-243.

[156].Nanji, supra note 89, at 355

حيث أورد الآية 14 من سورة يونس: ﴿ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون﴾ الآية: 14.

[157].Sabounji, supra note 147, at 73.

[158].Nasir, supra note 135, at 82.

[159].Jose Abraham, An Ecological Reading of the Qur’anic Understanding of Creation, BANGALORE THEOLOGICAL FORUM, Vol. XXXIII, No. 1 (2001), http://www.religiononline. org/showarticle.asp?title=1632 (citing Abd-al-Hamid, Exploring the IslamicEnvironmental Ethics, ISLAM AND THE ENVIRONMENT 47-48 (A.R. Agwan, ed. 1997)) (last visited April 25, 2005).

[160].RAHMAN, supra note 88, at 19.

[161].AzimNanji, The Right to Development: Social and Cultural Rights and Duties to the Community, paper submitted to United Nations Seminar “Enriching the Universality ofHuman Rights: Islamic Perspectives on the Universal Declaration of Human Rights,” UN Doc. HR/IP/SEM/1999/1 (PART II Sect. 2), at 345 (Mar. 15, 1999).

[162].Nanji, supra note 158, at 345 (citing Qur ‘anicayah 2:177).

[163]. محمد الحبيب بلخوجة، الإنسان في الإسلام دعامة التنمية الشاملة وغاياتها، نص الدروس الحسنية الرمضانية لعام (1415ﻫ/1995م)، ص196-197.

[164].Declaration on the Right to Development, supra note 110, at Art. 2.1, 3.1.

[165].Id. at Art. 2.1.

[166].MOHAMMAD HASHIM KAMALI, PRINCIPLES OF ISLAMIC JURISPRUDENCE 217 (1991); Morgan-Foster, supra note 17, at 49-53.

[167] الحديث كما أورده بلخوجة، أخرجه البزار والطبراني بإسناد حسن عن ابن مالك. راجع إحالة: 159، ص198.

[168]Mohammad Ammara, The Vicegerency of Man, 13 ISLAM TODAY 59, 62 (1995).

[169]JOHN L. ESPOSITO, ISLAM THE STRAIGHT PATH 89 (3d ed. 1998).

[170] إدريس علوي عبدلاوي، أي منظور إسلامي لأسس العلاقات الدولية، ص115.

[171] المرجع نفسه، ص224.

[172] المرجع نفسه.

[173] محمد يسف، سلسلة الدروس الحسنية لعام ( 1435ﻫ/2014م) مضمون درس المجتمع المدني في خدمة القيم الدينية.

[174] لمناقشة مصنفات الحديث ودورها في الشريعة الإسلامية راجع الإحالات اللاحقة رقم: 222-224.

[175] الحديث لابن أبي شيبة، يسف، م، س، ص215.

[176].ESPOSITO, supra note 166, at 88.

[177].Abbas Al Jirari, The Concept of Coexistence in Islam, 14 ISLAM TODAY 14, 28 (1996)

[178] يسف، م، س، ص222-224.

[179] المرجع نفسه.

[180].Marks, supra note 104, at 441 (citing Karel Vasak, unpublished source).

[181] يسف، م، س، ص223.

[182].Al Jirari, supra note 174, at 43.

[183] المرجع نفسه، ص44.

[184].COLLOQUES, supra note 132, at 252. (citing Qur’anic ayah 8-9 :60).

[185].Al Jirari, supra note 174, at 44 (citing UN Charter, supra note 121, at Art. 51).

[186] سلسلة محاضرات دينية بحضور ملك المغرب خلال شهر رمضان.

[187].Abdallaoui, supra note 167, at 216.

[188].Al Jirari, supra note 174, at 14.

[189].Abdallaoui, supra note 167, at 224 (citing Qur’anicayah 49:13). See also Al Jirari, supranote 174, at 22-23.

[190].Al Jirari, supra note 174, at 24 (citing Qur’anicayah 11:118-19).

[191] المرجع نفسه، (22:30).

[192] المرجع نفسه.

[193]. Abdallaoui, supra note 167, at 239.

[194] نفسه، ص204.

[195].Paula Donnolo and Kim K. Azzarelli, Essay: Ignoring the Rights of Children: A Perspective on America’s Failure to Ratify the United Nations Convention on the Rights of the Child, 5J.L. & POL’Y 203 (1996); Julia Ernst, U.S. Ratification of the Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination Against Women, 3 MICH. J. GENDER & L. 299 (1995). In other cases, human rights treaties have been ratified but severely limited by reservations, understandings, and declarations. See Timothy K. Kuhner, Note, Human Rights Treaties in U.S. Law: The Status Quo, Its Underlying Bases, and Pathways for Change, 13 DUKE J. COMP. & INT’L L. 419 (2003).

[196].Report of the Mission of the United States of America on the Issue of Violence Against Women in State and Federal Prisons, addendum toREPORT OF THE SPECIAL RAPPORTEUR ONVIOLENCE AGAINST WOMEN, ITS CAUSES AND CONSEQUENCES, MS. RADHIKA COOMARASWAMY, INACCORDANCE WITH COMMISSION ON HUMAN RIGHTS RESOLUTION 1997/44, 9, UN Doc.E/CN.4/1999/68/Add.2 (1999)

حيث يصف التقرير كيف أن إدارة سجن ولاية فيرجينيا ومتشيكن رفضت المقرر الأممي الخاص من زيارة سجن النساء.

[197].Ibrahim KafiDounmez, Muslim Scholars’ attitude Towards the Meaning of Duty, 1990 THE HASSANIAN LECTURES 287; RAHMAN, supra note 88, at 14.

[198]. إنه أمر حاسم أن نميز بأن هذا العنصر الثالث يهم الدولة وليس الفرد. إن ضعف آليات التنفيذ لا تؤثر في عدم قدرة القانون الدولي لحقوق الإنسان على تنفيذ الوجبات الفردية. إن غياب آلية التنفيذ الملزم مشكل كبير ويشبه مشكل تنفيذ الحقوق الفردية. وإن غياب لغة الواجبات راجع بالأحرى إلى أن القانون الدولي اختار الحقوق وليس الواجبات ليكون المصطلح المؤسس لنموذجه المعرفي.

[199].Flinterman, supra note 102, at 78-79.

[200].Philip Alston, Conjuring Up New Human Rights: A Proposal for Quality Control, 78 AM. J. INT’L L. 607 (1984); Otto, Rethinking Universality, supra note 17, at 38-39; Sohn, supra note 99, at 62; Wellman, supra note 105, at 649-56; Nsongurua J. Udombana, Articulating the Right to Democratic Governance in Africa, 24 MICH. J. INT’L L. 1209, 1226-28 (2003).

[201].Otto, Rethinking Universality, supra note 17, at 38.

[202].Sohn, supra note 99, at 62.

[203].Wellman, supra note 105, at 651.

[204].supra notes 16-17

[205].An-Na’im, supra note 15, at 16.

[206].Flinterman, supra note 102, at 79.

[207].Kenneth Roth, Defending Economic, Social and Cultural Rights: Practical Issues Faced by an International Human Rights Organization, 26 HUM. RTS. Q. 63 (2004) [hereinafter Defending Rights]; Leonard S. Rubenstein, How International Human Rights Organizations Can Advance Economic, Social, and Cultural Rights: A Response to Kenneth Roth, 26 HUM. RTS.Q.. 845 (2004); Kenneth Roth, Response to Leonard S. Rubenstein, 26 HUM. RTS. Q. 873 (2004).

[208].Roth, Response to Leonard S. Rubenstein, supra note 204.

[209].supranote 21 and accompanying text and infra Part V(e).

[210].Otto, Rethinking Universality, supra note 17, at 42 (characterizing the critiques of Michel Foucault and Carol Smart).

[211].Id. at 43 (citing MICHEL FOUCAULT, POWER/KNOWLEDGE 108 (1980)).

[212].Flinterman, supra note 102, at 79. See also Sohn, supra note 99, at 62.

[213].Sohn, supra note 99, at 63-64.

[214].Flinterman, supra note 102, at 77.

[215] المرجع نفسه.

[216] المرجع نفسه، ص78.

[217].Vasak, supra note 103, at 839.

[218].IrshadAbdal-Haqq, Islamic Law: An Overview of its Origin and Elements, 1 J. ISLAMIC L. 1, 3 (1996).

[219].Id. at 5; BADERIN, supra note 31, at 33-34.

[220].Abdal-Haqq, supra note 215, at 7-11.

[221].Id. at 6-7.

يستعمل مصطلح السنة عادة ليعني الحديث، إلا أنهما في الواقع مختلفان، فالحديث يعني خصوصا ما قاله النبي، في حين تشير السنة إلى عمل النبي بما في ذلك أقواله وأفعاله ومواقفه وأحكامه. وعليه، فإن الحديث اصطلاحا يمثل جزءاً من السنة ما دامت أقوال النبي جزء من أعماله ونمط حياته. المرجع نفسه، ص21-22.

[222] المرجع نفسه، ص19-21.

[223] المرجع نفسه، ص21.

[224] نفسه، ص27.

[225].Id. at 8-10, 21-25; BADERIN, supra note 31, at 35-36.

[226].Abdal-Haqq, supra note 215, at 22-23, 29.

[227] المرجع نفسه، ص23 و29.

[228] المرجع نفسه، ص30-35 و44.

[229] المرجع نفسه، ص44-54.

[230] المرجع نفسه، ص26-28.

[231].Abdal-Haqq, supra note 215, at 17, 30.

[232] نفسه، ص16-17 و 36-37.

[233].Wael B. Hallaq, Was the Gate of Ijtihad Closed?, 16 INT’L J. MIDDLE EAST STUD. 3 (1984), reprinted in LAW AND LEGAL THEORY IN CLASSICAL AND MEDIEVAL ISLAM (Wael B. Hallaq ed., 1994); BADERIN, supra note 31, at 40.

[234].ABDULAZIZ OTHMAN ALTWAIJRI, HUMAN RIGHTS IN ISLAMIC TEACHINGS 15 (2000), available at http://www.isesco.org.ma/pub/Eng/humanrights/page4.htm.

[235] المرجع نفسه.

[236] المرجع نفسه.

[237].RAHMAN, supra note 88, at 14.

[238] في كتابه المعنون باقتدار: حقوق الإسلام وحقوق الإنسان: ضرورات لا حقوق، يشرح محمد عمارة أنه وبسبب الاعتقاد بالطبيعة المقدسة للحقوق، فإن الإسلام يعدها ضرورات ويضعها ضمن الواجبات”.

MUHAMMAD AMARA, ISLAM AND HUMAN RIGHTS: REQUISITE NECESSITIES RATHER THAN MERERIGHTS (Mimoun Mokhtari trans., 1996).

راجع أيضا:

Altwaijri, supra note 91, at 1920

يقول التويجري: “إذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد غطى حقوق الإنسان المعاصرة، فإن مفهوم الإسلام لحقوق الإنسان يتجاوز هذا الفارق الزمني باعترافه بها منذ أربعة عشر قرنا؛ حيث رفعها من مستوى الحقوق إلى مستوى الضروريات ومستوى الواجبات” وتشير جويل إنتيليس في بحثها:

International Human Rights: Islam’s Friend or Foe? Algeria as an Example of the Compatibility of International Human Rights Regarding Women’s Equality and Islamic Law, 20 FORDHAM INT’L L.J. 1251, 1290 (1997).

إلى أن الحقوق في الإسلام تعادل الواجبات في حق الله والآخرين وعليه فإن الحقوق لا توجد إلا بإزاء الواجبات التي تلزم الشريعة بها؛ أي أن الناس لا يحصلون على الحقوق إلا إذا أدوا ما عليهم من واجبات” نقلا عن:

Donna E. Arzt, The Application of International Human Rights in Islamic States, 12 HUM. RTS.Q. 202, 205-06 (1990)).

[239].KAMALI, supra note 163, at 7. See also THE KORAN, 57:2 (N.J. Dawood trans, Penguin Books Ltd., 5th ed. 1999)

[240] نفسه، نقلا عن: عبد الكريم زيدان، الفرد والدولة في الشريعة الإسلامية، ص29.

[241] القرآن، “وإذ قال ربك إني جاعل في الأرض خليفة” الأيات.

[242].KAMALI, supra note 163, at 7.

[243].Nanji, supra note 89, at 346 (citing Qur ‘anicayah 2:30). See also id. at 353.

[244].THE KORAN, supra note 237, at 33:72-73. See also the hadith narrated by Al Bukhari and Muslim: “Verily, each one of you is a guardian (shepherd), and each guardian (shepherd) is responsible for his subjects (flock),” discussed in detail in Abbas Al Jirari, Responsibility in Islam, 1996 THE HASSANIAN LECTURES 141.

[245].Ridwan Al-Sayyid, Contemporary Muslim Thought and Human Rights, expert paper submitted to United Nations Seminar “Enriching the Universality of Human Rights: Islamic Perspectives on the Universal Declaration of Human Rights,” UN Doc. HR/IP/SEM/1999/1 (PART II Sect. 2), 253, 260 (Mar. 15, 1999).

[246].ESPOSITO, supra note 166, at 87-88.

[247].KAMALI, supra note 163, at 321-23.

[248].ENCYCLOPEDIA OF ISLAM, 790 (B. Lewis et al. eds., 1983).

[249].A notable exception is Al-Gazali’s classic work AL-MUSTASFA MIN ‘ILM AL-USUL, originally published 1322 of the Hijra. Ahmad Zaki Mansur Hammad, Abu Hamid Al- Ghazali’s Juristic Doctrine in Al-Mustasfa Min ‘Ilm Al-Usulwith a Translation of Volume One of Al-Mustasfa Min ‘Ilm Al-Usul (1987) (Ph.D. Dissertation, University of Chicago), available at http://www.ghazali.org/books/azhmd-p2.pdf [hereinafter AL MUSTASFA]. For an in-depth explanation of the five categories of Muslim duties, see id. at 351-56.

[250].ENCYCLOPEDIA OF ISLAM, supra note 246, at 790.

[251].KAMALI, supra note 163, at 324; AL-MUSTASFA, supra note 247, at 353.

[252].KAMALI, supra note 163, at 324 (citing prayer (salah) and the pilgrimage (hajj) as fardand performing salat al-’witr(three units of prayers to conclude the late evening prayer) and recitation of the sura al-fatihahas wajib).

[253] المرجع نفسه.

[254] المرجع نفسه.

[255]. ENCYCLOPEDIA OF ISLAM, op.cit.

[256].KAMALI, op.cit, supra note 163, at 325.

[257]. ENCYCLOPEDIA OF ISLAM, op.cit.

[258]. KAMALI,op.cit, supra note 163, at 325.

[259] المرجع نفسه.

[260]. المرجع نفسه، راجع أيضا:

Dounmez, supra note 194, at 280.

وارتباطا بهذا، فإن الغزالي ميز بين المضيق والموسع من الواجبات.

. ALMUSTASFA, supra note 247, at 361-65.

[261].KAMALI, supra note 163, at 325-26.

[262].Dounmez, supra note 194, at 280-81.

[263].KAMALI, supra note 163, at 36.

[264].Dounmez, supra note 194, at 281 See also KAMALI, supra note 163, at 326.

[265].Ipid, 194, at 283-84.

[266] المرجع نفسه، ص83.

[267] المرجع نفسه، ص82.

[268].STEINER & ALSTON, supra note 4, at 363-64

في مناقشته للحقوق الموجبة والسالبة في النظرية القانونية. ومفهوم الحقوق الموجبة والسالبة لم تبدأ مناقشته إلا مؤخرا في الغرب من قبل الأستاذ هودسون في كتابه الشامل حول الواجبات عام 2003. راجع:

HODGSON, supra note 3, at 36-37.

[269]. مثلا هناك نزاع بين حق إنسان ما في حرية التعبير وحق الآخر في الكرامة حال كون مضمون التعبير ماسا بالكرامة والحرمة الشخصية.

[270].Dounmez, op.cit, 194, at 286.

[271]. بدا الأستاذ هودسون في مناقشة التنازع بين الواجبات في كتابه حول الواجبات الذي صدر عام 2003. وخلال فحصه لإمكانية تراتبية معينة للواجبات، فقد درس أعمال كل من سيسرو وإبيكتيتوس ولوك التي تدافع عن نوع من التراتبية التنازلية اعتمادا على القرابة من صاحب المسؤولية. وعلى سبيل المثال، فإن لوك ناقش تراتبية الواجبات نحو النفس والأسرة والفقراء ممن يجاور صاحب الواجب إلى الواجبات نحو الأباعد.

HODGSON, supra note 3, at 35.

بالإضافة إلى ذلك فإن معادلة هودسون في حساب الواجب تعكس حساب اللامبالاة وهي العوامل المستعملة من القضاة في القانون المدني للحكم في النزاعات المدنية، تحاول على غرار الشريعة الإسلامية الرفع من التطور الاجتماعي من خلال اعتبار العوامل الأربعة: 1. الوضع الخاص للحاجة، 2. تكلفة القيام بالواجب، 3. القرابة، 4. درجة الحاجة. وهذا الحساب الهدف منه لدى هودسون هو الرفع من نفعية الواجب لصالح أكبر قدر من النفع العام. المرجع نفسه 34-35.

[272].RAHMAN, supra note 88, at 155.

[273].SELBOURNE, supra, note 35, at 178.

[274] المرجع نفسه، ص190.

[275] المرجع نفسه، ص192.

[276].See supra notes 239-243.

[277].SELBOURNE, supra note 35, at 115.

[278]. المرجع نفسه، ص178. وفي مكان آخر من كتابه يرى سيلبورن أن العقد الاجتماعي يختلف عن الشرعة  الدينية؛ لأن العقد الاجتماعي “حساب لمنفعة الفرد وليس القيمة الأخلاقية للواجبات التبادلية” المرجع نفسه، ص89. وفي الصفحة 106 نقرأ “في النظام المدني الحديث، فإن قيام المواطن بواجباته تكون بدافع المصلحة لتجنب العقاب”. غير أن هذا الرأي وإن كان وجيها في توصيف أحد خصائص العقد الاجتماعي إلا أنه مضلل لأن المصلحة الذاتية حاضرة أيضا في الشريعة الدينية؛ أي الطمع في  الجزاء الأخروي. 

[279].AL-MUSTASFA, supra note 247, at 353.

[280] المرجع نفسه، ص360.

Science
الوسوم

د. جاسون مورغان فوستر

دكتوراه في القانون، كلية القانون بجامعة متشيكن.

مستفيد من منحة فولبرايت للبحث في المغرب 2003-2004.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق