مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

التفسير الصوفي الإشاري من خلال نموذج لطائف الإشارات للقشيري (18)

 

ذ. عبد الرحيم السوني.

باحث بمركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك.      

و ــ أسباب النزول:

أما بالنسبة لأسباب النزول، فتعتبر من أهم الأدوات والوسائل التي يعتمد عليها القشيري في تفسيره، وإن كان لا يكثر في استعماله لها حيث نجده في كثير من الآيات لا يورد لها سببا لنزولها.

وهو حتى في الآيات التي يستشهد فيها بأسباب النزول نجده تارة يُفصّل فيها الكلام، وتارة أخرى يكتفي بالإشارة السريعة والعارضة، ومن ذلك تفسيره لقوله تعالى: ﴿أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا﴾[1]، حيث قال: «أخبر بقصة ذلك الكافر الذي قال بيمين من غير حجة: لأعطين مالا وولدا، ورأى أن يكون ليمينه تصديق»[2]. وعند قوله عز من قائل: ﴿وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين﴾[3]، يقول: «لما عيروا الرسول عليه الصلاة والسلام بقولهم: ما لهذا الرسول يأكل الطعام؟ أخبر أن أكل الطعام ليس بقادح في المعنى الذي يختص به الأكابر، فلا منافاة بين أكل الطعام وما تكنه القلوب والسرائر من وجوه التعريف»[4].

وأيضا قوله في الآية: ﴿قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا﴾[5]، حيث يقول: «إن الجن كانوا يأتون السماء فيستمعون إلى قول الملائكة، فيحفظونه، ثم يلقونه إلى الكهنة، فيزيدون فيه  وينقصون .. وكذلك كانوا في الفترة التي بين نبينا صلى الله عليه وسلم وبين عيسى عليه السلام. فلما بعث نبينا صلى الله عليه وسلم ورجموا بالشهب علم إبليس أنه وقي شيء ففر جنوده، فأتى تسعة منهم إلى بطن نخلة واستمعوا قراءته صلى الله عليه وسلم فآمنوا، ثم أتوا قومهم وقالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به»[6].

فهذه المواضع التي ذكرناها يأتي فيها القشيري بأسباب النزول بشيء من الإيجاز والاختصار، وهناك مواضع أخرى كثيرة في اللطائف[7].

لكنه في مناسبات أخرى يورد الأسباب بشيء من التفصيل، ومن ذلك تفسيره لقوله تعالى: ﴿لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعوك تحت الشجرة﴾[8]، حيث يقول: «وكانوا ألفا وخمسمائة، وقيل وثلاثمائة وقيل وأربعمائة. وكانوا قصدوا دخول مكة، فلما بلغ ذلك المشركين قابلوهم صادين لهم عن المسجد الحرام مع أنه لم يكن خارجا لحرب، فقصده المشركون، ثم صالحوه على أن ينصرف هذا العام، ويقيم بها ثلاثا ثم يخرج، وأن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا، وكان النبي قد رأى في منامه أنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين، فبشر بذلك أصحابه، فلما صدهم المشركون خامر قلوبهم شيء، وعادت إلى قلوب بعضهم تهمة حتى قال الصديق: لم يقل العام فسكنت قلوبهم بنزول الآية، لأن الله سبحانه علم ما في قلوبهم من الاضطراب والتشكك. فأنزل السكينة في قلوبهم، وثبتهم باليقين. ﴿وأثابهم فتحا قريبا﴾ هو فتح خيبر بعد مدة يسيرة، وما حصلوا عليه من مغانم كثيرة من خيبر، وقيل ما يأخذونه إلى يوم القيامة»[9].

 


[1] ـ سورة مريم، الآية: 77.

[2] ـ اللطائف، ج4، ص: 166.

[3] ـ سورة الأنبياء، الآية: 8.

[4] ـ اللطائف، ج4، ص: 166.

[5] ـ سورة الجن، الآية: 1.

[6] ـ اللطائف، ج6، ص: 205.

[7] ـ انظر مثلا قوله في الآية 5 من سورة الحشر ج6 ص: 126، وأيضا قوله في الاية 17 من سورة القلم ج6 ص: 187.

[8] ـ سورة الفتح، الآية: 18.

[9] ـ اللطائف، ج5، ص: 426ـ427.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق